- ٠5كتاب ومضات في الإسلام
- /
- ٠09الباب الثامن - العبادات التعاملية
حتى لو كان الأقارب من النوع المتعب الذي يقابل الإحسان بالإساءة، فلا يجوز أن تقاطعهم، لأنك تتعامل مع الله تعالى طاعة لأمره، والتزاما بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يجب على المسلم أن يسلك كل السبل ليصل أرحامه، ويحسن إلى أقاربه وجيرانه .
إنّ ذوي الرّحِم غيرُ معصومين، يتعرّضون للزّلَل، ويقَعون في الخَلل، وتصدُر منهم الهَفوات، ويقَعون في خطيئات كبيرات، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا اعتذروا، ولك في النبي الكريم يوسف القدوة والأسوة، فقد فعل إخوةُ يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم،
﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)﴾
فغُضَّ عن الهفواتِ، واعفُ عن الزّلاّت، وأقِلِ العثرات، تجْنِ الودَّ والإخاء، واللينَ والصفاء، وتتحقَّقُ فيك الشهامةُ والوفاء، وداوِم على صِلة الرّحم، ولو قطعوا، وبادِر بالمغفرة، وإن أخطؤوا، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين، ولا تجعَل عِتابَك لهم سبباً لبعدهم عنك، وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء، وجانبِ الشحَّ، فإنّه من أسباب القطيعة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ))
قيل لأحدهم: ما حقّ الرّحم ؟ قال: " تُستَقبَل إذا أقبَلت، وتُتْبَع إذا أدبَرت " .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
أما إذا كانت الرحم فاجرة أو فاسقة، فتكون بالعظة والتذكير، وبألطف تعبير، وبذل الجهد الكبير، فإذا أعيتك الحيلة في هدايتهم كأن ترى منهم عناداً، أو استكباراً، أو أن تخاف على نفسك أن تتردى معهم، وتهوي في حضيضهم فابتعد عنهم، واهجرهم الهجر الجميل الذي لا أذى فيه ولا تحقير، وردد هاتين القاعدتين ؛ " دع خيراً عليه الشر يربو "، و " درء المفاسد مقدم على جلب المنافع "، وأكثر من الدعاء لهم بالهداية، وأعد الكَرة بعد الكَرة، والمرة تلو المرة .
وإكرامُ ذوي القراباتِ مأمور به، على ألاّ يكونَ في التّقديمِ بخسٌ لأحدٍ أو هضمٌ لآخرين، قال سبحانه:
﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾