وضع داكن
28-03-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 035 - الحديث عن رمضان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

بماذا تعلل فريضة الصيام؟ :

 رمضان على الأبواب, كلكم يعلم أن الصلوات الخمس عبادة يومية, وكلكم يعلم أن صلاة الجمعة عبادة أسبوعية, وأن صوم رمضان عبادة سنوية, وأن الحج يُؤدَّى في العمر مرة واحدة, فلكما تقاربت أوقات العبادة, كانت كفارة لما بينها, أما حينما تتباعد, ينبغي أن تكون الشحنة عالية جداً, كي تُكفِّر لما مضى, أو لتؤِّهل لما سيأتي. الله جل جلاله يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:183]

 هذه العبادة معللة, معللة بالتقوى.

سؤال قد يسأله أحدكم

 وقد يقول أحدكم: لماذا طُرح هذا الموضوع, ولرمضان إلى أن يأتي أسبوعان؟ لا بد من ضرب هذا المثل:
 إن أردت أن تكون في نقطة معينة من الطريق بسرعة مئة, لا بد من أن تنطلق قبل هذه النقطة بسرعة متصاعدة, كي تصل إلى هذه النقطة بهذه السرعة, فإذا بدأنا في واحد رمضان نتفهم حكمة الصيام, ونتفهم ما ينبغي وما لا ينبغي, وما يجوز وما لا يجوز, ونتفهم جوهر الصيام, إلى أن نستوعب هذه الحقائق, وإلى أن نحمل أنفسنا على تطبيق هذه التعليمات, قد يمضي وقت طويل من رمضان.
 فأنا من عادتي: أبدأ الحديث عن رمضان, قبل أن يأتي بأسبوعين, كي نستعد له.

ما اعتاد عليه عامة المسلمين :

 المنافق-أيها الأخوة-:

((مثله كالناقة عقلها أهلها, لا تدري لا لم عقلت, ولا لم أطلقت؟))

 ينقلب الصيام عند عامة المسلمين إلى عادات ألفها المسلمون, يؤدونها كل عام, دون أن يفهموا حقيقة أمرها, لذلك: كثيراً ما تجد, أن بعض الأعمال التي لا ترضي الله, إنما فعلت إكراماً لشهر رمضان المبارك.
 إذاً السؤال الأول: هذه العبادات, يمكن أن تنقلب إلى طقوس, الطقس متعلق بالديانات الوثنية؛ طقس, تمتمات, أو حركات لا معنى لها, فإذا انقلب الصيام إلى عادات, وإلى ترك, وإلى فعل, دون أن نفقه الحكمة, انقلب هذا الشهر إلى ما يسمى: بالطقس, والإسلام بعيد بعداً كبيراً عن الطقوس. قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:183]

 لعلكم, هذه لعل: تفيد الترقب؛ أي من أجل أن تتقي.

ما هو الجانب السلبي واﻹيجابي لفريضة الصلاة؟ :

 لو استعرضنا -قبل أن نخوض في موضوع الصيام- الخمس عبادات:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[سورة العنكبوت الآية:45]

 هذا كلام رب العالمين:

﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[سورة العنكبوت الآية:45]

 لو أن الإنسان لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر, ولو أنه وقف ليصلي ولو لم يكن ذكر الله أكبر شيء في الصلاة؛ هل أدى الصلاة التي أرادها الله؟ أقول: لا, هل نقول له: لا تصل؟ أعوذ بالله, لا بد من أن تصلي, لكن هل صليت الصلاة التي أرادها الله؟ لا والله.
 لو أن الإنسان استحكم استقامته, وأحكم وجهته, وشعر بقرب من الله عز وجل لا يوصف, قد يصيح ويقول: هذه هي الصلاة التي أمر الله بها, أو هذه هي الصلاة التي أرادها الله, أو هذه هي الصلاة التي ترقى بالإنسان.
 إذاً: الصلاة:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

[سورة العنكبوت الآية:45]

 هذا الجانب السلبي, الإيجابي:

﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[سورة العنكبوت الآية:45]

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه الآية:14]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾

 -لماذا؟ حتى: تفيد الغاية. قال-:

﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[سورة النساء الآية:43]

 حسناً: هذا الذي يصلي, ولا يعلم ما يقول, حكمه كحكم السكران, لم يسكر, إنما يصلي ولا يعلم ما يقول, الذي يصلي ولا يعلم ما يقول, حكمه كحكم السكران.

إليكم هذه الآيات والأحاديث التي وردت بشأن الصلاة :

 حسناً: آيات كثيرة تتحدث عن الصلاة:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه الآية:14]

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

[سورة العلق الآية:19]

 معناها: الصلاة قرب, والصلاة ذكر, والصلاة نهي ذاتي عن الفحشاء والمنكر.
 وفي السنة:

((الصلاة طهور -من كل مرض النفس- والصلاة نور -رؤية صحيحة صارخة- والصلاة حبور -

((أرحنا بها يا بلال))

((ولو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل))

 الصلاة مناجاة, والصلاة معراج المؤمن, والصلاة ميزان, فمن وفى استوفى))

 

هذه الصلاة التي أمرنا الله بها ميزان, افعل شيئاً وقم وصل, فإن كان هذا الشيء كما يرضي الله عز وجل, شعرت أنك تقبل عليه, فإن كان هذا الشيء لا يرضي الله, هذا الشيء الذي فعلته, وهو لا يرضي الله حجبك عن الله, فالصلاة ميزان صارت, وكل إنسان يملك نفس حساسة, يعرف ما إذا كان عمله صالحاً أو طالحاً, من صلاته, هذه الصلاة, الصلاة هل هي طقس أم عبادة؟ عبادة, لأنها معللة.

ما ورد من الكتاب والسنة بشأن الصيام :

 حسناً: الصوم -موضوع درسنا-:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:183]

 فلو أن الإنسان صام ولم يتق الله, كأنه لم يصم, لذلك:

((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

 حسناً: هذا الصيام.

ماذا عن الحج؟ :

 الحج: الإنسان حينما يحج بمال حرام, ويضع رجله في الركاب, يناديه مناد في السماء والأرض, -طبعاً: حينما يقول: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, ورجله في الركاب-, يناديه مناد فيقول: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك.
 هذا الحج.

هذا عن الزكاة :

 حسناً: بقي الزكاة:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:53]

خلاصة الكلمة عن العبادات :

 فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, والصيام من أجل التقوى, والحج من أجل أن تعلم أن الله يعلم, والزكاة من أجل أن ترقى بها إلى الله؛ فإن لم ترق بها إلى الله, وكان في العمل فسقاً:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:53]

 وإن كان الحج بمال حرام:
 لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك.
 وإن كان الصيام فيه قول زور أو عمل به:

((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

 والصلاة:

((إن لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر, لم يزدد من الله إلا بعداً))

ما أريد أن أقوله :

 الذي أريده: أنه لا يمكن أن تكون في الإسلام طقوس, في الإسلام عبادات, والعبادات كما قال الإمام الشافعي: معللة بمصالح الخلق.
 بالإسلام لا يوجد عندنا عمل غير معقول, إنما الدين هو العقل, ومن لا عقل له لا دين له.
 يعني: أنت هل تقبل لمدير شركة, أو لمنصب لمدير دائرة, أو لمدير مؤسسة, أو مدير مستشفى, أو مدير ثانوية, أن يصدر أمراً لا معنى له؟.
 لو أن مدير مؤسسة, قال لأحد الموظفين: اركب السيارة وتوجه إلى حلب, فإذا وصلت إلى باب الفرج, اركب سيارة أخرى وعد بها إلى الشام, هكذا, هذا ركب سيارة, توجه إلى حلب, وصل باب الفرج, ركب مركبة أخرى, عاد إلى الشام, هذا الأمر معقول؟.
 لست مكلفاً أن تتصل بأحد, ولا أن تلتقي بأحد, ولا أن تدفع لأحد, ولا أن تقبض من أحد, ولا أن توصل من أحد شيئاً, اذهب إلى هناك, وعد كما جئت, كما ذهبت, الأمر غير معقول, هل يليق بالله عز وجل أن يكون أمره هكذا بلا معنى؟.
 فلذلك: الإنسان حينما يؤدي العبادات أداء شكلياً, أداء جوفاء, قلبها إلى طقوس وهو لا يدري, وقلب إسلامنا العظيم إلى دين وضعي, أو دين من أديان التي لا يقبلها العقل؛ فنحن صيامنا عبادة, وصلاتنا عبادة, وحجنا عبادة, وكل أفعال المؤمن لها معنى, ولها هدف, ولها حكمة.

ما معنى هذا الحديث؟ :

 أول شيء -أيها الأخوة-:

((رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

 الكفارات نوعان؛ إما أن يعطيك هذا الشهر شحنة روحية قوية, تُمدك إلى الشهر الثاني, وهذا أرقى معنى للكفارة, كفارة؛ أي لا تقع.
 يعني: إما أن نحصن هذا الجسم تحصيناً كبيراً, فيملك مناعة كبيرة تحول بينه وبين أن يمرض, وإما أن يمرض فنأتي له بالدواء.
 فرمضان؛ إما أن يكون تحصيل لرمضان قادم, أو علاج لما مضى قبل رمضان, والأكمل: أن الإنسان يتابع الترقي, لا يدافع التدني, العبادة يجب أن تتابع فيها الترقي إلى الله عز وجل.

صحح هذه العبادة عندك :

 أيها الأخوة, صار عندنا عادات وتقاليد, تبتعد بنا عن حكمة هذا الصوم؛ فالولائم كلها في رمضان, والسهرات كلها في رمضان, واللقاءات كلها في رمضان, وانقلب رمضان من شهر عبادة وتعبد, إلى شهر انطلاقة وتندد, اختلف الوضع.
 فنحن نريد أن نستفيد من هذا الشهر, ما الذي يكون عند بعض الناس؟.
 يعني: في رمضان غض بصره, انتهى رمضان أطلق بصره, في رمضان ضبط لسانه, انتهى رمضان أطلق لسانه, في رمضان عمل الخيرات, بعد رمضان أهمل هذه الخيرات, في رمضان قرأ القرآن, بعد رمضان ترك قراءة القرآن, في رمضان تحرج أن يختلط بالنساء الأجنبيات, بعد رمضان لم يتحرج, الذي يحصل: أنه يصعد ويهبط, ويصعد ويهبط, يصعد ويهبط.
 هذا ما قاله العرب: مكانك تحمدي أو تسبيحي.

((مثله كثل الناقة عقلها أهلها, فلا تدري لا لم عقلت, ولا لم أطلقت؟))

 لكن رمضان -كما أراده الله عز وجل- قفزة نوعية مستمرة إلى رمضان الثاني, ثم يأتي رمضان قفزة نوعية مستمرة إلى رمضان الذي يليه, يأتي رمضان قفزة ثالثة.
 يعني: الإنسان ما لم يبرمج حياته في رمضان برمجة روحية خالصة .....
 مثلاً: لماذا نهاك الله عز وجل عن الطعام والشراب في رمضان؟.
 يعني: إذا الإنسان أصابه العطش, بحالة عطش شديد في رمضان, ممنوع أن يشرب, طيب بالإفطار: لو شربت, هل عليك من إثم؟ لا, إذا الإنسان تناول كأس ماء وشربه, هل فيه عليه إثم؟ إطلاقاً, لا يوجد عليه إثم, برمضان يفطر.

((ومن أفطر يوماً في رمضان, فكأنما أفطر الدهر كله))

 كفارته صعبة جداً, صيام ستين يوماً متتابعة.

هل سألت نفسك هذا السؤال؟ :

 حسناً: هل سألت نفسك هذا السؤال: لماذا نحن ندع المباحات في رمضان؟.
 طبعاً: المباحات والمحرمات؛ تدع تناول الطعام, وشرب الماء, وتدع الكذب, وتدع إطلاق البصر, وتدع الغيبة, والنميمة, تدع كل معصية.
 الحقيقة: الحكمة: أنك حينما تدع ما هو مباح, وتتشوق إلى كأس ماء تشربه, أو إلى وجبة طعام تأكلها, إذا انقضى رمضان, أنت منهي عن المحرمات, الله عز وجل دربك على أن تترك المباحات, فلأن تدع المحرمات من باب أولى, تستسهل بعد رمضان أن تدع الكذب, أو أن تدع إطلاق البصر, أو أن تدع قول الزور, لأنك في رمضان تركت ما هو مباح, تركت ما هو مسموح لكل الناس, فينبغي إذاً: أن يكون رمضان تربية إلهية لتقوية الإرادة.
 والحقيقة: رمضان من عبادات الإخلاص, يجوز تأتي يوم الجمعة إلى المسجد, وأنت ترتدي أجمل الثياب, ومتعطر, ولك مكان في المسجد معروف, تنتهي الصلاة, تلتقي بأخوانك, تصافحهم, تسلم عليهم, تبتسم لهم في وجوههم, هذه عبادة فيها مظاهر, أما وأنت في البيت وحدك, ورمضان في الصيف, وأنت على أحر من الشوق, على أحر من الجمر, لكأس ماء تشربه, تدخل الحمام, وفيه ماء بارد, أو تدخل المطبخ, ولا أحد في البيت, ما الذي يمنعك أن تشرب كأس ماء؟ الله جل جلاله, لذلك قالوا:
 رمضان عبادة الإخلاص.
 هذا معنى قول الله في الحديث القدسي الشريف:

((كل عمل ابن آدم له, إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))

[أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن خزيمة في صحيحه]

 لأن الله أمرك بترك المباحات.

مثل :

 لو أن الأب قال لابنه: يا بني نظف أسنانك, لأنك إن خسرتها, خسرت شيئاً ثميناً, هذا الأمر معقول للابن, يا بني ادرس, إن درست سوف ترقى إلى مكانة علية في الدنيا, هذا الشيء معقول, أما حينما تقول لابنك والطعام موضوع أمامه: لا تأكل, يقول لك: لماذا؟ هكذا, لا تأكل, يقول لك: سمعاً وطاعة يا أبت, هذا أمر يُنفذ بأعلى درجة من العبودية؛ لذلك: الأمر كلما اتضحت معالمه, صار تنفيذه سهل, والعبودية فيه أقل, أما كلما غابت عنك حكمته, صار تنفيذه صعب, والعبودية فيه أعلى, لذلك:

((كل عمل ابن آدم له, إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))

[أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن خزيمة في صحيحه]

خلاصة ما سبق :

 النقطة الأولى إذاً: ينبغي أن نصوم, لا كما تعقل الناقة, لا تدري لا لم عقلت, ولا لم أطلقت؟.
 يجب أن ينقلب الصيام من طقوس وعوائد اجتماعية, إلى عبادة واضحة المعالم ترقى بها.
 والشيء الثاني: يجب أن ترقى بها على مدار العام, لا أن تعود بعد الإفطار إلى ما كنت عليه قبل الإفطار, عندئذ تكون:

﴿نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾

[سورة النحل الآية:92]

 رمضان قفزة نوعية مستمرة وهكذا.
 الشيء الثاني: رمضان من أجل تقوية الإرادة, يعني عندنا مشكلة: هو أن الحق معروف, لكن قد تشكو دائماً ضعف الإرادة, الحق هنا وأنت هنا, ما الذي يعينك أن تصعد إليه؟ قوة الإرادة, فرمضان عبادة سنوية, مهمتها تقوية الإرادة.

ما هو أقوى درجة للتقوى, ولماذا؟ :

 الشيء الآخر: الله جل جلاله قال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:183]

 الحقيقة: التقوى درجات, أحد هذه الدرجات: أن تدع ما حرم الله, وأن تفعل ما أمر الله, لكن هناك درجة أرقى بكثير: هو أنك حينما تتصل بالله عز وجل الاتصال الصحيح, يمتلىء القلب بنور الله, هذا النور تمشي به في الناس:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[سورة الحديد الآية:28]

 لأن مشكلة الكافر:

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق الآية:22]

((الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا))

 فمشكلة الكافر وأهل الدنيا, هؤلاء في عمى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه الآية:124]

﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً﴾

[سورة طه الآية:125]

﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾

 -كنت أعمى في الدنيا-:

﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾

[سورة طه الآية:126]

﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾

[سورة طه الآية:126]

 إذاً: إنسان إن كان مقطوعاً عن ربه هو أعمى, أما إذا اتصل صار مستنيراً, والمستنير لا يقع.

مثل للتوضيح :

 وأوضح مثل: أنك إذا كنت تقود مركبة, في طريق كله انعطافات في الليل, وحوله وديان ساحقة, فإذا انطفأ المصباح فجأة, فالحادث حتمي, وأنت في الدنيا كمركبة تسير في طرقات, كلها انعطافات, وكلها أكمات, وكلها حفر, وعن يمينك واد سحيق, وعن شمالك واد سحيق, فلا بد من نور تهتدي به في هذه الظلمات.
 وكل إنسان إذا انقطع نوره وقع في الخطأ, لأنه متحرك, الشيء الثابت ليس منه خطر, أنت كائن متحرك, ما الذي يحركك؟ الشهوة؛ تشتهي أن تأكل تجوع, وتشتهي أن تقترن بامرأة, إذاً: الدافع إلى الطعام والشراب دافع بقاء الفرد, ودافع الجنس دافع بقاء النوع, هذه الدوافع تجعلك متحركاً, فإذا لا يوجد نور تهتدي به, فالوقوع حتمي, لذلك:

﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[سورة يونس الآية:33]

ما ينبغي أن تفعله في رمضان :

 لو دخلنا في التفصيلات, جاء رمضان, أولاً: يفضل أن تدع حل المشكلات العويصة إلى ما قبل أو ما بعد رمضان, لأن رمضان لا يسع غيره, رمضان شهر يجب أن تُشحن فيه إلى أعلى درجة لا يسع غيره, فمشكلة عويصة لا تحل في رمضان؛ إما أن تحلها قبل رمضان, أو أن تحلها بعد رمضان.
 الشيء الثاني: يفضل -وهذا خلاف عوائد الناس- أن تُقلص اللقاءات, والدعوات, والولائم في رمضان, لأن هذه ولائم, تدعى إلى طعام, تأكل الطعام, تُدعى إلى مزيد من الطعام, تُكثر من الطعام, تميل إلى الراحة, تلغي صلاة العشاء, تصليها في البيت, تلغي التراويح, انتهى رمضان, رمضان بالتراويح.

إياك أن تضيع عليك فرصة رمضان :

 أيها الأخوة, الإنسان في رمضان لو طبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام, لكان هذا الشهر من أمتع شهور العام, لو أصر أحدكم على أن يأكل ثلاث تمرات, ثم يصلي المغرب, التمر ينتقل من الفم إلى الدم في أقل من عشر دقائق, من الفم, إلى الدم, إلى مركز تنبيه الشبع, فلو كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث تمرات نأكلها, ونقوم إلى الصلاة, الصلاة المتقنة تحتاج إلى ربع ساعة أو عشر دقائق, ما بين فرض وسنة.
 الآن: تجلس إلى الطعام, وكأنك في الإفطار, تأكل أكلاً معتدلاً, وتراعي فيه صلاة التراويح, كلما خففت من الطعام, أمكنك أن تتفاعل مع الآيات في التراويح, ينبغي أن تصلي التراويح في المسجد, وأن تصليها عشرين ركعة بالتمام والكمال, لأن هذا هو قبض الجائزة.
 أنت في النهار تركت كل المباحات من الطعام, والشراب, والنساء, وضبطت لسانك , وضبطت عينيك, وضبطت أذنيك, وضبطت يديك, وضبطت رجليك, وضبطت بيتك, أنت في النهار تتقرب إلى الله بطاعته, متى تقبض الثمن؟ في صلاة التراويح, فإذا أهملتها, ولم تعبأ بها, أو أديتها أداء شكلياً سريعاً, ضيعت عليك فرصة اللقاء مع الله عز وجل.
 فرمضان بقيامه, الله عز وجل فرض علينا صيامه, والنبي -صلى الله عليه وسلم- سن لنا قيامه, فيجب أن تربح هذا الشهر وفق صلاة التراويح, أما اليوم انعزمنا, اليوم لم نصل, لم يصح لنا, في اليوم الثاني أكلنا فوق طاقتنا, سنصلي فقط ثماني ركعات في البيت, في اليوم الثالث دعينا المحل بعيد, هناك لا يوجد مساجد, إذاً: نصليها قبل أن ننام إن شاء الله, فإذا أنت ضيعت هذه الصلاة بأعذار واهمة, ضيعت قيمة هذا الشهر.

أمنية :

 فالذي أتمناه عليكم: أنا من فضل الله عز وجل مُصر على نفسي في رمضان أن أدع اللقاءات, هذا رمضان؛ شهر عبادة, شهر إقبال, شهر قراءة قرآن, شهر قيام ليل, شهر أداء التراويح, شهر ضبط النفس, شهر انقطاع لله عز وجل, فالناس يعملونه بالعكس؛ اللقاءات, والولائم, والعزائم, والسهرات للسحور, يأكل, ينام, الفجر لم يصل, وأحياناً في أعمال فنية يتابعونها, وهذه كلها إنما وضعت في رمضان, إكراماً لشهر رمضان المبارك, هذا النمط الذي لا يُعقل ولا يقبل, ينبغي أن نبتعد عنه.
 يعني: من فضل الله على هذه البلدة الطيبة: أنك ترى بعد المغرب وقبيل العشاء, تجد الناس بكثرة في طريقهم إلى المساجد, أليس كذلك؟.
 حدثني أخ مقيم في القاهرة, قال لي: إن أمتع البرامج تبث فيما بين المغرب ومنتصف الليل, فلا تجد أحداً في المسجد قلما, لأنهم يتابعون ما بُث عليهم, إكراماً لشهر رمضان المبارك, كله إكراماً, نعم.
 فأنا الذي أرجوه: يعني نغير نمط حياتنا, من شهر طقوس لا معنى لها, ولائم, لقاءات, إلى شهر عبادات.
 يعني: ممكن تعمل وليمة بالإفطار, ممكن تدعي إنسان لبيتك بالإفطار, أما رمضان, اجعله على الطعام الخفيف, واجعله على الانقطاع للعبادة, واجعله لتلاوة القرآن الكريم.

نهاية المطاف :

 بعد ذلك بالمناسبة: نحن نقرأ القرآن الكريم, هل خطر في بالك أن تقرأ ختمة قراءة متأنية؟.
 يعني: إذا مر معك أمر الهي, عندك خمسون مصحف في البيت, اترك مصحفاً علق عليه, إذا مر معك أمر إلهي, ضع خط تحت هذه بالقلم الأحمر؛ إذا كان نهي أحمر, إذا كان أمر أخضر, اعمل قراءة متأنية, إذا في قانون اعمل له إطار معين, أو سجله عندك؛ يعني اقرأ, تتبع المعاني, وإن قرأت خمس صفحات.
 في بعض الصحابة لهم ختمتان؛ ختمة عبادة, وختمة تدبر.
 فالعبادة: اقرأ كل يوم جزء, أما التدبر: اقرأ كل يوم خمس صفحات؛ اقرأ وتأنى, اقرأ وفكر, اقرأ وادرس.
 فيوجد عندنا تلاوة, ويوجد عندنا غض بصر, لأنه:

((من ملأ عينيه من الحرام, ملأهما الله من جمر جهنم يوم القيامة))

 فأنت صائم, طبعاً: النساء كاسيات عاريات, والأسواق متعبة جداً, لكن هذا رمضان, ينبغي أن تحافظ على غض البصر, لا في رمضان فقط, أبداً, في رمضان من أجل أن تستمر بعدها إلى نهاية العام؛ فعندك غض البصر, ضبط اللسان, وعندك التراويح في المسجد.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور