وضع داكن
23-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثامن - الفقرة : 33 - صلة الرحم من العبادات التعاملية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 إنّ رمضان شهرُ البرّ والصلةِ، وشهر التعاطفِ والمرحمةِ، فالقلوب تلين لذكرِ الله، والنفوسُ تستجيبُ لداعي الله، فلا ترى من جرّاء ذلك إلا أعمالاً زاكيات، وقرباً من ربّ الأرض والسماوات.
 ذلك لأن الإسلامَ يهدِف إلى بناءِ مجتمعٍ متراحمٍ متعاطِف، تسودُه المحبّةُ والإخاء، ويهيمِن عليه حبّ الخيرِ والعَطاء، والأسرةُ وحْدةُ المجتمع، تسعَد بتقوى الله ورعايةِ الرّحِم، لذلك اهتمّ الإسلامُ بتوثيق عُراها، وتثبيتِ بُنيانها، فجاء الأمر برعايةِ حقّها بعدَ توحيد الله وبرّ الوالدين، قال جلّ وعلا:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى﴾

[النساء: 36]

 وقُرِنَت مع إفرادِ الله بالعبادةِ والصّلاةِ والزّكاة فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ... فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ))

 

[ متفق عليه ]

 وقد أُمِرَت الأمم قبلَنا بصِلة أرحامِها، قال سبحانه:

 

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى﴾

 

[ البقرة: 83]

 ودَعا إلى صِلتها نبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم في مَطلعِ نُبوّته، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ:

(( كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا نَبِيٌّ، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهُ، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ...))

[ رواه مسلم ]

 وسأل هِرقل أبا سفيانٍ عن النبيّ ما يقول لكم ؟ قال: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ:

(( سَأَلْتُكَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ ))

[رواه البخاري ومسلم]

 وأمَر بها عليه الصلاة والسلام أوّلَ مقدمِه إلى المدينة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ ))

[ رواه الترمذيّ وابن ماجه واللفظ له]

 وهي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال أبو ذر:

 

(( أوصاني خليلِي بصِلة الرّحم وإن أدبَرَت ))

 

[ رواه الطبراني ]

 فصِلةُ ذوي القربَى أمارةٌ على الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

((... وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ...))

 

[ متفق عليه ]

 صلةُ الحرم عبادةٌ جليلة مِن أخصِّ العبادات، يقول عمرو بن دينار: "ما مِن خَطْوةٍ بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خَطوةٍ إلى ذي الرّحم ".
ثوابُها معجَّل في الدنيا، ونعيمٌ مدَّخرَ في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم :

(( ليس شيء أُطِيعَ اللهُ فيه أعْجَل ثوابًا من صِلةِ الرحم ))

[ رواه البيهقيّ ]

 والقائمُ بحقوقِ ذوي القربَى موعودٌ بالجنّة، يقول عليه الصلاة والسلام عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ:

 

((... وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ، ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ، رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى، وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ))

 

[رواه مسلم]

 أمَرَ الله بالرّأفة بالأرحام كما نرأَف بالمِسكين، قال عزّ وجلّ:

 

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾

 

[الإسراء: 26]

 وحقُّهم في البذلِ والعطاء مقدّمٌ على اليتامَى والمساكين، قال سبحانَه:

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾

 

[البقرة: 215]

 وللسخاءِ عليهم ثوابٌ مضاعفٌ من ربِّ العالمين، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ))

[ النسائي وابن ماجه ]

 وأوّلُ مَن يُعطَى مِن الصدقة هم الأقربون مِن ذوي المَسكنَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:

 

(( كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ، قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَبَنِي عَمِّهِ ))

 

[ متفق عليه ]

 فالباذلُ لهم سخيُّ النّفس، كريم الشّيَم، يقول الشعبيّ رحمه الله: " ما ماتَ ذو قرابةٍ لي وعليه دينٌ إلاّ وقضيتُ عنه دينه ".

إخفاء الصور