وضع داكن
19-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثامن - الفقرة : 25 - عذراً يا صلاح الدين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 نظراً لشدة الآلام التي تنتاب أمتنا ، لما جرى أخيراً ومؤخراً على الساحة العربية والإسلامية ، فنحن مضطرون أن نقدم اعتذارنا للبطل صلاح الدين الذي طرد الفرنجة القدامى من بلاد المسلمين ، ونحن بأخطاء كبيرة ارتكبها بعضنا أعدناهم إلى بعض بلاد العرب والمسلمين.
 فعذرا لك يا صلاح الدين وألف عذر أنت الذي طردت الفرنجة القدامى من بلاد من الشام ومصر والعراق وأنت الذي حررت دمشق والقدس من أيديهم وقد قلت قولتك المشهورة (لن يرجعوا إليها ما دمنا رجالا ) عذرا يا صلاح الدين لقد رجعوا في المرة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى ولما دخل قائدهم إلى دمشق ووقف عند قبرك وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين فعذرا وألف عذر لك لقد رجعوا مرة ثانية ، بسب أخطاء ارتكبناها بعضنا ولسان حالهم يقول ثانية ها قد عدنا يا صلاح الدين. و لئلا تقلق علينا كثيراً ؛ إنهم يقولون إنما عادوا كي ننعم بحرية كحريتهم ، وسلام كسلامهم ، وبرخاء كرخائهم. ولا أتمنى عليك أيها القائد الفذ أن تسأل أهم يحققون هذه الأهداف بوسائل من جنسها ، أم بوسائل مناقضة لها ، من أجل أن تكون مستريحاً... لا تسأل. إن وسائلهم إفقار ، وإضلال ، وإفساد ، وإذلال.
إنها ردّة ولا صديق لها ، إنها هجمة تترية ولا قطز لها ، إنها حملة فرنجية وأنت غائب عنها
 عذرا يا صلاح الدين فلقد كنت دائما ترتسم معالم الحزن والأسى على وجنتيك ولم يكن للابتسامة مكان ولا نصيب على شفتيك فلما كنت تُسألُ لماذا لا تضحك يا صلاح الدين فكان جوابك المتكرر ( إني أستحي من الله أن أضحك وما يزال المسجد الأقصى بيد المعتدين )
 عذراً يا صلاح الدين وأنت الذي وصلك خبر اعتراض أمير الفرنجة أرناط الذي احتل قلعة الكرك في الأردن ومن هناك راح يقطع الطريق على الحجاج المسلمين المتوجهين من الشام نحو الحجاز فكان يقتل الرجال ويسبي النساء وهو يقول لهم نادوا من ينتصر لكم ، فلما سمعت ما قاله بكيت وانسابت الدموع من عينيك وقد قلت قولتك المشهورة: أنا سأنوب عن رسول الله بنصرة أمته ، وهذا ما كان منك أيها البطل الذي ما هدأ لك بال ولا سكنت لك جارحة حتى وفيت بوعدك يوم حطين يوم انتصرت على ملوك أوروبا وأمرائها ، ويوم وقع أرناط في الأسر فمثل بين يديك وذكرته بما قال وقلت له يا أرناط أنا أنوب اليوم عن رسول الله بالدفاع عن أمته ، ولم تذكر الروايات التاريخية أنك تأكدت من شخصية أرناط بفحص حامضه النووي
 عذرا يا صلاح الدين ، وأنت الذي كنت كل مساء بعد أن ترجع من قتال الأعداء القدامى يوم حطين فكنت تخلع عباءتك وعمامتك وتنفض ما علق عليها من غبار في كيس ، وتجمع ذلك الغبار حيث أوصيت أولادك أن إذا متَّ أن يضعوا هذا الغبار تحت رأسك حتى إذا جاءك الملكان في القبر يسألانك كما يُسأل كل إنسان عند موته في قبره فإذا رأيا ذلك الكيس من الغبار قالا ما هذا الكيس يا صلاح الدين فتقول لهم هذا غبار الجهاد في سبيل الله!!
يا ســـعد بلّغ خـــالدا إن القتــــال له رجـال
 عذرا يا صلاح الدين يا من هزمت الفرنجة القدامى في حتى أصبح اسمك على لسان النساء في أوروبا يخوفن بك أولادهن في الليل ليناموا نم يا ولدي وإذا لم تنم فسيطلع علينا صلاح الدين لقد قذفت الرعب في نفوس أهل أوروبا وشكَّلت لهم عقدة نفسية اسمها صلاح الدين.
فعذرا وألف عذر يا أيها القائد الفذ ، لما حل بنا من بعدك ، ومن أجل أن تبقى منسجماً مع إيمانك الكبير بالله نقول لك:
 هان أمر الله علينا من بعدك فهنا على الله ، وقد تحققت نبوءة القرآن فينا: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً... وقد لقينا ذلك الغي.
 ومن أجل أن نطمئنك نذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دافعت عن المسلمين نيابة عنه:

(( لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، ما يضرهم من كذبهم ، ولا من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله ، وهم على ذلك ، فقال مالك سمعت معاذاً يقول: وهم بالشام ))

(رواه البخاري ومسلم)

 قال مستشارك ومرافقك كنت خاشع القلب ،عزيز الدمعة ، إذا سمعت القرآن أو تلوته دمعت عيناك ، وكنت رحمك الله كثير التعظيم لشعائر الدين كنت ناصرا للتوحيد وقامعا أهل البدع لا تؤخر الصلاة عن وقتها وكانت لك ركعات تصليها إذا في جوف الليل.
وكنت إذا سمعت أن العدو داهم المسلمين خَررتَ إلى الأرض ساجدا لله تدعو بهذا الدعاء: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك ، ولم يبق إلا الإخلاد إليك ، والاعتصام بحبلك ، والاعتماد على فضلك ، أنت حسبي ونعم الوكيل.
 الأمة العربية والإسلامية تمر بمحنة عظيمة ، نرجو أن تكون وراءها منحة ربانية لا شرقية ولا غربية ، ولكن علوية سماوية ، وتعاني هذه الأمة من شدة لم تشهد مثلها في التاريخ الحديث ، نرجو أن يعقب هذه الشدة شدة إلى الله عز وجل تستحق بعدها أن تستخلف ، وأن تمكن في الأرض.

 

وقد شرح هذه المحنة ، وتلك الشدة ، السيد الرئيس في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد بكوالالامبور في ماليزيا مؤخراً ، قال سيادته قي خطابه:
 في الثمانينات كانوا في الغرب يدعمون التطرف الإسلامي وليس الإسلام ، أما اليوم فهم يحاربون الإسلام لا التطرف الإسلامي 0ولو تساءلنا لماذا يحارب هؤلاء المتعصبون الإسلام وهو دين العدل والمحبة والتسامح لكان الجواب البديهي لأن الإسلام الحقيقي هو الذي يمنع التطرف ، لأنه دين الاعتدال ، من دون التنازل عن الكرامة ، وهؤلاء المتعصبون يتمنون ويعملون عكس ما يعلنون ، من انتهاك للسيادة ، والحصار الاقتصادي ، إلى الاجتياح الثقافي ، والتمويل السري لبعض الهيئات لاستمرار واتساع التطرف الإسلامي ، أو أي تطرف آخر ، لأنه المعادل الموضوعي لتطرفهم ، والمبرر الأكيد لبقائهم في مواقع السيطرة في مناطق عديدة في هذا العالم ، فالتطرف يعيش على تطرف مقابل وهو يضمحل في بيئة الاعتدال.‏‏‏ ‏
 إن علينا أن نعزز الدين الإسلامي الصحيح عقيدة وسلوكا ففيه تحصين للإسلام والمسلمين وإضعاف لأعدائهم وهذا يبدأ بمكافحة وتجنب كل الممارسات الشاذة الناجمة عن فهم خاطئ للدين والتي تسيء إليه بشكل مباشر وتعطي الآخرين من أصحاب النيات السيئة الحجة والمبرر لوصف الإسلام بشتى الصفات السلبية واللاإنسانية. وان كنا نرفض وبقوة كل المحاولات التي تجعل من صفة الإرهاب خاصة بالدين الإسلامي فإننا نرفض وبنفس القوة كل محاولة لربط الممارسات الخاطئة لبعض الأفراد بديانة أو حضارة معينة.‏‏‏ ‏انتهى كلام السيد الرئيس.
 وإننا نقول ما قاله صلاح الدين ونحن نرى جيوش الفرنجة من جديد تداهم أرض العرب والمسلمين اللهم وقد انقطعت أسبابنا الأرضية في نصرة دينك ولم يبق لنا إلا الإخلاد إليك والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك أنت حسبنا ونعم الوكيل ، فاللهم ربنا اكفنا شرهم بما شئت ، اللهم ربنا رد عنا كيدهم ، اللهم ربنا إنهم قد استعلوا علينا بقدرتهم ، فأرنا فيهم قدرتك.
 اللهم إنا نسألك بدموع الأطفال وبكائهم ، وبخشوع الشباب وتضحياتهم ، وببطولة الشابات واستشهادهن ، وصلاح الأمهات ووعيهن ، وبركوع الشيوخ ودعائهم ، وبشكوى البهائم التي أحرق كلؤها ، وبشكوى الأشجار التي اقتلعت من جذورها ، وبتسبيح الصخر التي تفتت أجزاؤه.
 اللهم إنا نسألك باستغاثة المستغيثين ، واستجارة المستجيرين ، والتجاء الملتجئين ، وتسبيح المسبحين ، وحمد الحامدين ، وتهليل المهللين ، وبتكبير المكبرين ، ورجاء الراجين ، ألا تتخلى عنا ، ومنا من يفعل ما يوجب أن تتخلى عنا يا رب العالمين ، وألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ، وأصلح لنا شأننا كله يا كريم.
اللهم إنك أنت القائل:

﴿ وَكانَ حَقّاً عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

 ونحن مؤمنون بك ، مقصرون في عبادتك ، فإن كنا لانسحق أن تنصرنا بعدلك ، فانصرنا برحمتك ، وإن كنا لانسحق أن تنصرنا استحقاقاً ، فانصرنا تفضلاً ، فنسألك اللهم بوعدك الذي قطعته على ذاتك العلية ، ونسألك اللهم بإيماننا بك ، أن تنتصر لنا وتنتصر لإخواننا في فلسطين وفي كل بلاد العرب والمسلمين ، وأن ترد عنهم كيد الكائدين عاجلاً غير آجل بما شئت ، وكيف شئت يا رب العالمين.
اللهم إنك أنت القائل:

 

﴿حَتَّى إِذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا﴾

 اللهم إنا لا نريد أن نصل إلى نقطة اليأس ، نحن لا نيأس ، نحن لا نظن بك إلا النصر والتأييد ، فنسألك اللهم بحسن ظننا بك أن تنصرنا على أعدائنا يا كريم ، نسألك اللهم أن تكفَّ عنا بأس الذين كفروا، لأنك أشد بأساً وأشد تنكيلاً.
 اللهم إن أعداءك اليهود يعتمدون على حبل من الناس ، وإن عبادك المسلمين يقولون: إنهم يعتمدون عليك ، ويلتجؤون إليك ، وليس لهم غيرك، وقد تخلى عنهم أهل الأرض ، إلا من كلمات تردد لا تقدم ولا تؤخر ، أفتخذل عبادك المؤمنين يا رب العالمين ؟ أفتعرض عنهم يا أكرم الأكرمين ؟ أفتشمت بهم أعداءهم يا ناصر المستضعفين.

 

إخفاء الصور