وضع داكن
24-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 013 - المتاع يمكنك أن توظفه في الحق ويمكنك أن توظفه خلاف ذلك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كيف نوفق بين هذا الحديث الشريف: تجب الزكاة في القمح ..... وبين هذه المحاصيل الزراعية:

 أيها الأخوة المؤمنون, حديث شريف ورد في صحيح البخاري, يمكن أن نفهمه فهماً ضيقاً, ولكن لا بد من مقدمة:
 قال عليه الصلاة والسلام:

((تجب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب))

 الذي عنده مزرعة تفاح, أليس عليه زكاة؟ مزرعة فريز, الذي عنده بساتين, تنتج أنواع الفواكه, يضمنها بمئات الألوف, أليس عليه زكاة؟ .
 كيف نوفق بين هذا الحديث الشريف, وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((تجب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب))

 مع أنها في الواقع, تجب في كل ما أنتجته الأرض.
 العلماء قالوا:

((لو أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنواعاً من المحاصيل الزراعية, لم تكن في عهده, الصحابة لا يفهمون شيئاً))

 

 يعني مثلاً: الله عز وجل حرم الخمر, والميسر, والأنصاب, والأزلام, حرم لحم الخنزير, والدم, والميت, أما الهيروين, لم يرد في القرآن الكريم, هل هو محرم؟ لو أن النبي ذكر الهيروين, لا يفهمون شيئاً, كيف يُحرم الآن؟ بالقياس, قال تعالى:

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾

[سورة الأعراف الآية:157]

 هذا هو الدليل العام.
 العلماء قالوا:

((تجب الزكاة في علتها لا في عينها))

 ألم يقل النبي:

((تجب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب))

 قالوا:

((تجب في علتها لا في عينها))

 يعني: أي محصول زراعي ذي قيمة, تجب فيه الزكاة؛ الذرة, العدس, الحمص, تجب فيها الزكاة, تجب لا في عينها, بل في علتها, أنها محصول زراعي ثمين.

ما علة هذا النهي في هذا الحديث؟:

 قال عليه الصلاة والسلام:

((لا يقض القاضي حين يقضي وهو غضبان))

 ما علة هذا النهي؟ أن القاضي الغضبان, يأتي حكمه مضطرباً, ليس في صالح العدل, فإذا كنت غضباناً فلا تقض.
 حسناً: قاض ابنه ملتهب بالتهاب سحايا, وبين الموت والحياة, هل يجب عليه أن يقضي؟.
 إذاً: الغضب عليه: أنه يسبب اضطراب الحكم, وأي شيء يسبب اضطراب الحكم منهي عنه, لذلك العلماء: حملوا على الغضب ثلاثاً وثلاثين حالة, هذه مقدمة.

حديث اليوم :

 أيها الأخوة, أما حديث هذا الدرس: ورد في صحيح البخاري, عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((الخيل لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر.

 -الخيل أداة الركوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, الأداة الراقية في دابة.
 المعنى الضيق: الخيل؛ علتها أم عينها؟ إذا قلنا: علتها السيارة, ما يشبهها: البيت, التجارة, أي شيء من الأشياء التي تعد قوام الحياة؛ إما أن تكون أجراً, وإما أن تكون ستراً, وإما أن تكون وزراً, هذا درس اليوم.

قال-: أما الذي له أجر, فرجل ربطها في سبيل الله.

 -سخر هذه الخيل, أو تلك المركبة في سبيل الله, لخدمة خلق الله, لخدمة الدعوة إلى الله, لنشر الحق, لترسيخ الفضيلة, لجبر الكثير, خيل تشتريها, وترقى بها في الجنة, أو سيارة, وأما التي تعد ستراً-, رجل ربطها تغنياً وتعففاً,  -أراد أن يستخدمها في قضاء حاجاته, أراد أن تكفه عن السؤال, أراد أن تكف أهله عن الوقوف في الطريق, هذه الخيل الثانية كانت ستراً, الأولى أجر, الثانية ستر-, ثم لم ينس حق الله في رقابها, ولا في ظهورها, فهي لذلك ستر,

ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء, -أي معاداة- لأهل الإسلام, فهي على ذلك زور))

 هذا الحديث خطير جداً, يمكن أن تستخدم الخيل, هذه عينها, وعلتها السيارة, وما يشبهها: البيت والتجارة؛ يمكن أن تستخدم هذه الأشياء فتكون أجراً, ويمكن أن تستخدمها فتكون ستراً, ويمكن أن تستخدمها فتكون وزراً.

هذا بإمكانك :

 أيها الأخوة, فكل إنسان بإمكانه أن يوظف ما عنده في سبيل الحق, بيته, إذا كان البيت كل لقاء تم في هذا البيت, كان فيه ذكر لله, بيت مبارك, توبة انعقدت في هذا البيت, دعوة إلى الله تمت في هذا البيت, لقاء طيب تم في هذا البيت, ذكر لله تم في هذا البيت, إطعام الطعام تم في هذا البيت, أمر بمعروف تم في هذا البيت, جبر لخاطر تم في هذا البيت, هذا البيت الذي اشتريته بمالك, يمكن أن يكون سلماً لك إلى الجنة.
قال عليه الصلاة والسلام:

((الخيل لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر))

 المركبة قد توظف في الحق, يمكن أن تنقل بالمركبة طلاب علم, أحياناً: يمكن أن تنقل بالمركبة إنسان مريض, تسعفه ليلاً في الساعة الثانية بعد منتصف الليل, يطرق جارك بابك, أخي أنت عندك سيارة, يمكن أن تأخذ ابني إسعافاً.
 فالمركبة إذا وظفتها في الحق, انقلبت إلى أجر, وإذا قضيت بها حاجاتك وحاجات أهلك, انقلبت إلى ستر, أما إذا ركبت بها من لا ترضي الله, وتمت بها علاقة لا ترضي الله, وارتُكبت فيها معصية لله, كانت هذه المعصية وزراً على صاحبها.
 بيت, الإنسان اشترى بيتاً آوى إليه, آوى أهله, نام في هذا البيت, أكل في هذا البيت, اغتسل في هذا البيت, ارتاح في هذا البيت, نقول: هذا البيت ستر, أما دعا إلى الله في هذا البيت, كل لقاء في هذا البيت, تم فيه ذكر لله عز وجل, صار بيتاً مباركاً, صار هذا البيت سلم إلى الجنة, أما إذا ارتكبت فيه المعاصي والآثام, حفلات الاختلاط, حفلات المنكر, توبعت فيه البرامج حتى الساعة الخامسة فجراً, وتركنا صلاة الفجر, عندئذ: انقلب هذا البيت إلى وزر.
فالمؤمن بإمكانه أن يستخدم بيته, وأن يستخدم متجره, متجر؛ تنوي من هذه التجارة خدمة المسلمين, تنوي مساعدة الضعفاء والمساكين, تنوي ترسيخ الحق في الناس, هذا المكتب التجاري ينقلب إلى مكان عبادة, ويمكن أن تتخذ مكتباً تجارياً, وتقتات منه, تكفي أهلك ونفسك, صار ستراً, أما إذا بعت بضاعة تخرب الأخلاق, وكيل أفلام فيديو, أربح من ...... وكيل صحون ليس طائرة مستقبلة للبلاء, صحن مستقبل للبلاء؛ فما كل بضاعة تعد ستراً, ولا كل بضاعة تعد أجراً, من البضائع ما هو وزر .

اقرأ هذا الحديث مرة ثانية :

 فيا أيها الأخوة الكرام, نعيد الحديث مرة ثانية:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((الخيل لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر, فأما الذي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله, فهي لذلك أجر, ورجل ربطها تغنياً وتعففاً, -تغنياً: ليستغن بها عن الناس, وتعففاً: ليعف بها عن الحرام-, ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها, فهي لذلك ستر, ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء, -أي معاداة- لأهل الإسلام, فهي على ذلك وزر))

اسع إلى أن يكون متاعك سلماً إلى الجنة :

 إنسان أسس تجارة مشروعة, إنسان أسس تجارة محرمة, إنسان أسس تجارة لينشر الحق من خلالها, هناك مشاريع تجارية, معظم ريعها يوظف في نشر الحق, ومساعدة الفقراء والمساكين, فما قولكم؟.
 هل في الناس جميعاً من ليس له بيت يسكنه؟ هل في معظم أصحاب الدخل المرتفع ليس له مركبة يركبها؟ هل لأكثر الناس ليس له عمل يعمل به؟.
 ما قولكم: أن تجعل من مركبتك, ومن بيتك, ومن مكتبك التجاري, أن تجعله سلماً إلى الجنة؟.

((ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا, وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل))

هل تنقلب العادات بالنوايا الطيبة إلى عبادات؟ كيف ذلك؟ :

 أيها الأخوة, النوايا الطيبة تقلب العادات إلى عبادات, العادات: أكلنا, وشربنا, وارتدينا ثيابنا, وتوجهنا إلى أعمالنا, وفتحنا المحل, ونظفنا المحل, واستقبلنا الزبائن, وبعنا, واشترينا, ثم ذهبنا إلى بيوتنا لنأكل, واستلقينا على الفراش قليلاً, وعدنا مساء, وتابعنا العمل, وعدنا إلى البيت, أكلنا, وشربنا, ونمنا, تسع وتسعون بالمئة من الناس يفعلون هذا, المؤمن وحده يجعل من هذا النشاط اليومي المألوف, الذي يفعله الناس جميعاً, يجعله عبادة, فتجارته من أجل نصرة الحق, إذاً: هي أجر, أو من أجل الكفاية والعفة, إذاً: هي ستر؛ أما إذا كانت التجارة من أجل أن يُمضي الليالي الحمراء, وأن يذهب إلى بلد غربي فيبحث عن الأحياء المشبوهة, عن الحي اللاتيني, وعن الشارع الفلاني, وعن الملهى الفلاني, إذا وظف الأموال التجارة في هذه الرحلات, الآن أذاعوها اسم بعض الإذاعات اسمها: رحلات جنسية.
 يعني: يخرج كل خميس من بعض البلاد إلى البحرين, عشرات الألوف للمعصية فقط, يذهبون إلى جنوبي آسيا لارتكاب الزنا, مئات ألوف, صار معروف, في بؤر بالعالم كل المعاصي والآثام فيها, والناس يأنفون أن يرتكبوا الحماقات في بلادهم, يركبون الطائرات ويتوجهون, فالتجارة التي تنتهي بصاحبها إلى مثل هذه الرحلات, لعنها الله من تجارة, إنها وزر على صاحبها, والتجارة التي تكفي صاحبها هم السؤال, وبذل ماء الوجه, هي ستر, أما التجارة التي تبتغي منها أن توظفها في الحق, فهي أجر.
 بإمكانك أيها المؤمن: إذا طلبت العلم, أن تجعل من مركبتك أجراً, ومن تجارتك أجراً, ومن بيتك أجراً, ومن نزهاتك أجراً.
 هناك أناس كثيرون, إذا تنزهوا ذكروا الله كثيراً, ما الذي يمنع أن تكون في مكان جميل, وأن تذكر الله العظيم؟ ما الذي يمنع أن تدعو إلى الله في أي مكان؛ في عقود القران, في أي المناسبات, في كل اللقاءات؟.
 فيا أيها الأخوة, العادات بالنوايا الطيبة, تنقلب إلى عبادات, من هو الخاسر؟ الذي مارس كل هذه الأشياء, وجاء يوم القيامة صفر اليدين, ليس معه شيء.

هذا ما سبق ذكره في المقدمة :

 ذكرت المقدمة: أن الزكاة تجب في القمح والشعير والتمر والزبيب.
 الفقهاء قالوا:

((تجب في علتها لا في عينها))

 علتها القمح, يشبهه الحمص, العدس, أي محصول أساسي في الحياة كالقمح, أي محصول يخزن, ويعد قوتاً, فهو كالتمر والزبيب.

((لا يقض القاضي حين يقضي وهو غضبان))

 حمل العلماء على الغضب ثلاثاً وثلاثين حالة, كلها تؤدي إلى اضطراب الحكم.
 حسناً: عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((الخيل لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر))

 وبثها في الحق أجر, كفيت بها نفسك عن السؤال ستر, وظفتها في المعصية فهي وزر.
 قس عليها المركبة, والبيت, والتجارة, والصحة, والمال, والنزهة, وما إلى ذلك ......

ماذا تتضمن هذه الآية من معان حسب ما وردت في هذا الحديث؟ :

 قال وكيع -حديث آخر-:

((انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم –يعني: وصلت إليه- وهو يقرأ: ﴿ألهكم التكاثر* حتى زرتم المقابر﴾))

[أخرجه ابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]

 ألهكم, ما معنى ألهكم؟ ما هو اللهو؟ أن تشتغل بالخسيس عن النفيس, أن تغوص في البحر, وأن تتحمل المشاق, وأن تعرض نفسك للأخطار, من أجل أن تصعد بالمحار لا باللؤلؤ, تركت اللؤلؤ وأخرجت الصدف, فهذا لهو, اللهو عندك امتحان مصيري, والكتاب المقرر لا تقرؤه, تقرأ قصة سخيفة, هذا لهو, حينما تشتغل بالخسيس عن النفيس, هذا لهو, أنت في الدنيا مطالب بمعرفة الله, والتقرب إليه, فإذا لهوت بما سوى ذلك, فقد ابتعدت عن الحق, قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾

 

[سورة المؤمنون الآية:1]

﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:2]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:3]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:4]

 قال وكيع:

((انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وهو يقرأ:﴿ألهكم التكاثر.
-الإنسان أحياناً: يصل إلى درجة في عمله, لا يبتغي تأمين رزقه, يبتغي التكاثر, التباهي, التفاخر, الجمع-.
حتى زرتم المقابر﴾))

 يعني: فجأة من أفخر بيت إلى قبر صغير, من أفخر مكتب إلى قبر صغير, والقبر كلكم يعلم ما القبر؟.

هذا ما يبقى لك من مالك :

 قال عليه الصلاة والسلام:

((يقول ابن آدم: مالي مالي, وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأبقيت, أو لبست فأبليت, أو أكلت فأفنيت؟))

 حسناً: ليس لك من مالك إلا ثلاثة أشياء؛ تصدقت فأبقيت, لبست فأبليت, أكلت فأفنيت, وما سوى ذلك.
 شخص معه مليون, على الطعام, والشراب, واللباس, أنفق مئة ألف, له من هذا المليون مئة ألف, والأقية ليست له عليه وزرها, دون أن ينتفع بها, لذلك العلماء فرقوا: بين الكسب, وبين الرزق؛ الرزق ما انتفعت به, الرزق هذا القميص الذي ترتديه, وطبق الطعام الذي أكلته, وهذا البيت الذي تسكنه فقط, وما سوى ذلك: كسب تُحاسب عليه, من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ دون أن تنتفع به, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((وهل لك من مالك إلا ما تصدقت به فأمضيت, أو فأبقيت, أو لبست فأبليت, أو أكلت فأفنيت؟ وما سوى ذلك ليس لك))

 الذي لك هو الرزق, وثلث الرزق, الذي يبقى الصدقة, وحدها تبقى.
 قالت:

((يا رسول الله! لم يبق من الشاة إلا كتفها, فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقيت كلها إلا كتفها))

هذا ما أوحى الله إلى نبيه عليه الصلاة والسلام :

 النبي صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه, وقال:

((وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا, حتى لا يفخر أحد على أحد))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 الإنسان حينما يفتخر؛ يكون فخره نقصاً في إيمانه, يكون فخره نقصاً في عبوديته, يكون فخره نقصاً في علمه, يكون فخره دليلاً على فتور عبادته, يكون فخره دليلاً على انقطاعه عن الله عز وجل.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا, حتى لا يفخر أحد على أحد))

 والإنسان حينما يفخر, كثرة الظهور تقصم الظهور:

﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾

[سورة القصص الآية:79]

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾

[سورة القصص الآية: 81]

 عند بعض الناس رغبة في عرض ما عنده, والافتخار على من لا يملكون هذا الشيء, هذا السلوك لا يتناسب مع الإيمان, المؤمن يظهر تواضعاً, ولا يفتخر إلا بالشيء الذي ينفعه في الآخرة, لذلك:

((قيمة الرجل ما يحسن))

 وفي آخر الزمان: قيمة المرء متاعه, يعني: يستمد قيمته من متاعه فقط.

هذا ما ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم :

 وعن ابن عباس رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

((لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية, فو الذي نفسي بيده, من افتخر بآبائه الذين ماتوا في الجاهلية, كان الجُعلُ خيراً من آبائهم))

 يعني: الإنسان أحياناً يعتز بإنسان كافر, لكنه قوي؛ المؤمن لا يعتز إلا بمؤمن, المؤمن لا يعتز إلا بالله, الإنسان المنقطع, الفاجر, الكافر, البعيد, لا تعتز به.

((من جلس إلى غني فتضعضع له, ذهب ثلثا دينه))

 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((من انتسب إلى تسعة آباء كفار, يريد بهم عزاً وكرامة, فهو عاشرهم في النار))

[أخرجه أبو يعلى, والطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط, والإمام أحمد في مسنده]

محور الدرس :

 محور الدرس: الفخر بالمال والنسب, المال يمكن أن يوظف في الحق فيكون أجراً, أو أن تنتفع به فيكون ستراً, أو أن تستخدمه في المعصية فيكون وزراً, فمن افتخر بماله, وقع في شر عمله, وكذلك الانتماء إلى عصبيات جاهلية, المؤمن لا يفتخر إلا بالمؤمنين؛ انتماؤه للمؤمنين, ولاؤه للمؤمنين, محبته للمؤمنين.

((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به))

 قال تعالى:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:24]

 أيها الأخوة الكرام, محور الدرس: الحديث الأول الذي يبين فيه النبي عليه الصلاة والسلام: أن دنياك التي في حوزتك, يمكن أن تكون سلماً إلى الجنة, فالشقي من ضيع هذه الفرصة الذهبية, وجعل دنياه وزراً أو ستراً, ولم يرق بها في الجنة, وكل شخص من أخواننا الكرام: بإمكانه أن يستفيد من هذا الحديث, وأن يجعل من نواياه الطيبة أعمالاً صالحة.
 أنا سمعت السلف الصالح: كان إذا فتح دكانه, ورفع الغلق, يقول:

((نويت خدمة المسلمين))

 من الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية أعمال صالحة, باع مسلم بضاعة جيدة, بسعر معتدل, نفعه بها, لم يكذب, ولم يغش, كل وقته بالعمل الصالح, فكل شخص منا إن اشترى مركبة: نويت بها خدمة المسلمين, نويت بها نشر الحق, إن اشترى بيت: نويت به أن يكون هذا البيت مبارك, أي أن يكون فيه ذكر لله عز وجل.
 يعني: شخص صاحب مزرعة فخمة جداً في الصبورة, دعا طلاب العلم الأجانب المتخرجين, ودعا سبعمئة إنسان, وألقيت كلمات رائعة, والناس تأثروا تأثراً كبيراً, ثم دعاهم إلى طعام العشاء, دعي شخص من هؤلاء المدعووين, قال: أنا لا أفهم, هذه مزرعة فخمة جداً, موظفة للحق!!.
 أنا أعرف المزارع للمعاصي؛ مسابح, ونساء كاسيات عاريات, واختلاط, مزرعة في هذه الفخامة, موظفة لطلاب العلم؛ لإكرامهم, لتكريمهم!.
 ممكن كل شيء تملكه توظفه بالحق, هذا بيدك؛ تغدو عندئذ المزرعة مباركة, والمكتب التجاري مبارك, والبيت مبارك, والمركبة مباركة, فإنسان مركبته ينقل بها أخوانه لدروس العلم أبداً, دائمة ممتلئة, هذا عمل صالح.
فالملخص: بإمكانك أن تجعل من مركبتك, وعملك, وكل نشاطاتك سلماً إلى الجنة, أجراً أو ستراً, ونعوذ بالله أن تكون وزراً, والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور