- ٠5كتاب ومضات في الإسلام
- /
- ٠04الباب الثالث - موضوعات إيمانية
إنّ المؤمن يعيش موصولاً بالوجود كلّه، ويحيا في أنس به وشعور عميق بالتناسق معه وارتباط به، فليس هذا الكون عدواً له ولا غريباً عنه، إنه مجال تفكره واعتباره، ومسرح نظره وتأملاته، ومظهر نعم الله وآثار رحمته. هذا الكون الكبير كله يخضع لنواميس الله كما يخضع المؤمن، ويسبح بحمد الله كما يسبح المؤمن.
المؤمن ينظر إليه نظرته إلى دليل يهديه إلى ربه وإلى صديق يؤنسه في وحشته، وبهذه النظرة الودود الرحبة للوجود، تتسع نفس المؤمن، وتتسع حياته، وتتسع دائرة الوجود الذي يعيش فيه فليس هناك أوسع من صدر المؤمن وقلبه، الذي وسع العالَمين المنظور وغير المنظور، وعالم الشهادة، وعالم الغيب، ووسع الحياتين ؛ حياة الفناء، وحياة الخلود.
النفس المؤمنة رحبة واسعة، لأنها تعيش في نور يهديها سبيلها، ويكشف لها ما حولها، ومن شأن النور أن يوسع الدائرة التي يحيا فيها الإنسان، على عكس الظلام فإنَّ الذي تكتنفه الظلمة لا يرى ما حوله ولا من حوله، بل لا يرى الشيء وهو بجواره، بل لا يرى نفسه. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾
فقال:
(( إن النور إذا دخل الصدر انفسح ))
الإيمان بالله وباليوم الآخر هو الذي يرفع الإنسان من البهيمية إلى الإنسانية، ومن الطفولة إلى الرشد، ومن المحسوس إلى المعقول، ومن المنظور إلى غير المنظور.