وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0679 - تعليم الفتاة العلم الشرعي - لهذه الأسباب أخرجته من بيتي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ضرورة تعليم الفتاة الأمور الشّرعيّة :

 أيها الأخوة الكرام، موضوع الخطبة اليوم ضرورة تعليم الفتاة الأمور الشرعية فالمرأة المسلمة - أيها الأخوة - تعاني من عصور قديمة من حرمان كبير لكثير من الحقوق التي منحها إياها الإسلام، وحجبها المجتمع عنها بقصد أو بغير قصد، أهم حق خسرته المرأة حقها في تعلّم العلم الشرعي، التأكيد على العلم الشرعي، حقها في تعلم العلم الشرعي، لأنك إن علمت رجلاً علمت واحداً، وإن علمت فتاة علمت أسرةً، لأن الأسرةً أناط الله بها تربية أولادها، فإذا كانت متفقهة في العلوم الشرعية، عرفت حق زوجها، وعرفت حق أولادها، وعرفت واجبها تجاه زوجها وأولادها، فإذا أحسنت المرأة تبعل زوجها وأولادها فهي كالمجاهدة في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسلام يخاطب النساء عامة من خلال امرأة قال لها:

((اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ]

 كيف تحسن المرأة تبعل زوجها؟ كيف تعرف مهمتها الأولى التي أنيطت بها؟ كيف تعرف حق زوجها عليها؟ كيف تعرف حق أولادها عليها؟ لا أقول هذا الكلام من فراغ..
 رُفعت إليّ قضية في هذا الأسبوع عن مشاجرة بين زوجين من أجل صلاة الأولاد، الأم تصرُّ على أن يبقوا نائمين دون أن يصلوا، من أجل أن ترتاح أجسامهم، والأب يصرُّ على إيقاظهم إلى الصلاة، فالمرأة الجاهلة عقبة كأداء أمام تربية أولادها، فلا بد من تعليم المرأة التي هي زوجة وأم العلومَ الشرعيةَ، أركانَ الإيمان، أركانَ الإسلام، حقائقَ الزواج، حقوقَ الزوج، حقوقَ الزوجة، ألا ترى أيها الأخ الكريم أن معظم النساء يظهرن بأجمل زينة لكل جهة إلا الزوج؟ ألا ترى أن المرأة قد تفضل لقاءً مع صديقاتها على تربية أولادها؟ هذا كله جهل انعكس تفتتاً في الأسرة وانحرافاً في الأولاد.

 

حق المرأة في العلم الشرعي حق مكتسب :

 حق المرأة في العلم الشرعي حق مكتسب، ذكره الله تعالى في القرآن الكريم، وأيَّده عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله، فالآية الأولى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق الآيات : 1-5 ]

 أول آية أنزلت في القرآن الكريم:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

 لك أن تقرأ من الكون، ولك أن تقرأ من الكتب، لابد من أن تقرأ؛ لأن القراءة هي الحاجة العليا في الإنسان، في الإنسان حاجات سفلى يشترك بها مع غيره من المخلوقات، الطعام والشراب والجنس، بينما حاجته العليا هي معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله أصل الدين، لذلك كانت أول آية في القرآن الكريم:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 العلم يجب أن يوظف لمعرفة الله، كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن أذنٍ لا تسمع. دخل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد، فرأى رجلاً تحلق الناس حوله، فسأل من هذا؟ سأل سؤال العارف، قالوا: هذا نسابة، قال: وما نسابة؟ قال: يعرف أنساب العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به.
 لا ينبغي أن نعلم الفتاة أي شيء، يجب أن نعلمها الكتاب المقرر الذي هو بمثابة حجر الزاوية في حياتها، إنه القرآن الكريم، إنها السنة النبوية، إنها الآداب الإسلامية، فكم من بيت هو قطعة من الجحيم بسب الزوجة، كم من زوجة ترتكب أفدح الأخطاء لجهلها فقط؟؟ ما علمتها أمها أحكام دينها، علمتها فن الطبخ، علمتها فن التزين.

 

توظيف العلم لمعرفة الله و السمو بالنفس :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 أيْ لابد من أن تلبي حاجة العقل بمعرفة خالق الكون، بمعرفة منهج خالق الكون، لحمل النفس على طاعة الله، هذه هي الحاجة العليا، هذه هي الحاجة التي إذا لبيتها كنت إنساناً، هذه الحاجة التي تؤكد إنسانية الإنسان،

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

 العلم يجب أن يوظف لمعرفة الله، للسمو بالنفس، ليس العلم في الإسلام هدفاً بذاته إنما هو وسيلة.
 أيها الأخوة الكرام، هذه الآية الأولى، لك أن تقرأ في الكون، فالكون قرآن صامت، ولك أن تقرأ في القرآن فالقرآن كون ناطق، ولك أن تقرأ في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.. قرآن ناطق، وقرآن صامت، وقرآن يمشي:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 من أجل أن تعرف الذي خلقك، من أجل أن تعرف سرَّ وجودك، وغاية وجودك، من أجل أن تعرف منهج ربك، من أجل أن تحمل نفسك على تطبيق منهج ربك:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 الإنسان يحب الزيادة في كل شيء، نفس الإنسان تواقة إلى المزيد، بماذا أمرنا أن نستجيب ؟.. قال تعالى:

﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[ سورة طه : 114]

 لسان حال الناس: وقل رب زدني مالاً، وقل رب زدني جاهاً، وقل رب زدني استمتاعاً بالحياة، هذا لسان حال الناس، لكن الإنسان المؤمن ينبغي أن يكون هذا حاله،

﴿وَقُلْ رَّبِ زِدْنِي عِلْماً﴾

  منهومان لا يشبعان، طالب علم، وطالب مال.

 

العلم و العمل هما مقياس التفاضل بين الناس :

 أيها الأخوة الكرام، أمور الدنيا لها سقف، مهما كنت غنياً لابد من أن تأكل وجبة محدودة، مهما كنت غنياً لابد من أن تسكن في غرفة واحدة في وقت واحد، لابد من أن ترتدي ثوباً واحداً في الوقت الواحد، هناك سقوف كثيرة، إلا أنك إذا عرفت الله، ليس هناك سقف لسعادتك، الطريق السالك إلى ما لا نهاية طريق العلم، أما الطرق الأخرى فكلها طرق مسدودة، تنتهي بالموت، لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[ سورة طه : 114]

 الناس اتفقوا عن غير اتفاق بينهم على أن يعظموا أصحاب الأموال الأقوياء، الأذكياء، أصحاب الشكل الوسيم، هذه قيم الناس، ولكن الله عز وجل في القرآن الكريم جعل المقياس في التفاضل بين الناس العلم والعمل، قال تعالى:

﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الزمر: 9]

 شرف العلم والعلماء شرف عظيم، بل إن الله جل جلاله شرّف العلم والعلماء، وجعلهم في مرتبة أعلى من مرتبة سائر البشر، قال تعالى:

﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الزمر: 9]

 بل إن رتبة العلم أعلى الرتب، والمرأة التي تعرف أحكام دينها تعرف ربها، تعرف أحكام الشريعة، تعرف ما لها وما عليها، تعرف واجبها تجاه أولادها، واجبها تجاه زوجها، هي امرأة لا تُقدر بثمن:

((فاظفر بذات الدين تربت يداك))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 أيها الأخوة الكرام، حتى فيما بين العلماء هناك مراتب، ودرجات، وأناس متفوقون وأناس غير متفوقين، وقد ميز الله بين العلماء، وجعل هذا العلو مختلفاً من عالم إلى عالم، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

[ سورة المجادلة : 11]

 فهناك عالم وغير عالم، والعالم درجته بحسب علمه :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمُ﴾

[ سورة يوسف : 76]

الخطاب الموجه إلى الذكور في القرآن موجه حكماً إلى الإناث أيضاً :

 أحد العلماء الأجلاء يقول ما نصه: الخطاب إذا خاطب الله الذكور في القرآن الكريم، فهو خطاب حكمي للذكور والإناث- عام للذكور والإناث- إذ أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكر إذا أطلقت في القرآن الكريم ولم تقترن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء، لأنه يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع، وهذه حقيقة في أصول الفقه ثابتة أي أمر موجه إلى الذكور موجه حكماً إلى الإناث، على قاعدة التغليب فإذا اجتمع الجنسان في أمر غُلِّب الذكور، وجاء الخطاب بصيغة المذكر:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾

[سورة النساء: 135]

 أي آية تبدأ بقوله تعالى:

﴿يا أيها الذين آمنوا﴾

  فيها أمر ضمني إلى المؤمنات.

 

المساواة بين المرأة و الرجل في التكليف و التشريف و المسؤولية :

 أيها الأخوة الكرام، من الثابت أن المرأة مساوية للرجل في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، وربنا عز وجل تأكيداً لهذه الحقيقة، وتوضيحاً لها، ودعماً لها، في بعض الآيات الكريمة خاطب النساء والرجال معاً قال تعالى:

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾

[سورة آل عمران : 195]

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراًعَظِيماً﴾

[ سورة الأحزاب : 35]

 فهذه آيات عدة، آيات تؤكد أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، فلماذا لا تعلم الفتاة أحكام دينها؟.. لماذا لا تعرفها بربها؟.. لماذا لا تبصرها بعلة وجودها؟ لماذا لا تبين لها مهمتها في الحياة؟ وهي أخطر مهمة على وجه الأرض.

الأم مدرسةً إذا أعددتها  أعددت شعباً طيب الأعراق
***

 هؤلاء الصغار الذين في الطرقات، إن أعجبتك أخلاقهم فمن أمهاتهم، وإن لم تعجبك فمن أمهاتهم، هذه المرأة جعلها الله المربية الأولى، ورد في الأدب المفرد للإمام البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد الدخول قبلي، تنازعني دخول الجنة، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هذه امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً، فأبت الزواج لأجلهم))

[ الأدب المفرد للبخاري ]

 امرأة تأبى الزواج، تحرم نفسها حظها من الرجال من أجل تربية أولادها، هذه بحسب هذا الحديث تنازع النبي دخول الجنة والحديث رمزي، أي لها عند الله شأن كبير.
 الآية الكريمة:

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾

[سورة آل عمران : 195]

طلب العلم فريضة على كل ذكر و أنثى :

 شيء آخر، يقول الله عز وجل:

﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾

[سورة فاطر: 28]

 وهذه المرأة لا تخشى الله إلا إذا عرفت الله، إن لم تعرفها بالله كيف تخشى الله؟ ما من رجل فيما أعلم يحلف على امرأته يمين طلاق- وسوف تفاجؤون- إلا كسرت يمينه بجهلها، تضحي بمستقبلها، تركب رأسها، يتملكها الشيطان، لجهلها، لجهلها بنعمة الزواج، تكفر بهذه النعمة، لا ترعوي، لا تنصاع لزوجها، لجهلٍ، ولحمق، ولغباء، ولبعد عن مناهل الدين، إنها تتغذى لا من الكتاب والسنة، تتغذى من جهات أخرى لا ترضي الله عز وجل، تتغذى من الساقطين والساقطات.
 أيها الأخوة الكرام، حينما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

((طلب العلم فريضة على كل مسلم))

[ ابن ماجة عن أنس بن مالك ]

 ماذا نفهم من هذا الحديث ؟ مادام طلب العلم فريضة فالذي لم يطلب العلم وقع في الإثم، الذي لم يطلب العلم وقع في الإثم، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم، قال العلماء: على كل شخص مسلم ذكر كان أو أنثى .
 وفي الحديث الصحيح أيضاً الذي رواه الإمام مسلم والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة))

[ الترمذي عن زر بن حبيش]

 أليست الجنة للذكور والإناث أم للذكور فقط؟ بل للذكور والإناث، إذاً على المرأة أن تسلك سبيل الجنة، وسبيل الجنة هو العلم، وهذا استنباط يقيني قطعي، ما دامت الجنة للرجال والنساء، للذكور والإناث، وسبيل الجنة هو العلم، لقول النبي الكريم:

((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة))

[ الترمذي عن زر بن حبيش]

 وفي هذا الحديث تغليب كما قلت قبل قليل..
 أيها الأخوة الكرام، مادامت الجنة للرجال والنساء فالعلم إذاً لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل يشمل النساء والرجال معاً. وفي الحديث الصحيح عن أبي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ؛ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ))

[ متفق عليه عن أبي بردة عن أبيه ]

 التركيز على أدَّبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، والفتاة التي تعرف أحكام دينها فتاة لا تُقدر بثمن، إنها الأم الناجحة، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والمرأة الجاهلة عدوة نفسها، قد تخسر زوجها بحمقها، وقد تخسر أولادها بحمقها، وقد تهمل واجبها الذي أنيط بها بحمقها وجهلها، أما إذا عرفت ربها، فهي إنسانة قد تساوي قلامة ظفرها مليون رجل، المرأة إذا عرفت ربها، وعرفت واجباتها تجاه زوجها وأولادها، قد تساوي قلامة ظفرها مليون رجل شارد وتائه:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

سؤال الصحابيات النبي الكريم عن الأحكام الشرعية :

 وفي الحديث الصحيح أيضاً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:

((قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاثْنَتَيْنِ فَقَالَ وَاثْنَتَيْنِ ))

[ متفق عليه عن أبي سعيد الخدري]

 أيها الأخوة الكرام، صحابيات كثيرات سألن النبي عليه الصلاة والسلام عن الأحكام الشرعية، هذه خولة بنت ثعلبة، تقول: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونفر بطني، وتفرق أهلي، قال لي: أنت عليَّ كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا - أنا أربيهم - وإن ضممتهم إلي جاعوا - هو ينفق عليهم، هذا التكامل بين الذكور والإناث - بكى النبي عليه الصلاة والسلام، هذه الصحابية الجليلة كانت تمشي في الطريق مرةً فسألت سيدنا عمر، فنزل عن دابته، وأصغى إليها باحترام، عجب أصحابه قال: ألا أصغي لها وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات؟؟ هذه المرأة أجاب القرآن عن سؤالها:

﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾

[سورة المجادلة: 1]

 أيها الأخوة الكرام، أسماء بنت يزيد سألت النبي عن المحيض وأجابها القرآن الكريم.. أم سليم بنت ملحان والدة أنس بن مالك سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتلام، قال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا - نحن أصحاب النبي - حديثاً قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها علماً، هذه المرأة التي ينبغي أن تكون أماً، وأن تكون زوجةً، وأن تعلم أبناءها أحكام دينهم، وآداب الإسلام، وحب النبي العدنان.
 القصة الشهيرة في الحديبية، حينما أمر النبي أصحابه أن يحلقوا وأن يذبحوا، فتروي الروايات أن أصحاب النبي طمعوا في فتح مكة، وطمعوا في أداء مناسك العمرة، وحيل بينهم وبين هذا الطلب فتألموا ألماً شديداً، وتلكؤوا في تنفيذ أمر النبي، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام على أم سلمة، وأنبأها بتلكؤ أصحابه في تنفيذ أمره فقالت: يا رسول الله - اسمعوا هذه الزوجة الحصينة- اخرج لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو خالقك فيحلق لك، فلما رأى أصحاب النبي نبيهم عليه الصلاة والسلام قد نحر البدن التي جاء بها لينحرها، وحلق رأسه فنحروا بدنهم، وجعل بعضهم يحلق لبعض، وانتهى الأمر، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾

[ سورة الطلاق: 6]

 أي تنصحها وتنصحك، تأمرها وتأمرك، تصغي إليها وتصغي إليك، وهكذا الحياة بين الزوجين.

 

حاجة المرأة إلى العلم الشرعي حاجة أساسية :

 أيها الأخوة الكرام، حاجة المرأة إلى العلم الشرعي حاجة أساسية، لصالحها، لتنجو من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، وحاجة لمجتمعها كي تربي أولادها على العقيدة الصحيحة، وعلى الخلق القويم، وعلى الآداب الإسلامية فلابد من أن ينتبه الآباء إلى تعليم بناتهم الأحكام الشرعية، والعلم الشرعي، كي تكون هذه المرأة زوجةً صالحةً تؤدي حق زوجها وحق أولادها، وبذلك تكون قد بلغت مرتبةَ الجهاد في سبيل الله.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لهذه الأسباب أخرجته من بيتي :

 في بعض المجلات الرصينة زاوية من زواياها المتعددة، عنوان هذه الزاوية أجمل ما قرأت، وإذا صح أن يكون في خطب الجمعة زاوية من هذا القبيل، فقرة من هذا القبيل، أجمل ما قرأت، فإني قرأت في هذا الأسبوع مقالة في مجلة إسلامية، بعنوان : " لهذه الأسباب أخرجته من بيتي" .
 جاء في هذه المقالة: لقد اكتشفت فجأة أن الوحش كان يقيم بيننا طوال تلك السنين دون أن ندري، لقد كان دائم التجمل أمامنا ليخدعنا، لقد دخل بيتنا ضيفاً عزيزاً أكرمناه، وأحللناه في صدر البيت، راح يتكلم ونحن نصغي إليه بانتباه شديد، يعرض علينا ما يشاء من المناظر النافع منها والخبيث، نتلقاها باحترام، نحافظ أمامه على الهدوء والسكينة، فلا نقاطعه، ولا ننتقده، بل نصغي إليه باستسلام كامل، ولساعات طويلة كل يوم، حارمين أنفسنا من التفاعل فيما بيننا وبين الآخرين، ومضت السنون ونحن على أدبنا في حسن الاستماع إليه وحده، حتى تنبهنا ذات يوم إلى حقيقة مرعبة، فخلال هذه السنين الطويلة، قام هذا الضيف الذكي ببناء علاقة ودية وفكرية ومزاجية مع كل أفراد الأسرة، تأصلت ونمت على حساب علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، التي ضعفت حتى أصبحنا نعيش في بيت واحد كالغرباء، وأصبح كل منا منسجماً مع هذا الضيف، ويبني علاقاته بالآخرين لا من خلال المبادئ الدينية الأصيلة، ولا من خلال القيم الأخلاقية الخالدة، ولكن من خلال ما يوحيه إليه هذا الضيف من خلال حديثه وعروضه، ولم يترك لنا هذا الضيف وقتاً لنبحث فيه عن الحقيقة، وعما يسعدنا في دنيانا وأخرانا، فالوقت وهو أثمن شيء في الحياة ليس ملكنا، بل ملك هذا الضيف، حتى أصبح المصدر الوحيد لثقافتنا ،ولا يسمح لنا بتنويع مصادر هذه الثقافة، ولم يعد متاحاً لنا كوالدين القيام بمسؤولياتنا التربوية تجاه أولادنا، بل انحصر همنا في تأمين الطعام للأولاد، وانحصر همّ الأولاد بتناول الطعام بصحبة هذا الضيف، ولكثرة ما عرض عليهم هذا الضيف من مشاهد العنف والإثارة، التي راحت تتزاحم في ذاكرة الأولاد، وتملأ صورها مخيلتهم، وتجعل فكرهم في انشغال دائم بين مختلف المؤثرات الصوتية، والصور المثيرة، فلم يعد أحدهم قادراً على استيعاب دروسه، وغلب العنف على تصرفاته، والأنانية على طباعه، وسيحتاج كل منهم إلى سنوات طويلة من إعادة التأهيل، ليتخلص من هذه الأنانية، وهذا العنف ليصبح عضواً صالحاً في الأسرة وفي المجتمع، وهؤلاء الأولاد هم أعزُّ ما نملك، ولم يبق لي منهم إلا أجسامهم، أما أفكارهم، وعواطفهم، وأخلاقهم فقد أصبحت لشخصيات غريبة عن مجتمعنا، وعن قيمنا، وعن مبادئنا، ولا يجمعني بهم جامع، وأمام هول هذه الكارثة، قررت أن أقوم بمبادرة أخيرة أحاول بها استرجاع أسرتي، وبقرار حازم أخرجت هذا الوحش من حياتنا، مستغنياً عن أناقته، وجميل طلته، وبدائع أكاذيبه حتى إني استغنيت عن تقاريره العلمية التي يمكن أن آخذها من ألف مصدر ومصدر.
 الحقيقة أيها الأخوة أنني قرأت هذه المقالة ولم أفهم من هو هذا الضيف، أردت أن أعرض عليكم هذه المقالة، فلعل أحدكم يكتشفه فيا رب مبلغ أوعى من قارئ.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور