وضع داكن
25-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الأول - الفقرة : 25 - الانتفاضة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

واجبنا نحو الإنتفاضة المباركة:

 إذا كانت مكة محط حج بيت الله الحرام فماذا عن مسرى سيد الأنام ؟ إنه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ولا يعلم إلا الله ماذا يجري حوله من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ويفرَق من هولها وحوش الغاب .

 

قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ  جَريمةٌ لا تُغْتَفَرْ
وقَتْلُ شعبٍ مسـلمٍ  مسألةٌ فيها نَظَرْ
* * *

 الحقيقة أنه لا بد أنْ نشكر أطفال الانتفاضة، بل الواجب على كل مسلم أنْ يقدِّم لهم الشكرَ ؛ حيث جعلوا لنا قضيةً نستطيع أن نتوحَّد حولها ونتحدّثَ عنها، ونحزنَ مِن أجلها ونتجمعَ بسببها، لقد رفعونا عن كثير من همومنا الصغيرة التي كانت تستنزفنا فيما مضى .
إنّ الانتفاضة مباركةٌ لأنها حرَّكت القضيةَ داخلَ فلسطينَ، وداخلَ الأرض المحتلة، فقد أصبح اليهودُ يشعرون حقّاً بعقدة، فهذه الأرضُ ليست بلا شعب ـ كما قيل لهم ـ فهم يفاجئون أنه يخرج عليهم شابٌّ من الأرض نفسها في فلسطين، هو أكثر حماساً منهم لهذه الأرض، وأكثر تضحية، وأكثر إصراراً، وأكثر صدقاً في حمايتها والشعور بقداستها، حتى الصبية الصغار أصبحوا يدافعون عنها بهذه الطريقة التي لم تكن مألوفة في التاريخ كلِّه، لقد حافظتْ الانتفاضةُ على معنويةِ المسلمِ وشعورِه بالانتماءِ، وشعوره بالعطاء، وكونه يتقي الله قدرَ المستطاع، ويبذل كل جهده في البلاء، هذه الانتفاضة جعلتْ العالَم كلَّه، وليس العالم العربي والإسلامي فحسب يبدأ بإعادة حساباته، ويتفهَّم قضيةَ المسلمين، لقد كانت الانتفاضةُ اختراقاً جيداً للكيان الصهيوني، فمِن خلال مشاهدة الناس للأطفال وهم يتلقون الرصاصَ الحيَّ بصدورهم ورؤوسهم، وليس في أيديهم إلا الحجارة، شعروا أنَّ هناك مشكلة حقيقة، هؤلاء الأطفال ما تحرّكوا عبثاً، وما تصدَّوا لعباً، فحينما تُسْلَب أرضُ شعبٍ، وتُنهَب ثرواتُه، وتُنتهَك حرماتُه، وتُدَنَّس مقدساته، وتُداسُ كرامتُه، وتُقهَر إرادتُه، وتفسد عقائده، وتفرغ قِيَمُه، ويُزوَّر تاريخُه، ويُحمَل على الفساد والإفساد، وتُمَارَس عليه ألوانُ التجهيل والتجويع والتعذيب على يد أعدائه، أعداء الله، أعداء الحقِّ، أعداء الخير، أعداءِ الحياة، عندئذٍ لا بد لهذا الشعب أن يتحرّك ليسترِدَّ حقَّه في الحياة الحرة الكريمة .
 كانت الانتفاضةُ فرصةً لتعبير الناس عن مشاعرهم، ونفضِ الغبار عن قلوبهم، وتجديد الولاء لدينهم وأمتهم، وتوحيد همومهم حول قضيتهم الكبرى، والقضاء على الاهتمامات الجانبية، والخلافات الجزئية، ومحاولة مخاطبة الأمة كلها، ومخاطبة العالم من ورائها بالقضية العادلة .

 

 

الإنتفاضة إنتفاضة عفوية:

 إنّ كلَّ قطرةِ دمٍ تُراقُ من طفل فلسطيني ينبغي أنْ نشعر أنها تُمتصُّ من أجسادنا، ومِن أولادنا، ومِن أهلنا، وأنّ كلَّ شهيد يَذهب هو من أقرب الناس إلينا، ولا يجوز أبداً أن يكون نَفَسُنَا قصيراً، حيث إنه إذا طال علينا الأمدُ بدأ الناسُ يتساءلون: إلى متى ولماذا ؟ ثم بعدها ينشغلون بهمومهم، وقضاياهم الخاصة، وأُسَرِهِمْ، وتجاراتهم، ووظائفهم، ويغفلون عن أولئك المرابطين في الثغور على مدى الزمان، وهؤلاء الصبيةُ الصغارُ الذين قاموا بهذا العمل رفعوا عبئاً ومسؤوليةً كبيرةً عن المسلمين في كل مكان، وتصَدَّوا لواجبٍ لا يستطيع غيرُهم أنْ يتصدّى له، فكونُهم يلجؤون إلى هذه الوسيلة البسيطة الساذجة العادية التي تدلّ على أنّ الانتفاضةَ انتفاضةٌ عفويةٌ، انتفاضة القهر، والحرمان، والأذى، والطغيان، وأنّ الإنسانَ قد وصل إلى درجة لا يصبر عليها، فقد بَلَغ السيلُ الزبى، وجاوز الحزام الطِّبيين، وبلغ السكين العظم .

 

 

لا تسقني ماءَ الحياة بذِلَّةٍ بل  فاسقني بالعزِّ كأسَ العلقمِ
* * *

أمَا وقد قام هؤلاء الصغارُ بواجبهم، وأسالوا من دمائهم، وبذلوا من أرواحهم، فإنه لا يسَعُ المسلمين إلا الإصرارُ على دعمِ هؤلاء بكل صور الدعم .
 ونحن في بلدنا الطيب، قيادة وشعباً، نضع كل إمكاناتنا دعماً لا لقضيتهم بل لقضيتنا، عرباً ومسلمين، فقضيتنا أصبحت نكون أو لا نكون، نكون مجتمعين على الحق، ولا نكون متفرقين بالمصالح والأهواء .

 

إخفاء الصور