وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 24 - أين المتحابون بجلالي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الحب في الله عين التوحيد و الحب مع الله عين الشرك :

أيها الأخوة، الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، ولابد للعقل من غذاء وهو العلم، ولابد للقلب من غذاء وهو الحب، ولا بد للجسم من غذاء وهو الطعام والشراب، من نما عقله ولم ينمُ قلبه فهو أعرج، هذا القلب يحتاج إلى أن يحب، تحب من؟ ما من مخلوق إلا ويحب، لكن المؤمن عرف من يحب، أحب الذي لا يموت، بينما سائر البشر يحبون الذي يموت، فإذا مات اختل توازنهم، على كلٍّ هناك حب في الله، و حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، و الحب مع الله عين الشرك، قد تأتيك منفعة من إنسان ليس على منهج الله تحبه لأنه سبب هذا النفع، لكن قد تحب إنساناً ليس بينك و بينه علاقة أبداً إلا لأنه يحب الله ورسوله، فمحبة الله أصل، و محبة سيدنا رسول الله فرع من محبة الله، محبة الصحابة الكرام، محبة التابعين، محبة بيت آل النبي، محبة العلماء العاملين، محبة أولياء الله الصالحين، محبة المساجد، محبة القرآن، محبة أي شيء ينتمي إلى الدين، هذا عين التوحيد، الحب الفرعي من أصل محبتك لله، لكن حينما تحب جهة ليست على ما ينبغي أن تكون لكن مصلحة بينك و بينها هذا حب مع الله و هو عين الشرك، الحديث القدسي اليوم عن المتحابين في الله، مثلاً قد تكون وكيل شركة عملاقة فإذا جاء مندوبها تحتفي به حفاوة لا توصف، ليس هذا هو الحب الخالص، هذا من حبك لذاتك، من حبك لمصلحتك، لو أن هذه الشركة العملاقة سحبت توكيلها و لمحت وكيلها في الشام لا تنظر إليه، فكل الحب الذي بين أهل الدنيا حب مصلحة، هو قائم مادامت هذه المصلحة فإذا انتهت المصلحة تلاشى الحب، إلا أن الحب في الله حب أصيل لا يتأثر، بل إن المؤمن الصادق الحق يحب أولياء الله الصالحين و لو ناله منهم أذى، متقولين أو مخطئين، و يبغض أعداء الله الكفار و لو ناله منهم نفع، هنا البطولة، لذلك الولاء و البراء جزء أساسي من الإيمان، إن كنت مؤمناً حقاً توالي المؤمنين فهم قومك، و لو كانوا ضعافاً و فقراء، و تتبرأ من الكفار و المشركين و لو كانوا أقوياء و أغنياء، ضعاف النفوس يوالون الأقوياء، مع القوي، مع الغني، و لا يعبؤون بقيمهم، و يزدرون من كان ضعيفاً أو فقيراً، لكن المؤمن الحق يحب في الله و يبغض في الله.

أحاديث وردت في الحب في الله :

الأحاديث التي وردت في الحب في الله:

((إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي...))

[مسلم عن أبي هريرة ]

أي هذا حقيقة، تحب أخاً في الله ليس بينك و بينه قرابة، و لا نسب، و لا شراكة، ولا مصلحة، و لا عمل، و لا أخذ، و لا عطاء، و لا أبيض، و لا أصفر، تحبه لله، هذا أقدس أنواع الحب أن تحب أخاً في الله، و حينما يكون الحب بدافع مصلحة فهو قائم ما قامت المصلحة، فإذا تلاشت تلاشى هذا الحب.

((إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي))

[مسلم عن أبي هريرة ]

أي لهم عند الله مكانة كبيرة جداً، هم في ظل الله يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يخاف الناس، يوم يفزع الناس، يوم يصعق الناس، هم في ظل الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، لأنهم تحابوا على غير أرحام بينهم، و قد قيل رب أخ لك لم تلده أمك.
الحديث الثاني الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

((أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ـ أي هل هناك بينكما علاقة مادية أو مصلحة ـ قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

كتطبيق لهذا الحديث اسأل نفسك هل تحب واحداً من أخوتك في المسجد؟ لا يوجد شراكة، و لا قرابة، و لا نسب، و لا علاقة، و لا منفعة، و لا هدية، و لا قرض مال، و لا دفع مال، و لا دعاك إلا بيته و أطعمك، لا يوجد أية علاقة إلا أنك تحبه لله، هذا أقدس حب في الأرض:

((...أيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا، قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

الحديث الثالث في الحب في الله يقول الله عز وجل:

((عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا..........فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

[ الترمذي، أحمد، مالك عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ]

((الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ))

[ الترمذي، أحمد، عَنْ أَبِي مسلم الْخَوْلَانِيِّ]

النبيون يغبطون هؤلاء المتحابين في سبيل الله.

((عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ...))

من أعظم نعم الله على الإنسان أن يكون الذين حوله على شاكلته :

بالمناسبة أخواننا الكرام لو أن شخصاً أحب أخاً في الله حباً خالصاً من السنة أن تبلغه ذلك، أن تقول له: إنني أحبك في الله، فيقول لك: أحبك الله كما أحببتني فيه، أحياناً إنسان يكون بخيلاً بالتعبير عن مشاعره، و يوجد إنسان مسرف في التعبير عن مشاعره، أي لا يحبه يقسم له بالأيمان المغلظة أنه يحبه، و أنه لا ينساه، و أنه طوال الليل لا ينام من شدة شوقه إليه، و هو يكيد له، هذا نفاق و كذب، لكن إذا كان هناك حب صادق ينبغي أن تبلغه، و الله إني أحبك في الله.
أخوتنا الكرام، من فضل الله علينا و من كرامتك عند الله أن يكون الذين حولك على شاكلتك، أن تعيش مع مؤمن كما أنك حيي هو حيي، كما أنك لطيف هو لطيف، كما أنك صادق هو صادق، كما أنك ورع هو ورع، كما أنك تحب الله هو يحب الله، كما أن لك أعمالاً طيبة هو له أعمال طيبة، أي من أعظم نعم الله على الإنسان أن يكون الذين حوله على شاكلته و من هنا قال عليه الصلاة و السلام إن الله اختارني و اختار لي أصحابي:

((..وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: أَاللَّهِ، فَقُلْتُ: أَاللَّه، فَقَالَ: أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

[ الترمذي، أحمد، مالك عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ]

ألله أي أفي الله؟ بحبو ردائي أي أمسكني من ردائي و في رواية أخرى بحبوتي ردائي:

((...الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ))

المؤمن إذا أحببته ازددت حباً في الله والكافر إذا أحببته ازددت بعداً عن الله :

الأخ المؤمن الذي تحبه في الله يخفف عنك من متاعب الدنيا كثيراً، قد تأنس له، و قد تركن إليه، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾

[ سورة هود : 113 ]

اللهم لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق، و ليجعل لنا الله عز و جل الخير على يد المؤمنين لأن المؤمن إذا أحببته ازددت حباً في الله، أما إذا أحببت الكافر ازددت بعداً عن الله.
حكمة هذا الحديث إن أحببت المؤمن ازددت حباً في الله، أما إذا أحببت الكافر فستزداد بعداً عن الله، لأنه بعيد فلما أحببته انتقل إليك حاله أي حال البعد، أما المؤمن قريب إن أحببته اشتققت من محبتك له أحواله الطيبة، لذلك لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله و يدلك على الله مقاله، لا تصاحب إلا مؤمناً، و لا يأكل طعامك إلا تقي، هذا القلب يحب، و لابد من أن يحب، و الذي لا يحب ليس من بني البشر، لكن الفرق الدقيق بين المؤمن و غير المؤمن أن المؤمن يعرف من يحب، يحب الحي الباقي، يحب الذات الكاملة، يحب الذي بيده ملكوت السموات و الأرض، يحب الذي هو أصل الجمال و الكمال و النوال، أنت من تحب؟ تحب الجمال و الكمال و النوال، تحب الجمال الجمال محبب، تحب الكمال و لو كان الشخص قميئاً أو دميماً لكنه كريم صادق شجاع تحبه تحب الكمال، لو أنه أعطاك عطاء وفيراً، حلّ مشكلتك، لا تنام الليل من محبتك له مع أنه قد يكون على غير ما ينبغي من الوسامة و الجمال، تحب النوال أيضاً العطاء، تحب الكمال و النوال و الجمال و هي مجتمعة في الذات الكاملة، الله عز وجل منه النوال و الجمال و الكمال، مرة قال عليه الصلاة و السلام لمعاذ بن جبل: و الله يا معاذ إني لأحبك؟ أنا و الله ما رأيت مرتبة في الأرض تفوق هذه المرتبة أن يحبك رسول الله، ثم إنك هنا قياساً على ذلك إذا أحبك المؤمنون هذه نعمة كبرى أما إذا أحبك الفسقة و الفجار و المنحرفون فهذه وصمة عار، قل لي من الذي يحبك؟ المؤمنون إذاً أنت مؤمن، أما إذا أحبك المبطلون فأنت مبطل، و المرء مع من أحب:

((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ))

[الترمذي، أبو داود، أحمد عن أبي هريرة]

علامة محبة الله أن الإنسان يحب ما ينتمي إلى الله عز وجل :

و أنا أتمنى على كل واحد منكم أن يصطفي أخاً في الله، أخ صادق يتفقده دائماً، يسأل عنه دائماً، يستحلفه بالله إن كانت به ملمة، معه دائماً، يزوره دائماً، يسأل عنه دائماً، يلبي حاجاته دائماً، اصطف واحداً من المسجد يكون قريباً منك، إما لقرابة في النسب، أو لقرب في السكن، أو لزمالة في العمل، اصطفِ واحداً اجعله أخاً في الله، و قد علمنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نتآخى في الله قال: تآخيا اثنين اثنين، أي أخ تتفقده و يتفقدك، تسأل عنه و يسأل عنك، تزوره و يزورك، تنصحه و ينصحك، تأخذ بيده و يأخذ بيدك، هذا الأخ في الله لا يقدر بثمن، لو أن كل واحد منكم اصطفى من أخوة المسجد أخاً واحداً في الله يتعاهدان على الأخوة في الله، أن يكونا مع بعضهما بعضاً، أن يتزاورا في الله، أن يتبادلا، أن يضحيا بشيء عظيم، أن يتعاونا، أن يأتمرا بالمعروف و ينتهيا عن المنكر، أن يكونا صاحبين في الله، أخوين في الله هكذا، إنسان من غير حب كالجثة الهامدة جسم من دون روح، و حينما يلغى الحب في الدين يلغى الدين كله، يصبح الدين ثقافة و فلكلوراً و عادات و تقاليد و الدين من غير حب يمل:

﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾

[ سورة النساء : 142 ]

الصلاة عبء، حضور الدرس عبء، أي أرحنا منها لا أرحنا بها، علامة محبتك لله أنك تحب ما ينتمي إلى الله عز وجل، و هذا القلب قلبك فانظر ماذا ملئ:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾

[ سورة الأحزاب: 4]

تعاهدوا قلوبكم لأنه يوم القيامة:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور