وضع داكن
25-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 088 - حديث أي الناس أفضل؟ قال رجل في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره - استحباب العزلة عند فساد الزمان والناس2
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة المؤمنون؛ اخترت لكم في هذا الدرس, موضوع من رياض الصالحين، ومن كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، هذا الموضوع تحت عنوان: 

باب استحباب العزلة عند فساد الزمان.

هناك أحاديث صحيحة كثيرة, توجه المؤمن عند فساد الزمان, أن يعتزل المجتمعات الفاسدة، وقبل أن أمضي في الحديث عن هذه الأحاديث وشرحها, لا بد من مقدمة.

أيها الإخوة؛ كنت أقول دائماً: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لعلي أضع أيديكم على مرض يعاني منه معظم المؤمنين، مرض أنه يصلي فلا يشعر بشيء، يقرأ القرآن فلا يشعر بشيء، يذكر الله فلا يشعر بشيء، هناك مشكلة.

هل هذه الصلاة التي نصليها هي التي أمرنا الله بها؟. 

إله عظيم خالق السموات والأرض, يأمرك أن تقف، وأن تقرأ، وأن تركع، وأن تسجد، دون أن تشعر بشيء, حركات إيمائية لا معنى لها، عندنا مشكلة.

المشكلة فيما يبدو لي: 

أن الكبائر إذا تركها الإنسان، وتوهم أنه فعل شيئاً عظيماً, نقول له: لا، هذا طالب العلم؛ هل يعقل أن يقتل؟ هل يعقل أن يزني؟ هل يعقل أن يشرب الخمر؟ هل يعقل أن يسرق؟ مستحيل.

من أين مأخذه طالب العلم؟. 

لا يمكن أن يؤخذ من الكبائر، مستحيل، ما من طالب علم في مسجد, إلا وهو يجتنب الكبائر.

من أين يؤخذ؟ لما هذا الحجاب بين الإنسان وربه؟ لمَ يصلِ ولا يشعر بشيء؟ لمَ يتصدق فلا يشعر بشيء؟ لمَ يقرأ القرآن فلا يشعر بشيء؟ لمَ يذكر الله فلا يشعر بشيء؟. 

ثمة مشكلة كبيرة.

فالإنسان إما أن يأخذ دور النعامة، يضع رأسه في الرمل، ويتوهم أنه على حق، وهو من طلاب العلم الشرعي، والجامع الفلاني، وشيخه فلان، وإخوانه كلهم طيبون، لكن عملياً ليس هناك اتصال، هناك حجاب.

أيها الإخوة؛ متى يمكن أن تتصل بالله؟.

 كلام لا أقوله لعامة الناس، أقوله للخاصة، أقوله لطلاب العلم، إذا كانت الشهوة أغلى عليك من الله, فالطريق إلى الله مسدود. 

لعلك تقول: هذه قسوة بالغة من الأستاذ، هذا تزمت. 

إذا كانت الشهوة أغلى عليك من الله، تقول: أنا هذا الشيء لا أستطيع أن أتركه, لا أسميه، أخي هذا حضارة، أعيش مع الناس، مع العالم كله، لكن هذا سم في الدسم، الله عز وجل أثبت من الخمر بعض المنافع, قال تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾

[ سورة البقرة ]

وهي محرمة تحريماً قطعياً، ما دام ثمة معصية ومخالفة, فأنا لا أتزمت، ولا أشدد.

لكن أنا أضع يدي على الجرح، ما دام هناك مخالفة ونظرة لا ترضي الله، وصورة تثير الشهوة، وأنا أتابع النظر إليها، على أساس أن هذا شيء لا بد منه، وهو حضارة، وتعيش مع العالم بكل تفاصيل أحداثه.

إذا سمع الإنسان عن زلزال تركيا، وما رأى أي صورة من صور الزلزال, يموت من روعه إذا ما رأى الصورة، وسمع الخبر, ما الذي يحصل؟.

إذا كان مع الصور أشياء مثيرة، أنت تقدر أن تصلي العشاء بعد ذلك، كن واقعيًّا، إذا كنت في نظرة إلى شيء لا تجوز, هل تستطيع أن تتصل بالله عز وجل؟ فأي شيء يمنعك عن ذكر الله, يحجبك عن الله، ينبغي أن تضحي به، ولا يحدث شيء، ولا يحدث إلا كل خير. 


نصيحة لطلاب العلم.


أيها الإخوة؛ فأنا أتمنى على كل طالب علم, يكون حكيمَ نفسه، يراقب قلبه، يتابع أحواله مع ربه، فثمة شيء يمنع أن أتصل بالله, هل أنا متلبس بمخالفة، بمعصية، بتقصير، لم أؤدِّ واجبًا معينًا، أو فرضًا معينًا، ليست حواسي منضبطة كما ينبغي، فيها تقصير أو مخالفات ، تجد أمامك حجابًا، وكلامًا مملاًّ، والصلاة ثقيلة.

صدقني أنا أقول الحقيقة: تجد الصلاة كالجبل، تصلي كيفما شئت بأقلّ حركة، قال له: لا تطلها، قام وقرأ: مد هامتان، قال له: أطلتها اثنتين بركعة واحدة، مد هامتان بركعة واحدة، مد هامة، مد هامة, اقرأ لنا: قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾

[ سورة النساء ]

أتمنى أن يعامل الإنسان الله بصدق، بوضوح، فإذا تركت شهوة, تعلقت بها من أجل أن ترضي الله، هل يحرمك الله من شيء؟ ممكن أن تكون محرومًا، الذي أعطى نفسه حظها هذا غير محروم، والذي ضبط شهواته، وضبط حواسه, فهذا المحروم؟ مستحيل.

يجب أن تعتقد أيها الأخ, أنه مستحيل ألف مرة أن تعصيه وتربح، وأن تطيعه وتخسر.

أنا لا أقول: إن المؤمن معصوم، لكن المؤمن حريص حرصاً لا حدود له على أن يستقيم على أمر الله، فحينما تؤثر رضاء الله على كل حظوظ نفسك, عندئذٍ يكون الطريق إلى الله سالكًا، أبداً.

وليس هناك أيها الإخوة؛ ليس هناك أثمن من رضاء الله، خالق الكون راضٍ عنك، ليس هناك أعقل ممن يمشي برضوان الله، ليس هناك أحزم ممن يضبط شهواته كلها، وليس في الإسلام حرمان. 

يا أيها الإخوة الكرام؛ هناك قواعد مستنبطة من حركة الإنسان في الحياة، أهل الإيمان إذا سهروا مع بعضهم كانوا رجالا فقط، أما أهل العصيان فمختلطون، وبحسب ما يبدو للإنسان, أن الاختلاط أمتع للإنسان، كل امرأة لبست أجمل ما عندها، وتبرز أجمل مفاتنها، وأنت تنقل عينك من واحدة إلى واحدة، هنا تطرح طرفة، هنا تضحك هذه، سهرة مبْلولة كما يقول العوام، تلك ناشفة، معقول من إنسان يلتزم بالحق, لا يكون أسعد من هذا المتفلت! إله عظيم الذي أطاعه، وخاف أن يعصيه، ورجا رضوانه، وخشي عذابه، هذا يكون أقل سعادة من المتفلت؟ دققوا بهذا الكلام:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[ سورة السجدة ]

الذي بيته نظيف، ويأتي إلى بيت من بيوت الله, يصغي الأذن إلى الحقيقة، إلى شرح حديث رسول الله، إلى تفسير كلام الله، هذا يعامل من قبل الله عز وجل كما يعامل الإنسان المتفلت, وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ, لو لم يكن في كتاب الله, إلا قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) كل شيء فيه مخالفة, أبعد نفسك عنه، ولا تعبأ به، ولا تنظر إليه، ولا تقل: حضارة، أعيش مع العالم كله، وأمضي هذه السهرة, تنقلاً من محطة إلى محطة، أرى الأخبار تارةً، والرياضة تارةً، وأحداث العالم، حدث في مثل هذا اليوم، نعيش مع العالم كله.

أنا أقول لك: عش مع ربك، هو مصدر السعادة، الله عز وجل عزيز، معنى عزيز: أنه لا يمكن أن يقبل عليك, إلا إذا آثرته على كل شيء، كلمة قد تكون صعبة، لكن الحقيقة والله مُرة، إذا كانت الشهوة أغلى عليك من الله, فالطريق إلى الله غير سالك، تصلي، وتصوم ، وتحج، وتحضر مجلس علم، كن من رواد المساجد.

لكن أنا الذي أريده: حينما تدخل بيتك، وتقول: الله أكبر, فلك طريق لله، وخط ساخن مع الله، تناجيه، تدعوه، تحس أنه يحبك، أنت غالٍ عليه, قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾

[ سورة الطور ]

حتى يكسب الإنسان وقته، لا يجعل وقته كله حركة بلا هدف.

 

ما هي مشكلة أهل العلم؟.


أيها الإخوة؛ مشكلة أهل العلم، مشكلة طلاب العلم, تنقلب حركاتهم أحياناً إلى عادات مألوفة، أَلِفَ يوم الجمعة, أن يأتي إلى الدرس، وينتهي الدرس، يتحدث مع إخوانه، بعد ذلك يسهرون سهرة مختصرة، بعدها يذهب إلى البيت، يوم الجمعة، والأحد، والاثنين، والسبت جزء من عاداته.

نحن نريد مؤمنًا متألقًا، نريد مؤمنًا مقبلاً على الله عز وجل، نريد مؤمنًا مصطلحًا مع الله، نريد مؤمنًا تحكمه قيمه، وتحكمه مبادئ الدين، نريد مؤمنًا يقول: لا، بملء فمه, لمخالفة شرعية، نريد مؤمنًا قويًّا بالحق, قال تعالى:

﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12)﴾

[ سورة مريم ]

حتى تقطف ثمار الدين، من أجل أن تشعر. 

أيها الإخوة؛ أنا أرثي لحال مسلم مقصر، فلا مع أهل الدنيا مرتاح، ولا مع أهل الإيمان مرتاح، مع أهل الإيمان يتشوق أن يكون مثلهم، وهو ليس مثلهم، فيه تقصيرات، لأنه محجوب، محجوب بالنوافل، كلمة لعلها غريبة، لما يرتكب الإنسان كبيرة يُحجب عن الله، هذه الكبيرة تتناسب مع الحجاب، ويُحجب عن الله بالصغائر.

تُحجب عن الله بإطلاق البصر فقط, لم تعمل شيئًا، تُحجب عن الله باللغو؛ غيبة ونميمة ، تُحجب عن الله بذنوب تراها صغيرة.

الذي عنده خمسون جهازًا كهربائيًّا بالبيت، التيار الكهربائي فصله عن بعضه مترًا أو فصله مليمتراً، سواء، المحصلة واحدة، انقطع التيار إذا كان مفصولاً بين طرفي التيار مترًا أو مليمتراً، فالأمر سواء.


العبرة: أن هذه المخالفة حجبتك عن الله. 

 

لا تتبع خطوات الشيطان.

أيها الإخوة؛ أنا مرة ذكرت أن الشيطان ذكي جداً، أول محاولاته مع الإنسان: 

يحمله على الكفر بالله، فإن رأى هذا الإنسان على عقيدة متينة.

يحمله على الشرك، الشرك أهون، فإن رأى توحيده قوياً.

يحمله على البدعة، أن يبتدع شيئاً في الدين، فإن رأى اتباعه للسنة قوياً. 

يحمله على ماذا؟. على ارتكاب المعاصي. 

يبدأ بالكبائر، فإن رآه على شيء من الورع. 

يحمله على الصغائر، فإن رآه في ورع عالٍ. 

ماذا يفعل الشيطان الآن؟. 

لم يقدر عليه بالكفر، ولا بالشرك، ولا بالابتداع، ولا بالكبائر، ولا بالصغائر. 

يحمله على التحريش بين المؤمنين: خصومات دائمة بين المؤمنين، خصومات بين الجماعات، خصومات بين أفرد الجماعة الواحدة، بين أقطاب الجماعة الواحدة، قد تكون مفتعلة من فعل الشيطان، لا تستحق هذا التمزق، لا تستحق هذه الفرقة، هذا من عمل الشيطان. 

فإن لم يستطع، آخر سهم أنْ يحمله على أن يغرق في المباحات. 

يعتني بطعامه، وشرابه، وبيته، وأكله، ونزاهته، لا بد أنْ يتمتع بالحياة.

هذا هو التسلسل؛ من الكفر، إلى الشرك، إلى الابتداع، إلى الكبيرة، إلى الصغيرة، إلى التحريش بين المؤمنين، إلى المباحات، فالبطل الذي يستعصي على الشيطان إضلاله.

أيها الإخوة؛ بصراحة: مفهوم الشيطان عندنا غير واضح، ضبابي، وفي الأعم الأغلب قلما يؤمن به إنسان، وقد يكون الشيطان متغلغلاً في كيانه، قد يتكلم الإنسان كلمة.

أنا أشعر أن شيطاناً في داخله يتكلم، يفسد علاقة، وما حقق مكسبًا، إذا أفسد إنسان علاقة بين اثنين، وحقق مكسبًا، فهذه بتلك، أما أن يفسد علاقة من دون تحقيق مكسب, فهو شيطان بكل معنى الكلمة، فإذا ما استعاذ الإنسان بالله من الشيطان, فقد يتغلغل في كيانه، وقد ينطق بلسانه، وقد ينظر بعينيه، شيطان يتكلم بإفساد العلاقة.

أحياناً: تدخل امرأة إلى بيت صغير، تكون الزوجة سعيدة بزوجها، وراضية عن زوجها، هناك حب وودّ، فتقول: هذا البيت وسعكم, طيب أنتِ ما دخلكِ, لا بد أن تكرهها بهذا البيت، ماذا قدم لك زوجك في الولادة؟ والله ما قدم لي شيئًا، والله يليق بك غير هذا الرجل, شيطان يتكلم.

أحياناً: تتكلم المرأة بلسان الشيطان، بإفساد العلاقة بين زوجين، يتكلم الإنسان في السوق بلسان الشيطان، بإفساد الشراكة بين شريكين، أبداً، وأربعة أخماس كلام الناس, ينطق فيها الشيطان بلسان الناس، ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً)) المعلمات دون أن يشعرن, يتكلمن كلمة مع طالبة, تحطمها تحطيمًا، تخلق عندها عقدة لا تنتهي في سنوات، شيطان، كلمة قاسية، كلمة تحطيم، أنت غبية.

طفلة سمعت أنها غبية، تتوهم أنها غبية فعلاً، فالإنسان ينتبه؛ إذا كان مع الرحمن فكلامه طيب، كلامه يشجع، كلامه يجبر الخاطر، كلامه يقوي المعنويات، فإذا غفل الإنسان عن الله تعالى, فالشيطان موجود. 

قدم لي أخ اليوم قصاصة جريدة أعجبتني، لما يتنفس الإنسان, ويزفر من أنفه أو فمه غاز الفحم, يتحسس البعوض بوجود الإنسان من 64 كم، من خلال زفيره.

أستاذ في فلوريدا, أجرى دراسة عميقة جداً, حول ما الذي يجلب البعوض إلى الإنسان؟ زفيره، عنده حساسية البعوض, أن تنتقل هذه الرائحة التي تشعر بوجود الإنسان من 64 كم، يقول: كلما أخر الإنسان نظافته, يصير جاذبًا للبعوض، الذي نظافته قليلة، لا يغتسل كل يوم، يوما بيوم، فالعرق الذي على جسمه, هذا أكبر جاذب للبعوض.

لاحظت هذا المثل: لو طبق على الشيطان، لما يغفل الإنسان عن الله عز وجل, يصير جاذبًا للشيطان، لما يغفل يصير الشيطان جاذبًا له، هناك آية تؤكد هذا المعنى، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)﴾

[ سورة آل عمران ]

استزلهم الشيطان: جعلهم تهوي أقدامهم, ببعض ما كسبوا: لما غفل عن الله عز وجل, انجذب إليه الشيطان.

 

استحباب العزلة عند فساد الزمان والناس.


أيها الإخوة؛ الدعاة لا يملكون إلا أن يبينوا لكم، لا نملك شيئًا آخر إلا أن نبين.

يجب أن يكون الإنسان حكيمَ نفسه. 

إذا كنت في مجلس يحجبك عن الله, فاركل هذا المجلس بقدميك. 

إذا كنتَ في نزهة تحجبك عن الله, فاركلها بقدميك. 

لقاء ليس فيه حق, اركله بقدميك.

حافظ على سلامة قلبك، فلذلك: في آخر الزمان, كما قال تعالى:

﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)﴾

[ سورة الكهف ]

الكهف الآن: بيتك ومسجدك، في بيتك حر، تغلق الباب وتصلي، تغلق الباب وتقرأ القرآن، تغلق الباب وتربي أولادك، تغلق الباب وتؤنس زوجتك، عبادة، وفي المسجد تطلب العلم وتصلي، الأماكن الأخرى والعياذ بالله, سبب للفتنة والبعد عن الله عز وجل.

أيها الإخوة؛ فنحن في باب استحباب العزلة عند فساد الزمن، قال تعالى:

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾

[ سورة الذاريات ]

(ففروا إلى الله) هناك فرار من خطر، الخطر هو الفتن، ((أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم)) الطرقات فيها فتن، والأماكن العامة فيها فتن، والمقاهي فيها فتن، والمطاعم فيها فتن، والسفر فيه فتن أيضاً، ((أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم)) ، (ففروا إلى الله) فر من أماكن الفتن إلى الله عز وجل، ولا أبالغ في القول: بأن التجول في الطرقات بلا سبب في أيام الصيف مساءً, فيه فتنة واضحة، التجول في الطرقات بلا سبب، طريق مزدحم بالكاسيات العاريات، أنت كونك مؤمنًا, يجب أن تسير في طريق موازٍ غير مزدحم، ولو كان عندك تحليل طبي بمكان مزدحم، المشي في هذا الطريق فيه فتنة.

مرة أنا ضربت مثلاً على شكل طرفة: أن رجلاً دخل مقهى مؤمن، جلست أمامه امرأة متفلتة، قال: أعوذ بالله، نظر إلى اليمين واحدة أخرى، قال: أعوذ بالله، نظر إلى اليسار وجد واحدة أخرى، قال: أعوذ بالله، نقول: من أتى بك إلى هنا؟ مجيئك كله غلط، هذا المكان ليس لك.

أحياناً: تجد المرأة محجبة في مطعم متفلت، ما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟ هذا المكان ليس لك، قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أنا أخاطب طلاب العلم، لا تقل: إن الأستاذ متشدد، متزمت، معقول!. 

أنا أخاطب طلاب العلم، بدأت درسي: إذا كانت الشهوة أغلى عليك من الله, فالطريق إلى الله غير سالك، وأنت محجوب عن الله، إلى درجة أن حبك لله, يحملك على ترك كل شيء, يغضب الله.

 

أخرجوا هذا الوحش من البيت.


مرة في خطبة ألقيتها تحت عنوان: أخرجوا هذا الوحش من البيت، الخطبة مضمونها: 

أن إنسان جاءه ضيف, فاستقبله ورحب به، وأجلسه في صدر البيت، وأصغى إليه هو وأولاده، كل يوم ساعات طويلة، وتغاضى عن كل المشاهد القبيحة التي أطلعهم عليها، ضيف بالصدر, والكل جالسون بأدب مساءً، أشياء معقولة، وأشياء غير معقولة، أشياء مقبولة، وأشياء غير مقبولة، وأشياء مخجلة، وأشياء غير مخجلة.

صاحب البيت اكتشف بعد حين: أن هذا الضيف استقطب أولاده كلهم.

الأب أصبحت مهمته: أن يأتيهم بالطعام والشراب فقط، صار أولاده يأكلون ويشربون مع هذا الضيف. 

ثم اكتشف هذا الأب: أن هذا الضيف غيّر قيم البيت كلها.

هناك نقطة خطيرة جداً: لما تطرح سلوكًا حيًّا متحركًا محبَّبًا, أنت تغرس قيمة، إذا أَريت فتاة صغيرة, بيتًا عصريًّا, متفلتًا, فيه اختلاط، رقص مثلاً، وأنت بيتك متزمت متحجر، هذه الطفلة تحب البيت الأول.

فلما أسمح لأولادي, أن يشاهدوا هذه المشاهد، الاختلاط، شرب الخمر، العلاقات الغرامية، ولو كانوا شبابًا، هذه كلها قيم تغرس، دون أن أشعر, فجأة يكتشف الأب أن أولاده ليسوا ملكه, ولا يعبؤون به إطلاقاً، ولا بدينه، ولا بالمبادئ التي جاء بها الدين، أولاده نموذج آخر، خسر أولاده.

والله لا أذكر تفاصيل هذا الموضوع الذي ألقيت، أن هذا الوحش استقطب كل أولاده، وجعله خادمًا فقط، يأتيهم بالطعام والشراب، ثم إن هذا الوحش أيضاً, أفسد العلاقة بينه وبين زوجته، أو بين الزوجة وزوجها، وبين الأب وأولاده، فقال صاحب هذا البيت: إن لم أخرج هذا الوحش من بيتي, لا يستقيم لي الأمر أبداً، هذا الشيء الواقع.

فأنا أتمنى أن يكون هناك انضباط، وشعور بسلامة القلب، أي شيء حجبني عن الله, هذه المشاهدة، هذه المتابعة، فإذا حُجبت عن الله بها, فيجب أن أنتهي عنها.

 

أحاديث تحث على استحباب العزلة عند فساد الزمان والناس.

 

الحديث الأول:

(( عن سعد بن أبي وقاص رَضِي اللَّه عَنْه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الْخَفِيَّ ))

[ أخرجه مسلم ]

يتقي الله، يتقي أن يعصيه، وغني عن الناس، ورد في الحديث: ((طوبى لمن وسعته السنة، ولم تستهوه البدعة)) .

ارتكب رجل حماقة كبيرة، أنه صور نفسه مع أهله بالفيديو، واستأجر فيلماً من محل أفلام تمثيليات، وضع الفيلم الذي صور نفسه مع أهله في غلاف مستأجر، صاحب المحل قال: هذا الفيلم ليس له, شاهده فإذا به فاضح جداً، فصار يؤجره، وصلت إلى أخ صاحب الفيلم نسخة منه، فنبّهه، اضطر أن يبيع بيته بالشام، وينتقل إلى حمص خوف الفضيحة، ((طوبى لمن وسعته السنة، ولم تستهوه البدعة))

الحديث الثاني:

أيها الإخوة الكرام: 

(( عن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أتى رجل رسول الله صلى الله علي وسلم, قال: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ رَجُلٌ ٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ, وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ]

ما الذي يحصل أيها الإخوة؟. 

الاستقامة لا تحتاج إلى قناعة فقط، تحتاج إلى طاقة، طاقة روحية عالية، المؤمن عنده طاقة روحية مشحونة.

تجد الشخص يغلي، تشعر أن فيه طاقة كبيرة، يبدو أن الإنسان, حينما يحضر مجلس علم، وحينما يأوي إلى بيوت الله يُشحن.

مرة جاءني مصباح, يشحن بالطاقة الكهربائية العادية، فأنا هذا المصباح علمني درسًا بليغًا، لمّا أنسى شحنه, يكون ضوءه ضعيفًا، لما أشحنه كالشمس.

قلت: كذلك المؤمن، يحتاج إلى شحن أسبوعي، كلكم راقبوا أنفسكم, إذا ما شُحنت روحياً, تضعف أمام الشيطان، القوة الروحية تأتي بها, حينما تشحن.

الله جعل خطبة الجمعة شحنًا أسبوعيًا، من ترك الجمعة ثلاث مرات من دون عذر, نكثت نكتةٌ سوداء في قلبه, ثم يكون الران، وتلا قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فإذا لم يُشحن الإنسان، وجربوا، أنت حينما تشحن أسبوعياً عندك طاقة، شحنت يوم الجمعة, تجد نفسك أيام السبت، والأحد، والاثنين, قويًّا دقيقًا، ضابطًا لأمورك، يوم الثلاثاء تضعف الأمور، عندك حساسية بالغة، خف الشحن، يوم الخميس تجد نفسك مثل الناس، تأتي إلى الخطبة, لتشحن شحنًا جديدًا.

فالنبي قيل له: ((ثم من؟ قال: ثُمَّ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ)) الصلاة تعمل شحنة، والخطبة تعمل شحنة، ولقائك بالمسجد يعمل شحنة، أنا أقسم لي أخ بالله، والله هو صادق عندي، قال لي: أحياناً أكون مشغولاً، عنده شغل كثير، يأتي إلى صلاة العِشاء قبل خمس دقائق، والدرس ينتهي عند العشاء، قال لي: آتي وأدرك الصلاة فقط، يلتقي مع الإخوة, يشعر براحة، لم يسمع كلمة، ولا حرفًا، دخل بيتًا من بيوت الله، التقى بإخوانه، أخذ شحنة خفيفة غير عالية، شعر براحة.

أيها الإخوة؛ فالله عز وجل كأنه يريدنا أن نفعل ذلك، والله هذا الحديث ذكرته سابقاً، ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى, يتلون كتاب الله عز وجل ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) حينما تأتي لبيت من بيوت الله, ماذا تفعل؟ تزور الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر، طبعاً: ليس هناك أكل، لكن هناك شعور بالأمن والتوفيق، وهناك حفظ إلهي، وتأهيل, ونصر، وطمأنينة، وثمار لا تقدر بثمن.

المؤمن تجده كالملَك، أكبر ثمرة معك رؤية صحيحة، أما المنحرف عن منهج الله, فمعه رؤية غلط، عنده عمى بصيرة، يرتكب أكبر حماقة، ويدفع الثمن باهظًا، وقد يدمر نفسه ، لأنه أعمى، أما المؤمن فمتفتح، المجيء إلى المسجد، وسماع دروس العلم، وسماع تفسير كلام الله، تفسير سنة رسول الله، يعطي رؤية صحيحة.

أيها الإخوة؛ أخطر شيء عملك، عملك أساسه رؤيتك، إن صحت الرؤية صح العمل، وإذا صح العمل, سعدت في الدنيا والآخرة.

 الحديث الثالث: 

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ, غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ, وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ, يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ ))

[ أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ ]

لك محلان تجاريان، واحد أمام ثانوية بنات فرضاً، وواحد بسوق آخر، الثاني أفضل، دائماً: ابتعد عن مواطن الفتن، ابتعد عن مواطن الشر، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والفتنة أشد من القتل، كيف؟ مثل بين أيديكم.

 

أمثلة عن الفتن:


فتاة بريئة، طيبة، طاهرة، عمرها ثماني سنوات، أو خمس سنوات، أخذها أبوها في الجاهلية، وحفر لها حفرة ودفنها، وهي حية، تقول: يا أبي، تناديه، وهو يهيل عليها التراب.

مرة رجل وأد ابنته، وذكر القصة للنبي, صار النبي يبكي عليه الصلاة والسلام، بنت مثل الملائكة، هذه البنت التي وُئِدت, أين مصيرها بالآخرة؟ في الجنة:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾

[ سورة التكوير ]

أما الآن: بنت في الثامنة عشرة من عمرها، كل شيء فيها ظاهر للناس، تمشي في الطريق وكأنها عارية، هذه حينما يأتيها الموت أين مكانها؟ في النار. 

ما معنى قوله تعالى:

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)﴾

[ سورة  البقرة ]

في الجاهلية قتلها تحت التراب، فدخلت الجنة، أما الآن فأطلقها، افتخر بها، هذه ابنتي ، ألا تستحي بهذا المنظر الفاضح؟ هذه ابنتي، لذلك: تقول البنت يوم القيامة: ((يا رب, لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي)) هو سبب إفسادي.

أيها الإخوة؛ ((يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ, غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ, وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ, يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ)) قال تعالى: (فأووا إلى الكهف) وأووا إلى مسجدكم، وإلى بيتكم، وصاحبوا المؤمنين، ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي))

الحديث الرابع:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ, فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ, كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ ))

[ أخرجه البخاري ]

وراعي الغنم في بعدٍ عن ازدحام المدينة، وعن فساد المدينة.

 

ملخص الدرس.


الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من الجليس السوء، فيجب أن تختار مجالسك, كما تختار أكثر الأشياء خطورة لك، الصاحب ساحب، ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) كما قلت في درسين سابقين: اجلس مع إخوانك جلسة, تتذاكرون العلم، وتتفقدون بعضكم، وأعينوا بعضكم بعضاً، واشحنوا بعضكم بعضاً.

الحياة الآن: فيها فتن كثيرة، ونحن في أمس الحاجة إلى التعاون، إلى أن يشحن بعضنا بعضاً شحنة روحية قوية، أن تعين أخاك على طاعة الله، أن تشجعه على طاعة الله، أن تصبره, حينما يدفع الثمن باهظاً، هكذا ينبغي.

إخواننا الكرام؛ كتاب رياض الصالحين, كتاب مبارك جداً. 

أولاً: كل أحاديثه صحيحة، ومبوب تبويبًا رائعًا، وكل باب فيه بعض الآيات, تصدر بها الأحاديث، فإذا كان الإنسان في بيته؛ كتاب أحاديث، كتاب فقه، كتاب سيرة، كتاب تفسير، سمع شريطًا, علّم أهله.

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آية, وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ, وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا, فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ))

[ أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه ]

أنت يوم الجمعة تذكر نقاط الخطبة، واعملها محور حديثك طول الجمعة، أختك دعتك إلى الغداء، قل لها: يا أختي سمعنا يوم الجمعة كذا، أما هذا حديث الدنيا فلا ينتهي.

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة ))

[ رواه أبو داود ]

تجد جلسة, يقف منها الجالسون, محطمين بلا أمل، ليس فيها خبر سار.

الآن: إذا تحدث الإنسان في أمور عامة, تحدث مشكلة، دول عظيمة تستقطب العالم كله، لئيمة, قوية، تبني مجدها على أنقاض الشعوب، تبني حياتها على إفناء الشعوب، تبني غناها على إفقار الشعوب، تبني أمنها على إخافة الشعوب، هكذا, المطالب كثيرة، والدخول قليلة، والأسعار ترتفع، والمياه قليلة، فإذا كنت تريد أنْ تبحث في أمور المعيشية, فلا تجد خبرًا سارًّا، لذلك: اطلب من الله السلامة: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) لك معاملة خاصة، إذا كنت مع الله صادقاً, فلك معاملة خاصة، لأن الله عز وجل مستحيل أن يعامل المؤمن كما يعامل الفاسق قال تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) فأنت عليك أن تكون مع الله، مهمتك الأولى أن تعبد الله, قال تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور