وضع داكن
24-04-2024
Logo
خطب الأعياد - الخطبة : 07 - خطبة عيد الفطر السعيد لعام 1416هـ - 1996م - ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
 وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر.
 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: قال تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴾

[سورة البقرة]

 وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ: وقد تمت عدة رمضان.
 وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ: وها أنتم تكبرون الله، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول:
 تكبروا الله على ما هداكم، لا تقليداً، تقولون الله أكبر لما وصلتم إليه من الهدى، لما أعانكم عليه الله من صيام رمضان، ومن قيام رمضان ومن غض البصر، ومن حفظ اللسان.
 الله أكبر كلمة يقولها الصائم حينما يفطر شكراً لله عز وجل على ما أنعم الله عليه من نعمة الهدى، لكن ـ أيها الإخوة ـ الكلمات التي يرددها المسلمون في أعيادهم، هذه الكلمات إما أن تكون ذات مضمون، بها يرقون، وإما أن تفرق من مضمونها، عندئذ تُردد ترداداً عشوائياً أجوفَ لا معنى له.
 أيها الإخوة الكرام: حينما تطيع إنساناً وتعصي الله ما قلت الله أكبر، ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لأنك في الحقيقة أطعت القوي، وقد بدا لك أن طاعة هذا الإنسان أولى لك من أن تطيع الله، فإذا أطاع الإنسان مخلوقاً كائناً من كان، وعصى خالقه ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة.
 المسلمون قالوا: الله أكبر، فتحوا بها مشارق الأرض ومغاربها، وكانوا لا يزيدون عن عشرة آلاف صحابي، بينما المسلمون اليوم مليار ومئتا مليون، وليست كلمتهم هي العليا، وهم يقولون الله أكبر، إنهم إن قالوها بألسنتهم، ولم تؤكدها أفعالهم فهم كأنهم ما قالوها.
أيها الإخوة الكرام: بماذا جاء الأنبياء ؟.. الأنبياء جاؤوا بالكلمة الطيبة، قال تعالى: 

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾ 

[سورة إبراهيم]

 الكلمة الطيبة المستندة إلى واقع الكلمة الطيبة المستندة إلى فطرة، الكلمة الطيبة مستندة إلى نقل صحيح، الكلمة الطيبة مستندة إلى منطق العقل والنقل والواقع والفطرة أساس الكلمة الطيبة، ثم إنها مطبقة بإخلاص، فكلمة تتوافق مع العقل، ومع النقل، ومع الواقع، ومع الفطرة مطبقة بإخلاص، هذه الكلمة يمكن أن تفعل في الناس فعل السحر قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾

[سورة إبراهيم]

 أيها الإخوة الكرام: الإنسان العاقل لا يجامل نفسه، لا يتملقها، لا يدعها في غفلة وفي جهل، لا يكون كالنعامة يغرس رأسه في الرمال لئلا يرى عدوه، كلمة الله أكبر، كلمة الإسلام، يقولها المصلي في صلاته ليشعر أن الله الذي يتجه إليه أكبر من كل شيء آخر، فلا يلتفت إلى سواه.
 يقولها المجاهد في الحرب، حينما يقول الله أكبر، الله أكبر من عدوه مهما علا واستكبر، يقولها الذي يفطر بعد رمضان وقد هداه الله إليه وإذا وصلت إلى الله وصلت إلى كل شيء.. ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء..
 أيها الإخوة الكرام: تخلف المسلمين يعني أن تنفصل هذه العبادات، وتلك الكلمات عن واقعهم، أنتم قلتم الله أكبر، ورفعتم بها أصواتكم، وطبقتم بها سنة نبيكم ولكن دققوا في أعمالكم، وفي بيعكم وشرائكم، وفي علاقاتكم الأسرية وفي علاقاتكم بمن حولكم، ومع من فوقكم، ومع من دونكم، إن كان في هذه العلاقات مجاملة لإنسان على حساب دينك، أو إرضاء لمخلوق على حساب طاعتك لله، فاعلم علم اليقين دون مجاملة، ودون مواربة وكن صريحاً، والحقيقة المرة أيها الإخوة أفضل بكثير من الوهم المريح إن تطرق لإنسان أن يطيع زيداً أو عبيداً، أو أن يخضع لفلان أو علان أو أن يرضي زوجته في معصية ربه، والشيء الذي لا يمكن أن يقال لقد رأى طاعتها أكبر من طاعة الله، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة.
ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل عيدي الفطر والأضحى عقب عبادتين ففي عيد الفطر يقول الله عز جل: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ..
يعني أنتم في رمضان وصلتم إلى الله، وذقتم طعم القرب منه، وحلاوة المناجاة، وروعة الصيام، وجمال القيام، أنتم وصلتم إلى الله فحافظوا على ما وصلتم إليه.
 أيها الإخوة الكرام: أناس كثيرون يصلون إلى القمم ولكنهم لا يستطيعون أن يمكثوا فيها والبطولة لا أن تصل إلى قمة الجبل، بل أن تبقى في القمة، وكل إنجاز حققتموه في رمضان، الآن تبدأ بطولتكم، بطولتكم أن تحافظوا على هذا الإنجاز، غضضتم أبصاركم في رمضان، فالبطولة أن تبقى هذه الطاعة مستمرة إلى أن تلقوا الواحد الديان، ضبطتم ألسنتكم في رمضان، البطولة أن تتابعوا هذا الضبط إلى نهاية الدوران.
 أيها الإخوة الكرام: صعود وهبوط، صعود وهبوط المحصلة صفر، لكن رمضان قفزة نوعية مستمرة، وقفزة مستمرة، إنك بهذا تتابع الترقي، بينما بعض الناس يدافعون التدني، والشيء الذي يلفت النظر في كتاب الله أن آيات الحج، وفي سورة الحج، يقول الله عز وجل: 

﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)﴾ 

[سورة الحج]

 لعل النبي صلى الله عليه وسلم استنبط من هاتين الآيتين الكريمتين تكبيرات العيدين.
 أيها الإخوة الكرام: لا يليق بالمؤمن أن يقول كلاماً لا معنى له، لا يليق بالمؤمن أن يقول كلاماً هو في واد وهذا الكلام في واد آخر.
 أيها الإخوة الكرام: نحن في رمضان قمنا بعبادة شعائرية، وفي الحج نقوم بعبادة شعائرية والصلاة عبادة شعائرية، ولكن الأخطر من هذا كله العبادات التعاملية.
لا يخفى عليكم أن الله سبحانه وتعالى يقول: 

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ 

[سورة العنكبوت]

 لا يخفى عليكم أن الحاج حينما يحج بيت الله الحرام، بمال حرام ويقول لبيك اللهم لبيك، يناديه مناد في السماء يقول: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك.
حينما ينفق الإنسان ماله، وليس منضبطاً بشرع الله ولا منهجه، قال تعالى: 

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾ 

[سورة التوبة آية 53]

 حينما يصوم الإنسان رمضان ولا يتقي فيه الواحد الديان: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش..
 أيها الإخوة الكرام: العبادات الشعائرية يوم في جائزة لعباداتك التعاملية، بقدر انضباطك بعباداتك التعاملية، تلقى ثمرة يانعة في عباداتك الشعائرية.
الإسلام منهج متكامل، لا يمكن أن تأخذ جزء منه فتقطف ثماره، إن هذا منهج متكامل، إن لم تأخذها كله لا تستطيع أن تصل إلى ثمرة منه.
 أيها الإخوة الكرام: كل ما في الأمر أن المؤمن يشمر بعد رمضان ليتابع السير إلى الله، يشمر بعد رمضان ليحافظ على منجزات رمضان، يشمر بعد رمضان فلعله فاته أن يكون في المستوى اللائق في رمضان.
الله سبحانه وتعالى مع الإنسان في كل زمان ومكان، معه في كل شهور العام، معه في أي مكان حل به، فالله سبحانه وتعالى جعل رمضان شهراً تطيعه فيه من أجل أن تذوق حلاوة القرب، ليشيع هذا الاتصال في كل أشهر العام.
جعل البيت الحرام مكاناً تصفوا فيه النفس، من أجل أن يشيع هذا الصفاء في كل مكان، اصطفى النبي العدنان لتسعد بدعوته وبسنته إلى يوم القيامة.
أيها الإخوة الكرام: نحن في العيد، ونحن في يوم الجائزة، قال عليه الصلاة والسلام:
 " إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة في أفواه الطريق، فنادوا يا معشر المسلمين، اغدوا إلى رب كريم رحيم، يمن بالخير ويثيب عليه الجزيل لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا العيد، نادى منادٍ من السماء ارجعوا إلى منازلكم راشدين، فقد غفر لكم ذنوبكم كلها، ويسمى ذلك اليوم في السماء بيوم الجائزة ".
 نحن في يوم الجائزة، فطوبى لمن صام رمضان إيماناً واحتساباً، طوبى لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، طوبى لمن أنفق ماله في رمضان إيماناً واحتساباً، طوبى لمن قرأ القرآن في رمضان إيماناً واحتساباً، فهذا اليوم يوم الجائزة.
أيها الإخوة الكرام: كان صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر رمضان استقبله بوجهه ثم يقول:

(( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ والعافية المجللة، ودفع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن ))

كان يدعو ويقول:

(( اللهم سلمنا لرمضان، وسلمه لنا، وتسلمه منا متقبلاً يا رب العالمين))

 أيها الإخوة الكرام: شيء آخر في العيد، العيد مناسبات لصلة الرحم، وصلة الرحم في الإسلام نوع من التكافل الاجتماعي، فكل مسلم مكلف في العيد أن يتفقد رحمه، مطلق أقربائه من جهة الأب أو من جهة الأم، الأقرباء من أية جهة كانوا هم من الأرحام، هذا ما استقر عليه رأي العلماء، فأنت في العيد تصل رحمك، وهذه الصلة على مستويات ثلاثة:
المستوى الأول: أن تزورهم، وأن تهنئهم في العيد.
 والمستوى الثاني: أن تتفقد أحوالهم فما شُرع لنا أن نزور أقاربنا في رمضان كي نسلم عليهم فقط، صلة الأرحام تعني تفقد أحوالهم، والتبصر في معيشتهم، فإن كانوا بحاجة إلى مساعدة، إلى معونة، فبادر إلى ذلك العمل الطيب، فالله سبحانه وتعالى يثيب عليه الجزيل.
المستوى الثالث: أن تدلهم على الله، أن تأخذ بيدهم، أن تبين لهم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[أخرجه البخاري والترمذي وأحمد والدرامي]

 ولأن الدعوة إلى الله عز وجل في القرآن الكريم فرض عين على كل مسلم، بدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[سورة العصر]

 التواصي بالحق أحد أركان النجاة الأربعة، لا تنجو إلا إذا تواصيت بالحق، والإيمان لا يستقر في نفس الإنسان إلا ويعبر عن ذاته بذاته بعمل صالح، ومن أجلِّ الأعمال الصالحة كلمة حق تلقيها على أخ في الله.
أيها الإخوة الكرام: عَن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا

(( إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ "))

[أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والدرامي]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ))

 يعني من أجل الأعمال في الإسلام أن تتفقد أقرباءك، من أجل هذه الأعمال أن توجههم إلى الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( أحب الأعمال إلى الله تعالى إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم ))

أيها الإخوة الكرام: من علائم تخلف المسلمين أنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ ))

[أخرجه والترمذي وأحمد] 

 نبغي في العيد أن تتعرف على أقربائك الصغار، أولاد أقربائك الكبار أن تتعرف على أسمائهم، وأحوالهم، ودراستهم، وأوضاعهم، من أجل أن تزداد المعرفة، ومن أجل أن يُبنى على هذه المعرفة كلمة حق تلقيها في أسماعهم، أو معونة تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام: العيد مناسبة سنوية لصلة الأرحام، والعيد مناسبة سنوية للأعمال الصالحة، فكم من عمل صالح ملأ البيت فرحاً وسروراً، كم من عمل صالح رسم على وجوه الصغار البسمة والضياء، كم من عمل صالح فرجت به كرب المكروبين، وضيق المتضايقين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. )) 

[أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي]

 أيها الإخوة الكرام: شيء آخر: هذه اللقاءات في العيد ينبغي أن تُستثمر في ذكر الله عز وجل، فذكر الله هو من أجل الأعمال: عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ))

[أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك ]

فأنتم في العيد تصلون أرحامكم زيارة، وتحسنون إلى ضعفائكم إحساناً وتذكرون بالله تذكيراً، عندئذ يغدوا العيد كما أراده الله عودة إلى الله وإقبالاً عليه، واصطلاحاً معه، وشكراً لله على نعمة الصيام والقيام التي منحنا إياها.
 أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام: يقول الله جل جلاله في الحديث القدسي:

(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي، إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليه فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يُمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))

أيها الإخوة الكرام: ورد في الأثر القدسي:
 " عبدي خلقت لك السماوات والأرض لم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة، ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي، لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك، فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا  ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً.
 أنت تريد وأنا أريد، فإن سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ".
 قال: يا رب أي عبادك أحب إليك، قال أحب عبادي إلي تقي القلب نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني وأحببني إلى خلقي.
 قال: يا رب أنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك، قال ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ".
 ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
 وفي الأثر القدسي: " إني والأنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرُّهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصايب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفوا، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ".
 أيها الإخوة الكرام: لو أن إنساناً قصر في رمضان، لو أن إنسان لهى في رمضان، ماذا يفعل، هل ييأس ؟.. ليبدأ بشهر شوال، المؤمن يمكن أن يجعل من كل أشهر العام رمضان، فالله سبحانه وتعالى مع كل إنسان، في كل زمان وفي كل مكان، وبابه مفتوح لكل إنسان.
" فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ".

[ أخرج أحمد]

 أيها الإخوة الكرام:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾

[سورة الزمر]

((عبدي لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي ))

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد ))

 أيها الإخوة الكرام: جرت العادة أن نلتقي ثاني أيام العيد في القاعة الجنوبية، فكل من إخوتنا الكرام يهنئ إخوانه بعيد الفطر السعيد، وهذه الزيارة تغنيكم عن كثرة الزيارات في أيام العيد، فالمعايدة في القاعة الشرقية تبدأ من الساعة العاشرة وحتى الثانية، ومن الساعة الخامسة وحتى العاشرة، ففي هاذين الوقتين يمكن أن تلتقي إخوانك الكرام، وأن تهنئهم بالعيد، وأن تغنيك هذه المعايدة عن زيارات كثيرة تستهلك بها الوقت والجهد، ثم إن الإخوة الكرام تمنوا علي أن يأخذوا فرصة بعد العيد يستجمون بها، فعطلت الدروس بعد العيد، درس الجمعة والسبت والأحد والاثنين، ونستأنف الدروس إن شاء الله تعالى في يوم الجمعة واحد آذار، وكل عام وأنتم بخير، والحمد لله رب العالمين.

الدعاء:
 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
 اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
 اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
 اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
 اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور