وضع داكن
29-03-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 37 - المعجزات والزمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الإسراء والمعراج:

 أيها الأخوة الكرام، موضوع الإسراء والمعراج هو موضوع هذه الخطبة، وهو من الموضوعات المتعلقة بالمناسبات الدينية، وهذه الموضوعات لا نحتاج إلى سرد وقائعها بقدر ما نحتاج إلى استنباط الدروس والعبر منها.
 بادئ ذي بدء الإسراء والمعراج هو معجزة ثابتةً في الكتاب والسنة، ولكن لا معنى للحديث عن المعجزات التي هي خرق للنواميس والعادات، وعن جزئياتها، وعن وقوعها أو عدم وقوعها، إذا كان أصل الدين الذي يتلخص في: الإيمان بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، والإيمان بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه فعال لما يريد، إذا كان هذا الأصل محل شك فلا معنى للحديث عن المعجزات أصلاً، فالقرآن الكريم يخاطب الناس بأصول الدين، بوجود الله عز وجل، ويخاطب المؤمنين بفروع الدين، ومعجزة الإسراء والمعراج من فروع الدين.
أيها الأخوة، حقيقة أضعها بين أيديكم، إن الكون بمجراته وكازاراته، بكواكبه ومذنباته، بالمسافة بين النجوم، بالسرعات الضوئية، بحجوم النجوم وسرعاتها، وبدورانها وتجاذبها، والأرض بجبالها ووديانها، وسهولها وبحارها، ببحارها وبحيراتها، بينابيعها وأنهارها، بحيواناتها ونباتاتها، بأسماكها وأطيارها، بمعادنها وثرواتها، والإنسان بعقله، وعاطفته، وأعضائه، وأجهزته، بفطرته وطباعه، بزواجه وذريته، هذه كلها معجزات، وأية معجزات، بشكل مختصر الكون بسماواته وأرضه هو في وضعه الراهن من دون خرق لنواميسه، ومن دون خروج عن نظامه، هو في حد ذاته معجزة، وأية معجزة، والدليل قوله تعالى:

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 

( سورة آل عمران )

 إن في خلق السماوات والأرض من دون خرج للنواميس.

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

( سورة آل عمران )

التوحيد الإيجابي:

 

 أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، إن الله جل جلاله خلق الكون بسماواته وأرضه، وخلق العوالم وعلى رأسها الإنسان وفق أنظمة بالغة الدقة، ومن أبرز هذه الأنظمة نظام السببية ؛ وهو تلازم شيئين وجوداً وانعداماً أحدهما قبل الآخر، سمينا الأول سبباً، وسمينا الثاني نتيجة، ومما يكمل هذا النظام الرائع أن العقل البشري يقوم على مبدأ السببية، أي أن العقل لا يفهم حدثاً من دون سبب، ومن رحمة الله بنا أن هذا النظام في الكون وذاك المبدأ في العقل يقودنا برفق إلى معرفة الله، مسبب الأسباب، الأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
 ومن رحمة الله بنا أيضاً أن تلازم الأسباب مع النتائج يضفي على الكون طابع الثبات، ويمهد الطريق لاكتشاف القوانين، ويعطي الأشياء خصائصها الثابتة ليسهل التعامل معها، ولو لم تكن الأسباب متلازمةً مع النتائج، ولو لم تكن النتائج بقدر الأسباب، لأخذ الكون طابع الفوضى والعبثية، ولتاه الإنسان في سبل المعرفة ولم ينتفع بعقله، لكن من اعتقد دققوا في هذا الكلام: من اعتقد أن الأسباب وحدها تخلق النتائج ثم اعتمد عليها وحدها فقد أشرك، لذلك يتفضل الله على هذا الإنسان الذي وقع في الشرك الخفي فيؤدبه بتعطيل فاعلية هذه الأسباب التي اعتمد عليها، فيفاجأ بنتائج غير متوقعة، ومن ترك الأخذ بالأسباب متوكلاً في زعمه على الله عز وجل فقد عصى، لأنه لم يعبأ بهذا النظام الذي ينتظم الكون، ولأنه طمع بغير حق أن يخرق الله له هذه القوانين، أما المؤمن الصادق فأخذ بالأسباب من دون أن يعتقد أنها تخلق النتائج، وبالتالي من دون أن يعتمد عليها، يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، معتقداً أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الأسباب وحدها لا تقود إلى النتائج إلا بمشيئة الله، هذا هو التوحيد الإيجابي الذي يغيب عن كثير من المؤمنين فضلاً عن غير المؤمنين، قال تعالى:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

( سورة يوسف )

حقائق عن الإسراء والمعراج:

1ـ الحقيقة الأولى أن الإسراء والمعراج معجزة:

 قال علماء التفسير: هذا هو الشرك الخفي، لكن أيها الأخوة، نظام السببية يخرق أحياناً، فحينما يأتي إنسان ويقول: إنني رسول الله ليبلغ منهج الله عز وجل، لا بد من أن يطالبه الناس ببرهان على أنه رسول الله، وعلى أن الكتاب الذي جاء به هو من عند الله، وهنا تأتي المعجزة لتكون برهاناً على صدق إرسال النبي ومصداقية منهجه قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾

 

( سورة النساء)

 قال علماء التفسير: البرهان هو المعجزة:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)﴾

 

( سورة النساء)

 أيها الأخوة في كل مكان، المعجزة في بعض تعاريفها خرق لنواميس الكون ولقوانينه، ولا يستطيعها إلا خالق الكون، لأنه هو الذي وضع القوانين والنواميس، يعطيها لرسله لتكون برهاناً على صدقهم في إرسالهم، وصدقهم في إبلاغهم عن ربهم، والمعجزة ممكنة عقلاً غير مألوفة عادةً، فهناك فرق بين أن يحكم العقل على شيء باستحالته، وبين أن يعلن العقل عجزه عن فهم هذا الشيء، فعدم العلم بالشيء ليس علماً بعدم وجود ذلك الشيء.
 هذه الحقيقة الأولى أن الإسراء والمعراج معجزة، وهذا مكان المعجزة في هذا الدين العظيم، ثانياً تؤكد روايات الإسراء والمعراج أن النبي عليه الصلاة والسلام أسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء إلى سدرة المنتهى، ثم عاد إلى بيت المقدس، ومنه إلى مكة، من دون أن تقتطع هذه الرحلة المديدة من الزمن شيئاً، معنى ذلك أن الله خالق الزمن، الزمن مخلوق لا يسأل متى كان الله ؟ لأن الزمن من مخلوقاته، وأن الزمن من خلق الله يكون أو لا يكون، أما نحن فما علاقتنا بالزمن ؟ زمن الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.

 

1ـ إدارة الوقت هو الاستنباط الثاني من معجزة الإسراء والمعراج:

 أيها الأخوة الأحباب حضوراً ومستمعين، وقت الإنسان هو عمره بالحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته بالغفلة والسهوة والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا الإنسان خير له من حياته.
الوقت بالنسبة للإنسان عنصر هام، إذا لم يكن محسوباً له بخير فهو محسوباً عليه بشر، إن إدارة الوقت هو الاستنباط الثاني من معجزة الإسراء والمعراج، إن إدارة الوقت هي في مجملها تحديد هدف ثم تحقيقه، وهذا في القرآن الكريم، قال تعالى:

 

 

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)﴾

 

( سورة الملك )

 لاشك أن من يمشي إلى هدف وغاية واضحة أهدى ممن يخبط خبط عشواء، هذه حقيقة.

أدلة على أهمية الوقت في القرأن الكريم:

 الآن أيها الأخوة، الأدلة على أهمية الوقت في القرآن الكريم، لقد أقسم الله جل جلاله بمطلق الزمن، بهذا المخلوق المكرم الذي هو في حقيقته الزمن، قال تعالى:

 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

( سورة العصر )

 أقسم الله بمطلق الزمن، بهذا المخلوق المكرم الذي هو في حقيقته الزمن، أنه خاسر لا محالة، لماذا ؟ لأن مضي الزمن وحده يستهلكه، فالإنسان في أدق تعريفاته: بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإن لا أعود إلى يوم القيامة.
الآية الثانية:

 

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)﴾

 

( سورة فاطر)

 أي لقد كانت أعماركم التي وهبناكم إياها بين أيديكم تكفي لمن أراد أن يتذكر أو أراد أن يتفكر أو يعمل صالحاً، من هذا المنهج القرآني الكريم يمكن أن نستخلص أهمية الوقت للإنسان المسلم، حيث ألقى الله عليه مسؤولية استغلال الوقت الاستغلال الأمثل الذي يحقق مرضاة الله تعالى وفائدة الإنسان، فالوقت عنصر مهم يجب على الفرد أن يتنبه إلى الاستفادة منه، سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى الجماعة المسلمة.

أدلة على أهمية الوقت في السنة الشريفة:

 هذا في الكتاب فماذا في السنة الشريفة ؟ يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ. ))

 

[الترمذي في جامع الأصول عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ ]

 ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ))

 

[البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما]

 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ))

 

[رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما].

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( إذا قامت الساعة ـ إذا قامت القيامة وانتهى كل شيء ـ وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل ))

 

[رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه].

 تؤكد السنة النبوية الشريفة على أهمية أن يستغل الإنسان الوقت في مراحل حياته المختلفة، بدايةً من الصغر وحتى تتقدم به السن، كما تتسع هذه الأهمية لتشمل أهمية استفادة الفرد ليس فقط من وقت العمل بل من وقت الفراغ بعد الانتهاء من العمل.

 

قيمة الوقت في حياة مسلمي زماننا:

 أيها الأخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، يؤكد بعض العلماء منذ زمن قديم أن الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة، فكل ثانية أو دقيقة، وكل ساعة تشبه الأخرى، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع، وأنه يتحرك وفق نظام معين محكم لا يمكن إيقافه أو تغيره أو زيادته أو إعادة تنظيمه، وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام، دون تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاءه أو تبديله، الوقت هو الحياة، وهذا معنى مشترك يعرفه الناس جميعاً، ولكن الإسلام زاد على ذلك المعنى حين جعل الوقت بمثابة رأسمال يحاسب عليه الإنسان، ولكن الوقت يزيد عن المال، فالمال يدخر ويقايض عليه، وقد يعوض إذا أهدر، ولكن الوقت لا سبيل إلى ادخاره، ولا إلى مقايضته، ولا إلى استرجاعه، إضافةً إلى ذلك أن الوقت هو المورد الوحيد الذي نرغم على صرفه سواء أردنا أم لم نرد.
أيها الأخوة، كانت هذه الحقائق نبذةً عن قيمة الوقت فماذا عن قيمة الوقت في حياة مسلمي زماننا ؟ يبدو أن المورد الأكثر تبديداً في ثرواتهم هو الوقت، وإذا نظرنا إلى الممسكين بطرف الحضارة اليوم رأينا أنهم يستثمرون أوقاتهم في الشر والخير بدقة محسوبة، فما هو السبب في هذا التباين ؟ إنه بالتأكيد ليس راجعاً إلى فروق عنصرية، أو صفات جسمانية أو ذهنية أو موروثة، بل لأن الغرب استطاع أن يضع وينفذ نظاماً تربوياً يبث في أبنائه من خلاله ضمن ما يبث مبادئ إداريةً فعالة، قام عليها نظام حياتي، تمارس فيه أسس إدارية سليمة، بل أصبحت هذه الأسس والمبادئ علوماً قائمةً بذاتها، لها فروع وفنون تسمى العلوم الإدارية، ويبرز من هذه العلوم فرع كبير اسمه إدارة الوقت، إدارة الوقت أعلى مستويات تقدم أحسن ما تملك بأقل ما تملك.
 أيها الأخوة، هناك مؤشرات مرضية تعبر عن سوء إدارة الوقت، هل تردد كثيراً ليس لدي وقت لإنجاز ما أود القيام به ؟ هذا بند، هل تتأخر دائماً عن مواعيدك ؟ هل تأخذ المهمات التي تقوم بها وقتاً أكبر مما تحدده لها ؟ هل تتضارب مواعيدك مع بعضها بعضاً ؟ هل تقدم على تنفيذ العمل الذي تحبه أو الأكثر إلحاحاً على العمل الأهم ؟ هل تفاجئك الأزمات وبعدها تتصرف وتتخذ الإجراءات حسب ما يتفق لك وتسمح به الظروف وليس كما تخطط لها ؟
 إن اعتراف الأمر بأن العيب في ذاته هو أول خطوة على الطريق الصحيح، ولعلك إذا كنت تنتظر من هذا الموضوع أن نرشدك إلى أدوات خارج ذاتك بإدارة وقتك، إذا كان الأمر كذلك فانتبه إلى أن أهم الممتلكات التي تمتلكها هي الوقت، إنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي، على الرغم أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية، إنهم جميعاً يملكون الأربعة والعشرين ساعةً نفسها كل يوم، والاثنين والخمسين أسبوعاً كل عام، وهكذا فإن جميع الناس متساوون في ناحية المدة الزمنية سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم، من أغنياء القوم أم من فقرائهم، فالمشكلة ليست في مقدار الوقت لكل من هؤلاء ولكن المشكلة بطريقة إدارة الوقت.

 

وقفة متأنية مع إدارة الوقت الذي لانملك غيره:

 أيها الأخوة، لا بد من وقفة متأنية مع إدارة الوقت الذي لا نملك غيره، حتى من يحركون النظام العالمي الجديد أو القديم لا يملكون من الوقت إلا ما نملكه نحن، نحن نتحدث عن إدارة بيتك وإدارة عملك نتحدث عن هدفك أنت وطموحك أنت.
هل الوقت هو المشكلة ؟ لا والله، نحن المشكلة، يجب أن نوقن أن العيب فينا لا في ضيق الأوقات.
 أيها الأخوة، المخلصون الجادون في حياتهم يسهرون كثيراً على إنجاز أعمالهم ويتفانون في ذلك، ولكن قد لا يحسن بعضهم استثمار وقته، ولا يدرك أنه بقدر من المعرفة والممارسة يمكنه أن يحقق نتائج أفضل مثل غيره أو أكثر من غيره، ليس بالضرورة أن تكون مديراً أو موظفاً كبيراً، فقد يكون من يسيء استخدام الوقت قائم على رأس عمل دعوي، أو طالب علم، أو ربة منزل في منزلها، المرض واحد، وقواعد العلاج واحدة، فالمهام الكثيرة المتنوعة غير المتجانسة يصلح لها جميعاً أن تدير الوقت إدارةً حكيمة، لأن الوقت هو أنت، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
 أما إذا كان الإنسان لا يستطيع السيطرة على وقته فهو بحاجة إلى إدارة أخرى، بحاجة إلى إدارة ذاته قبل أن يدير وقته، وقد ضرب النبي عليه الصلاة والسلام مثلاً أعلى رائعاً في حسن استغلال الوقت وإدارته، وسيرته كلها تشهد بذلك، لقد كان حريصاً أشد الحرص على أن تنتهج أمته ذلك، فوجهها في أكثر من حديث على أهمية الوقت، يقول عليه الصلاة والسلام من حديث أبو هريرة رضي الله عنه:

 

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً هَلْ تَنْتَظِرُونَ ))

 

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 ماذا في المستقبل ؟

 

(( هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً أَوْ غِنًى مُطْغِياً أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

 

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

(( أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنكبي فقال: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))

[البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ]

 وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
وأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلم أصحابه درساً مع الوسائل المعينة كما تسمى اليوم:

 

(( خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطّاً مُرَبَّعاً وَخَطَّ خَطّاً فِي الْوَسَطِ خَارِجاً مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطاً صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ))

 

[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 أيها الأخوة، هذه الأحاديث وغيرها كثير دليل على أهمية الوقت في حياة المسلم كما وضحه جلياً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

إخفاء الصور