وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0712 - الكبائر3 - الكبائر الباطنة2 - الكبائر المتعلقة بالعلم - تعلّم العلم للدنيا .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله نحمده، و نستعين به و نسترشده، و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، و من يضلل فلن تجد له وليًّا مرشداً، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له إقراراً بربوبيته، و إرغاماً لمن جحد به و كفر، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه و سلم رسول الله سيد الخلق و البشر، ما اتَّصلت عينٌ بنظر و أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلِّم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و على ذرِّيته و من والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعه وأرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الكبائر المتعلقة بالعلم :

1 ـ تعلّم العلم للدنيا :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قبل أسبوعين ذكرت لكم أنني بفضل الله و توفيقه سأعالج عدَّة موضوعات حول الكبائر، و قلت لكم وقتها: إن الكبائر ظاهرة و باطنة، فالكبائر الظاهرة يعرفها الناسُ جميعاً، و لكن الكبائر الباطنة تخفى على كثير من الناس، لذلك هي أخطر، فهي تحجبنا عن الله عز وجل، بل إنها سبب هلاكنا، الكبائر الباطنة كثيرة جدًّا، عالجتُ في الأسبوع الماضي كبيرة الأمن من مكر الله، وكبيرة اليأس من روح الله، و كبيرة سوء الظن بالله، و هذه كلُّها حُجُب عن الله عز وجل. و اليوم هناك عدة كبائر متعلِّقة بالعلم، فالكبيرة الأولى تعلُّم العلم للدنيا، من أجل أن تصل به إلى الدنيا، و سأذكر لكم قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، يقول: "لئن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين " أن يُتَّخذ الدينُ مطيَّة للدنيا، و أن يُتاجر بالدين، أن يكون الدينُ جسراً إلى مآربنا، إلى مصالحنا، إلى دنيانا العريضة، هذا الذي يشتري بالدين ثمناً قليلاً هو من أخسر الخاسرين.
 أيها الأخوة الكرام، أخرج أبو داود و ابن ماجه و ابن حبان في صحيحه و الحاكم و صحَّحه على شرط الشيخين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا))

[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))

[ مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ]

 أن تتعلَّم العلم الشرعي الذي تسمو به، والذي تسلم به، و الذي تسعد به في الدنيا و الآخرة، أن تتعلَّمه لغرض خسيس، هذه كبيرة من الكبائر، أي هل من الممكن أن تشتريَ آلة بالغة التعقيد غالية الثمن عظيمة النفع ثمنها مئات الملايين لتستخدمها طاولة في البيت؟ إن هذا احتقار لها، أن تستخدم شيئاً ثميناً جدًّا لهدف خسيس.

 

من طلب العلم لمجاراة العلماء و صرف وجوه الناس إليه دخل النار :

 أيها الأخوة الكرام ؛ و في حديث غريب للترمذي و رواه البيهقي عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ))

[ الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ]

 و أنت في حقل الدين، و أنت في مجالس العلم، أنا لا أخوِّفكم، و لكنها الحقيقة المرَّة، أفضل ألف مرة من الوهم المُريح، الحقيقة المُرَّة مُرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لا أتكلم عن رواد دور اللهو، لا أتكلَّم عن العصاة، لا أتكلم عن المذنبين، لا أتكلم عن الفجَّار، لا أتكلم عن منكري الحقِّ، أنا أتكلم فيما يخصُّ الحقل الديني، من في المساجد، و من في المعاهد، و من في دور العلم، من يتعلَّمون علماً عظيماً، هذا العلم العظيم يحتاج إلى إخلاص شديد، فمن تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النارَ.
 أيها الأخوة الكرام ؛ الناقد بصير، واللهُ جلَّ جلاله لا تخفى عليه خافيةٌ، أدقُّ المشاعر التي تعتلج في صدرك يعلمها الله عز وجل، أدقُّ البواعث التي تحرِّكها إلى شيء يعلمها اللهُ عز وجل، إذا كنتَ مع الله فكنْ دقيقاً جدًّا، لأنه إذا أعطى أدهش، والكاذبُ لا بدَّ من أن يفضحه اللهُ عز وجل، و يقول عليه الصلاة و السلام فيما رواه ابن ماجه و ابن حبَّان في صحيحه و البيهقي فيه من احتجَّ به الشيخان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ))

[ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

 و صحَّ بسند فيه انقطاع، عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))

[ الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ ]

من علامات هلاك الأمة التفقه لغير الدين و تُعلِّم العلم لغير العمل :

 مرة ثانية ؛ أنا لا أريد أن أخيفكم و لكنها الحقيقة المرَّة، ضمن الدين هناك دنيا أيها الأخوة، ضمن العمل الإسلامي هناك دنيا، هناك مصالح و هناك مناصب، و أنت في الحقل الديني الدنيا قد تجدها.
 أيها الأخوة الكرام ؛ فيما رواه ابن ماجه بسند رواته ثقاة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَقُولُونَ: نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ بِدِينِنَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنْ الْقَتَادِ إِلَّا الشَّوْكُ كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ إِلَّا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ كَأَنَّهُ يَعْنِي الْخَطَايَا))

[ ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ السفينة التي تريد أن تبتلع شيئاً من ماء البحر يبتلعها البحرُ كلَّها، دقِّقوا في هذا المثل، السفينة التي تريد أن تأخذ شيئاً من ماء البحر إلى جوفها سيبتلعها البحرُ كلَّها، و يقول عليه الصلاة و السلام فيما رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلَامِ لِيَسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوْ النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا))

[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 من ألقى درساً، أو ألقى خطبةً، أو تكلَّم بين الناس فسبى عقولَهم، و جذب أفئدتهم، و هو يريد ذلك، كان أبعد من الدين من الأرض عن السماء.
 أيها الأخوة ؛ من أعجبه حديثُه فهذا من شهوة العالِم، و من أعجبه إخوانه و التزامهم فهذا من إخلاصه، العبرة بالثمرة، و العبرة أن تلقي حديثا يتمثَّله الناسُ، يعملون به، العبرة أن يسعد الذين حولك، لا العبرة أن تنتزع إعجابَهم، هذا كلام دقيق يخصُّ روادَ المساجد. أيها الأخوة الكرام ؛ سيدنا عليٍّ كرَّم الله وجهه يقول :" إذا تُفُقَّه لغير الدين، وتُعلِّم العلم لغير العمل، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة فهذا من علامات هلاك الأمة".
 إذا تُفقِّه لغير الدين، و تُعلِّم العلم لغير العمل، و التُمست الدنيا بعمل الآخرة فهذا من علامات هلاك الأمة.

2 ـ كتم العلم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الكبيرة الأولى المتعلِّقة بطلب العلم، طلبُ العلم للدنيا، ينبغي أن يكون طلبُ العلم للآخرة. و الكبيرة الثانية كتمُ العلم، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 159]

 قال بعضُ المفسِّرين: هذه في اليهود، لكتمهم صفة النبيِّ صلى الله عليه سلم في التوراة، و قال بعضهم الآخر: إنها عامَّة، وهو الصواب لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، و كتمان الدين يستحقُّ اللعن من الله و من الناس أجمعين، و السيدة عائشة رحمها الله تعالى ورضي عنها استدلَّت بهذه الآية على أنه صلى الله عليه و سلم لم يكتم شيئاً مما أوحيَ إليه، و من هنا كانت البدعةُ محرَّمة، لأن هذه البدعة لو فيها خير لذكرها النبيُّ عليه الصلاة و السلام، لم يكتم عنا شيئاً، كلُّ شيء أوحاه اللهُ إليه نقله إلينا في وقته، فإذا لم ينقل أو أخَّره عن وقته لم يستحقَّ هذه الأمانة التي كرَّمه اللهُ بها، أمانة تبليغ العلم.

 

المكسب المادي الذي يحصَّله الإنسان من كتمان العلم هو نارٌ تشتعل في جوفه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قال العلماء: الكتمُ إخفاء الشيء المحتاج إليه، الناسُ في أمسِّ الحاجة إلى الحقيقة، و تكتمها عنهم، لمصلحة أو لأخرى، لذلك يقول الله عز وجل في آية أخرى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾

[ سورة البقرة: 174]

 لماذا ؟ قال:

﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ﴾

[ سورة البقرة: 174]

 بهذا الكتمان :

﴿ثَمَناً قَلِيلاً ﴾

[ سورة البقرة: 174]

 حفاظاً على مكاسب، طمعاً في مآرب، يكتم الحقَّ ليصل إلى مآربه، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾

[ سورة البقرة: 174]

 هذا المكسب المادي الذي حصَّله من كتمان العلم هو نارٌ تشتعل في جوفه قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾

[ سورة البقرة: 174-175]

 أكبر عقاب يُعاقب به الإنسان يوم القيامة أن يحجبَه اللهُ عنه، قال تعالى:

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 15]

 و أعظم عطاءٍ من الله عز وجل قال تعالى:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾

[ سورة القيامة: 22-23]

 و قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾

[ سورة يونس: 26]

 الجنة.

﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾

[ سورة يونس: 26]

 النظر إلى وجه الله الكريم، أما هؤلاء الذين يكتمون العلم لمصالح و لمآربَ و لمكاسب للحفاظ على شيء ولطلب شيء، خوفاً من شيء فهؤلاء ما يأكلون في بطونهم إلا ناراً، و سيصلون سعيراً، قال تعالى:

﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 187]

 أيها الأخ الكريم، رأيت جوهرةً في بعض متاحف العالَم، ثمنها مئة و خمسون مليون دولاراً، ماسة، أكبر ماسة في العالم، لو أنك تملك هذه القطعة من الماس، الألماس خطأ، صوابها " الماس" و بِعتها بليرة سورية واحدة، كم تشعر بالغبن، ثمنها مئة و خمسون مليون دولاراً لو بعتها بليرة واحدة جهلاً، هل تُعدُّ هذه الليرة مكسباً لك ؟ هذا الذي يبيع دينَه بالدنيا، هذا الذي يكتم العلم لمصلحة في نفسه.

 

التناصح في العلم :

 و يقول عليه الصلاة و السلام في حديث فيه انقطاع، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ))

[ابن ماجه عَنْ جَابِرٍ]

 و في حديث آخر رواه الطبراني: "مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدِّث به كمثل الذي يكنز الكنزَ ثم لا ينفق منه" و هناك حديث آخر: "تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشدُّ من خيانته في ماله و إن الله عز وجل مسائلكم " كلمة، الكلمة سوف تُسأل عنها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 من عدَّ كلامه من عمله فقد نجا، كلامُك عملٌ، لأن هذه الكلمة قد تدفع إنساناً إلى معصية، إذا أفتيت له فتوى أنت غيرُ متأكِّد منها، قد تهلكه وأنت لا تدري، لذلك الفتوى جسر إلى جهنم، و أنا أحترم من كان جباناً في الفتوى، أحترمه، لأنني أعلم أنه ورِع، أما الذي يفتي بلا طائل و بلا قيد و لا شرط فهذه من علامات هلاك الأمة، بل إن أحد أعداء المسلمين الكبار، الكبار في جريمتهم يقترح بأن نكتفي بالقرآن الكريم و أن نتوسَّع في باب الفتوى، أن نكتفيَ بالقرآن الكريم كمصدر وحيد لهذا الدين، وأن نُلغيَ السنة كلَّها، وأن نتوسَّع في باب الفتوى، إلى درجة أن أيَّة معصية صغرت أو كبرت لها فتوى عند بعض المفتين.
 يقول عليه الصلاة و السلام في خطبة:

((ما بال أقوام لا يفقِّهون جيرانهم و لا يعلِّمونهم و لا يأمرونهم، ولا ينهونهم، و ما بال أقوام، لا يتعلَّمون من جيرانهم، ولا يتفقَّهون، ولا يتَّعظون، واللهِ ليعلِّمنَّ قومٌ جيرانهم، ويفقِّهونهم، ويعظونهم، ويأمرونهم، وليتعلَّمن قوم من جيرانهم، ويتفقَّهون، ويتَّعظون، أو لأعاجلنَهم العقوبة، ثم نزل عليه الصلاة و السلام))

[البخاري عن علقمة بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده]

 الذي معه علم ينبغي أن يعلِّم، و الذي يحتاج إلى العلم ينبغي أن يتعلَّم، و إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينكَ دينك إنه لحمك و دمك، خذ عن الذين استقاموا في عقيدتهم، و في سلوكهم، و لا تأخذ عن الذين مالوا، قال تعالى:

﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة المائدة: 78-79]

 لا يتناهون عن منكر فعلوه، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة سادسة، و إذا قلنا إن هذه الأمة فيها خيرية لقوله تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110 ]

 علة هذه الخيرية:

﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

[ سورة آل عمران: 110 ]

 فإن لم نأمر و جاملنا أنفسنا و لم ننته و خفنا على مكاسبنا، سقطنا من عين الله، ولئن يسقط الرجلُ من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعُه أهون من أن يسقط من عين الله.

 

استثناءات كتم العلم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في هذه الكبيرة استثناءات ؛ قال: تعليم العلم واجب، فيما ينبغي أن تتعلَّمه كواجب، العلم الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة واجب، و تعليمُه واجب، و العلم الذي يعدُّ فرض كفاية تعليمه فرض كفاية، و العلم المندوب له تعليمه مندوب، و العلم المحرَّم تعليمه محرَّم، و العلم المباح تعليمه مباح، أي صفة العلم تتبعها صفة المسؤولية، الواجب تعليمه واجب، أي فرض علم تعليمه فرض علم، المباح تعليمه مباح، لا شيء على الفعل أو الترك، أما العلم المحرَّم كالسحر و الشعوذة فتعليمه محرَّم.
 شيء آخر: لا يجوز تعليم الكافر قرآناً و لا علماً فالمبتدع لا ينبغي أن يعلّم الجدلَ والحجاج ليحاجَّ به أهل الحق، ولا تعليم الخصم على خصمه حجَّة يقتطع بها مالَه، و لا تعليم السلطان تأويلاً يتطرَّق به إلى إضرار الرعية، و لا نشر الرخص في السفهاء يتَّخذونها طريقاً لارتكاب المحظورات و ترك الواجبات، هذه استثناءات السفهاء لا يُعطون الرخص، تحللَّوا من الدين، و أولو الأمر لا ينبغي أن يُعطَوا تأويل الذي به يأخذون ما عند الرعية، و المبتدع لا ينبغي أن يُعلّم الحجج كي لا يتَّخذها ضدَّ الحق، و الخصم لا ينبغي أن يُعطى حجَّة يقتطع بها من أخيه مالاً، هذه استثناءات ذكرها الفقهاء.

3 ـ عدم العمل بالعلم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الكبيرة الثالثة ؛ عدم العمل بالعلم، أخرج الإمام مسلم في صحيحه و غيرُه عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَانَ يَقُولُ:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا))

[ مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ]

 و أخرج الشيخان في صحيحيهما - و الله هذا الأحاديث أيها الأخوة ينخلع له قلب المؤمن - فعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

((يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ))

[ البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ]

 العبرة بالمصير، و العبرة بالختام، و العبرة بدخول الجنة. و في حديث رواه الترمذي و قال إسناده ليس بالقوي، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ))

[الترمذي عَنْ صُهَيْبٍ]

 وفي حديث للترمذي أيضاً و قال حديث حسن صحيح عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ]

المعصية مع العلم أفحشُ منها مع الجهل :

 و قد أورد الطبرانيُّ في كتابه الكبير: " إن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار - دقِّقوا في هذا الحديث - إن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون لِم دخلتم النار؟ فواللهِ ما دخلنا الجنة إلا بما تعلَّمنا منكم، فيقولون: إنا كنا نقول و لا نفعل - ما قولكم بهذا الحديث؟ - " قال: كان مالكُ بن دينار رحمه الله تعالى إذا حدَّث بهذا الحديث بكى، حتى تنقطع عروقُه ويقول:" تحسبون أن عيني تقرُّ بكلامي عليكم و أنا أعلم أن الله سائلي عنه يوم القيامة ما أردتَ به"
 وللطبراني أيضا بسند حسن:

(( مثل الذي يعلِّم الناس الخيرَ و ينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس، ويحرق نفسه))

[ الطبراني عن أبي بزرة]

 و أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ دخل الناسُ بعلمه الجنة، و دخل هو بعلمه النار .
 الحديث أيها الأخوة لرواد المساجد، لطلبة العلم، لمن يعمل في الحقل الديني، دعونا من العصاة، من رواد الملاهي، دعونا من الشاردين عن الله، نحن مع أهل هذا الدين، و هذا حديث آخر رواه البزَّار و الطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:

((بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حيٍّ من قيس، أعلِّمهم شرائع الإسلام، قال: فإذا هم قوم كأنهم الإبل الوحشية - جفاة - طامحة أبصارهم، ليس لهم همٌّ إلا شاة أو بعير- ألا ترون مثل هؤلاء في هذا الزمان ؟ همُّه الجنس، همه الأفلام، همه المتعة الرخيصة، همه كلُّ ما يدغدغ أحاسيسه فقط، ماديٌّ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل فسيدنا عمار بن ياسر قال - بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حيٍّ من قيس، أعلِّمهم شرائع الإسلام، قال: فإذا هم قوم كأنهم الإبل الوحشية طامحة أبصارهم، ليس لهم همٌّ إلا شاة أو بعير فانصرفت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا عمار ما عملت ؟ فقصصت عليه قصة القوم و أخبرته بما فيهم من السهوة))

[الطبراني عن عمار بن ياسر]

 وحوش. أذكر أن سيدنا عمراً كان بين أصحابه فقال أحدهم تقرُّباً إليه: و اللهِ ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله فغضب غضباً شديداً، وحدَّق فيهم جميعاً و كأنه متألِّم، إلى أن قال أحدهم: لا و اللهِ لقد رأينا من هو خير منك، قال: من هو ؟ قالوا: أبو بكر الصدِّيق، فقال عمر: و اللهِ كنتُ أضلَّ من بعيري و كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، لقد كذبتم جميعاً بسكوتكم و صدق " فهذا يقول: قوم كأنهم إبل وحشية، طامحة أبصارهم، ليس لهم همٌّ إلا شاة أو بعير:

(( .... فقصَّ على النبي هذه القصة، فقال: يا عمَّار ألا أخبرك بأعجب منهم ؟! -أعجب من هؤلاء، كأنهم بهائم، وحوش - ألا أخبرك بأعجب منهم ؟! قومٌ علموا بما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم هؤلاء أعجب منهم، علموا و عرفوا و أخطؤوا وانحرفوا))

 و في بعض الأحاديث، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ إِنِّي لَجَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ))

[ أحمد عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ]

 و عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً:

((إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ لِلْخَطِيئَةِ كَانَ يَعْمَلُهَا))

[ الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه]

 قد ينسى المرءُ بعضَ العلم بالمعصية.
 أيها الأخوة الكرام ؛ المعصية مع العلم أفحشُ منها مع الجهل، هذه حقيقة، المعصية - أي الطبيب المتخصِّص بأمراض القلب يعلم علم اليقين أن الدخان خطرٌ على قلبك، الطبيب المتخصِّص بالقلب الذي يدخِّن، هذا عملُه أخطر بكثير من إنسان جاهل يدخِّن، هو يعلم ما يفعل الدخانُ بقلبه و بدمه - فالمعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل، و من يأتِي المعصيةَ في حرم مكة أفحش منها مما لو أتاها بمكان آخر.

4 ـ المبالغة والكبر في العلم و القرآن :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من الكبائر أيضاً وهي المبالغة و الكبر في العلم و القرآن، ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما رواه الطبرانيُّ في الأوسط و البزَّار بإسناد لا بأس به عن عمر، و أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبيَّ عليه الصلاة و السلام يقول:

((يظهر الإسلام حتى تختلف التُّجار في البحر - أي يظهر و ينتشر - و حتى تخوض الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهر قومٌ يقرؤون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ من أعلم منا؟ من أفقهُ منا - أي رجل يعمل في الحقل الديني أفتى فتوى قال له طالبُ علم بتواضع جمٍّ: ما وجهُ هذه الفتوى؟ قال له: من أنت حتى تجادلني؟ من أنت؟- من أعلم منا؟ من أقرأ منا؟ من أفقه منا؟ ثم قال لأصحابه: هل في أولئك من خير ؟ فقال أصحابُه: الله و رسوله أعلم، فقال عليه الصلاة و السلام: أولئك منكم و أولئك هم وقود النار " ثلاث مرات، فقام عمر رضي الله عنه تعالى و كان أوَّاهًا، فقال: اللهم نعم، بلَّغتَ و حرَّضت و جهدتَ و نصحت فقال: ليظهرنَّ الإيمانُ حتى يُردَّ الكفرُ إلى مواطنه، و لتُخاض البحرُ بالإسلام و ليأتينَّ على الناس زمان يتعلَّمون فيه القرآن، يتعلَّمونه و يقرؤونه ثم يقولون: لقد قرأنا و علَّمنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا ؟ فهل في أولئك من خير ؟ قال: يا رسول الله و من أولئك ؟ قال: أولئك منكم، و أولئك هو وقودُ النار- و من قال: أنا عالم فهو جاهل قل: أنا طالب علم، الإمام الشافعي يقول:" كلما ازددتُ علما ازددتُ علماً بجهلي- ))

[ أبو يعلى عن ابن عباس]

5 ـ الاستخفاف بالعلماء :

 أيها الأخوة الكرام ؛ سامحوني آخر كبيرة، الاستخفاف بالعلماء؛ ثلاثة لا يستخفُّ بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، و ذو العلم، وإمام مقسِط، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ))

[ أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ]

 وليس منا من لم يرحم صغيرنا و يعرف شرف كبيرنا، و تعلَّموا العلمَ و تعلَّموا للعلم السكينة و الوقار، وتواضعوا لمن تعلَّمون منه، اللهم لا يدركني زمانٌ، أو لا تدركوا زماناً لا يتبع فيه العليم، و لا يُستحيا فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، و ألسنتهم ألسنة العرب، هؤلاء المستغربون، شخصية أجنبية بأكملها بقيمها، و بمطامحها، و بشهواتها، وبدناءتها، لكنها تتكلَّم العربية.
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا لغيرنا و سيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتَّخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، و العاجز من أـبع نفسه هواها و تمنى على الله الأمانيَّ.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحاديث صحيحة متعلِّقة بطلب العلم :

 أيها الأخوة ؛ مرة ثانية، الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مرة من الوهم المُريح، كن دقيقاً، راجع حساباتك، تأمَّل في نواياك، تأمل في بواعثك، ابحث في أهدافك، لا تسامح نفسك، كن عليها شديداً، كلما شدَّدتَ عليها نجوتَ يوم القيامة، من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً، كان حسابُه يوم القيامة يسيراً، و من حاسب نفسَه حساباً يسيراً في الدنيا كان حسابُه يوم القيامة عسيراً.
 أيها الأخوة، بعض الأحاديث الصحيحة المتعلِّقة بطلب العلم أسردها لكم سرداً، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ))

[ البخاري عن حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ]

 إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين و ألهمه رشده " و" أفضل العبادة الفقه "و" أفضل الدين الورع " و" فضل العلم خير من فضل العبادة " و" خير دينكم الورع "، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَيْتُكَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ قَالَ لَا قَالَ وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ قَالَ: لَا، قَال: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))

[ ابن ماجه عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ]

 عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ ))

[أحمد عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ]

 وعَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَال:َ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))

[ الترمذي عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ]

 وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((يَا أَبَا ذَرٍّ لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ))

[ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ))

[ الترمذي عَنْ أبي هريرة]

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ - دققوا في هذا الحديث - عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ))

[ابن ماجه عَنْ أبي هريرةٍ]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((خَيْرُ مَا يُخَلِّفُ الرَّجُلُ مِنْ بَعْدِهِ ثَلَاثٌ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ))

[ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ]

علماء الأمة رجلان :

 علماء هذه الأمة رجلان ؛ رجل آتاه الله علماً فبذله للناس، و لم يأخذ عليه طمعاً و لم يشترِ به ثمناً، ذلك يستغفر له حيتانُ البحر، ودواب البرِّ، والطير في جو السماء، و رجل آتاه الله علماً فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمناً، فذلك يُلجَم يوم القيامة بلجام من نار، و ينادي منادٍ مَن هذا الذي آتاه علماً فبخل به عن عباد الله؟ و أخذ عليه طمعاً؟ و اشترى به ثمناً؟ و كذلك حتى يفرغ الحساب، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولَّنا فيمن توليت، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت، و اغفر لنا ذنوبنا يا أرحم الراحمين، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارضَ عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا ربَّ العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسِنا ذكرك، صُن وجوهنا باليسار و لا تبذلها بالإقتار، فنسأل شرَّ خلقك، و نُبتلى بحمد من أعطى و ذمِّ من منع، و أنت من فوقهم وليُّ العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم كما أقررتَ أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك، اللهم ما رزقتنا مما نحبُّ فاجعله عوناً لنا فيما تحبُّ، و ما زويتَ عنا ما نحبُّ فاجعله فراغاً لنا فيما تحبُّ، اللهم بفضلك و رحمتك أعلِ كلمة الحق و الدين، وانصر الإسلام أعزَّ المسلمين، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحبُّ و ترضى، إنك على ما تشاء قدير، و بالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور