وضع داكن
28-03-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الأول - الفقرة : 19 - أسباب هلاك الأمم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 في زحمة الأحداث وتسارع المتغيرات، وفي خضم تداعيات النوازل والمستجدات، وكثرة الأطروحات والتحليلات يلحظ المتأمل الغيور غياباً أو تغييباً للرؤية الشرعية، والنظر في فقه السنن الكونية حتى حصل من جرّاء ذلك زلل بالأقدام، وخطل أقلام، وضلال إفهام، وتشويش وحيرة عند كثير من أهل الإسلام، مما يؤكد أهمية المرجعية الموحدة للأمة الواحدة التي ينبغي أن ترتكز في تحقيق أهدافها على صحة المعتقد، وسلامة المنهج، والعناية بمصالح الأمة الكبرى، ومقاصد الشريعة العظمى، باعتدال في الرؤى، وتوازن في النظر، وأسلوبٍ عالٍ في الطرح والحوار، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾

[ سورة النساء: الآية 83 ]
هذه الآية تشير إلى المرجعية الواحدة للأمة الواحدة.
 أيها الإخوة الكرام، حضوراً ومستمعين: هذه الأحداث التي هزت العالَم ألا تنتظمها قوانين وسنن إلهية لا تتبدل ولا تتغير ؟ قال تعالى:

 

﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43)﴾

[ سورة فاطر: الآية 43 ]
 فما هي أسباب هلاك الأمم في ضوء القرآن الكريم وسنة النبي عليه أتم الصلاة والتسليم ؟
من أبرز أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد، وكثرة الخبث، قال تعالى:

 

 

﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)﴾

[ سورة الإسراء: الآية 16 ]
 قال علماء التفسير: أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوا به، ففسقوا، أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه، وكذبوا رسله، فحق عليها القول، أي وجب عليها الوعيد، فدمرناها تدميراً، وقد أكد الله التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم، فإن قال قائل: إن الله أسند الفسق في هؤلاء القوم بخصوص المترفين دون غيرهم في قوله تعالى:

 

 

﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾

[ سورة الإسراء: الآية 16 ]
 مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، قال المفسرون: هناك جوابان ؛ الأول: أن غير المترفين تبعوا لهم، كما قال الله تعالى:

 

 

﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)﴾

[ سورة الأحزاب: الآية 67 ]
 والجواب الثاني: أن بعضهم إن عصى الله، وبغى، وطغى لم ينكر عليه الآخرون هذه المعصية وهذا الفسق والفجور فإن الهلاك عندئذ يعم الجميع، كما قال تعالى:

 

 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾

[ سورة الأنفال:الآية 25 ]
 وكما جاء في الحديث الصحيح من حديث أم المؤمنين زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

(( دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ))

[البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد]
 فأول أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد في الأرض، وكثرة الخبث، قال تعالى:

 

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾

[ سورة الروم: الآية 41 ]
 سبب آخر من أسباب هلاك الأمم الكفر بنعم الله عز وجل، وعدم القيام بواجب شكرها، قال تعالى:

 

 

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل: الآية 112 ]
 وقد ورد في الأثر القدسي: " إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل محبتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي، لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ".
 سبب ثالث من أسباب هلاك الأمم من خلال القرآن والسُّنة: ظهور النقص، والتطفيف في الكيل والميزان، ومنع حق الله، وحق عباده، ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى، هذه كلها مجتمعة في حديث شريف يبين المرحلة التي وصلنا إليها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

 

 

(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))

[ ابن ماجه ]
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم معنا يرى تقصير الأمة الإسلامية.
ومن أسباب هلاك الأمم: التنافس في الدنيا، والرغبة فيها، والمغالبة عليها.
 عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.....قال:

 

(( فَوَ اللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ))

[البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد]
 وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ))

[رواه الإمام مسلم ]
 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا....))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، أحمد، الدارمي]
 ومن أسباب هلاك الأمم: التعامل بالربا، وانتشار الزنا، فإن هذا مما يخرب البلاد، ويهلك العباد، ويوجب سخط الرب عز وجل.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ....َقَالَ:

(( مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي]
 قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾

[ سورة البقرة ]
 وانتشار الزنا سبب لظهور أمراض لم تكن في الأمم السابقة، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، عدد المصابين بمرض الإيدز في العالم يتجاوز أربعين مليونًا.
أيها الأخوة الكرام في دنيا العروبة والإسلام: ومن أسباب هلاك الأمم: تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقصير الأمراء في إزالة المنكرات.
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

 

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ ))

[رواه أبو داود]
 وعن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: مَا لَكَ ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ ))

[ البخاري، الترمذي، أحمد ]
والتعبير الحديث: نحن جميعاً في قارب واحد.
 قال الإمام الغزالي: الأمر بالمعروف والنهي عم المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو الذي بعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمَّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإن لله وإنا إليه راجعون.
ومن أسباب هلاك الأمم: ترك الجهاد، والإخلاد إلى الأرض.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ))

[ أبو داود، أحمد ]
 الأخذ بأذناب البقر، والرضا بالزرع علامة على الإخلاد إلى الأرض، والانغماس في الملذات، وترك الجهاد هو سبب الذل والهوان.
أيها الأخوة الكرام، حضوراً ومستمعين: ومن أسباب هلاك الأمم: مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

 

 

﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾

[سورة النور: الآية 63 ]
 وقد قال الله عز وجل:

 

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

[ سورة الأنفال:الآية 33 ]
 أي ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة في حياتهم، في علاقاتهم، في كسب أموالهم، وفي إنفاقها في تجارتهم، في بيعهم في شرائهم، في علاقاتهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في حلِّهم، في سفرهم، ما دام منهج النبي مطبقاً في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله، وفي مأمن آخر:

 

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[ سورة الأنفال:الآية 33 ]
 وفي حديث طويل عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

((.... وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))

[ أحمد]
 ومن أسباب هلاك الأمم: الغلو في الدين، والغلو هو التنطع، ومجاوزة الحد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا ))

[ مسلم، أبو داود، أحمد ]
 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((..... إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ))

[ النسائي، ابن ماجه، أحمد ]
 أيها الأخوات المستمعات، أيها الإخوة المستمعون: نجاح أمة الإسلام هو انتصارها على أعدائها اللئام، والذي يفرح له المؤمنون في كل عصر ومصر، والذي نحن في أمسّ الحاجة إليه أننا نواجه أعداءً ماتت في ضمائرهم وضمائر الذين انتخبوهم كل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، وبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، وغناهم على إفقارها، وقوتهم على تدمير أسلحتها، إنهم يصفون المالك للأرض الطريد المشرد إرهابياً لا حق له، والمتمسك بدينه القويم أصولياً، ويجعلون اللص الغالب على المقدسات رب بيت محترماً، يملكون الأرض لا بالإحياء الشرعي، ولكن بالإماتة الجماعية، والقهر النفسي، فيا ويلهم، قال تعالى:

 

 

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

[ سورة يونس: الآية 24 ]
 أيها الأخوة الكرام في كل مكان: هؤلاء المستكبرون ربما طالبوا الشعوب المستضعفة أن تلعق جراحها، وأن تبتسم للغاشم، وأن تعد حقها باطلاًَ وباطل المعتدي حقاً، في مثل هذا يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف، ولم تنهوا عن منكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً ؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ))

[الفردوس بمأثور الخطاب]
 وضع مؤلم جداً، ونحن المسلمين ينبغي علينا من خلال الأمر القرآني لنا أن نعدَّ لهم ما نستطيع من قوة بمفهوم القوة الموسَّع، أسرنا ينبغي أن تتماسك، أمهاتنا ينبغي لهن أن يتفرغن لتربية أولادهن، طالبنا ينبغي أن يتفوق، معلمنا ينبغي أن يحمل رسالة يسعى لتحقيقها، عاملنا ينبغي أن يتقن، فلاحنا ينبغي أن يرتبط بأرضه ليزرعها، موظفنا ينبغي أن نعطيه حقه، وينبغي له أن يتفانى في خدمة المواطنين، وقاضينا ينبغي أن يعدل، وعالمنا ينبغي أن يؤثر خدمة أمته على حظوظه من الدنيا، وداعيتنا ينبغي أن ينصح، لا أن يمدح، وضابطنا ينبغي له أن يوقن أن المعركة مع العدو قادمة لا محالة، وأن حديث العدو عن السلام مراوغة، وكذب، وكسب للوقت، ليس غير، وثرواتنا ينبغي أن تستخرج ومصانعنا ينبغي أن تطور، وأرضنا ينبغي أن تستصلح، ومياهنا ينبغي أن يرشَّد استهلاكها، وهذا لا يكون إلا بإيمان بالله يحملنا على طاعته، وإيمان باليوم الآخر يحملنا على ألا نظلم بعضنا بعضاً، وأن نطلب جزاء جهدنا وجهادنا في الجنة، وهذا نوع من الجهاد البنائي لا تقطف ثماره عاجلاً بل آجلاً، مثلاً حينما تقول لطالب: واظب على دراستك، كن متفوقاً، خطط لسنوات قادمة لتكون شيئاً مذكوراً في حياة الأمة ومستقبلها لاستكسل هذا، وآثر سماع الأخبار، وأن يكون منفعلاً، لا فاعلاً، إن بعض الاندفاع قد يضاعف المعاناة بدلاً من حلها.
أيها الأخوة الكرام: هاهنا يبرز معنى الجهاد البنائي بمفهومه الواسع الذي هو بذل أقصى الوسع، واستفراغ الطاقة في تحصيل المراد والغفلة عن المستقبل ستجعلنا مشغولين أبداً بإطفاء الحرائق هنا وهناك عن العمل الجاد الذي يخفف المعاناة عن أجيالنا اللاحقة.
 أيها الأخوة الكرام: نريد حلاً، هل من ورقة عمل توضع بين أيدي المسلمين ؟ أول نقطة في ورقة العمل العودة إلى القرآن والسُّنة للعلم والعمل معاً، لا بد من العلم لثقل هذه المرحلة التي نحياها الآن حتى لا نؤذي من حيث نريد الإصلاح، حتى لا نفسد من حيث نريد الإصلاح، لا بد العلم لفهم العلماء الربانيين، لا بد من فهم صحيح، وعمل صادق، ولا سيما أن الجهل قد يودي بصاحبه إلى الشرك، وإلى الإفساد من حيث لا يشعر، ولا يريد، هذه النقطة الأولى في ورقة العمل.
النقطة الثانية: تجديد الإيمان، نحن لا نظن أن الأمة قد نبذت الإيمان بالكلية، ولكن نقول الإيمان يزيد وينقص، ويتجدد ويبلى، ويقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إن الإيمان ليخلَق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ))

[ورد في الأثر]
 أي كما يبلى الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم، نحن في أمس الحاجة إلى تجديد للإيمان، لأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، نحتاج إيماناً يعرفنا بربنا، نحتاج إيماناً يجدد في قلوبنا التوكل على الله والثقة بالله وحده، والرجاء فيه وحده، والاعتماد عليه وحده، والتوكل عليه وحده، واليقين فيه وحده، نحتاج إيماناً إن استقر في قلوبنا نطقت به ألسنتنا، وصدقته أعمالنا.
 في الدعاء الشريف: " اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن الرجاء إلا فيما عندك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك " .
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

[ البخاري مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك ]
 النقطة الثالثة في ورقة العمل التي ينبغي أن تكون بين أيدينا هي الأخوة الإيمانية بالعقيدة الصحيحة، وبالأخوة الصادقة أقام النبي صلى الله عليه وسلم دولة:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[ سورة الحجرات: الآية 10 ]
وأقام دولة:
 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))

[ البخاري، مسلم، أحمد ]
 أين الأخوة الإيمانية ؟ أين أمة الجسد الواحد ؟ نخشى أيها الإخوة أن ينظر المسلم إلى وضع إخوانه المؤمنين فيهز كتفيه، ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، لا من قريب ولا من بعيد، ما دام هو آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه.
النقطة الرابعة في ورقة العمل تحويل العلم إلى عمل، العلم ما عُمِل به، العلم في الإسلام وسيلة لا غاية، تحويل العلم إلى عمل فإن العلم إذا خالف العمل بُذرت بذور النفاق في القلوب قال تعالى:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

[ سورة الصف ]
 ينبغي أن نحول المنهج العلمي الرباني إلى واقع عملي يتألق في دنيانا سمواً، وروعة، وحركة، وبناءً، أن نتحرك في هذه المرحلة إلى الدعوة إلى الله، نريد أن نُسمع العالم كله عظمة هذا الدين، وحقيقة هذا الدين، قم أيها الموحد دثر العالم كله ببردتك ذات العبق الطاهر، قم وضم العالم كله إلى صدرك، وأسمعه خفقات قلبك الذي وحد الله جل وعلا، قم واسق الدنيا كأس الفطرة، فطرة التوحيد التي فطر الله الناس عليها، نريد الآن أيها الإخوة من كل مسلم غيور أن يبذل الغالي، والرخيص والنفس والنفيس لدين الله تبارك وتعالى، فإن لم تعمل الآن، وإن لم تحمل الآن هموم أمتك، وإن لم تتحرك الآن لنصرة دينك متى تتحرك ؟ لا تأكل ملء بطنك، ولا تنم ملء عينيك، ولا تضحك ملء فمك، وكأن الأمر لا يعنيك.
أيها الأخوة الكرام: النقطة التالية في ورقة العمل أن نجدد الثقة المطلقة بوعد الله الصادق، بأن الله سبحانه وتعالى سوف ينصر دينه، دققوا في هذه الآية:

 

 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص: الآية 4 ]

 

 الآن دققوا:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

[ سورة القصص ]
 هذا وعد من الله عز وجل للمستضعفين، يقول الله تعالى:

 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)﴾

[ سورة إبراهيم ]
 آية تهديد ووعيد، ولكن أعظم ما فيها شفاء لقلوب المظلومين، وتسلية لخواطر المكلومين، فكم ترتاح نفس المظلوم، ويهدأ خاطره حينما يسمع هذه الآية، ويعلم علم اليقين أن حقه لا يضيع، وأنه سوف يُقتص له ممن ظلمه، ولو بعد حين، وأنه مهما أفلت الظالم من العقوبة في الدنيا، فإن جرائمه مسجلة عند من لا تخفى عليه خافية، ولا يغفل عن شيء، الموعد يوم الجزاء والحساب، يوم العدالة يوم يؤخذ للمظلوم من الظالم، ويُقتص للمقتول من القاتل، يوم تُجزى كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، ولكن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته:

 

 

﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم: الآية42 ]
 أي تنقى أبصارهم مفتوحة مبهوتة، لا تتحرك الأجفان من الفزع والهلع، ولا تطرف العين من هول ما ترى:

 

 

﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)﴾

[ سورة إبراهيم: الآية43]
 أي مسرعين، لا يلتفتون إلى شيء ممن حولهم، وقد رفعوا رؤوسهم في ذل وخشوع، لا يطرفون بأعينهم من الخوف والجزع، وقلوبهم خاوية خالية، منكل خاطر من هول الموقف، ما أعظم بلاغة القرآن، وما أروع تصويره للمواقف، حتى كأنك ترى المشهد ماثلاً أمامك.
أيها الأخوة الكرام: تخيلوا وأنتم تقرؤون هذه الآية مصير الطغاة الظلمة الذين انتهكوا أعراض المسلمين، وسفكوا دماء الأبرياء، وقتلوا الأطفال، وشردوا النساء، وهدموا المساجد والمنازل، وردموا الآبار، وجرفوا المزارع.
تذكر أيها الأخ الكريم من عاث في الأرض فساداً، ومن أذاق إخواننا في فلسطين صنوف العذاب والقهر والظلم، تذكر أن الله فوقهم، وأنه سوف يقتص منهم، ويرينا فيهم ما يثلج الصدور، إن شاء الله تعالى، ويتحقق لنا وعد الله سبحانه وتعالى:

 

 

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)﴾

[ سورة المطففين ]
 أيها الأخوة الكرام: هذا الواقع الأليم الذي تحولت فيه الأمة إلى قصعة مستباحة من كل أمم الأرض أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا....))

[ أبو داود، أحمد ]
 تصور أيها الأخ منظر الطيور حينما يقدم لها الطعام بعد جوع شديد، تصور مشهد الطيور وهي تتقاتل، وتتقاذف ليلتقط كل طائر مصيره من هذه القصعة، انظر إلى الكلام النبوي بعين التدبر:
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

 يقول السيد الرئيس أيها الإخوة في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد بالدوحة: إننا نشهد المزيد من إزهاق الأرواح في منطقتنا، ونرى الأمة العربية والإسلامية تزيد إلى رصيدها المزيد من الفقر والجوع، والكثير من الظلم والاضطهاد، كما رأيناها تبتعد أكثر وأكثر عن هويتها حتى تكاد تذوب في هويات الآخرين، وفي المقابل كانت دول أخرى تزداد طغياناً واستغلالاً، ويشرعن قتلها، وتدميرها للغير، وبنظرة متأملة في العقود الماضية نرى أن نقلة تراجعية كبيرة إلى الوراء قد تمت بالنسبة إلى دول المنطقة ترافقت مع ظهور مفاهيم جديدة مختلفة، وخاصة بالعقد الماضي، وفي مقدمتها مفهوم النظام الدولي الجديد، أو ما يسميه البعض بالعولمة، فالإسلام تجاوز منذ ظهوره الحدود الجغرافية، والقوميات، والثقافات المختلفة، ولكنه لم يلغها، بل أكد على الالتزام بالوطن والأمة، بانياً ذلك على أسس سليمة مختلفة عن مفهومات العولمة.
ويمكن أن تكون العولمة حالة مليئة بالإيجابيات إذا استندت إلى ما استند إليه الإسلام من العدل والمساواة إضافة إلى مبادئه السمحة الأخرى.
انتهى كلام السيد الرئيس.

 

هذا هو الأقصى يُهوَّد جــهرَتنا ولـبؤسـه تتحـدث الأخبـار
المال مقتسم والعِرض مُنتــهَك والقَـدْر محتقـر والدم طوفان
أين الملايين من أموال أمتنــا فمـا لها في مجال الفعل برهان
هل عندكم نبأ مما يعد لكـــم أم خـدَّر القـوم لعَّـابٌ و فتَّان
ذل وضعف وتمثيل و ملحمــة ما ذاقها في ميادين الدهر إنسان
الخمر تُشرب و الأوتار صاخبـة وللميوعة فينا القـدر و الشـان
أما لنا في كتاب الله من عظـة فقد دعانا لنصـر الحـق قرآن
أما لنا في طلوع الفجر من أمل أمـا تبدد عنـا الشـك و الران
يا أمتي مزقي الأغلال وانتفضي فالمجـد لا يمتطيه اليوم وسنان
عودي إلى الله فالأبواب مشرعة وعـزة الله لـلأواب عنــوان
واستبسلي فشعاع الفجر منتشر وإن تجاهل نور الفجـر عميان


 أيها الأخوة الكرام: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ، وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ، وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا، وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ ))
[ الترمذي ]

إخفاء الصور