وضع داكن
16-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 078 - حديث الدعاء هو العبادة – قال تعالى ادعوني أستجب لكم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

حديث: الدعاء هو العبادة...


أيها الإخوة الكرام؛ حينما تشتد الأمور، وحينما تستحكم المصائب، وحينما ينزل البلاء، لا ينفع إلا الدعاء، والدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح هو العبادة، والعبادة علة وجودك على سطح الأرض.

(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, سمعت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثم قرأ: وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))

[ أخرجه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه ]

قال تعالى:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)﴾

[ سورة الفرقان ]

المعنى المخالف الذي يقرره علماء الأصول: أن الله يعبأ بكم إذا دعوتموه، وأنتم حينما تدعون الله عز وجل, تؤكدون أربع حقائق:

الحقيقة الأولى: أنك مؤمن بوجوده، ومؤمن بعلمه، ومؤمن بقدرته، ومؤمن برحمته.

مستحيل أن تخاطب إنساناً لا تؤمن بوجوده، مستحيل أن تخاطب إنساناً أصمَّ، مستحيل أن تطلب من إنسان ضعيف، مستحيل أن تطلب من قوي وهو لا يحبك، أما حينما تدعو الله عز وجل, فأنت تؤكد أنك مؤمن بوجوده، مؤمن بعلمه، مؤمن بقدرته، مؤمن برحمته, قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) .

قد يقول أحدكم لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟!.

أحياناً تشتد المصائب، تضيق الأمور، تشح الأمطار، يضجر الناس، تندر الأعمال، في مثل هذه الأحوال, ليس لنا إلا الدعاء، وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر, بادر إلى الصلاة.

(( عن حذيفة رضي الله عنه قال : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى ))

[ أخرجه أبو داود ]

وقد يقول أحدهم ما الحكمة من هذه المصائب التي تدعونا إلى أن نتضرع إلى الله عز وجل؟!.

الغاية أن تتصل بالله، الغاية أن تتضرع إليه، الغاية أن تستجير به، ولكن حينما تفتر الهمم تأتي هذه المحرضات.

يجب أن نعلم علم اليقين: 

أنه لا بد من أن تتصل بالله. 

لا بد من أن تقبل على الله. 

لا بد من أن تستسلم لله. 

هذا يحتاج إلى موضوع: قد تأتي المصيبة كي تدفعك إلى باب الله، فأتمنى أن يكون هذا المثل مطابقاً للواقع، طفل كل سعادته أن يكون مع أمه، كل شبعه أن يكون مع أمه، كل ريّه أن يكون مع أمه، كل نظافته أن يكون مع أمه، كل سروره أن يكون مع أمه، كل أمنه أن يكون مع أمه، كل مستقبله أن يكون مع أمه، فإذا ترك يدها، وشرد عنها، وجاءه كلب عقور، ونبح عليه، هدف هذا الكلب: مسخر كي يعيد هذا الطفل إلى أمه، هذا الكلب المخيف مهمته: أن يعيد الطفل إلى أمه.

فأنت إذا رجعت إلى الله عز وجل حلت المشكلة، وإن لم ترجع قال: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة, فمصيبته في نفسه أكبر.

يجب أن نعلم علم اليقين: 

أن فلسفة المصيبة جزء من الدين -أن تفقه فلسفة المصيبة-, الدنيا مفعمة بالمصائب، مصائب أمطار, نصف دمشق تشرب بالصهاريج، لا توجد أمطار، الآبار أكثرها قد جف، قد تضيق الأرزاق، قد تشتد الحاجات، قد يعم المرض ، قد يعم الفقر، هناك حكمة بالغة من سوق هذه المصائب.

قد يقول قائلٌ من الناس: 

ما بال هؤلاء الشاردين المنحرفين في الغرب، الغارقين في المعاصي والآثام, رزقهم وفير, الجواب: قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام ]

يعني: 

إما أن يكون الإنسان في العناية المشددة, وإما أن يكون ميؤوساً من شفائه, أيهما أفضل؟. 

أن يكون مطموعاً في شفائه, وهو في العناية المشددة، أم أن يكون ميؤوساً من شفائه، وقد يعطى ما يريد؟.

 

محور الدرس ليس لك إلا الله.


أنا يعنيني من هذا الدرس: أن الإنسان حينما تشتد عليه الأمور, ليس له بابٌ إلا الله، والآية الكريمة:

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾

[ سورة الطلاق ]

كلمة مخرجاً: تعني أن الأبواب كلها مغلقة، الطرق كلها مسدودة, الأعمال كلها مقفلة، هذا المخرج، الإنسان متى يبحث عن مخرج؟ حينما يرى أن الأبواب كلها مغلقة، إذا رآها مغلقة, يبحث عن مخرج, قال تعالى:

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)﴾

[ سورة الطلاق ]

 

أنواع المصائب:


قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[ سورة المؤمنون ]

وقد ذكرت لكم كثيراً, أن المصائب خمسة أنواع: 

نوعان للعصاة الكفار، ونوعان للمؤمنين، ونوع للأنبياء.

مصائب الكفار مصائب قصم وردع.

ومصائب المؤمنين دفع ورفع.

ومصائب الأنبياء كشف.

يوجد كمال يفوق حد الخيال، هذا الكمال لا يظهر إلا في ظرف صعب.

ذهب إلى الطائف, كذبه أهلها، سخروا منه، بالغوا في إيذائه, قال:

يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي

فعلى الإنسان أن يوطن نفسه: أنه توجد معالجة من حين إلى آخر.

 

الله عز وجل يحبنا وهو غني عن تعذيبنا.


إخواننا الكرام؛ السيارة صنعت كي تسير، وفيها مكبح، والمكبح يتناقض مع أصل صنعها، صنعت لتسير والمكبح يوقفها، ولكن المكبح ضروري جداً لسلامتها، الإنسان حينما يعلم علم اليقين حكمة المصيبة، الله عز وجل غني عن تعذيبنا، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾

[ سورة النساء ]

هذه الآية دقيقة جداً، الله عز وجل سخر هذا الكون تسخيرين:

1- تسخير تعريف. 

2- تسخير تكريم.

رد فعل التعريف أن تؤمن, ورد فعل التكريم أن تشكر، أنت حينما تؤمن وتشكر, حققت الهدف من وجودك.

أيها الإخوة؛ حينما تشتد الأمور, كأن الله جل جلاله, يضيق على العبد, كي يتصل به، يضيق عليه كي يأتي إلى بابه، يضيق عليه كي يتضرع له, يضيق عليه ليسمع صوته، يضيق عليه ليكون دعاءه حاراً لا فاتراً, يضيق عليه ليتذلل العبد أمام ربه، وكلما تذللت على أبواب الله عز وجل رفعك الله، وكلما استكبرت أن تدعو الله عز وجل, أذلك الله.

يجب أن نوطن أنفسنا جميعاً: على أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء. 

أنت مجبول ومفطور بالتعبير الحديث: -مبرمج أو مولّف- على أن كل شيء, إذا استمر فقد بريقه, وما رفع الناس شيئاً إلا وضعه الله عز وجل, لماذا؟ لأنك له، لأنك إن كنت لغيره احتقرت نفسك, قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)﴾

[ سورة البقرة  ]

إن لم تكن لله, لا تعرف حقيقة نفسك، إنسان مؤهل ليكون في أعلى درجة, رضي بأدنى درجة, احتقر نفسه، قبل أن يعيش ليأكل، يقول لك: ندفش, هذا كلام من؟ هذا كلام الجهل، كلام الشيطان، كلام الشرود، كلام الحمق، كلام الغباء، ماذا تدفش؟ الذي خلقك بحكمة بالغة، خلقك كي تكون له، كي تعرفه، وتقبل عليه.

يجب أن نوطن أنفسنا: أنه يوجد مشكلات، المشكلة هي دافع لك إلى الله، هذا الكلب لما نبح على الطفل؟ الحكمة: أن يعود الطفل إلى يد أمه, كي يأكل، ويشبع، ويرتوي، ويأمن، ويسعد، وتحقق كل مصالحه.

 

الدعاء هو العبادة.


أيها الإخوة؛ في رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم، كتاب الدعوات، وما اخترت هذا الباب إلا لشعوري: أن شكاوى كثيرة جداً, قد يشتكي العبد منها: 

يشتكي من قلة الرزق. 

يشتكي من عدم وجود عمل يعمل به. 

يشتكي من شقاق زوجي. 

يشتكي من مرض. 

قد يشتكي من سوء معاملة. 

هذه كلها محرضات، هذه كلها تدفعك إلى باب الله عز وجل, لكن يجب أن تعلم أنك بالدعاء أقوى إنسان, لأن خالق الكون معك.

أيها الإخوة؛ هل تقبلون أن يكون كلام الله عز وجل لا معنى له؟ مستحيل, كلام خالق السموات والأرض, يقول الله عز وجل:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

[ سورة غافر ]

ما أمرك أن تدعوه إلا ليستجيب لك، هو ينتظرك، ينتظر أن تدعوه، والله عشرات بل مئات الإخوة الكرام, حدثوني عن بعض تجاربهم في هذا الموضوع، وقع في ضائقة شديدة, فلما دعا الله مخلصاً, كشف الله، وقع في يأس من الناس, فلما عقد الأمل على الله, أنقذه الله عز وجل، لعل الله عز وجل له سياسة حكيمة، يغلق أمامك أبواب الأرض باباً بَاباً، متعلق بإنسان ينسحب من وعده، متعلق بإنسان يتخلى عنك، متعلق بإنسان يدعمك ينسحب، متعلق بإنسان ينقذك يختفي، هذه أبواب أنت ظننتها مفتوحة, أغلقها الله أمامك، وفتح لك بابه، وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) يعني: يا أيها الأخ, يجب أن تعود نفسك, أن تكون مع الله بالدعاء دائماً؛ قبل أن تقدم على عمل، قبل أن تقابل إنسانًا، قبل أن توقع عقدًا، قبل أن تشتري، قبل أن تبيع، قبل أن تنشر الحق، ((يا رب, إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وعلمك وقوتك)) .

أيها الإخوة؛ كنت أضرب مثلاً طريفًا: 

إذا كان الإنسان في أيام الشتاء الباردة, يرتدي قميصًا, ورداء, ومعطفًا، والأكمام ضيقة، ويحمل حاجات في يديه الاثنتين، وقال له طفل: يا عم, كم الساعة؟ يضطر أن يضع الحاجات على الأرض، ويزيح أول كم، والمعطف، والرداء، ويقول له: الساعة السابعة، طفل سألك سؤالاً، وأنت تستحي ألاّ تجيبه، وأنت حينما تدعو الله عز وجل, تسأل خالق الأكوان، تسأل الذي يقول لك: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .

من لا يدعني أغضب عليه

إن الله يحب الملحين بالدعاء

إن الله يحب من عبده, أن يسأله شسع نعله إذا انقطع

إن الله يحب من العبد, أن يسأله ملح طعامه

إن الله يحب من العبد, أن يسأله حاجته كلها (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ) فعل الطلب وجواب الطلب: ادعوني أستجب.

أيها الإخوة؛ يوجد كلمة سمعتها أعجبتني كثيراً: 

الدعاء يقوي العقيدة, أنت معتقد أن الله موجود، والله سميع، وبصير, وقدير، ورحيم, واقع في مشكلة كبيرة, ليس لها حل، وتوهمت أن الحلول كلها مغلقة, فالتجأت إلى الله عز وجل، فإذا هذه العقدة قد حلت، الأمر تيسر, العقبة زالت، الصارف أغلق، الحاجة أصبحت بين يديك، ماذا تشعر؟ أن الله سمع دعاءك, واستجاب لك، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .

 

شروط الدعاء:


وفي آية أخرى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾

[ سورة الأعراف  ]

الدعاء أهم شرطيه: التضرع الحقيقي، والأدب مع الله في الدعاء بصوت منخفض، لا بصوت مرتفع، إنك لا تخاطب أصمَّ، بل إن بعض الأنبياء، قال تعالى:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)﴾

[ سورة مريم ]

يمكن أن تكون في أزمة، ويمكن ألاّ تقدر على أن تحرك شفتيك، تقول بقلبك: يا رب, ليس لي إلا أنت، يا رب أنقذني.

 

قصة الحسن البصري مع الحجاج.


يروى أن الحسن البصري, له موقف، أدى رسالة العلماء بإنكار المنكر في عهد الحجاج، فلما بلغ الحجاج أنه أنكر هذا المنكر, غضب غضباً شديداً، وقال لمن حوله:

والله يا جبناء لأروينكم من دمه، وأمر بقتله، وقتل الإنسان عند الحجاج, شيء يسير جداً, وجيء بالسياف، ومد النطع، وطلب الحسن البصري ليقتل

دخل الحسن البصري لمجلس الحجاج، رأى السياف جاهزًا، والنطع ممدودًا، لئلا يصاب، ويتلوث الفرش بدم المقتول، حرك الحسن البصري شفتيه، لم يفهم منهم أحد شيئًا، فإذا بالحجاج يقف له, ويقول: أهلاً بأبي سعيد، وما زال يقربه حتى أجلسه إلى جنبه على سريره، قال: يا أبا سعيد, أنت سيد العلماء، واستفتاه في موضوع، وأكرمه، وقيل: عطره، وشيعه إلى باب القصر، السياف قال: لماذا جيء به؟ جيء به ليقطع رأسه، تبعه الحاجب وقال: يا أبا سعيد, لقد جيء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك؟! قال: قلت لربي: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً, كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم

الله معك دائماً، قال تعالى:

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)﴾

[ سورة طه ]

الله معك، أنت حينما تعلم: أن الله معك, وأن الأمر كله بيد الله, وحينما تسأل الله السلامة والنجاة ينجيك.

 

اللجوء إلى الله عز وجل عند الضيق.


مرةً ثانية: لكثرة ما ترفع شكاوى ومشكلات، ضيق في الأرزاق، شح في المياه، ندرة في الأعمال.

أقول لإخوتي الكرام؛ ليس لنا إلا الله، ولعل الله عز وجل يسوقنا إلى ذلك، يدفعنا إلى أن نعبده عبادةً صادقة، يدفعنا إلى أن يسمع صوتنا، يدفعنا إلى صلاة حارة، الدعاء يرفع مستوى الصلاة، الصلاة هي دعاء, قال تعالى:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ سورة العنكبوت ]

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾

[ سورة الأعراف ]

تضرع إلى الله.

أقول لكم هذه الحقيقة: دمشق وما حولها, نسب الأمطار لم تزد على الثلث، مئتين وعشرين ميليمترًا، والشيء الواضح جداً: أن أكثر الآبار جفت الآن، يوجد مناطق لا تشرب إلا بالصهاريج.

أنا أعتقد اعتقاداً جازماً: لو أن أهل هذه البلدة بكبرائها وعامتها, خرجوا إلى صعيد واسع، وتضرعوا إلى الله عز وجل، والله لنزل عليهم من الأمطار ما لا يصدق، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾

[ سورة الحجر ]

أمطار دمشق كلها في العام مئتان وعشرون ميليمترًا، مئتان واثنا عشر، في رأس الخيمة من سنتين, نزل في ليلة واحدة مئتان وخمسون ميليمترًا، أمطار السنة كلها يمكن أن تهطل في ليلة واحدة, قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) لكن من ضعف اعتقاد الناس: انصرفوا عن صلاة الاستسقاء، هذه صلاة ينبغي أن تقام, من أجل أن تقوى عقيدتنا بالله عز وجل، من أجل أن تقوى عقيدتنا بالله، الله موجود, والأمر كله بيد الله عز وجل.

 

متى يستجاب الدعاء ومتى لا يستجاب؟.


قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) يعني: لا يستجيب لهؤلاء الذين يعتدون على إخوانهم.

من هو الذي يستجاب دعاؤه؟. 

هو المستقيم، الوقاف عند حدود الله، المحسن الورع، هذا مستجاب الدعوة، مرتبة عالية جداً، كيف نقول نحن في الحياة العلمية: فلان يحمل دكتوراه، دكتوراه دولة أرقى، فلان له ثلاثمئة مؤلف، فلان يحتل أعظم منصب بالجامعة، هذه مرتبة. 

من مراتب الإيمان العالية: أن تكون مستجاب الدعوة.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ, وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))

[ أخرجه البخاري ]

هذه مرتبة عالية أن تكون مستجاب الدعاء. 

لا يكون المرء مستجاب الدعاء, إلا إذا كان مستقيماً على أمر الله، إذا كان مستقيماً, كان مستجاب الدعاء، وإن لم يكن كذلك, لم يكن مستجاب الدعاء.

قال بعضهم: إنه لا يحب المعتدين إذا اعتدى على شروط الدعاء، أي دعا بقلب ساه لاه، أو دعا بصوت مرتفع، اعتدى على شروط الدعاء، أو اعتدى على إخوانه, فقد رتبة الدعاء المستجاب.

 

ليس بين العبد وربه واسطة.


قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة  ]

أقرب إلينا من حبل الوريد، إذا كان مثلاً جهاز كهربائي, أقرب شيء له الكهرباء، التي تسري في ثنايا هذا الجهاز، هل يوجد شيء أقرب من هذا الجهاز من الكهرباء التي يعمل بها؟ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، من حبل الحياة.

بالمناسبة أكثر من عشر آيات: هذه الآيات تبين، قال تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾

[ سورة البقرة  ]

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة ]

بين السؤال والجواب, في كلمة: قل دائماً، إلا في هذه الآية:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة  ]

لا يوجد قل لهم: إني قريب، هذه إشارة إلى أنه ليس بين الله وبين عبده واسطة، ادعُ الله أينما كنت.

أكبر دليل وأكبر مثل رائع:

هذا النبي الكريم, الذي كان في بطن الحوت، إنسان فجأةً يجد نفسه في بطن الحوت، الأمل صفر، التقمه الحوت، وغاص به إلى أعماق البحر, لا يوجد الأمل, يتصل به، لا يوجد معه خلوي، انتهى سيدنا يونس، نادى في الظلمات، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء ]

لكن والله أيها الإخوة؛ أقرأ هذه الآية ألف مرة, لا أرتوي منها، هناك تعقيب قلَب هذه القصة إلى قانون، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) في أي زمان، وفي أي مكان، وفي أي ظرف، في البر والبحر والجو، وفي ضيق الدنيا وسعتها، وفي الصحة والمرض، والقوة والضعف, قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) هذا كلام خالق الكون, هذا كلام رب العالمين. 

أيها الإخوة؛ أتمنى عليكم أن تكونوا مع الله دائماً, في الدعاء؛ قبل أن تسافر، قبل أن تفعل شيئاً، قبل أن تعطي، قبل أن تمنع، قبل أن تعقد، قبل أن توقع، ادع الله، قوة الله بين يديك، علم الله بين يديك، رحمة الله بين يديك، لطف الله بين يديك، إن كنت مؤمناً بالله, يجب أن تدعوه ليلاً ونهاراً، وكلما دعوته في موضوع واستجاب لك, قويت عقيدتك به، الأمر بيده.

ثمة كتاب في الأسواق، امرأة مدرسة في المغرب، درست في فرنسا ولها زوج، أصيبت بمرض عضال، وأخبرها الطبيب أنه بقي لها أسابيع، أرادت أن تعتمر قبل أن تموت، فذهبت إلى بيت الله الحرام، وطافت ثمانية عشر شوطاً، وهي تبكي، وتدعو، وشربت من ماء زمزم، والله عز وجل استجاب لها، وأزاح عنها كابوس هذا المرض العضال، وكتبت قصةً في هذا الموضوع.

هناك قصص كثيرة جداً؛ مهما يكن الأمر مستعصياً، الله بيده الحل لكل شيء، حينما تؤمن أن الله على كل شيء قدير, انتهى الأمر.

 

المستثنين من شروط الدعاء:


أيها الإخوة؛ لكن العلماء لهم استثناءات، هناك رجلان مستثنيان من شروط الدعاء: 

1- المضطر.

2- والمظلوم.

المضطر مستثنى من شروط الدعاء، لا بحسب حال الداعي، فقد يكون غير مستقيم، ولكن بحسب عدل الله عز وجل، هذا المظلوم والمضطر لا بحسب حال الداعي, قد يكون غير مستقيم، ولكن بحسب رحمة الله عز وجل: 

يستجيب للمضطر ويستجيب للمظلوم.

(( عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ, وَإِنْ كَانَ كَافِرًا, فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ ))

[ أخرجه الإمام أحمد في مسنده ]

قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62)﴾

[ سورة النمل ]

أيها الإخوة؛ القصص في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى، وأنا متأكد أنه: ما من أحد إلا وله مع الله تجربة في هذا الموضوع، وقع في أزمة، في مشكلة، لم يجد إلا الدعاء ، الله عز وجل يريدك أن تدع أبواب الأرض، وأن تطرق أبواب السماء، يريدك أن تيأس مما في أيدي الخلق، وأن تعقد الأمل إلى ما عند الله عز وجل، الله عز وجل يريدك أن تسأله بحرارة، يحب أن يسمع صوتك، وقد ورد في الأثر: ((أن الله يحب أن يسمع صوت عبده المؤمن)) .

أيها الإخوة؛ الأنبياء على درجة عالية من الصدق، حيث هم في الرخاء مع الله دائماً، المؤمنون لهم وضع آخر؛ ما دام في الرخاء، ولا يوجد أي مشكلة, تفتر عبادتهم، تبرد مناجاتهم، وتصير أعمالهم كلها شكلية، حتى ربنا يعطي لعبادتهم حرارة، يعطي لاتصالهم بالله حيوية، يعطيهم مشكلة, ليس له إلا الله عز وجل.

لا تنسوا هذا الحديث: ((كان عليه الصلاة والسلام: إذا حزبه أمر, بادر إلى الصلاة)) .

 

ما المقصود من الدعاء؟.

 

(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, سمعت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثم قرأ: وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))

[ أخرجه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ]

محصلة المحصلة: 

إذا كنت عابداً لله, فأنت معه بالدعاء، قال بعض العلماء: 

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

[ سورة  المعارج ]

الإنسان يأكل, ويشرب، ويعمل، ويسافر, كيف يدوم على صلاته؟. 

قالوا: هنا الصلاة هي الدعاء، يوجد دعاء، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

[ سورة غافر ]

لم يقل: عن دعائي، قال: عن عبادتي، معنى هذا: أن الدعاء هو العبادة، استنبط النبي عليه الصلاة والسلام: أن الدعاء هو العبادة.

أؤكد لكم: أن الله يريد أن يسمع صوتكم، ويريد أن تكون مناجاتكم له حارة، ودعاؤكم له صادق، لذلك: قد يسوق بعض المشكلات.


ما يستحب من الدعاء.

 

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ, وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ ))

[ أخرجه أبو داود في سننه ]

مثلاً: قوله تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)﴾

[ سورة البقرة  ]

جمعت خيري الدنيا والآخرة.

اللهم أنا بك وإليك 

من أدعية النبي: ((أنا بك -أي قائم بك- وإليك)) أنت المقصود.

اللهم ارزقني طيباً, واستعملني صالحاً

اللهم ما رزقتني مما أحب, فاجعله عوناً لي فيما تحب

أحب أن أكون غنياً، ولقد جعلتني غنياً, يا رب فاجعل هذا المال في طاعتك ودعماً للحق، وفي سبل البر والتقوى.

أحب أن أكون متزوجاً، يا رب اجعل هذا الزواج لوجهك، اجعله زواجاً إسلامياً، اجعله زواجاً خيراً.

أنا أحب أن أكون ذا شأن أمام الناس، يا رب اجعل هذا الشأن خدمةً للحق لا لحظوظ النفس.

اللهم ما رزقتني مما أحب, فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب, فاجعله فراغاً لي فيما تحب

مرة في درس من الدروس قلت: 

إن الإنسان الموفق, هو الذي يكتشف الإيجابيات في السلبيات, كيف؟.

يعني: طريق كله حفر, له ميزة في هذا الطريق, لا تنام أبداً، أما الطريق المستوى المستقيم بأعلى درجة, فيه خطر النوم، فإذا نام الإنسان في هذا الطريق -هذه قد تكون دعابة-, الطريق الوعر تبقى فيه يقظاً, وهذه ناحية إيجابية بالطريق الوعر، قد ترتفع الأسعار في شيء, لو أكثرت منه, لأضر جسمك، فارتفاع الأسعار, هذه إيجابية في السلبيات مثلاً.

قال لي أحدهم: الزوجة السيئة ما هي إيجابياتها؟. 

قلت له: هي التي دفعتك إلى المسجد.

يوجد إنسان أيام يتزوج, ينسى كل شيء, يوجد إنسان يتزوج امرأة متوسطة بكل شيء متوسطة، يبقى مع الله, وفي المسجد، والأعمال الصالحة، دائماً الإنسان: يجب أن يكتشف الإيجابيات في السلبيات.

لو أن الدنيا جاءت كما تتمنى تماماً, لنسيت الله عز وجل، طبعاً المؤمن ساعة وساعة، الأنبياء شيء آخر، أما المؤمنون ساعة وساعة، لو أن الدنيا جاءتهم كما يتمنون تماماً, اطمأنوا لها, وكرهوا لقاء الله عز وجل، أنت في مبرمج أن تكون لله, فإذا رآك الله قد خلدت إلى غيره, أقلقك ونغص عليك هذا الركون.

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ, وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ  ))


من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ ابن مسعود, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى, وَالتُّقَى, وَالْعَفَافَ, وَالْغِنَى))

[ أخرجه مسلم ]

((  عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ, عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ, عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ, ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي, وَارْحَمْنِي, وَاهْدِنِي, وَعَافِنِي, وَارْزُقْنِي ))

إن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك.

أنا أحب الإنسان, لا يقلل من شيء, الله عظمه, الله عز وجل جعل الدعاء أحد أكبر مراتب الإيمان، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ترى شخصًا قلما يدعو الله عز وجل، كأن الشيء ليس قانعًا به، أو كأنه يرى هذا الشيء, لا يحل بالدعاء، ولو كان مرضًا عضالاً، ولو كان مرضًا ميؤوسًا منه.

في حياتي عدة قصص؛ أعرف أصدقاء أصيبوا بمرض, لا يوجد أمل بالمليون واحد, أن يشفى صاحبه منه، والعملية تكلف ثمن بيته، والأطباء أجمعوا من الدرجة الخامسة، وأخذوا خزعات، وذهبت التحليل إلى بلاد الغرب، ثم تراجع هذا المرض بفضل الدعاء شيئاً فشيئاً، وهذه القصة من عشرين سنة، والآن: هذا الإنسان بأتم صحته.

حينما تتوهم أن شيء بالدعاء لا يحل, فأنت لا تعرف الله، حينما تتوهم أن شيئاً من الأشياء لا يحل بالدعاء، تراه يحل بالدعاء، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .

(( عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما, قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ, صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ))

[ أخرجه مسلم ]

سيدنا يوسف, له دعاء رائع جداً, قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

[ سورة يوسف ]

فإذا قال الإنسان: يا رب, قن من فتنة النساء، دخل في حصن الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)﴾

[ سورة يوسف ]

فالإنسان يجب أن يعتصم بالله عز وجل. 

﴿ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ, وَدَرَكِ الشَّقَاءِ, وَسُوءِ الْقَضَاءِ, وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ ﴾

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

الحقيقة: أن يشمت بك عدو, شيء لا يحتمل.

أنا أدعو على المنبر كل أسبوع: اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك.

مهما تذللت إليه بالليل، مهما مرغت جبهتك في أعتابه. 

نور الدين الزنكي الذي قهر الغزاة, سجد وقال: يا رب, من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك، مهما تذللت له, رفعك الله، وأعزك الله، ونصرك الله، وكرمك الله، ورفع شأنك، ومهما استكبرت عن أن تدعوه, أذلك الله، مع الله لا يوجد كبر, في تذلل، أن تكون عزيزاً أمام الناس، على قدر ما تستطيع كن عزيزاً, لا يوجد مانع، قال تعالى:

﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة المنافقون ]

لكن مع الله لا يوجد كبر، يوجد تذلل، حب، خضوع.

دعاء ادعوه دائماً: اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء, ومن السلب بعد العطاء.

السلب بعد العطاء, شيء صعب جداً. 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي, وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي, وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ))

[ أخرجه مسلم ]

ويوجد دعاء أيضاً جامع مانع:

(( قل اللهم اهدن واهد بي ))

[ أخرجه مسلم ]

يعني: اجعلني هادياً مهدياً.

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ, وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ, وَالْبُخْلِ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ, وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ))

[ أخرجه مسلم ]

(( عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي, قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا, وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ, فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ, وَارْحَمْنِي, إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

(( عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, كان يدعو بهذا الدُّعَاءِ: اللَّهمَّ ربِّ اغْفِر لي خَطِيئَتي وجَهلي، وإسرَافي في أمري، وما أَنت أَعلم به مني، اللَّهمَّ اغْفِر لي جِدِّي وهَزْلي، وخَطَئي وعَمْدي، وكلُّ ذلك عندي، اللَّهمَّ اغْفِر لي ما قَدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسْرَرتُ وما أَعلنتُ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مني، أنتَ الْمُقَدِّمُ، وأنت المُؤخِّرُ، وَأَنتَ على كلِّ شيءٍ قَدِيرٌ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

كل إنسان في بحبوحة، بصحة جيدة، فجأةً يأتي مرض عضال, يعمل تحليل, مرض عضال، فجأةً يفتقر, الدعاء هنا:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ, وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ, وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ, وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ))

[ أخرجه مسلم ]

(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللَّهمَّ إِني أَعُوذُ بك من قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ودعاءٍ لا يُسمعُ، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن علمٍ لا يَنفَع، أعُوذ بك من هؤلاء الأربع ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي ]

إنسان قضى حياته كلها في المسرح، في الشعر، شعر ممتع وجميل، وهو شاب، في خريف العمر, اقترب من القبر، رأى الشعر لا يساوي شيئًا في الآخرة، عنده شعر جيد، ومداعبات شعرية، أغراض شعرية، وكان يزين المجالس، ولكن ليس لها وزن في الآخرة إطلاقاً، اعمل عملاً له وزن عند الله، يوجد أعمال كثيرة, ليس لها وزن عند الله.

(( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ, وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ, وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ, وَمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاءِ الأَرْبَعِ ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد في مسنده ]

(( عَنْ طاووس, سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا, قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ, قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ قيوم السَّموَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَمْدُ, لَكَ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ نُورُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ مَلِكُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ, وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ الْحَقُّ, وَوَعْدُكَ الْحَقُّ, وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ, وَقَوْلُكَ حَقٌّ, وَالْجَنَّةُ حَقٌّ, وَالنَّارُ حَقٌّ, وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ, وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ, وَالسَّاعَةُ حَقٌّ, اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ, فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ, وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ))

بعض الإخوة الكرام؛ يذهب إلى العمرة أو الحج, يمسك كتابًا ويدعو، إذا أمسك الإنسان كتابًا وقرأ, فَقدَ حرارة الدعاء.

أنا أتمنى على الإنسان, أن يدعو من عنده، يحاول أن يقرأ أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، يحاول أن يقتني كتابًا من أدعية النبي الصحيحة, يقرأه كثيراً، قد يحفظ معظم الكتاب.

فهناك حالات, لا يناسب أبداً أن يمسك دفترًا, إذا قرأ الإنسان كتب الدعاء الصحيح، أدعية النبي الصحيحة, في أي كتاب وحفظها, صار عنده ذخيرة من الدعاء النبوي الصحيح, من جوامع الدعاء، فإذا وقع في أزمة, حافظ أدعية كثيرة, يدعو بقلب خاشع.

(( عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, عَلِّمْنِي دُعَاءً أَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ عَافِنِي مِنْ شَرِّ سَمْعِي, وَبَصَرِي, وَلِسَانِي, وَقَلْبِي, وَشَرِّ مَنِيِّي, يَعْنِي: ذَكَرَهُ ))

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ, فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ, فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ))

[ أخرجه أبو داود ]

أن يكون حولك إنسان خائن، أو إنسان يحس بآلام الجوع, يتعطل عمله كله، كاد الفقر أن يكون كفراً، من أجمل الأدعية: 

(( عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, أَن مُكاتَبا جاءه، فقال: إني عجزتُ عن مُكاتَبَتي فَأَعِنِّي، قال: أَلا أُعَلِّمُك كلماتٍ عَلَّمَنيهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مِثلُ جبل صَبيرٍ دَينا أَدَّاهُ عنك؟ قال: قل اللَّهمَّ اكفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنِني بفضلك عمن سواك ))

[ أخرجه الترمذي ]

(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ, وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ, وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ, اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي, وَأَهْلِي, وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ ))

[ أخرجه الترمذي ]

يوجد دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم: 

(( عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ بن عباد, قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))

[ أخرجه الطبراني ]

يوجد في شخص تحترمه، ولكن لا تحبه، متفوق في اختصاصه، وشخص ودود تحبه، لكن محدود التفكير، لا تحترمه، قد تحبه ولا تحترمه، وقد تحترمه ولا تحبه، ولكن عظمة الله عز وجل, أنه بالقدر التي تجله, بالقدر التي تحبه.

الآن: بكل حياة الإنسان, قد يكون يصل إلى ثقافة عالية جداً، له أب، والأب غال جداً، لكن أباه لم يدرس، وتفكيره محدود، آراؤه مضحكة، علاقته بأبيه علاقة حب، وليس علاقة إكبار، وإنسان له أستاذ في الجامعة, من فلتات الزمان بالذكاء والتفوق، ولكنه لئيم مثلاً، يقدره ولكن لا يحبه، يحبه ولكن لا يقدره.

كلمة يا ذا الجلال والإكرام تعني: بقدر ما تعظم الله عز وجل بقدر ما تحبه، بقدر ما له صفات الجلال، والعظمة، والقوة، وصفات الرحمة، واللطف، والعطف، والحب.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور