وضع داكن
20-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 009 - فضل ليلة النصف من شعبان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإنسان مخير يختار طريق الإيمان أو طريق الكفر :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ رمضان شهر التقوى أطل علينا ، وسوف يكون الحديث في هذا اليوم إن شاء الله تعالى عن ليلة النصف من شعبان ، وعن مقدمة عن هذا الشهر الكريم، وقبل هذا وذاك لابد من مقدمة .
 كلكم يعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 الإنسان مخير يختار طريق الإيمان أو طريق الكفر ، طريق الإساءة أو طريق الإحسان ، طريق الطاعة أو طريق المعصية ، طريق الإقبال عن الله أو طريق الإعراض عنه ، قال تعالى :

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 الإنسان مخير هذا شيء ثابت ، ولولا هذا الاختيار لبطل الثواب والعقاب ، ولبطل الوعد والوعيد ، ولبطلت المسؤولية والتبعة ، والتغى التكليف ، ولأصبح حمل الأمانة عبثاً ، ولأصبح إرسال الرسل أيضاً لعباً ولهواً ، ولأصبح القرآن لا جدوى منه ، لو أن الله سبحانه وتعالى أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان نقصاً بالقدرة ، الإنسان مخير :

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 وهذه كل نكرة ، تشمل أي إنسان على وجه الأرض منذ أن خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة ، ولكل وجهة أي طريق هو موليها ، وهو الذي يكتسب الإثم إن كانت الطريق غير صحيحة ، أو يكتسب الأجر والثواب إن كانت صحيحة ، الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 معنى فاستبقوا الخيرات أنت الآن تنعم بحرية الاختيار ، تنعم بفرص النجاة ، أنت الآن تنعم بفرص السعادة ، أنت الآن في دار عمل ، أنت الآن في دار توبة ، أنت الآن في دار تصحيح ، أنت الآن في دار مغفرة , أنت الآن في دار مسابقة ، ومادام القلب ينبض فأنت في بحبوحة ، باب التوبة مفتوح ، باب المغفرة مفتوح ، باب الإصلاح مفتوح ، باب التقرب إلى الله مفتوح ، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ، أي هذه الوجهة التي يمكن أن توليها حيثما شئت ، هذه الوجهة لا تملكها دائماً تملكها بشكل مؤقت ، والدليل قوله تعالى :

﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[ سورة البقرة : 148]

 أي أيها الإنسان سارع ، سابق ، هلم إلى طاعة الله ، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما صعد المنبر وقال : آمين ، صعد الدرجة الثانية وقال : آمين ، صعد الدرجة الثالثة وقال : آمين ، وخطب وانتهت الخطبة وصلى بأصحابه ، بعض أصحابه قالوا : يا رسول الله علام أمنت ؟ أي لماذا قلت : آمين وأنت في الصعود إلى المنبر ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " رغم أنف عبد ذكرت عنه ولم يصلِّ عليّ فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟ "

 

الاستعداد لرمضان بالإكثار من العبادات في شعبان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ رمضان موسم من مواسم العبادة ، موسم من مواسم الذكر ، موسم من مواسم الإقبال ، موسم من مواسم الأعمال الصالحة ، موسم من مواسم القرآن ، إذاً الإنسان لا ينبغي أن تكون حاله مع الله في هذا الموسم بشكل اعتيادي ، لابد أن يجهد نفسه ليفوز بقصب السبق ، هناك نقطة دقيقة تصلنا إلى شهر شعبان ، أو إلى ليلة النصف من شعبان ، وهي أنه لابد من فترة تجريبية ، لابد من استعداد ، لابد من تحمية إن صح القول، فهذا الذي يبقى على ما هو عليه إلى أن يأتي أول رمضان ، هذا الجسم وهذه النفس لا تستطيع أن تقلع إقلاعاً مباشراً في أول يوم من أيام رمضان ، لذلك إذا انتبه الإنسان إلى قرب قدوم هذا الشهر الكريم في شهر شعبان ، وفرغ نفسه من بعض المشاغل ، واستعد للقاء الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ، لقاء الاتصال ، لقاء الاستغفار ، لقاء المحبة ، لقاء الشوق ، ربما وصل إلى أول رمضان وهو في وضع جيد ، أخذ وضعه المستقل ، وانطلق في هذا الشهر الكريم في صيام ، وقيام ، وذكر ، وعبادة ، وتلاوة ، وتدبر ، وعمل طيب ، يرضي الله عز وجل .
 الحقيقة موضوع ليلة النصف من شعبان ورد فيها شيء كثير ، لكن هذا الكثير أكثره غير صحيح ، ما صح من هذا الكثير هو أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))

[ النسائي عن أسامة بن زيد ]

 هذا الحديث ورد في الترغيب والترهيب عن رسول الله ، النبي عليه الصلاة والسلام كأنه يستعد لرمضان في الإكثار من العبادات في شعبان ، كأن هذه النفس تهيئ لتأخذ سرعتها القصوى في رمضان .

 

ما يفعله النبي و أصحابه استعداداً لشهر رمضان :

 شيء آخر ، عن أنس رضي الله عنه قال :

(( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظروا إلى هلال شعبان أكبوا على المصاحف يقرؤونها ، وأخرج الأغنياء زكاة أموالهم ليتقوى بها الضعيف والمسكين على صيام رمضان ، ودعى الولاة أهل السجن فمن كان عليه حد أقاموه عليه وإلا فخلوا سبيله ، وانطلق التجار فقضوا ما عليهم ، وقضوا ما لهم ، حتى إذا نظروا هلال رمضان اغتسلوا واعتكفوا))

[ كتاب الغنية عن أنس ]

 أي كأنني بهذا الشهر الكريم شهر شعبان جعله أصحاب النبي وجعله السلف الصالح استعداداً وتهيئةً لهذا الشهر الكريم من أجل أن تأخذ النفس استعدادها الأوفى للبدء بموسم من أطهر المواسم ، ومن أجلّ المواسم . حتى أن بعض العلماء كان يقرأ في هذه الليلة سورة ياسين على نية إطالة العمر في طاعة الله ، ويقرؤها ثانيةً على نية أن يحميه الله من بلاء الدنيا ، ويقرؤها ثالثاً على نية أن يغنيه الله عز وجل عن حاجة الناس ، هكذا فعل بعض العلماء ، ليس هذا من العبادة ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤثر هذا الدعاء الشريف :

(( اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))

[ الترمذي و ابن ماجه عن عائشة ]

 من أكثر الأدعية التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بها ما دامت هذه الليلة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ترفع فيها الأعمال ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يحيي هذه الليلة ويصوم النهار الذي يليها ، هذا من فعل النبي عليه الصلاة والسلام .
 شيء آخر : طبعاً قبل أن نقرأ الحديث ، ما ورد في بعض الكتب عن صلاة مخصوصة ، وعن دعاء مخصوص ، لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا لا أصل له ، الإنسان يبقى في حدود السنة الصحيحة ، هناك صلاة ألفية كما يقولون ، وهناك دعاء خاص ، هذا لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن دائماً نتقيد بالسنة ، ونتمنى أن يكون العمل خالصاً وصواباً ، خالصاً ابتغي به وجه الله ، وصواباً وافق السنة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام .

 

معالجة الإسلام القضايا التي تخص الإنسان معالجة تامة :

 طبعاً كلكم يعلم أن إحداث أي شيء في الدين هو بدعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ . . .))

[ مسلم والنسائي واللفظ له عن جابر]

 أي لو أننا فتحنا باب الإضافة على الدين في العقائد والعبادات لما بقي الدين ، لصار الدين شيئاً آخر ، لذلك الدين كما ورد عن الله عز وجل :

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[ سورة المائدة الآية: 3 ]

 أكملت لكم من حيث النوع ، وأتممت عليكم من حيث العدد ، إذاً جميع القضايا التي تعني الإنسان عالجها الدين أكمل معالجة ، ولا يستطيع مخلوق بعد النبي عليه الصلاة والسلام أن يضيف على هذا الدين شيئاً لأنه من عند الله ، قال تعالى :

﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾

[ سورة الحاقة : 44-47]

 أي هذا ما يعبر عنه العلماء ؛ النبي عليه الصلاة والسلام أمين وحي السماء ، هذه أمانة التبليغ التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام ، وهناك أمانة الأداء التي هي على عاتق العلماء أن يؤدوا هذا الدين إلى الناس كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون تبديل ، ولا تغيير ، ولا زيادة ، ولا حذف .
 أي شيء تفعله لم يرد عن رسول الله إن فعلته من باب الذكر ، من باب نوافل العبادات شيء مقبول ، أما إذا قلت هذا عبادة فلا ، إذاً :

((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ . . .))

[ مسلم والنسائي واللفظ له عن جابر]

الشيء الجديد في العقائد والعبادات بدعة أما من باب الذكر فهو من التطوع :

 الشيء الجديد في العقائد والعبادات بدعة ، أما لو أنك فعلت من باب الذكر ، والنوافل ، والصلوات ، وقراءة القرآن وما شاكل ذلك ولم تقل هذا من الدين فهذا من باب التطوع، من باب العمل الطيب ، هذا لا شأن لك به ، ولا ضير عليك به ، هذا الذي أقوله من أجل ألا يسمع الإنسان من أي شخص كلاماً لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول هذه الليلة، ليلة النصف من شعبان ، يجب أن نبقى في حدود السنة .

((عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ ؟ أَلا كَذَا ؟ أَلا كَذَا ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))

[ ابن ماجة عن علي ]

 إذاً هذه الليلة الإنسان له عند الله حاجة من حاجات الدنيا ، أو من حاجات الآخرة، يعلق عليها آمالاً عريضة عليه أن يدعو الله عز وجل لعل الله عز وجل يغنيه من فقر ، يعافيه من مرض ، يأمنه من خوف ، يهيئ له حياةً مستقرةً ، حياةً أسريةً سعيدةً ، يهيئ له إيماناً قوياً ، عملاً طيباً ، ذكراً حسناً ، إقبالاً على الله عز وجل ، هذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وورد أيضاً هذا الحديث في الترغيب والترهيب . وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( خمس ليالٍ لا ترد فيهن الدعوة ))

[ابن عساكر عن أبي أمامة]

اغتنام الأوقات التي خصها الله بالفضل :

 نحن في الخطبة قلنا : الله سبحانه وتعالى شاءت مشيئته أن يخص بعض الأوقات بالفضل مثلاً : من ساعات الليل خصّ الثلث الأخير ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 15-18]

 ربنا عز وجل خصّ وقت السحر بشيء خاص من التجلي ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

((لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 من أيام الأسبوع خصّ يوم الجمعة ، هذا الذي يأتي إلى صلاة الجمعة في الفوج الأول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 إذاً في يوم الجمعة ساعة استجابة ، إذا أصابها الإنسان أجاب الله دعوته ، أي أيها الإنسان كن طوال اليوم في حالة ذكر ودعاء وتلاوة قرآن ، لعل الله عز وجل ينالك بهذه الدعوة الطيبة ، الآن من أفضل أيام العام الأيام العشرة من ذي الحجة ، ومن أفضلها على الإطلاق يوم عرفة ، من أحبّ الأيام إلى الله ، هكذا شاءت مشيئة الله ، ماذا قال الله عز وجل؟ إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها .
 فمادام هذا اليوم ، أو هذه الساعة ، أو هذا الشهر ، أو هذا الأسبوع خصه الله بخصيصةٍ خاصة من قبل التجلي ، والتوفيق ، واستجابة الدعاء ، فعلى الإنسان أن يكون في الموقع الذي أراده الله عز وجل ، لذلك :

(( خمس ليلٍ لا ترد فيهن ؛ الدعوة أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الجمعة ، وليلة الفطر ، وليلة النحر ))

[ابن عساكر عن أبي أمامة]

الدعاء سلاح المؤمن :

 هذه الليلة من له عند الله حاجة ، من له قضية ، من يشكو قلة الرزق ، من يشكو وهناً في البدن ، من يشكو ضيقاً في العيش ، من يشكو تعسيراً في العمل ، عليه أن يدعو الله عز وجل ، وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من الدعاء ، ما من شيء أكرم على الله من الدعاء ، والدعاء سلاح المؤمن .

((عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا أَوْ قَالَ خَائِبَتَيْنِ))

[ ابن ماجة عن سلمان]

 ولا ينفع حذر من قدر ، ولكن ينفع الدعاء فيما نزل وفيما لم ينزل ، فادعوا الله عباد الرحمن ، الدعاء مطلوب لا لذاته ، مطلوب لغيره ، من خلق هذه المشكلة ؟ الله سبحانه وتعالى ، من جعلك مضطراً ؟ الله سبحانه وتعالى ، خلق المشكلة ، أو جعلك في وضع حرج من أجل أن تلجأ إلى بابه ، هو دفعك إلى بابه ، في بابه السعادة ، في بابه الرضا ، في بابه السكينة ، في بابه السرور ، في بابه الطمأنينة ، في بابه الإقبال ، في بابه كل معاني السرور ، فكأن الدعاء ليس مقصوداً لذاته ، إن هذه المشكلة التي أصابت الإنسان ودفعته إلى الدعاء الدعاء دفعه إلى الاتصال بالله و الاتصال كل شيء . لذلك النبي الكريم كما روت السيدة عائشة : " كان معنا نحدثه ويحدثنا فإذا حضرت الصلاة فكأنما لا يعرفنا ولا نعرفه " .
 وهو الذي يقول :

((أرحنا بها يا بلال ))

[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ]

 شيء رائع جداً ، الدين ليس معلومات ، وليس طقوساً ، وليس أعمالاً فحسب ، بل هو اتصال بالله عز وجل ، وإحسان إلى المخلوق ، ماذا قال سيدنا عيسى ؟ قال تعالى :

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾

[ سورة مريم : 31]

 جوهر الدين أن تكون لك هذه الصلة بالله عز وجل ، وهذه الصلة لا تنعقد إلا إذا كنت في وضع يرضي الله عز وجل ، إذا كنت مستقيماً ، إذا كنت محسناً ، إذا كنت طاهراً ، إذا كنت مخلصاً هكذا .

 

بعض الآثار التي وردت بمناسبة النصف من شعبان :

 شيء آخر :

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ قَالَتْ : قَدْ قُلْتُ وَمَا بِي ذَلِكَ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ ))

[أخرجه الامام أحمد في مسنده، وكذلك الترمذي وابن ماجة وضعفه البخاري والترمذي]

 قبيلة كلب أكثر القبائل العربية إطلاقاً من حيث الغنم ، تملك غنماً لا يعد ولا يحصى ، والنبي عليه الصلاة والسلام هكذا قال ، وروي عنه أيضاً :

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ ))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ]

 ويلحق هذا النمام الذي يفرق بين الناس ، ينقل كلاماً من جهة إلى جهة ، يلحق بهذا عاق الوالدين ، يلحق بهذا أكل الربا ، يلحق بهذا لاعب القمار ، يلحق بهذا تارك الصلاة ، الزاني ، الغشاش ، أما من تاب وقضى ما عليه من حقوق فيتوب الله عليه ، هذه بعض الآثار التي وردت في مناسبة النصف من شعبان .

 

صيام أيام شوال ترميم وصيام أيام شعبان تهيئة واستعداد :

 مرةً ثانية وأخيرة : كأن الله سبحانه وتعالى يريدنا في هذه الليلة قائمين في عبادته، صائمين ذلك اليوم الذي يأتي بعد تلك الليلة ، لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا ، ويغفر لنا ، ويفرج عنا ما نحن فيه ، وبشكل أو بآخر إن شهر شعبان تهيئة لرمضان ، واستعداد له ، كيف أن السنة القبلية استعداد وتهيئة وأن السنة البعدية ترميم ، أي يجب أن تصلي هذه الصلاة بشكل متقن ، فمن أجل الحفاظ على ركعاتها الأربع تصلي قبلها تهيئةً لها ، وبعدها ترميماً لما فاتك منها ، كيف أن السنة القبلية من معانيها - طبعاً هذا شيء اجتهادي - أنها تهيئ الإنسان لصلاة الفرض وأن البعدية ترمم ما فاته من الفرض ، كذلك هذا الشهر الفضيل شهر شعبان يهيئ لرمضان ، وصيام ستة أيام من شوال ترمم ما فات من رمضان ، يوم من أيام رمضان لم تكن الوجهة كما يريد الله عز وجل ، صيام أيام شوال ترميم ، وصيام أيام شعبان تهيئة واستعداد.

الإسلام عقائد و عبادات و معاملات و أخلاق :

 الآن عودة إلى شهر الصيام ، كلنا يعلم أن في الإسلام عقائد ، وفي الإسلام عبادات ، وفي الإسلام معاملات ، وفي الإسلام أخلاق ، حينما يخطئ الإنسان فيظن أن الإسلام فقط عقيدة ، عقيدته متينة ، الإسلام عبادة ، وهناك من يخطئ فيظن أن الإسلام عبادة فقط يؤدي صلواته ، أما النفل وقيام الليل فلا يتعلم ولا يرقى بعلمه ، ولا يرقى بعمله الصالح ، كأن الإسلام عنده عبادة ، هذا الذي فهم الإسلام عبادة فهم جزءاً من الدين ، والذي فهمه عقيدةً فهم جزءاً آخر ، والذي فهمه معاملات وأحكاماً شرعيةً فهم جزءاً آخر ، والذي فهمه أخلاقاً وقلباً مفعماً بحب الله عز وجل فهم جزءاً رابعاً ، ولكن الإسلام هو كل هذه الأجزاء مجتمعةً ، لذلك لا ينصر هذا الدين إلا من أحاطه من كل جوانبه ، الحد الأدنى أن تكون لك عقيدة متينة ، وأن تكون لك عبادة كما أراد الله ، وأن يكون لك انضباط وفق الأحكام الشرعية في المعاملات ، وأن تكون لك نفس طاهرةٌ ، عفيفةٌ ، منيبةٌ ، كما أراد الله عز وجل .
فيجب أن تكون حركتك على أربعة خطوط ، وأن يكون جهادك على أربع جبهات، وأن تستكمل العقيدة الصحيحة من جهة ، وأن تستكمل العبادة الصحيحة من جهة ثانية، وأن تستكمل معرفة أحكام الفقه ولا سيما في عملك من جهة ثالثة ، وأن تستكمل تطهير قلبك من الدرن والدنس من جهة رابعة .

 

موقع الصيام من الإسلام :

 الآن الصيام ما موقعه من الإسلام ؟ يوجد عندنا عقيدة ، وعبادة ، ومعاملات ، وأخلاق ، موقعه من العبادات ، الحقيقة الصلاة عماد الدين ، صوم وصلاة وحج وزكاة ، في الصلاة معنى الصيام ، الإنسان في الصيام لا يأكل ولا يشرب ، ولكنه في الصلاة لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم بكلام الناس ولا يلتفت ، إذاً أعلى درجات الصيام وأنت في الصلاة ، وفي الصلاة معنى الحج لأنك تتجه إلى بيت الله الحرام ، وفي الصلاة تذكر الشهادتين في القعود ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وفي الصلاة اتصال بالله عز وجل ، إذاً الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال ، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال هي الصلاة ، الصلاة عماد الدين ، عصام اليقين ، سيدة القربات ، غرة الطاعات ، معراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات ، الصلاة ذكر ، الصلاة قرب ، الصلاة خشوع ، الصلاة مناجاة ، الصلاة دعاء ، الصلاة طهور ، الصلاة حضور ، الصلاة نور .
 الآن دقق أن الصيام من أجل الصلاة ، وأن الحج من أجل الصلاة ، وأن الزكاة من أجل الصلاة ، فاتني أن أقول : في الصلاة معنى الزكاة أيضاً لأنك إذا أغلقت محلك التجاري وتوجهت إلى المسجد لتصلي هذا وقت ، والوقت له ثمن ، لو أنك بقيت وراء مكتبك لبعت واشتريت ، إذاً أنت في الصلاة تأخذ من الصيام طرفاً ترك الطعام والشراب والكلام والالتفات ، تأخذ من الحج الاتجاه إلى بيت الله الحرام ، وتأخذ من الزكاة أنك تنفق أصل المال وهو الوقت ، وتأخذ من الشهادتين أنك تشهد أن لا إله إلا الله .
 إذاً في الصلاة شهادتان ، وفي الصلاة نوع من الصيام ، وفي الصلاة نوع من الحج ، وفي الصلاة نوع من الزكاة ، وفي الصلاة صلاة ، إذاً العبادة الأولى هي الصلاة ، الآن الصيام من أجل الصلاة ، طبعاً أنت تصلي ولكن الله عز وجل يريد أن يرفع مستوى هذه الصلاة . زكيت مالك من أجل أن تصلي ، قال تعالى :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 103]

 تصلي من أجل أن تصلي ، وتزكي من أجل أن تصلي ، وتصوم من أجل أن تصلي ، وتحج من أجل أن تصلي ، لكن طابع الصلاة في الحج الدعاء ، دعاء عرفة ، دعاء منى ، دعاء الملتزم ، دعاء الطواف ، السعي بين الصفا و المروة ، الدعاء أمام النبي عليه الصلاة والسلام ، جوهر الحج الدعاء ، نوع الصلاة في الحج دعاء ، وفي رمضان تصوم جوارحك عن المعاصي ، ويصوم فمك عن الطعام والشراب ، ويصوم قلبك عما سوى الله ، هذا صيام العوام ، وصيام الخواص ، وصيام خواص الخواص ، صيام العوام عن الطعام والشراب ، وصيام الخواص عن المعاصي والآثام ، وصيام خواص الخواص عما سوى الله ، فالصيام من أجل الصلاة . تأتي صلاة التراويح من أجل أن تقبض الثمن ، إذا كنت طوال اليوم في يقظة تامة ، وفي صحوة تامة ، وفي انضباط شديد ، وفي حرص على طاعة الله لا حدود له ، في بذل ، و إنفاق ، ودعوة ، وأمر ، ونهي ، وكنت قد أكلت كما أراد الله عز وجل في الحد المعتدل من أجل أن تنشط لهذه الصلاة ، صلاة التراويح .
إذاً لاحظ معي أن الصلاة هي عماد الدين ، تصلي كل يوم خمس مرات ، يأتي رمضان يرتفع مستوى الصلاة ، تأتي الزكاة فترفع مستواها ، يأتي الحج فيرفع مستواها ، هكذا .

 

فوائد الصيام :

 لكن من السذاجة ، ومن ضيق الأفق أن تظن أن الصيام له فائدة واحدة ، أي هذا ينطبق على الإنسان ، الإنسان إذا أمر بأمر ، وجه توجيهاً ، يكون في ذهنه هدف واحد فالأذكياء يقولون لك: ضرب عصفورين بحجر ، أي حقق هدفين في عمل واحد ، لكن أمر الله عز وجل فوائده لا تعد ولا تحصى ، لو حدثتكم لوقت طويل طويل عن فوائد الصيام كل هذا صحيح . وليس لنا الحق أن ننفي شيئاً ونثبت شيئاً ، أمر الله عز وجل لا يحد خيره ، أمر الله عز وجل لا يحد نفعه ، أي إذا إنسان قال : صوموا تصحوا كلامه صحيح . لو أنك سألت طبيباً يقول لك : هذه الأجهزة ، والأمعاء ، والمعدة ، والأوردة ، والشرايين مثقلة بالهضم ، والتصفية ، والدوران ، يأتي هذا الشهر صيانة لهذا المعمل العظيم ، صيانة كاملة حينما يجوع الإنسان يحصل تجريف في الأوعية الدموية ، في الأمعاء يحصل شيء من استهلاك الخلايا الميتة ، هذا بحث طويل يحتاج إلى أطباء مختصين .
ما فوائد الصيام ؟ إذا قلنا : إن الصيام له فوائد صحية ، هل معنى هذا أن هذا الكلام غلط ؟ لا ، الله عز وجل سلط الأضواء إن صح التعبير على التقوى ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة 183]

 لكن إذا سلط الله الأضواء على التقوى ليس معنى هذا أن الفائدة الوحيدة من الصيام هي التقوى ، هناك فوائد لا تعد ولا تحصى ، ولكن أتمنى إن شاء الله في درس من دروس التفسير أن أخص آية الصيام بدرس خاص . أي قبل رمضان بأسبوع هذه الآية أجعلها محور الدرس إن أكرمني الله وأعانني ، وبدءاً من الدرس القادم نبدأ الحديث عن بعض أحكام الصيام ، وأتمنى أن يأتي رمضان وقد أتقنا أحكام الصيام ، واجبات الصيام ، سنن الصيام ، المستحبات ، المكروهات ، المفسدات نحتاجها جميعاً ، هذه إن شاء الله في درس آخر نبدأ بها، وفي رمضان نتمنى أن نعالج موضوع الزكاة ، لأن موسم الزكاة في رمضان أيضاً ، وموضوع الاعتكاف ، وموضوع ليلة القدر ، وموضوع الإنفاق وما شاكل ذلك .

 

الصوم طاعة لله عز وجل و إخلاص له :

 لكن بشكل بسيط غير معقد ، الصوم طاعة لله عز وجل ، أنت عبد من عباد الله وجاءك خطاب إلهي يقول لك : كتب عليكم الصيام ، أنت حينما تصوم بادئ ذي بدء تشعر أنك في طاعة الله ، وأن هذا الذي خلقك ذاك الإله العظيم أمرك بترك الطعام والشراب ، أمرك بما هو مباح ، له أوامر كثيرة ؛ دع الكذب ، السرقة ، النظر إلى النساء ، الاحتيال ، الكبر ، الغرور ، أوامر الدين مفعمة بالأمر والنهي ، ولكن ما يلفت النظر في رمضان أن كل هذه الأوامر والنواهي متعلقة تعلقاً مباشراً بمصلحة الإنسان ، إذا غض بصره عن محارم الله كان عفيفاً ، وثمار العفة وفاق زوجي ، إذا أكل مالاً حلالاً حصن الله هذا المال ، إذا كان متواضعاً أحبه الناس ، إذا كان صادقاً احترمه الناس ، ما من أمر وما من نهي إلا وهو متعلق تعلقاً مباشراً بمصلحة الإنسان ، ولكن إذا قال الله لك : دع الطعام والشراب ، وأنت في البيت لوحدك والأيام أيام حر ، والثلاجة فيها ما لذّ وطاب ، والماء عذب فرات بارد ولا يوجد أحد ، والأبواب كلها مغلقة ، والنوافذ مغلقة ، وأنت في حالة عطش شديد ، هذه طاعة لها طعم خاص ، هذه لله وحده ، كأني بالصيام عبادة من عبادات الإخلاص ، أنت إذا تركت الكذب تشعر بعزة ، تنتزع إعجاب الآخرين ، الناس يثنون عليك ، فترك الكذب لا تدري أهو ابتغاء العزة عند الناس أم ابتغاء مرضاة الله ؟ الله أعلم ، ترك مثلاً الاحتيال ، أو ترك الكبر ، هو موقف ذكي أو موقف عبودي لله ؟ لا نعرف ، هناك مواقف ذكية تلتقي مع مواقف العبودية ، الإنسان أحياناً يكون متواضعاً بشكل رائع جداً ، الناس يحبونه وينطوي على كبر لا يعلمه إلا الله ، أما الغلاف فتواضع والجوهر كبر ، هذا موقف ذكي ، ولكن موقف العبودية موقف آخر ، لكنك إذا دخلت إلى البيت وكنت صائماً ، وصنبور المياه جاهز ، والكؤوس جاهزة ، والطعام لذيذ ، وأنت في حالة جوع شديد ، أنت إذا أكلت لا زنيت ، ولا سرقت ، ولا كذبت ، ولا فعلت شيئاً ، أكلت فقط، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة 183]

 بادئ ذي بدء هذه الطاعة من نوع خاص ، ترك للمباح لا ترك للخبيث ، الله عز وجل ماذا حرم ؟ حرم علينا الخبائث وأحلّ لنا الطيبات .
 هذا الصيام ترك الطيبات ، لحم خنزير لا نأكل ، خمر لا يشرب المسلم ، أما ممنوع أن يأكل أكلاً عادياً ، ممنوع أن يشرب ماء ، إذاً أعلى درجات العبودية لله عز وجل يتبدى في الصيام ، لأن الله أمرك أن تترك المباح ، أحياناً نحضر مثلاً يوضح ذلك ، أب يأمر ابنه أن يعتني بأسنانه قد يعنفه ، يسأله : أنظفت أسنانك قبل أن تنام ؟ يقول له : لا ، فيقول له: قم ، ينزع عنه اللحاف ويأمره أن ينظف أسنانه ، هذا الأمر للابن بالأساس ، أما لو أن الابن أمر ابنه أن يدع الطعام ؛ الطعام طيب والابن جائع يقول له : لماذا أترك الطعام ؟ ماذا فعلت؟ لا يرضى ، أما إذا كان الابن على مستوى رفيع يقول : حاضر يا أبي ، هو عندما قال له : نظف أسنانك وأعطاه الأمر ، أو لا تكذب ، أو دع هذا ، العمل واضح لمصلحة الابن ، أما الطعام موضوع والأسرة ملتئمة حول الطعام ولا يوجد سبب إلا أنه : دع الطعام يا بني ، فقال له: حاضر هذا مستوى عال جداً ، كأن الله عز وجل يدربك على أن تكون متمثلاً لأعلى درجات العبودية له ، الطعام والشراب متوافر وأنت تخاف الله رب العالمين ، لسبب قد يكون في الحمام ويأخذ ماءً بارداً ، عذباً ، فراتاً ، زلالاً ، يغتسل به ، من يدري لو أنه مص مصةً منه ؟ لا أحد يدري ، هذا الصيام يعلمك طاعة الله عز وجل في الأشياء المباحة لا في الأشياء المحرمة ، ويعلمك الإخلاص ، أيستطيع الشيطان أن يقول لك : أنت منافق في هذا الصيام ؟ هذا غير ممكن ، المنافق يأكل بينه وبين نفسه ، وأمام الناس الحمد لله أنا صائم ، ويقول : الله أكرمنا بالصيام وعندما يدخل يشرب الماء ، هذا منافق ، لكن أيجرؤ الشيطان أن يقول لك : أنت منافق في هذا الصيام ؟ هذا مستحيل ، كأن الصيام يعلمك أقصى درجات العبودية لله عز وجل ، وكأن الصيام يعلمك الإخلاص لله عز وجل ، إذا الإنسان يوجد معه وسواس ، والشيطان متملكه ومتحكم به ، يمكن أن ينفذ منه بأن ينفق مالاً من دون أن يتكلم عن هذا الإنفاق ، أنفقت يمينه ولم تعلم شماله وبقي ساكتاً ، يقطع بهذا وساوس الشيطان ، يصلي الليل ويبقى ساكتاً هذا هو الإخلاص ، يصوم نفلاً ويبقى ساكتاً .

 

الصيام دليل الإيمان :

 إذاً فوائد الصيام لا تعد ولا تحصى ، ولكن من أولى فوائده أنه طاعة لله عز وجل، يثاب الصائم عليها ، وينال بها رضا الله عز وجل ، وتكون له وقاية من عذاب الله يوم القيامة ، مثلاً يجوز أن تلتقي مع إنسان ذكي جداً يقول لك : سألوا أستاذاً في الجامعة عن عاداته اليومية ، قال : أنا أنام باكراً ، ولا أدخن ، ولا أشرب الخمر . أي انطلق هذا من مصلحته الشخصية ، رأى أن ساعات الليل الأولى لا تعدلها أضعاف الساعات في آخر الليل ، شعر أن هذا الليل تصميمه من أجل النوم ، فإذا نام باكراً واستيقظ باكراً شعر بنشاط انطلق إلى عمله بوقت مبكر ، وصار ينام باكراً ، ورأى أن الدخان يتلف رئتيه ، ويتلف قلبه ، وأوعيته ، تركه ، ورأى أن الخمر مادة مخرشة تذهب العقل ، فترك الخمر ، وترك السهر ، وترك الدخان ، هل يعد هذا عبادةً ؟ لا والله هذا موقف ذكي ، هذا موقف مصلحي ، المؤمن ينام باكراً ويدع هذا وذاك ، ولكن يفعل هذا تعبداً ، وشتان بين التعبد وبين المصلحة ، لكن الصيام أعلى درجة من العبودية ، لذلك قالوا : الصيام دليل الإيمان ، لماذا ؟ لأن الصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته ابتغاء مرضاة الله وامتثالاً لأمره ، فصيامه برهان عملي على أنه يفضل حب الله عز وجل على حب كل شيء سواه ، دليل عملي وقطعي أمام الشيطان أنك تؤثر مرضاة الله عز وجل على كل شيء .
 طبعاً يوجد أشخاص يحتالون على الله ، يجعل سفره في رمضان ويقول لك : الله عز وجل سمح لنا بالإفطار في السفر ، أي هذه السفرة مفتعلة ، إذا جاء السفر طبيعياً في هذا الشهر بحث آخر ، أما أحياناً فيكون السفر مقصوداً في هذا الشهر حتى ينجو من صيام أيام الصيف الطويلة ، المؤمن الصادق يعبد الله عز وجل في كل أشهر العام ، إن جاء رمضان في آب ، وفي تموز ، وإن جاء في نيسان ، وإن جاء في أيام الشتاء ، وهو برهان عملي على أن الصائم يؤثر مرضاة الله عز وجل على شهوات الدنيا ومغرياتها ، قال عليه السلام :

(( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

[ متفق عليه عن أنس ]

 لا ترقى إلى مستوى الإيمان الصحيح إلا إذا وجدت حلاوة الإيمان ، ذاق طعم الإيمان ، أي المؤمن يجب أن يقول : ليس في الدنيا من هو أسعد مني ، وليس معنى هذا مادياً قد يكون محاط بآلاف المشكلات ، ابتلاءً ، وامتحاناً إلى آخره ، لكنه سعيد لأنه في طاعة الله ، ولأنه قد عرف الله ، ولأنه على منهج الله ، من هنا تنبع سعادته .

 

* * *

قصة الصحابي الجليل عثمان بن مظعون :

 والآن إلى قصة صحابي جليل من صحابة رسول الله عليهم رضوان الله تعالى ، هذا الصحابي اسمه عثمان بن مظعون ، هذا الصحابي الجليل ترتيبه في الإسلام أربعة عشر ، أي كان المسلم الرابع عشر في الإسلام ، حينما أسلم لم يكن قد أسلم قبله إلا ثلاثة عشر رجلاً وهو الرابع عشر ، هذا الصحابي الجليل هو أول المسلمين هجرةً وأولهم دفناً بالبقيع ، شاءت كتب السيرة أن تصفه بأنه راهب ، كان زاهداً في الدنيا ، النبي عليه الصلاة والسلام وصفه فقال: " يرحم الله ابن مظعون لم يصب من الدنيا ولم تصب منه ". أي أخذ الأحوط ، طبعاً حينما دعى النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى هذا الدين الجديد سراً كان عثمان بن مظعون من أوائل هؤلاء الذين استجابوا لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله عنه :

﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 128]

 حينما بالغت قريش في تعذيب المسلمين ، وفي إيذائهم ، وفي التضييق عليهم ، وفي ملاحقتهم ، أشفق النبي على أصحابه ، وأمرهم بالهجرة إلى الحبشة ، وكان عثمان بن مظعون من أولئك الذين هاجروا إلى الحبشة ، بل جعله النبي عليه الصلاة والسلام أميراً على هؤلاء الفوج الأول الذين هاجروا إلى الحبشة . الحقيقة دائماً الكلمات شيء والواقع شيء آخر ، لي مثل مشهور : كلمة ألف مليون نطقها سهل ، وكتابتها أسهل ، اكتبها بالخط الرقعي ، الديواني ، الثلثي ، الفارسي ، وزخرفها ، وضع لها إطاراً ، واذكرها بلغة فصحى ، ولغة عامية ، ولكن بين أن تذكرها بشتى اللغات وبين أن تكتبها بمختلف الخطوط ، وبين أن تملكها فرق شاسع .
 فالصحابة الكرام كانوا في مستوى الدعوة ، نحن بإمكاننا أن نتكلم ونقول : هذا الصحابي هاجر ، هل تعرف ما الهجرة ؟ تصور إنساناً مستقراً في بيته ، وعمله ، في محله التجاري ، في وظيفته ، وله زوجة وأولاد ، ترك كل هذا ورحل ، إلى أين ؟ إلى أرض مقفرة لا يعرف فيها أحداً ولا يملك فيها شيئاً ، كما قيل : لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها ، نحن نفتخر ونعتز بهؤلاء الصحابة أنهم هاجروا ، لكن هل تعلم ما تعني الهجرة ؟ تعني قطع الجذور ، استئصال الإنسان من جذوره ، تعني أن ينتقل من كل شيء إلى لا شيء .
 هؤلاء الصحابة الكرام عندما هاجروا ، كأنهم هاجروا إلى الله عز وجل ، طبعاً حينما التقوا بالنجاشي ، النجاشي سألهم عن دينهم ، وكلكم يعلم أن سيدنا جعفر هو الذي خاطبه وقال : " أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، و نسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه "
 سيدنا عثمان بن مظعون له ابن عم بالغ في إيذائه حينما كان في مكة ، ففي غربته كان لا يزال ألم الضر ملماً في نفسه ، ربنا عز وجل ماذا قال ؟

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

[ سورة الضحى : 5]

 هذه ولسوف رائعة جداً ، الآن قد تكون غير راض ، الآن في طور المعالجة ، الآن في طور العمل ، الآن في طور التكليف ، الآن في طور الجهد ، الآن في طور الإعداد ، إذا المؤمن قرأ هذه الآية يذوب قلبه حباً لله عز وجل ، كأن الله يواسيك ، كأن الله عز وجل ينسيه آلام الحياة ، وربنا عز وجل قال :

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة الأعراف: 128]

 فالإنسان المؤمن بحسب ما اهتدى إلى الله عز وجل يعرف الشيء قبل وقوعه ، يعرف أن العاقبة للمتقين ، يعرف أن الله سبحانه وتعالى سوف يكرم عباده المؤمنين ، أما الآن فأنت في طور ، هذا الذي يحملك على الصبر ، أنت موعود ، خالق الكون يؤكد لك أنه معك وأنك بعين رعايته ، وأنه سوف ينصرك ، وأنه يدافع عنك ، وأن العاقبة لك ، هكذا ، متاعب الحياة ما الذي يحملنا على تحملها ؟ ثقتنا بعطاء الله عز وجل ، وثقتنا برضوانه ، وثقتنا بأن الأمور لابد من أن تستقر على شيء يرضي المؤمن ، قال هذا الصحابي وكان شاعراً ويخاطب ابن عمه :

وحاربــــــت أقواماً كراماً أعزةً  وأهلكت أقواماً بهم كنت تفــــــــزع
ستعلم إن نابتك يوماً ملمـة  وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
***

 انظر المؤمن هذه النظرة المستقبلية رائعة عنده ، الكافر يعيش وقته ، هو ابن لحظته ، ابن وقته ، يستمتع بهذه اللحظة بطريق مشروع أو غير مشروع ، أما المؤمن فيدبر لعواقب الأمور .
 جاءت أخبار كاذبة ولم يعلموا أنها أخبار كاذبة أن قريشاً أسلمت جميعاً ، وأنها أسلمت مع النبي عليه الصلاة والسلام لله الواحد القهار ، أخبار رائعة ، فالصحابة الكرام الذين في المهجر - في الحبشة - عادوا إلى مكة وقد طارت قلوبهم فرحاً ، ولكنهم ما كادوا يقتربون من مكة حتى تبينوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش ، وساعتئذ أسقط في أيديهم ، ورأوا أنهم قد عجلوا ، ولكن أين يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر ؟ دخلوا مكة وسمع مشركو مكة بمقدم الصيد الثمين الذي طالما طاردوه ، ونصبوا لهم شباكهم ، ثم ها هو الآن تحين فرصته وتأتي مقاديره . الآن في الجاهلية كان هناك تقليد مرّ بنا سابقاً ، كان في موضوع الجوار تقليد رائع من تقاليد العرب في الجاهلية ، أي إذا دخل رجل مستضعف في جوار سيد قرشي أصبح في حمىً منيع لا يهدر له دم ، ولا يضطرب له مأمن ، من أجل هذا ظفر بالجوار من هؤلاء الأصحاب قلة من بينهم عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بن المغيرة ، دخل هذا الصحابي الجليل مكة آمناً مطمئناً ، مضى يعبر دروبها ، ويشهد ندواتها ، في جوار الوليد بن المغيرة من سادة قريش الكبار ، طالما هناك جوار لا يوجد تعذيب ، وتنكيل ، وتضييق .
 لكن ابن مظعون الرجل الذي صقله القرآن ، وعلمه النبي العدنان تلفت حوله فرأى أخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين الذين لم يجدوا لهم من يجيرهم ، ولا من يجبرهم ، يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب ، وقوى البغي تطاردهم في كل سبيل ، بينما هو آمن في سربه ، بعيد من أذى قومه ، آلامه أن تكون له هذه الميزات ، آلامه أن ينعم بهذا الجوار ، آلامه أن يكون في نعمة العافية ، وإخوانه المؤمنين في شقاء التعذيب ، آلامه أن يتميز عليهم ، آلامه أن يكون واحداً قد نجا من هذا البلاء .
 طبعاً هذا موقف خاص ، يوجد عندنا موقف شرعي وموقف شخصي ، الإنسان أحياناً يقف موقفاً شرعياً لا مؤاخذة عليه ، وأحياناً يقف موقفاً شخصياً ، سيدنا الصديق يروى عنه أنه شرب لبن تبين أنه مشبوه فقاءه ، هذا موقف شخصي ، سيدنا عمر لما هاجر علانيةً هذا موقف شخصي ، الموقف الشرعي كما فعل النبي ، فدائماً فرق بين الموقف الشخصي وبين الموقف الشرعي ، إذا كنت وفق الشرع فأنت آمن ، وإذا أردت أن تفوز بشيء خاص وقفت موقفاً آخر فالله سبحانه وتعالى يقبل هذا الاجتهاد . سيدنا عثمان ما تحمل أن يعيش هو في مكة في حماية الوليد بن المغيرة وأصحابه يعذبون ، وينكل بهم ، ويضيق عليهم ، على كل استمعوا إلى قوله هو ماذا فعل ، قال : لما رأى عثمان بن مظعون ما في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة قال : والله إن غدوي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي . أنا أغدو وأروح في طمأنينة وأصحاب رسول الله يضيق عليهم وينكل به ويعذبون ، ما شعر أنه في موقف كامل ، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له : يا أبا عبد شمس - انظروا إلى هذا الموقف اللطيف ، الموقف العالي - وفت ذمتك ، وقد رددت إليك جوارك ، فقال له : لم يا بن أخي لعله آذاك أحد من قومي ؟ قال : لا ، ولكنني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره . من الأدعية التي تؤثر بالنفس : يا ربي ليس لي أحد سواك ، اتخذ الله صاحباً ودع الناس جانباً ، اجعل آمالك كلها معقودة على الله سبحانه وتعالى .
 جاء مرة خليفة وحج بيت الله الحرام فسأل عن بعض علمائها الكبار وكان اسمه أبا حازم ، فقال : يا أبا حازم سلني حاجتك ؟ قال : والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله ، فهذا الخليفة أراد أن يكرمه ، فلما غادر بيت الله الحرام التقى به خارج البيت ، قال له سلني حاجتك هنا المكان مناسب ؟ قال : والله ما سألتها ممن يملكها أفأسألها ممن لا يملكها ؟ التقى به مرةً ثالثة ، قال له : سلني حاجتك ؟ قال له : أريد أن تدخلني الجنة ، قال : هذه ليست لي ، قال : إذاً ليس لي عندك حاجة .
 سيدنا عثمان بن مظعون ما أحب أن يكون في حماية مشرك ، الله عز وجل هو العزيز ، هو الكريم ، فقال له : لم يا بن أخي لعله آذاك أحد من قومي ؟ قال : لا ، ولكنني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره ، فانطلق إلى المسجد واردد عليّ جواري علانيةً كما أجرتني علانيةً ، فانطلقا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد : هذا عثمان قد جاء . . . . .

 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور