وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0671 - سورة الكهف5 - قصة الممكنين في الأرض - الأقوياء - خرافة النيل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

القرآن الكريم شفاء لأمراض النّفس :

 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في دروس سورة الكهف..
 المرض - أيها الأخوة - من خصائص النفس البشرية، إلا أن مرض الجسد ينتهي بالموت، ولكنَّ أخطر مرض هو مرض النَّفس، لأنه يبدأ بعد الموت، ويشقي صاحبه إلى أبد الآبدين، قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 هذا المرض النفسي، سوء الظن بالله، أو الشرك، أو الكفر، أو الاعتداد بالذات، هي أمراض نفسية، إذا قرأنا القرآن كان القرآن شفاءً لنا، قال تعالى:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾

[سورة الإسراء: 82]

 في أول درس من دروس الكهف، تحدثنا عن قوله تعالى:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة : 216]

 فهؤلاء الفقراء المساكين الذين خُرقت سفينتهم، حينما خُرقت تألموا أشدّ الألم، أما حينما كُشفت لهم الحقيقة، أن خرق السفينة سبب نجاتها انقلب ألمهم إلى حبور.
 فقصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر درس لكل مصاب، لكل مبتلى، لكل مسكين فقير، لكل ضعيف، لكل مقهور.. درس بليغ ملخصه:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة : 216]

قصة أصحاب الجنتين درس بليغ لكل ناجح في الحياة :

 أما قصة أصحاب الجنتين فهي درس بليغ لكل ناجح في الحياة ولا سيما الأغنياء، هذا الذي قال: أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً :

﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً ﴾

[ سورة الكهف: 35-36]

 نقله ظلمه إلى الإصرار على أن هذه النعمة لا تزول عنه أبداً، ثم نقله ظلمه إلى إنكار البعث، ثم نقله هذا إلى أن يفتري على الله كذباً. فهؤلاء الناجحون في الحياة، هؤلاء الأغنياء الذين شردوا عن الله عز وجل، قصة أصحاب الجنتين لهم شفاء. هؤلاء المقهورون، والمساكين، والمبتلون، قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر لهم شفاء.

 

من غفل عن الرسالة التي حمله الله إياها خان الأمانة :

 أما قصة اليوم فهؤلاء الممكَّنون في الأرض، لماذا مكنهم الله في الأرض؟ لتحقيق رسالة.. فإذا غفلوا عن هذه الرسالة خانوا الأمانة. يقول الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 111]

 العبرة - أيها الأخوة - أن تكتسب الخبرات من دون أن تدفع ثمنها باهظاً، الإنسان حينما يُخطئ، وحينما يُعاقب على خطئه عقاباً شديداً يكتسب خبرة، لكنَّ هذه الخبرة دفع ثمنها باهظاً، وقد يدفع أحياناً ثمنها حياته، وقد يدفع ثمن هذا الخطأ مرضاً عضالاً.
 يريدنا الله عز وجل أن نكتسب الخبرات مع أقل الخسائر، من دون أن ندفع ثمنها باهظاً، لذلك الإنسان أحد رجلين، إما أن يعتبر بنفسه، وإما أن يعتبر بغيره، السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه، فحينما تقرأ قصة، ما أرادها الله قصة، ولا أرادها متعةً، ولا أرادها سدة فراغ، إنما أراد حقيقةً كبرى، يجب أن تكسبها من هذه القصة، فتمتلك خبرةً، وقد دفعت ثمنها قليلاً.. تدبر هذه الآيات، وتفهمها، ومعرفة أبعادها هو الثمن فقط، امتلكت خبرةً، لو لم تفعل ذلك لزلّت قدم الإنسان، ولتعرّض لعقاب الله الشديد، فكان عقاب الله الشديد ثمناً باهظاً لخبرة أتته من هذا العقاب. يريد الله عز وجل أن نأخذ كل شيء بأقل شيء.
 العبرة من العبور، أي أن تعبر من مكان إلى مكان، تقرأ قصةً تقف عند أحداثها، عند شخصياتها، إن عبرت منها إلى مغزاها فقد قرأت القصة، وإن لم تضع يدك على مغزاها فكأنك ما قرأتها إطلاقاً، إما أنك لم تقرأها، أو هي ليست بقصة، بلا هدف.

 

منهج الله عز وجل المنهج القويم والصراط المستقيم :

 لكنَّ الله عز وجل يقول:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 111]

 منهج الله عز وجل المنهج القويم، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، فيه منطلقات نظرية، وفيه تطبيقات عملية، أي منطلق نظري يفتقر إلى التطبيق العملي، ولكن التطبيق العملي نلمح من خلاله التطبيق النظري، لذلك قالوا: القصة حقيقة مع البرهان عليها، أي فيها منطلق نظري هو عبرتها، مع البرهان على واقعيتها، إذاً لا أروع ولا أدق من قصص القرآن الكريم.
 يا أيها الأخوة الكرام: الذي يقرأ القرآن، ويصدق ما فيه، ويعتبر بقصصه، يعيش في سلام مع نفسه، ومع الناس، ومع الكون، لأنه أخذ أغنى التجارب من دون خسائر.. أوضح لكم هذه الحقيقة: لو قرأت بحثاً عن الدخان، وعرفت أنه يسبب السرطان فتركته، أنت أخذت تجربةً ثمينة جداً، بقراءة مقالة، أما حينما يركب الإنسان رأسه ويتابع التدخين، ثم يُصاب بسرطان مميت، فعرف الحقيقة، ولكن بعد فوات الأوان، عرف الحقيقة ودفع ثمنها باهظاً، ما كل انحراف تنجو منه، ما كل خطأ يُصحح، هناك أخطاء يدفع الإنسان حياته ثمناً لها، هناك انحرافات يدفع الإنسان سعادته الأبدية ثمناً لها، العبرة أن تكتسب الخبرة من دون ثمن باهظ.

 

مهمة الرسل تطبيق منهج الله أمام الناس :

 أكبر مهمة للرسل صلوات الله عليهم تطبيق منهج الله أمام الناس، لأن الرسل هم بشر من جنسنا، ولأن الرسل تجري عليهم كل خصائص البشر، لذلك كانوا قدوةً لنا . أي منهج نظري، فيه منطلقات نظرية، جاء الأنبياء والرسل فطبقوه فرأى الناس بأم أعينهم ثمار هذا المنهج، فصار عندهم منهج نظري وتطبيقات عملية، بل إن مهمة القدوة عند الرسل أكبر بكثير من مهمة التَّبليغ.
 الحق طُبق، وبقي في الأرض، وازدهر، وانتصر، وحقق الرفعة للإنسان المؤمن، هذه هي التطبيقات العملية. كان الغني في عهد عمر بن عبد العزيز يجوب أطراف الدنيا ليجد فقيراً يقبل أن يأخذ منه زكاة ماله، الإسلام أغنى الناس.
 سيدنا عمر تسلم منصب وزير العدل عند أبي بكر رضي الله عنه لمدة سنتين دون أن تُرفع له قضية واحدة، حينما طُبق منهج الله عز وجل استخلف الله المؤمنين، فوصلت راياتهم إلى مشارق الأرض ومغاربها، حينما طُبق منهج الله في الأرض مكن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم، حينما طُبق منهج الله في الأرض ملأ الله قلوبهم أمناً وطمأنينة.. والباطل طُبق في الأرض، وثبت فساده وزهق، قال تعالى:

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

[ سورة الإسراء : 81]

 وزهوق صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة تعني شيئين، مبالغة نوع ومبالغة عدد، فالباطل مهما تعدد سيزهق، والباطل مهما كبر سيزهق إنْ نوعاً، وإنْ كماً.. بعض المذاهب الوضعية طُبقت، وثبت فسادها وانهارت، ودُفنت، ولعنها الله ولعنها الملائكة والناس أجمعون:

﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾

[ سورة الرعد : 17]

 قالوا: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين الحق والباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، والله عز جل ينصر الحق وأهله. أما المعركة بين باطلين فهي لا تنتهي، تطول وتستمر بحسب أسباب كل طرف، وعُدده، وعَدده، واستعداده.

 

ذو القرنين درس لكل من مُكِّن في الأرض :

 خطبة اليوم عن ذي القرنين، درس لكل من مُكِّن في الأرض.. من هو ذو القرنين؟.. قالوا: الإسكندر المقدوني، وقالوا: هو من الروم، وقالوا: جاء قبل عيسى عليه السلام بثلاثمئة عام، وقالوا: كان في الصين وحكم الصين، وقالوا: عاش مع إبراهيم الخليل، وطاف في البيت العتيق والطريق أمام هذا البحث مسدود لأن الله سده..
 ما أراد الله أن نعرف من هو ذو القرنين كي لا نتوهم أنها قصة وقعت ولن تقع، أراده الله نموذجاً متكرراً، العلم بمن هو ذو القرنين علم لا ينفع، وجهل لا يضر، ولكن العبرة أن نعبر قصة ذي القرنين إلى الحقيقة التي أراد الله أن يلقيها علينا من خلال هذه القصة.
 يريد الله عز جل أن يبين لكل ممكَّن في الأرض: لقد أخذت الكثير وعليك أن تُعطي الكثير. قرأت كتاباً، قدم صاحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ " هناك من يأخذ ولا يعطي، وهناك من يعطي ويأخذ، لكن الأنبياء والرسل جاؤوا الحياة فأعطوا كل شيء، ولم يأخذوا شيئاً.. الممكَّن في الأرض، ينبغي ألا يكتفي بما أخذ، عليه أن يعطي عطاءً بقدر عطاء الله له، إن عطاءك للناس يجب أن يكون على قدر ما أعطاك الله، فعلى الممكن في الأرض أن ينصر الحق، وأن يقاوم الباطل، وأن يعمل بتعاليم من هو أحكم منه، وهو الله عز وجل وما دامت هذه الأسباب من الله فلا بد من أن تكون في خدمة الغاية التي أُعطيت من أجلها. سيدنا الصديق رضي الله عنه قال في خطبة الخلافة: " القوي عندي ضعيف، حتى آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له". قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾

[ سورة الحج: 41]

أمثلة عن الممكنين في الأرض :

 ولنضرب بعض الأمثلة: من هم الممكَّنون في الأرض؟.. مدير المدرسة، مكَّنه الله من أن يؤخذ برأيه في المدرسين، وأن يؤخذ برأيه في الطلاب، بإمكانه أن يلغي مهمة مدرس، أو أن يستقدم مدرساً ممتازاً، بإمكانه أن يضرب بيد من حديد على الطالب الفاسد، فهذا الذي يجلس وراء الطاولة في المدرسة مكَّنه الله في الأرض، فإذا عاقب المسيء، وكافأ المحسن، سارت رسالة المدرسة بشكل جيد. إذاً هذا الذي وضع ليكون مدير مدرسة أعطي أسباب القوة، وأسباب التحريك، من أجل أن يصلح الفاسد، ويكافئ المحسن..
 مدير مستشفى، ممكَّن في الأرض، يجب أن يختار الطبيب المناسب، وأن يضعه في المكان المناسب، وأن يستمع إلى شكاوى المرضى، لأن بيده سلطة، بيده أن يعين، وأن يلغي، وأن يكافئ، وأن يعاقب، وأن يردع، كل شيء تأخذه هو مسؤولية، أخذت هذا الشيء وهذا السبب لتنفع الناس.
 مدير الدائرة بإمكانه أن يفتح بابه لكل المراجعين، وأن يراقب الموظفين، ويراقب مدى خدمتهم للمواطنين، فمدير الدائرة ممكن في الأرض، وهذه القصة له، بإمكانه أن يكافئ الموظف المحسن وأن يردع المسيء، عندئذ تستقيم الأمور.
 مدير مؤسسة اقتصادية أيضاً ممكَّن في الأرض، بإمكانه أن يضبط الأمور، وأن يحكم الصناعة، وأن يقدم للناس صناعة جيدةً بسعر معتدل منافس.
 مراقب الدخل ممكَّن في الأرض، يجب أن يتقي الله فيما يفرض على الناس.
 شرطي السير أحياناً ممكَّن في الأرض، موظف التموين ممكن في الأرض، حينما تؤتى سلطة ينبغي أن تستخدمها فيما أعطيت من أجلها، أعطيتها من أجل صلاح الأمور، أعطيتها من أجل أن تعاقب الفاسد، من أجل أن تكافئ المحسن، من أجل أن ينعم الناس جميعاً بالخير، هذه السلطة هي سلطة الله عز وجل، حينما تأخذها من الله ينبغي أن تستخدمها وفق منهج الله عز وجل. كيف ينحرف الممكَّن في الأرض؟.. حينما تُحل مشكلته المالية ينسى مصالح المسلمين، وحينما لا تُحل مشكلته المالية يسيء إلى مصالح المسلمين. إذا قال المعلم: أنا أُعلّم بقدر الراتب، هذا خان الأمانة، لأن الله سبحانه وتعالى مكَّنك من هؤلاء الطلاب، أوكل تعليمهم إليك، أوكل تهذيبهم إليك، فأنت إذا عاملتهم، ربيتهم بقدر الراتب الذي لا يعجبك فقد خنت الأمانة..
 الممكَّن في الأرض؛ كل إنسان له قوة بحيث يسيطر على عشرة أشخاص.. الأب في بيته ممكَّن في الأرض، كلمته نافذة، بإمكانه أن يقيم الإسلام في بيته، بإمكانه أن يردع ابنته، بإمكانه أن يكافئ ابنه المحسن، بإمكانه أن يأمر أهله بالصلاة.. أي إنسان رفعه الله، رفعه الله على شخصين ممكّن في الأرض، فكل إنسان بإمكانه أن يفعل، كلامه مطبق، كلامه نافذ، ممكن في الأرض وما أوتي هذا التمكين إلا ليحقق النفع للمسلمين، إلا ليزيل الفساد في الأرض، إلا ليعم الخير على المؤمنين. القرآن شمولي، حينما يخاطب الله ذا القرنين أراد من ذي القرنين أن يكون قدوةً لكل ممكن في الأرض.

تفسير قوله تعالى : فأتبع سبباً :

 ثم قال تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾

[ سورة الكهف : 83-85]

 من أوجه تفسيرات فأتبع سبباً أن هناك سائلاً، هم أهل الكتاب سألوا النبي عليه الصلاة والسلام، وقبل أن نجيب عن هذا السؤال، دائماً وأبداً أيها الأخوة هناك هدف، وهناك وسيلة لهذا الهدف، فحينما نعطي الإنسان الوسيلة ينبغي أن يحقق هذا الهدف، لماذا جُعل في المستشفى هذا المدير؟ ما الهدف من هذا المنصب؟.. تحقيق مصلحة هذه المستشفى، تحقيق مصالح المرضى، تحقيق مصالح الأطباء، أن يجري العمل بانتظام، أن يؤخذ على يد الفاسد، أن يؤخذ على يدي الذين يبيعون الدواء المجاني للمرضى، أن يكافئ الطبيب المخلص، أن يعاقب الطبيب المسيء، ما هو منصب مدير المستشفى؟.. من أجل هذا، فإذا تسلم إنسان إدارة المستشفى، أعطي السبب القوي بإمكانه أن يكافئ أو يعاقب، فإذا استخدم هذا السبب لمصالحه، وتحقيق نزواته، وإملاء جيبه فقد خان الأمانة. هذا درس بليغ من دروس سورة الكهف:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾

[ سورة الكهف : 83-85]

 هذا السبب وضع لتحقيق الهدف، فذو القرنين أعطي الأسباب لهدف أراده الله، فاستخدمها وفق ما أراده الله، هذا معنى فأتبع سبباً، أي استخدم هذه الأسباب وفق ما أراد الله عز وجل. العقل سبب، العقل يقودك إلى معرفة الله، فإذا استخدمته في الإيقاع بين الناس، وفي جمع الدرهم والدينار، فقد استخدمت هذا السبب لغير ما أراد الله.. المال سبب، أعطاك الله المال لتنفقه في طاعة الله، ولتعمل الصالحات فيه، كي يكون هذا المال نوراً لك يوم القيامة، أما إن أخذت هذا المال وأنفقته في غير الهدف الذي سخره الله لك، أنفقته على متعك الرخيصة، وعلى العلو في الأرض فلن تستفيد شيئاً، شيء دقيق جداً في هذه القصة، كلما أُعطيت سبباً يجب أن تعرف الهدف الذي من أجله أُعطيت السبب، فإذا استخدمته وفق الهدف الذي أراده الله عز وجل نجحت عند الله، وإن استخدمت هذا السبب في غير ما أراد الله عز وجل فقد أسأت، وانحرفت، وفسقت.

 

مهمة الممكَّن في الأرض قمع الفساد وإحقاق الحق :

 الملك في الأرض عطاء من الله خالق البشر، بأسباب من الله لا بأسباب البشر، يقول الله عز وجل:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة آل عمران : 26]

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 258]

 هناك في بلاد الغرب أُعطوا الأسباب، ولكنهم أخذوها ليفسدوا في الأرض، ينبع الفساد من هناك، العالم الثالث ما سبب فساده؟ هذا الفساد المستشري في العالم الغربي، والذي نُقل إلينا، وأصبحت الأرض قرية، بل أصبحت بيتاً، وأنا أقول: أصبحت الأرض غرفة واحدة، فما فيها من فساد في مغرب الأرض انتقل إلى مشرق الأرض، فلو أن الذين أوتوا الأسباب هناك ضربوا على المفسدين بيد من حديد لما عمّ الفساد في الأرض. الممكَّن في الأرض مهمته قمع الفساد، وإحقاق الحق، وبهذا تستقيم الأمور.
 في كل مجتمع بشري، محسن ومسيء، ماذا ينبغي أن يفعل الممكن في الأرض؟ يجب أن يعطي المحسن مكافأةً تزيده إحساناً، وأن يؤدب المسيء تأديباً يردعه عن إساءته، حتى يعتدل الميزان، المهمة الأولى للممكن في الأرض أن يعطي المحسن إحساناً يزيده إحساناً، وأن يعاقب المسيء فيردعه عن إساءته. ذو القرنين:

﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً﴾

[ سورة الكهف : 86- 88]

 هذه مهمة ذي القرنين، المحسن أكرمه، والمسيء عاقبه، فاستقامت الأمور، وصلح الناس، وعمَّ الخير، وعمَّ الإحسان، وكان هذا العمل بفضل الجهد الذي بذل من قبل ذي القرنين.

 

الحكمة من معاقبة المفسد في الدنيا :

 قد يسأل سائل: بما أن الله سبحانه وتعالى جعل الدار الآخرة دار جزاء ودار عقاب فلماذا يعاقب المفسد في الدنيا ؟ جواب دقيق، يُعاقب المفسد في الدنيا لأن معظم الناس أو بعض الناس أو جزءاً من الناس لا يؤمنون بالآخرة، فهل نسمح لهم أن يفسدوا؟ أن ينشروا فسادهم في الأرض؟ فحينما يُعاقب المفسد في الدنيا من أجل أن تصلح الحياة الدنيا، أما لأنه لم يؤمن بالآخرة فهذا شانه مع الله، لكنْ لا نسمح له أن يفسد في الأرض، فلذلك شُرع عقاب الفاسدين في الدنيا من أجل أن تستقيم الحياة، إيمانك بالآخرة أو عدم إيمانك شأنك مع الله، ولكن الإسلام في منهجه لا يسمح بالفساد إطلاقاً.
 شيء آخر: لماذا يعاقب الله المفسد في الدنيا مع أن له عقاباً يوم القيامة ؟.. والدليل هو قوله تعالى:

﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً ﴾

[ سورة الكهف : 87]

 عقاب الإنسان في الدنيا لعله يهتدي إلى الله، لعله يتوب، لعله يرتدع، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 دول كثيرة ألغت عقوبة الإعدام، ثم وجدت مضطرةً أنه لابد منها، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 179]

 وهذه الدول الكبرى التي مكِّنت في الأرض، مكِّنت من الأرض كلها لو أنها استخدمت هذه الأسباب، أسباب القوة في إحقاق الحق في الأرض لكان المجتمع البشري في حال غير هذا الحال.

 

من أوتي شيئاً عليه أن يستخدمه وفق الهدف الذي أراده الله :

 محور الموضوع، كلما أوتيت سبباً يجب أن تستخدمه وفق الهدف الذي أراده الله، وإلا كان الانحراف الشديد. لو أن إنساناً تفلت من عذاب الدنيا، ينتظره عذاب الآخرة، يجب أن يعلم علم اليقين أن لكل سيئة عقاباً، قد يُعاقب الإنسان في الدنيا، وقد يُعاقب في الآخرة، وقد قيل إن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن. وهذا الذي يضرب على أيدي المفسدين يحمي المؤمنين من فسادهم.
 هذه حقيقة يجب أن نعلمها علم اليقين، وكل واحد منَّا - ولا أبالغ - تنطبق عليه هذه الآية، إنا مكنا له في الأرض، الأب ممكّن، معلم الصفِّ ممكّن، شرطي السير ممكّن، موظف التموين ممكّن، موظف الجمرك ممكّن، مراقب الدخل ممكّن، كل إنسان بإمكانه أن يفعل شيئاً يجب أن يفعل هذا الشيء وفق الهدف الذي من أجله أُعطي هذا الشيء وهذا درس آخر.
 الدرس الأول للفقراء والمساكين، في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر، والدرس الثاني للأغنياء المترفين، الشاردين عن الله عز وجل، والدرس الثالث للممكَّنين في الأرض، هذه دروس سورة الكهف، أنت لابد أن تكون أحد هؤلاء، لذلك شرع النبي عليه الصلاة والسلام لنا قراءة هذه السورة يوم الجمعة، لتكون زاداً لنا طوال الأسبوع، ولتكون منهجاً، ورؤيةً صحيحة، نرى بها حقائق الأشياء.
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خرافة النيل :

 حارب الإسلام الخرافات، حارب الإسلام الأساطير، حارب الإسلام الخزعبلات، حارب الإسلام الأوهام، المؤمن يعرف الحقيقة الكبرى، المؤمن له منهج من عند خالقه يسير عليه. إليكم هذه القصة التي تؤكد هذه الحقيقة: لمَّا فُتحت مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص، واليها يومذاك، في عهد عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أيها الأمير إن لنيلنا هذه سنة لا يجري إلا بها، هذا النيل الذي هو هبة الله لمصر- له سنة لا يجري إلا بها- قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية حسناء، بكرٍ بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل.
 فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون أبداً في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله.. العادات، التقاليد، التصورات، الأوهام، هذه كلها يهدمها الإسلام، وليس معنا إلا منهج الله عز وجل. سكتوا: والنيل لا يجري إلا قليلاً، ولحكمة أرادها الله ضعفت مياه النيل، وقلَّت إلى درجة مخيفة، حتى همَّ أهل مصر بالجلاء عن مصر.. لماذا أراد الله ذلك؟.. ترون بعد قليل.
 فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك - هذه قضية فوق طاقته، هو أقام منهج الله، أما النتائج فغير معقولة- فكتب عمر رسالة - قد تعجبون - كتب رسالة إلى نهر النيل، وأمر رسوله أن يسلمها إلى عمرو بن العاص، وأن يجمع أهل مصر على ضفاف النيل، وأن يقرأ عليهم هذه الرسالة، ثم يرميها في نهر النيل ففعل.
 فتح الرسالة، وقرأ ما فيها، فإذا فيها: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى نيل مصر، أما بعد: إن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإذا كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك، وألقى الرسالة في نهر النيل، فما أصبحوا حتى أجراه الله وأفاضه في الليلة نفسها، فقطع الله هذه السنة السيئة عن أهل مصر إلى هذا اليوم، سنة عمرها آلاف السنين، لابد من أن تُلقى فيه فتاة حسناء، تؤخذ من بين أبويها، وترتدي أجمل الثياب، وأجمل الحلي، وتُلقى في هذا النهر كي يجري، قال له عمر: يا نيل إن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك..وألقيت الرسالة، وجعلها الله آيةً لأهل مصر، وقد ألغيت هذه السنة السيئة في مصر، وقد مضى عليها آلاف السنين.

المسلم عقله مستنير و منهجي :

 ملايين مملينة من المسلمين يقعون تحت أوهام لا أصل لها، تحت خزعبلات لا أصل لها، تحت قصص واهية لا أصل لها، ينبغي أن نفهم حينما كسفت الشمس في عهد النبي توهم الصحابة الكرام عن حسن ظن بنبيهم أن الله كسفها إكراماً لموت ابنه إبراهيم، فلما علم النبي ذلك عدَّها خرافة، فجمع أصحابه وقال:

((عن الْمُغِيرَةَ ابْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ ))

[ متفق عليه عن الْمُغِيرَةَ ابْنَ شُعْبَةَ ]

 المسلم عقله مستنير، عقله منهجي.. كنت في العمرة قبل سنتين، فسمعت في مكة المكرمة أن أنواراً من قبر النبي تسطع إلى السماء، وقد أخذ الناس بهذه الأنوار، وفسروها تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، لما قدمت المدينة، سمعت من أحد علمائها أنه اتصل به أمير المدينة، وأخبره أن أشعة الليزر وضعت فوق مقام النبي، لتهتدي الطائرات بها إلى المدينة، فهذه الأنوار التي توهمها الناس ساطعة من قبر النبي، النبي عليه الصلاة والسلام أنواره في سنته، أنواره في توجيهاته، أنواره في شمائله، أنواره في معجزاته التي جاء بها، أنواره في تشريعه، فيا أيها الأخوة الكرام يجب أن ننطلق من منطلق علمي، وأن الله سبحانه وتعالى عالم يحب كل عالم، كم من خرافة، وكم من انحراف فكري، وكم من خزعبلات تأسر المسلمين هم ضحيتها؟

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور