وضع داكن
25-04-2024
Logo
الخطبة : 0806 - أسباب هلاك الأمم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

منبر رسول الله لا ينبغي أن يقال مِن فوقه إلا الحقيقة :


 أيها الأخوة الكرام ، كما قلت في الخطبة السابقة، إنّ الله عز وجل حينما قال:

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾

[ سورة الجن: 18 ]

 أي أنه لا ينبغي أن يقال على منبر رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ما في الوحيين من الكتاب والسنة، هذه حقيقةٌ مَسلّمٌ بها، هناك منابر في العالم لا تعد ولا تحصى، ولأصحابها أن يقولوا ما شاؤوا، لكن منبر رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينبغي أن يقال مِن فوقه إلا الحقيقة، التي تستنبط من الكتاب والسنة.

 

المؤمن الصادق يطمئن لوعد الله ولا يخاف من وعيد العباد :

 الشيء الآخر أيها الأخوة، هو أن المؤمن كما قال الله عز وجل:

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾

[ سورة إبراهيم: 27 ]

 القرآن الكريم هو القول الثابت، القرآن الكريم كلام رب العالمين، والحقيقة المطلقة من القرآن الكريم، فالمؤمن الصادق يطمئن لوعد الله، ولا يخاف من وعيد العباد، ماذا قال الله عز وجل؟ آيات نقرؤها كثيراً، نقرؤها آلاف المرات، ولكن حينما تمر الأمة في ظرف عصيب، تقرأ هذه الآيات وكأنك تسمعها أول مرة، أو كأنها تنزلت من توها، ماذا قال الله عز وجل يصف المؤمنين؟

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاس﴾

 عبر وسائل الإعلام، وعبر وكالات الأنباء، وعبر الفضائيات، وعبر الحواريات، وعبر المقابلات

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾

 قوى مدمرة، يمكن أن تدمر الأرض خمس مرات،

﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾

 بأنّ الأمر بيد الله، وأن الله سبحانه وتعالى لا يسلم عباده المؤمنين لقوة عاتية، فالأمر كلُّه بيد الله.

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾

[ سورة الكهف: 26 ]

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

[ سورة الزخرف: 84 ]

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[الأنعام، مِن الآية 59]

لكلّ شيء حقيقة :


 لقد أمرنا أن نعبده، وألاّ نسلم أنفسنا إلى غيره:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

 ثم ترى ضعاف المؤمنين ترتعد مفاصلهم، يقولون: عندهم قوى نووية، فترتعد مفاصلهم، ويقولون: هم يتعاونون بلا حدود، وعندهم سلاح ذري:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

 زادهم إيماناً أن الأمر بيد الله وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث:

((وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ))

[ الترمذي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهما]

 وأن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم- وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ - أن كل شيءٍ يقع بقضاء الله وقدره، وأنه مَن أنكر أن يكون الذي وقع بقضاء الله وقدره فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، وأن الذي يؤمن أن الذي وقع إنما وقع بقضاء الله وقدره، ولكن لا حكمة له فقد ظن بالله ظن الجاهلية:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

 أن الأمر بيد الله، وأن الله عون له، وأن الله رحيم حكيــم،

﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾

﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾

[ سورة آل عمران: 174]

الإيمان الصحيح عامل أساسي في الظروف الصعبة :

 أيها الأخوة، هنا دور الإيمان، في هذه الظروف الصعبة نحتاج إلى الإيمان الصحيح، نحتاج إلى أن يثبت قلوبنا بالقول الثابت، وهذه آيات من كتاب الله، وهي القول الثابت، تصور أن مجتمعًا فيه عدل تام، ولك خصم قوي لا قِبل لك به، وفي أنظمة هذا المجتمع مادة لصالحك، ألا تطمئن؟ بلى، فإنك تطمئن بكلمات في القانون، لأن هناك عدلاً تاماً، وهناك قانوناً محكماً، والمادة هذه لصالحك، وهذا حال المؤمن.

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا ﴾

 لم يقل علينا، بل قال:

﴿لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم﴾

[ سورة آل عمران:173- 174]

 والآن دققوا أيها الأخوة في الآية التي تليها.

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 175]

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

 من أوجَه التفسيرات لهذه الآية أن الشيطان يخوف ضعاف الإيمان من أولياء الشيطان، الطواغيت في الأرض الذين يبنون مجدهم على أنقاض الشعوب، يبنون حرياتهم على قهر الشعوب، يبنون رفاهم على إفقار الشعوب ،

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

 الناس ،

﴿ أَوْلِيَاءَهُ﴾

 الهاء ضمير عائد على الشيطان، قال تعالى:

﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

  إن كنتم مؤمنين ينبغي أن نخاف الله وحده، وألا نخاف من سواه، لأن من سواه في قبضة الله.

﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾

[ سورة هود: 55 ـ 56 ]

 هذه الدواب المخيفة آخذ بناصيتها.

﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 56 ]

 هاتان الآيتان أيها الأخوة هما الشفاء للصدور، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الإسراء: 82 ]

 حينما تقرأ قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 173 -175]

 أيها الأخوة الكرام، مع الأسف الشديد ليس هذا وضع المؤمنين، هذا ما نصَّتْ عليه الآية السابقة هو ينبغي أن يكونوا عليه، لا ما هو كائن، ذلك أن الإنسان إذا قصر في جانب الله، إذا قصر في طاعة الله، إذا ضعف توحيده، إذا كان مشركاً شركاً خفياً يمتلئ قلبه خوفاً، ويمتلئ قلبه ذعراً، وهذا ما تسمعونه في شتى قارات الأرض .

 

من كفر بأنعم الله سلط الله عليه العذاب و الهلاك :

 أيها الأخوة الكرام ، ولكن الحقيقة الثانية هي أن هناك أسبابًا مباشرة لهلاك الأمم، هذه الأسباب المباشرة لا تعنينا، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

 قد تكون الصواعق، وقد تكون الصواريخ.

﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

 قد تكون الزلازل، وقد تكون الألغام، وقد تكون الحروب الأهلية.

﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

 لا تقف عند الأسباب الظاهرة، قد يكون الهلاك بوباءٍ، وقد يكون الهلاك بزلازل، وقد يكون الهلاك بفقر مدقع، وقد يكون الهلاك بقهر موجع، وقد يكون الهلاك بعدوان خارجي، ابحث عن السبب الحقيقي، وهذا موضوع الخطبة أسباب هلاك الأمم .
 ابحث عن السبب الحقيقي، ولا تُعْنَ كثيراً بالأسباب الظاهرة، حينما يأذن الله لجهة ما أن تتسلط على جهة ما فبحكمة وعدل كاملين.

﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾

[ سورة النساء: 90 ]

 هناك بالقرآن ما يسمى بالتفريط، ومن دعاء النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو دقيق جداً: " ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا".
 وفي الدعاء أيضاً: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل" .
 ولو كنت بريئاً، ألبسوك تهمة، وهي في الحقيقة ليست للمسلمين، بل فعلها الماكرون، اليهود، على كل حينما قال الله عز وجل:

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 65]

 وإذا أهلك الله قرية، يمكن أن تفسر هذا الهلاك بتفسير دولي، أو تفسير عربي، أو تفسير إقليمي، أو تفسير ساذج، ولكن كل بطولتك أن تفسره تفسيراً قرآنياً، فالذي حصل في بعض البلاد المجاورة، كيف فَسَّرَه القرآن الكريم؟ قال تعالى:

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ﴾

[ سورة النحل: 112 ]

 استُخْدِمَتْ النعم في معاصي الله.

﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة النحل: 112 ]

 ما العلة الحقيقية؟ كفرت بأنعم الله، هذه العلة الحقيقة، أما أن زيداً أو عبيداً تسلط عليها، وأنّ زيدًا قهرها، وعبيدًا سلبها ثروتها، فهذه أسباب ظاهرة، لا تعنينا في هذه الخطبة، هذه اسمعوها مِن فوق منابر أخرى، أما حينما تستمعوا إلى كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينبغي أن تكون مع الأسباب الحقيقية، وقد أنبأ القرآن أن الفساد سيعم في الأرض، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة الروم: 41 ]

 العلة أن ترجع إلى الله، أن تصطلح معه، وفي آية أخرى:

﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾

[ سورة الإسراء: 58 ]

الأسباب الحقيقية لهلاك الأمم :

1 ـ التكذيب :

 أيها الأخوة الكرام، هذه مقدمة، ما الأسباب الحقيقة لهلاك الأمم؟ لا تعنينا الأسباب الظاهرة، لا تعنينا الأسباب المباشرة، فلان متهم بكذا، وفلان متهم بكذا، وسوف تقصف منشآته الاقتصادية، وسوف يدمر، وسوف... إلخ، لا تعنينا الأسباب الظاهرة، نريد الأسباب الحقيقية لهلاك الأمم، قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 35 ـ 36]

 ما السبب الحقيقي ؟ كذبوا بآياتنا.

﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً * وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً * وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً ﴾

[ سورة الفرقان: 37 ـ 40 ]

 إنه التكذيب، فأول سبب لهلاك الأمم التكذيب، هل تجد إنساناً في العالم الإسلامي يقول لك: القرآن ليس كلام الله؟ هل تجد إنساناً في العالم الإسلامي يقول لك: ليس هناك يوم آخر؟ لا، ثم لا، فأين التكذيب إذاً؟ قال العلماء: هناك تكذيب لفظي، وهذا غير موجود، وهناك تكذيب عملي، وهذا هو الخطير، تتمسح بالدين وتعمل للدنيا فقط، تتمسح بالدين وتأكل أموال الناس بالباطل، تقول: الله أكبر يوم العيد وترى أن غش المسلمين أكبر عندهم من سنن الله، ترضي زوجتك فتعصي الله عز وجل وترى أن رضاها أكبر من رضى الله عز وجل، هذا هو التكذيب العملي، التكذيب القولي ليس موجوداً، إلا قلة قليلة من الشواذ، أما عامة المسلمين فقد كذبوا تكذيباً عملياً، لا يعبؤون بالآخرة، وكأن لسان حالهم يقول: وما نحن بمبعوثين، المحاكم مليئة بالدعاوى الكيدية، الناس يأكلون أموال بعضهم بالباطل، الغش على قدمٍ وساق، الكذب على قدمٍ وساق، الاختلاط، تجاوز الحدود، أكل الميراث، حرمان البنات، معاصٍ لا يعلمها إلا الله، أليست هذه المعاصي تكذيباً لليوم الآخر؟ لو أنك موقن أنك سوف تحاسب، وسوف تعاقب، وهناك جهنم، فهل تعصي الله؟ لذلك أول سببٍ لهلاك الأمم التكذيب، تكذيب آيات الله، الكونية والتكوينية والقرآنية، وأخطر أنواع التكذيبِ التكذيب العملي، لا التكذيب النظري.

 

2 ـ الترف و انتشار الفساد :

 أيها الأخوة الكرام، السبب الثاني لهلاك الأمم الحقيقي الترف وانتشار الفساد، قال تعالى:

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 16 ]

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾

[ سورة الإسراء: 16 ]

 بطاعة الله، بتوحيد الله، بالاستقامة على أمر الله:

﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾

[ سورة الإسراء: 16 ]

 وأكد الله التدمير بالمصدر:

﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾

[ سورة الإسراء: 16 ]

 إذاً التكذيب بآيات الله القرآنية والكونية والتكوينية، ثم الترف وانتشار الفساد في الأرض، لأن المترف أيها الأخوة يحمل وزره ووزر من قلده:

﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾

[ سورة الأحزاب: 67 ]

﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً﴾

[ سورة إبراهيم: 21 ]

 هؤلاء المترفون، هؤلاء الأقوياء، هؤلاء يعصون الله جهرة، ويقلدهم الضعفاء، فالترف والفساد، عموم الفساد في الأرض سبب آخر لهلاك الأمم. عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ))

[ متفق عليه عن زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]

 أي إذا ألغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعمّ الفساد في الأرض، وتعلمون أيها الأخوة أن الدعوة إلى الله فرض عين.

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[ سورة العصر: 3 ]

 لماذا؟ لأنك إن لم تأمر بالمعروف، وإن لم تنهَ عن المنكر، إن لم تدعُ إلى الله عز وجل، توسَّعتْ دوائر الباطل، ضاقتْ دوائر الحق، فأنت تدعو إلى الله عز وجل من أجل الحفاظ على الإيمان والحق.

 

3 ـ الغلو :

 والسبب الثالث هو الغلو. يقول عليه الصلاة والسلام:

((إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ))

[ النسائي والحاكم عن حذيفة]

 أن تأخذ فرعاً من فروعه، وأن تأخذ جزءاً من أجزائه، وتجعله ديناً وتقاتل من أجله، فقد شوهت معالم الدين، وقعت في الغلو، وقعت في التطرف، وقعت في البغي، وما آثار الطرف الآخر على الدين إلا غلو بعض أهل الدين، ما آثار الحقد والكراهية على الدين إلا الذين غالوا في الدين وأخذوا خطاً غير صحيح، فالغلو في الدين سبب الهلاك:

((إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ))

[ النسائي والحاكم عن حذيفة]

4 ـ الكفر بنعم الله :

 السبب الرابع: الكفر بنعم الله، عدم شكرها، تلتقي مع إنسان بيته فخم، ومركبته فخمة، ودخله كبير، ويذمّ السوق، ويذم البلد، ولا تعجبه أرباحه.

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 16 ـ 17 ]

 " إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي".
 فالكفر بنعم الله أيها الأخوة أحد أسباب الهلاك، فالعين نعمة إذا استخدمتها في التطلع إلى عورات الناس، فقد كفرت النعمة، النطق نعمة إن استخدمت النطق في الباطل فقد كفرت هذه النعمة، والسماع نعمة، فلو أنك استمعت إلى الغناء لكفرتَ بهذه النعمة، وأن تمشي، وتتحرك فهذه نعمة، لكن أن تمشي إلى باطل، إلى نزهة مختلطة، إلى مكان لا يرضي الله، فقد كفرت نعمة الحركة، وأية نعمة أنعم الله بها عليك إن لم تستخدمها في طاعة الله فقد كفرتها.

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾

[ سورة النحل: 18 ]

 هل يمكن أن تقول للإنسان: خذ هذه الليرة فَعُدَّها، كيف أعُّدها وهي واحدة؟ قال بعض العلماء: إن النعمة الواحدة خيراتها وبركاتها لا تعد ولا تحصى، وأنتم عاجزون لا عن شكرها، بل عن إحصائها، إذا كنتم عاجزين عن إحصائها فلأنْ تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى، استمعوا إلى القرآن الكريم:

﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾

[ سورة سبأ: 15 ]

 أي قبل أعوام لا تزيد عن عشرين كان ما لا يقل عن خمسة أشخاص في كل سنة يغرقون في بردى، أين بردى الآن؟ ولا نقطة ماء فيه، رجال يغرقون في هذا النهر، ويموتون، من شدة فورة المياه وغزارتها، أين الماء الآن؟.

﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا﴾

[ سورة سبأ: 15-16]

 عن شكر الله عز وجل.

﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾

[ سورة سبأ: 16-17]

 حينما تشرب كأس الماء فالطريق سالك، هذه نعمة لا تقدر بثمن، ولا يعرف قيمة هذه النعمة إلا من أصيب بفشل كلوي، أن تستيقظ صباحاً وتمشي، فهذه نعمة لا تقدر بثمن، وأن تستمتع بعينيك، وتنظر إلى ما خلق الله لك مِن مباهج فهذه نعمة لا تقدر بثمن، أن يكون لك زوجة تعاملها معاملة سيئة، فهذه نوع من كفر هذه النعمة، وأنْ يكون لكِ زوج تعاملينه معاملة سيئة فهذا نوع من كفر النعمة:

((إني لأكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها ))

[ورد في الأثر]

((أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس، لم ترح رائحة الجنة ))

[ أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان من حديث ثوبان ]

﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾

[ سورة سبأ: 17]

 حتى إن العلماء قالوا في معنى قوله تعالى:

﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾

[ سورة سبأ: 19]

 أيعقل أن يدعوا هؤلاء على أنفسهم بأن تكون بلادهم قاحلة؟ قال علماء التفسير: الذي يعصي الله لسان حاله يقول: يا رب دمرني، يا رب أذهب نعمتك عني:

﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[ سورة سبأ: 19]

 لذلك يا رب لا تجعلنا عبرة لأحد من خلقك، ألاّ نكونَ نحن قصة تروى:

﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث﴾

[ سورة سبأ: 19]

 فأسباب هلاك الأمم نلخِّصها فيما يلي:
 السبب الأول التكذيب العملي، والسبب الثاني الترف وانتشار الفساد في الأرض، والسبب الثالث الغلو في الدين، والسبب الرابع الكفر بنعم الله عز وجل.

5 ـ النقص والتطفيف في الكيل والميزان :

 والسبب الخامس: النقص والتطفيف في الكيل والميزان؛ أي الغش بأوسع معانيه.

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 1 ـ 4 ]

 أيها الأخوة الكرام، سألقي على مسامعكم هذا الحديث الذي يشير كأن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيش معنا، ففي الحديث الصحيح، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ- عدد المصابين بمرض الإيدز ثلاثون مليونًا، والرقم في ازدياد مستمر - وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ- هذا الكلام يعني كل أنواع الغش، له ألف نوع ونوع الآن - وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))

[ ابن ماجه عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهما ]

 هذا حديث من دلائل نبوة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

6 ـ التنافس في الدنيا :

 السبب السادس: التنافس في الدنيا.
 أيها الأخوة الكرام ، عن عمرو بن عوف الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر عند رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما صلى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانصرف تعرضوا له، فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام حيث رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا، وأَمِّلوا ما يسرُّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.
التنافس على الدنيا، عداوات، وخصومات، وطلاق أحياناً، تطلق امرأته إن لم يأخذ حظه من ميراثها، يطلقها، التنافس على الدنيا سبب لهلاك الأمم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ]

 الرجل يعبد الله ستين عامًا، فيضر في الوصية، فتجب له النار، كم أسرة مسلمة تحرم البنات؟ كم عددهنّ؟ بطريقة أو بأخرى هم يزعمون أن هذا المال سيصل إلى غيرهم، زوج ابنتك أقرب الناس إليك، لماذا تحرمه؟ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ))

[أبو داود وأحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 كم من أُسَرٍ متقاطعة الآن بسبب الميراث؟ كم؟

((وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ))

[أبو داود وأحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

7 ـ انتشار الربا و الزنا :

 أيها الأخوة والسبب السابع لهلاك الأمم: انتشار الربا والزنا، وتلك القلعة التي تلاشت، بشيء لا يصدق!! هي قلعة من قلاع الربا في العالم الغربي، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ قَالَ وَقَالَ مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ]

 هل تعلمون كم ألف بيت دعارة في بلاد المسلمين؟ بمئات الألوف، وهل تعلمون أن البلاد الإسلامية أكثر المعاملات المالية فيها معاملات ربوية، إذا انتشر الربا والزنا فالعياذ بالله، عَمَّ الهلاك يقول الله عز وجل:

﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾

[ سورة البقرة: 275 ـ 276 ]

8 ـ الظلم :

 أيها الأخوة الكرام، والسبب الثامن لهلاك الأمم الظلم.

﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 21 ]

 دققوا:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً ﴾

[ سورة الكهف: 59 ]

﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾

[ سورة الدخان: 37 ]

 حتى إن بعض العلماء الأجلاء يقول: تستقيم الحياة الدنيا بالكفر والعدل، ولا تستقيم بالإيمان والظلم، ويقول أيضاً: إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة، الظلم أحد أسباب هلاك الأمم.

 

9 ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

 والسبب التاسع: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. دققوا في القرآن الكريم:

﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

[ سورة هود: 116 ـ 117 ]

 فلو كان أهلها صالحين، لكنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر لأهلكهم الله عز وجل، لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر الله الملائكة أن يهلكوا قرية، فقالوا: يا ربي فيها رجلٌ صالح؟ قال: به فابدؤوا، قالوا: ولِمَ يا رب؟ قال: لأن وجهه لم يكن يتمعر إذا رأى منكراً، تأتيك ابنة أخيك، وترحب بها أشدّ الترحيب، أهلاً وسهلاً، اشتقنا لك يا ابنتي، وترتدي ثياباً فاضحة، لم يخطر في بالك أن تنصحها، ولا أن تزجرها، بل ترحب بها أشدّ الترحيب، وهي تثير الشباب في الطريق، مجاملات ومداهنات، كأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أمراً إلهياً، بل إنه علة خيرية هذه الأمة.

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[ سورة آل عمران: 110 ]

 فإنْ لم نأمر بالمعروف، ولم ننه عن المنكر فَقَدْنَا خيريَتَنا، ولكنَّا صرنا أمة كأية أمة، ليس لنا أية ميزة، وهذا ما يؤكده قوله تعالى:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[ سورة المائدة: 18 ]

 والله عز وجل أهلك اليهود بماذا ؟ قال:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[ سورة المائدة: 79 ]

 لذلك عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن لا يعملها، ثم لم يغيروا ذلك إلا عمهم الله تعالى بالعقاب." وفي حديث آخر:

((مثل المداهنة في حدود الله، والواقع فيها))

[ البخاري عن الشعبي ]

 أحياناً نجامل الطرف الآخر فنستحي بحكم قطع اليد، نستحي به وحينما استحيا بعض الذين يطبقون هذا الحد عمت السرقات في بلادهم :

يد بخمس مئين عسجد وديت  ما بالها قطعت في ربع دينار؟
***

فأجاب الإمام الشافعي :

عز الأمانة أغلاها وأرخصها  ذل الخيانة فأفهم حكمة الباري
***

لما كانت أمينة كانت ثمينة  فلما خانت هانت.

((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا في سفينة فصار لبعضهم أعلاها، ولبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم يؤذ مَن فوقنا فتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً))

[البخاري عن النّعمان بن بشير]

 فالمخلص وغير المخلص، قي قارب واحد، لا بد من التعاون، لا بد من أن تحمل همّ المسلمين، لا بد أن تسهم في ردع المسيئين منهم، ولا بد أن تسهم في توعية الصالحين منهم، الإمام الغزالي رحمه الله يقول:

(( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلكت العباد، ولم يشعروا بالفساد إلا يوم التناد ))

10 ـ ترك الجهاد و الإخلاد إلى الأرض :

 ومن أهمِّ أسباب هلاك الأمم تركُ الجهاد، والإخلادُ إلى الأرض، وحينما غفلنا عن إعداد العدة لعدونا، وتقوّى عدونا، وتقوى، وتقوى، فرض إرادته على العالم كله، وهو يخاطب كل من في الأرض بقممهم، وكأنهم أطفالٌ أمامه، كلهم يأتون إليه الآن، لأنه قوي، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

[ سورة الأنفال: 60 ]

 أوروبا تأتي إليه أيضاً،

[ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ]

  حينما غفلنا عن إعداد العدة، وقوي أعداؤنا قوة بالغة، فرضوا إرادتهم على كل شعوب الأرض، وفرضوا تهماً نحن بريئون منها، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ))

[ أبو داود وأحمد عَنْ ابْنِ عُمَرَ ]

 كل شيء ينمو سياحياً؛ فنادق، مطاعم، مقاصف، مركبات، وليس لدينا نمو استراتيجي، النمو كله سياحي، خدمات، للتمتع بالحياة الدنيا، هذا يجعلنا ضعافًا أمام أعدائنا، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

[ سورة الأنفال: 60 ]

11 ـ مخالفة أمر النبي :

 ثم مخالفة أمر النبي، يقول الله عز وجل:

﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

[ سورة النور: 63]

 وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

((بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))

[أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾

[ سورة الأعراف: 130]

 أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الموضوع واضحاً عندكم، ونعمل به، فهذه هي الأسباب الحقيقية لهلاك الأمم، وأما الأسباب الظاهرة فلا تعبأ بها، إنها أسباب مفتعلة، وقد قال النبي الكريم في دعائه: " اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل" لم تعمل هذا الذنب لكن الله ساق لك عقاباً لذنب حقيقي، فهذا الموضوع أيها الأخوة هو الذي يفسر هلاك الأمم.

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة يونس: 24 ]

 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا تزر وازرة وزر أخرى :

 أيها الأخوة الكرام، أطمئنكم إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لا يأخذ أحداً بأحد.

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

[ سورة الأنعام: 164 ]

 إن استطعنا جميعاً أن ننصح الناس، وأن نحملهم على طاعة الله فهذا شيء عظيم، أما إن لم نستطع فعلينا أن نستقيم نحن على أمر الله، وعلينا أن نقيم الإسلام في بيوتنا، وفي أعمالنا، عندها نكون قد أدَّينا الذي علينا، وبقي من الله الذي لنا، عليك أن تستقيم أوّلاً، ثم إن أقنعت الناس أن يستقيموا فهذا عمل عظيم، وإن لم تستطع أن تقنعهم فلا تيئس من رحمة الله، قال تعالى:

﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾

[ سورة سبأ: 17]

﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾

[ سورة الزمر: 61 ]

 في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ينبغي أن تستقيم على أمر الله، وتصطلح معه، وأن تقيم الإسلام في بيتك، وأن تدعو إلى الله قدر إمكانك، وأن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، حتى يحفظنا الله عز وجل من شر ما عملنا ومن شر ما لم نعمل.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن علينا مصائب الدنيا، ومتعنا الله بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا مَن لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذّلّ إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك،

تحميل النص

إخفاء الصور