وضع داكن
23-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب التاسع - الفقرة : 1 - تربية الأولاد في الإسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 إن الأطفال غراس الحياة، وقطوف الأمل، وقرّة عين الإنسان، وزهور الأمة المتفتحة، والبراعم الإنسانية المتألقة، عليهم المعوّل في الحفاظ على مكاسب الأمة، واستعادة ماضيها المجيد، وخوض معاركها الضارية والمصيرية ضد أعدائها
إنّ للطفولة في الإسلام عالمَها الخاص، المفعم بالعناية والاهتمام ، وحديث القرآن عن الطفولة يفيض بالمودة، فإنّ الله تعالى يقسِم بالطفولة:

﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾

[ سورة البلد: الآية 1ـ3 ]

 والأطفال هم البُشرى، قال تعالى مبشِّرًا نبيَّه زكريا:

 

﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾

 

[ سورة مريم: الآية 7 ]

 وهم قرة العين، لذلك أرشد الله عباد الرحمن إلى هذا الدعاء فقال:

 

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 74]

 وهم زينة الحياة الدنيا، قال تعالى:

 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾

 

[ سورة الكهف: الآية 46 ]

 وهم المودة والرحمة، قال تعالى:

 

﴿ وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾

 

[ سورة الروم: الآية 21 ]

قال بعض علماء التفسير: المودة والرحمة هما الطفل الذي يقوِّي العلاقة بين الزوجين، ويجعلها أكثر أمناً واستقراراً.
 وفي السنّة الصحيحة يرسم لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عالم الطفولة، وكأنه عالم قريب من عالم الجنة، فعَنْ أَبِي حَسَّانَ قَالَ تُوُفِّيَ ابْنَانِ فَقُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا تُحَدِّثُنَاهُ تُطَيِّبُ بِنَفْسِنَا عَنْ مَوْتَانَا قَالَ نَعَمْ:

(( صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَلْقَى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ أَوْ يَدِهِ، كَمَا آخُذُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ))

[ أخرجه أحمد في مسنده ]

 والدعاميص: هي نوع من الفراشات الجميلة.
ورعاية الأطفال واجبة، وحبهم قربى إلى الله، أليس الرسول الكريم هو القائل:

 

((لَوْلاَ شُيُوخٌ رُكَّعُ، وَشَبَابٌ خُشَّعٌ، وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا))

 مسند أبي يعلى الموصلي، وسنن البيهقي الكبرى، والطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة.
 لقد كان حُبُّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للطفولة يملأ قلبَه الشريفَ، فَعَنْ بُرَيْدَةَ يَقُولُ

 

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ، يَمْشِيَانِ، وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ، وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا))

[ أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما ]

 وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ))

[ رواه البخاري ]

 أيها الإخوة المستمعون، أيتها الأخوات المستمعات، أول حقوق الطفل على أبيه أن يحسن اختيار أمِّه، لأنّ الإسلام لم يهتمَّ بالطفل بدءاً من مولده، بل إنه يرعاه فكرة، ويحضنه غيباً، ويخطِّط مستقبلَه، ولم يَزَلْ أمنيّةً هائمةً في ضمير الغيب، فبمجرَّد تفكيرِ الأبِ في الزواج، وتكوينِ الأسرة، يحدِّد الإسلامُ له معالمَ الطريق، والأسرةُ في الإسلام لها نظامٌ بديعٌ غايةً في الحسنِ والنقاء، ولها خطورُتها ومكانتُها، ولهذا كان لابدّ للإسلامِ أنْ يصحِّح أوَّلَ لَبِنَةٍ من لبناتها، والزواج مرحلةٌ أوَّلِيّةٌ في بناءِ الأسرة، وعنايةُ الإسلامِ بهذه اللبنةِ تعني سلامةَ ما يترتبُ عليها من حياةٍ مستقرةٍ هانئةٍ سعيدةٍ لكلِّ أفرادها.
 فالإسلام يأمر الرجلَ عند الزواج أن يختارَ الزوجةَ ذاتَ دِينٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

 

(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))

 

[ أخرجه البخاري ومسلم]

 فلا ينبغي حينئِذٍ أنْ يكونَ جمالُ المرأة، أو حسبُها، أو مالُها هو كلَّ شيء، بل لابد أنْ ينضم إلى كل ذلك الدينُ، وأن تكون من بيت كريم ؛ لأنّ أولادَها سيرِثون من أخلاقِها وصفاتِها وسلوكها الشيءَ الكثيرَ.
وبالمقابل أرشدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أولياءَ المخطوبةِ إلى أنْ يبحثوا عن الخاطب الذي يرضَوْن دِينَه وخُلقَه ؛ ليرعى الأسرة رعايةً كاملةً، ويؤدِّي حقوقَ الزوجة والأولاد، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ))

 

[ انفرد به الترمذي عن أبي حاتم المزني ]

 وانطلاقاً مِن هذا المبدأ أجاب الخليفةُ عمرُ بنُ الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن سؤالٍ لأحدِ الأبناء حين سأله:

 

((ما حق الولد على أبيه ؟ قال: أن يحسن انتقاء أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه القرآن.. ))

 

[ذكره القرطبي في تفسيره، وأخرج البزار نحوه، انظرْ مجمع الزوائد للهيثمي ]

 ومن أجل ذلك وجَّهَ الإسلامُ عنايتَه إلى تربيةِ الأبناءِ حتّى يَسعدَ بهم المجتمعُ، ويسعَدوا هم به، والإسلامُ وهو ينظِّم حياةَ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ لا ينسى أنَّ هذه كلها أغصانٌ متشابكةٌ، فأيّ تأثير في أحدها لابدّ أن يؤثِّر في الآخر، فأخذتْ تعاليمُه السمحةُ تنسِّقُ الخطواتِ، وتوضِّح المناهجَ ؛ لينشأ مِن مجموعها تقدمٌ متكاملٌ أساسُه الإيمانُ والرحمةُ والتعاطفُ والمحبةُ، فالإسلامُ بهذا يسبق كلَّ محاولةٍ لتقويمِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ، باعتبارِ أنّه يزاوج بين خطواتها في ثبات واتِّزان، على أساسٍ مِن عقيدةٍ وإيمانٍ.
 ويبدأ الإسلامُ بإعدادِ الفردِ لأنّه الخليةُ الأولى التي تُنسَج منها الأسرةُ والمجتمعُ والأمَّةُ، وهو الوحدةُ الأساسيةُ التي تشكِّل العنصرَ الأولَ في التكوين العام، والفردُ ما هو إلا طفلٌ في بدايته، تشكّله فطرته، ومكارمُ الأخلاق التي يُربَّى عليها في بيئته، والقيمُ والمفاهيمُ الإنسانيَّةُ والحضاريةُ التي يتلقَّاها من مجتمعه، فإذا ما تمَّ تكوينُه في الحياةِ على النَّسَقِ القويمِ، وعلى الصراط المستقيم، والنهجِ الحكيمِ، كانت الأسرةُ وهي المجتمعُ الصغيرُ تامَّةَ التكوينِ، متماسكةَ البنيانِ، ثم كان المجتمعُ بعد ذلك متقدماً نحوَ أهدافِه، وكانت الأمةُ قويةَ الدعائمِ، ثابتةَ الأركانِ.
إخوة الإيمان في كل مكان ؛ الوالدان والمعلِّمون لهما أكبرُ الأثَرِ في بناء نفوس الأولاد، ويتأثّر الطفلُ أولَ ما يتأثّر بالوالدين اللذين يتَّخذُهُما مثلاً أعلى في سلوكه وحياته، ولذا وجَبَ على الوالدين ألاَّ يَظهرَا أمامَ أطفالهما إلا بالمظهر الحسن، والخُلُق المستقيم، وأن يضربا أمامهم أكرمَ الأمثلة في الأقوال والأفعال.
 وقد وجَّه الإسلامُ إلى الوالدين إرشاداته السامية ؛ إذ أمَرَهما بالعناية بهم العناية الكاملة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرحمَ الناس بالصبيان، وقد ورد في السنة الشيءُ الكثيرُ ممَّا يحضُّ على العناية بالأطفال، وحسن معاشرتهم ومعاملتهم، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ )).

[ البخاري ومسلم ]

 وعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا

 

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ))

 

[ مسلم ]

 وَحَدَّثَ أَنَسٌ

 

((أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ))

 

[ رواه مسلم ]

(( وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ قَالَ فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ))

وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

((مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[ الترمذي]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

(( أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ))

[ البخاري ومسلم ]

قَالَ أَنَسٌ

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا))

[ البخاري، واللفظ لمسلم ]

فما أروع ما تضمَّنته هذه الأحاديث:
 الحــــب : وهو الرباطُ الروحي الذي يجمع كلَّ الناس على الخير، ولاسيما أقارب الإنسان، ومَنْ أولى مِنَ الولد، فلذة الكبد بهذا الحب ؟
والرحمة: واحةٌ إنسانيةٌ عميقةٌ، تجمع الناسَ في حضنها الحاني العطوفِ، فتؤكِّد فيهم نوازعَ الخيرِ والإنسانيةِ.
 والوفــاء: بالوعد مِن الوالدِ للولد، دليلٌ على العواطفِ الصادقةِ النبيلةِ، الوفاءُ بالوعدِ واجبٌ أخلاقي تحتِّمه الشرائعُ، وتوجبُهُ فرائضُ الأديانُ، إلا أنه للولد أوجبُ ما يكون ؛ لينظرَ إلى أبيه نظرةَ التقديرِ والإكبارِ.
وملازمةُ الوالدين لولدهم تغرِسُ فيه نوازعَ كريمةً، وتطبعُه بطابعٍ إنسانيٍّ نبيلٍ، وتقوِّم طبعَه وخلقَه، وتُنشِّئة تَنْشئةً صالحةً، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُم))

[ رواه ابن ماجه ]

 يريد الرسول بذلك ألاَّ تتركوهم هملاً دون راع، أو تتركوهم وتدَعُوهم لغيركم، فذلك حريٌّ أن يهزَّ معاييرَ الأخلاق بذواتهم، ويبذر بذورَ الشر في نفوسهم.
ولا يقل دور المعلم الواعي لخطورة رسالته، المخلص في أداء عمله عن دور الأب، قال عتبة بن أبي سفيان يوصي مؤدِّب ولده:

(( ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت))

 وروى ابن خلدون أن هارون الرشيد قال لمعلم ولده الأمين:

(( إنَّ أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيَّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرِئه القرآن، وعرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلِّمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرَّن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها، من غير أن تحزنه، فتميت ذهنه، ولا تُمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ، ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالحكمة والملاينة))

 وقد نبَّه علماء التربية الإسلامية كالغزالي وابن خلدون على أهمية تربية الطفل في سنّه الأولى لأنه في هذه الفترة تغرس فيه الأخلاق وتربي فيها العواطف والمفاهيم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ))

 

[ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ]

 كما نبَّه القرآنُ على أنّ الإسلام هو دين الفطرة، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة الروم: الآية 30 ]

 إنّ الأدبَ مطلوبٌ في فترة الطفولة ؛ لينشأ الطفلُ على محامدِ الأفعالِ، ومكارمِ الأخلاق، قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾

 

[ سورة التحريم، الآية 6 ]

 قال ابن عباس: في معنى قوله تعالى:

﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾

 أيْ أدِّبوهم وعلِّموهم، وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ))

[ أخرجه الترمذي وأحمد]

 إنَّنا حين نؤدِّب أولادَنا إنما نقدِّم للحياةِ عنصراً نظيفاً، وللمجتمع لَبِنَةً صالحةً، وهذا ما تهدِفُ إليه التربيةُ الإسلاميةُ، والإسلامُ بدوره يَعِدُ الآباءَ سعادةً في الدنيا، وهي قُرَّةُ العَيْنِ، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾

[ سورة الفرقان: الآية 74 ]

 ويَعِدُ الآباءَ جنّةً فِي الآخرةِ ففيها مَا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بَشَرٍ، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾

[ سورة الطور: الآية 21 ]

 إن الإسلام قَرَنَ تربيةَ الأولاد بهذين الوعدين الكبيرين في الدنيا والآخرة ؛ ليكونَ ذلك حافزاً للأبِ والأمِّ، على أنْ يربِّيَا أولادهما، وأنْ يُحْسِنَا تأديبَهما، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ))

[ انفرد به ابن ماجة]

 ورحم الله مَن قال:

(( لاعِبْ ولدك سبعاً، وأدبْه سبعاً، وصاحبْه سبعاً، ثم اجعل حبله على غاربه))

 حدث عبدُ الله بن عمر قال: سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه:

(( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد]

إخفاء الصور