- ٠5كتاب ومضات في الإسلام
- /
- ٠04الباب الثالث - موضوعات إيمانية
وقد تنقطع أسباب الرزق بانقطاع الأمطار، فتغور الينابيع وتجف الأنهار، وييبس الزرع، ويموت الضرع، ويهدد الإنسان بافتقاد كأس الماء، ولقمة العيش، ويجد نفسه مضطرا أن يخرج من أرضه الجدباء مشرداً، وأن يغادر بيته الخاوي هائماً على وجهه، وقد شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الاستسقاء طَلَبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْإِغَاثَةِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ.
ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾
كَمَا اسْتَدَلَّ لَهُ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ , فَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِسْقَائِهِ صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتْ الشَّجَرُ وَهَلَكَتْ الْبَهَائِمُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهَا عَنَّا فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَكَشَطَتْ الْمَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تَمْطُرُ حَوْلَهَا وَلَا تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ))
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
((شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ , فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى , وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ , قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ , متواضعاً، متبذلاً، متخشعاً، مترسلاً، متضرعاً فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ , فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ , وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ , وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوَهُ , وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ , اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ من السماء، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ , ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ , وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إلَى الْكُنِّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ , وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
(( صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ))
إخوة الإيمان في كل مكان، ونحن نذكر هنا للسيد الرئيس دعوته أولي الأمر والمواطنين إلى إقامة صلاة الاستسقاء تطبيقاً للسنة النبوية المطهرة، والتماساً لرحمة الله بأن يرسل علينا الغيث من السماء، وقد جاء في بيانه مضمونُ هذه الدعوة، أنها تأتي نتيجة لتأخر هطول الأمطار هذا العام، وأن صلاة الاستسقاء هي رجاء الرحمة من السماء، ونداء صدق تتواصى به النفوس المؤمنة خيراً، ورحمة للبلاد والعباد، وينبغي أن تسبقها التوبة الصادقة من المعاصي والذنوب، ورد المظالم والحقوق إلى أصحابها، وصيام ثلاثة أيام قبل اليوم الذي تؤدى فيه صلاة الاستسقاء.
وقد تفضل ربنا واستجاب لعباده المؤمنين الذين أدوا صلاة الاستسقاء، واستغفروا ربهم وتضرعوا إليه أن يفتح لهم أبواب السماء، معلنين عبوديتهم وافتقارهم إلى الله الواحد القهار الذي قال في محكم كتابه:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
لقد استجاب ربنا جل جلاله لنا صبيحة ليلة القدر ففتحت أبواب السماء بماء منهمر وتساقطت الثلوج بعد انحباس استمر عاماً وزيادة، فاقتربت نسب التهاطل في بعض المحافظات من نصف المعدل السنوي بحسب نشرة وزارة الزراعة الصادرة في العاشر من الشهر الأول مِنْ هذا العام
والجدير بالذكر أن الله جل في علاه يستجيب لعباده المؤمنين الذين استجابوا له فأطاعوه وأخلصوا في طاعتهم استحقاقاً، وقد يستجيب لعباده المضطرين الذين كاد يهلكهم الجفاف، وقصروا في طاعتهم واخلاصهم قد يستجيب لهؤلاء تفضلاً وتشجيعاً، وقد يستجيب رحمة بالضعاف الطائعين، الذين أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
((لولا شباب خشع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، لصُبَّ عليكم العذاب صباً))
فإن كنا مشمولين باستجابة الاستحقاق، فهذا من فضل الله علينا، وإنْ أظلتنا استجابة التفضل والتشجيع، فلنتدبر أمرنا، ونصلح ذوات نفوسنا ولنقبل على طاعة ربنا، فهذه الفرصة ربما لا تتكرر.
قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾
قال ابن عباس:
(( إن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوة البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق))