وضع داكن
28-03-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 02 - التوحيد قوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 التوحيد هو في الواقع، تحرير للإنسان، من كل عبودية، إلا لربه الواحد الديان، الذي خلقه فسواه، وكرمه وأعطاه، التوحيد تحرير لعقله، من الخرافات والأوهام، التوحيد تحرير لضميره، من الخضوع والاستسلام، التوحيد تحرير لحياته، من تسلط الأرباب والمتألهين التوحيد يعين على تكوين الشخصية المتزنة، التي توضحت في الحياة وجهتها، وتوحدت غايتها، وتحدد طريقها، فليس لها إلا إله واحد، تتجه إليه في الخلوة، والجلوة، وتدعوه في السراء والضراء، وتعمل على ما يرضيه، في الصغيرة والكبيرة، ففي القرآن:

﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾

( سورة يوسف: 39 )

 التوحيد يملأ نفس المؤمن أمناً وطمأنينة، فلا تستبد بها المخاوف، التي تتسلط على أهل الشرك، فقد سد الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم، الخوف على الرزق، والخوف على الأجل، والخوف على النفس، والخوف على الأهل والأولاد، والخوف من الإنس، والخوف من الجن، والخوف من الموت، والخوف مما بعد الموت.
 أما المؤمن الصادق الموحد ؛ فلا يخاف إلا الله، ولا يخشى غير الله، ولهذا تراه آمناً إذا خاف الناس، مطمئناً إذا قلق الناس هادئاً إذا اضطرب الناس.
قال تعالى:

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

( سورة الشعراء: 213 )

 التوحيد مصدر لقوة النفس، إذ يمنح التوحيد المؤمن، قوة نفسيةً هائلة، حيث تمتلئ نفسه من الرجاء بالله تعالى، والثقة به، والتوكل عليه، والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه، والاستغناء به عن خلقه، فالمؤمن الموحد راسخ كالجبل، لا تزحزحه الحوادث، ولا تزعزعه الكوارث.
 ولما وليَ الحجَّاجُ بن يوسف الثقفي العراقَ، وطغى في ولايته وتجبَّر، وكان الحسنُ البصري أحدَ الرجال القلائل الذين بينوا للناس الحق والحقيقة، وصدعوا بكلمة الحق من دون خوف أو وجل، فعَلِمَ الحجَّاجُ بذلك، فماذا فعل ؟ دخل إلى مجلسه، وهو يتميَّز من الغيظ، وقال لجلاَّسه: تبًّا لكم، سُحقا لكم ، يقوم عبدٌ من عبيد أهل البصرة، و يقول ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يردُّه، أو ينكر عليه، والله لأسقينَّكم من دمه، يا معشر الجبناء، ثم أمر بالسيف والنطع، ودعا بالسياف فمَثل واقفا بين يديه، ثم وجَّه إلى الحسن بعضَ جنده، وأمرهم أن يأتوا به، ليقطع رأسه، وينتهي الأمرُ، وما هو إلا قليل حتى جاء الحسنُ، فشخصتْ نحوه الأبصارُ، ووجفت عليه القلوبُ، فلما رأى الحسنُ السيفَ والنطع والسياف حرَّك شفتيه، ثم أقبل على الحجاج، وعليه جلالُ المؤمن، وعزة المسلم، ووقارُ الداعية إلى الله، فلما رآه الحجاجُ على هذه الحال هابه أشدَّ الهيبة، وقال له: ها هنا يا أبا سعيد، تعالَ اجلس هنا، فما زال يوسع له و يقول: ها هنا، والناس لا يصدَّقون ما يرون، لقد طلب ليقتل، والنطع جاهز، والسيَّاف واقف، وكلُّ شيء جاهز لقطع رأسه، فما الذي حصل، وكيف يستقبله الحجَّاج، ويقول له: تعال إلى هنا يا أبا سعيد، حتى أجلسَه على سريره، ووضَعَه إلى جانبه، ولما أخذ الحسنُ مجلسه التفت إليه الحجَّاجُ، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسنُ يجيبه عن كلِّ مسألة، بجنان ثابت، وبيان ساحر، وعلم واسع، فقال له الحجاج: أنت سيدُ العلماء يا أبا سعيد، ثم دعا بغالية - نوع من أنواع الطيب - وطيَّب له بها لحيته، وودَّعه، ولما خرج الحسنُ البصري من عنده، تبعه حاجبُ الحجاج، وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاجُ لغير ما فعل بك، دعاك ليقتلك، والذي حدث أنه أكرمك، وإني رأيتك عندما أقبلت، ورأيتَ السيفَ والنطعَ قد حرَّكتَ شفتيك، فماذا قلت لربك ؟ فقال الحسن: لقد قلت: يا وليَ نعمتي، وملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته علي، بردا و سلاما، كما جعلت النارَ، بردا وسلاما على إبراهيم.

 

الذين يبلغون رسالات الله، ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله
 وقد استنصح والي البصرة الحسن البصري مرة، وقد جاءه من الخليفة توجيه ؛ إن نفذه أغضب الله، وإن لم ينفذه، أغضب الخليفة، وعزله من الولاية، قال له: اعلم أن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.

إخفاء الصور