وضع داكن
24-04-2024
Logo
الفتوى : 06 - سؤال عن البقاء في بلاد الغربة مع وجود مبررات ؟ .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

سؤال:

 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 أرجو من سماحتكم أن تطَّلعوا على رسالتي هذه وأن تتفضلوا علينا بالنصيحة الشاملة والمباركة من سيادتكم ونحن لكم من الشاكرين.
اعذروني إن أطلت عليكم برسالتي هذه ولكني والله اعلم في وضع يصعب شرحه بسطر أو سطرين.
 أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري، أكملت دراستي الثانوية والحمد لله وكنت متأملا بان احصل على الوظيفة التي لطالما حلمت بالحصول عليها ولكن الله شاء لي أن أسافر إلى استراليا عن طريق رجل نعرفه، وقد كان هذا الرجل قد وعد بأن يتكلف بكامل المصاريف الدراسية في المرحلة الأولي من دراستي والاهتمام بي إلى أن أحصل على عمل هناك ومن ثم أوفيه حقه.
 وقد كنت رافضاً للفكرة من أساسها ولكن مع إصرار أبي علي (رغم أني الصبي الوحيد بين أخواتي) وتحت الضغط علي وأملاً في الحصول على وضع معيشي أفضل قبلت أخيراً أن أسافر وأنا وأهلي محملين بالوعود والآمال بالمساعدات التي سيقدمها لنا هذا الرجل.
تحت هذا الواقع المرير تقدمت بأوراقي إلى السفارة وأنا غير راضٍ عن وضعي ولكني كنت مضطرا لذلك.
 بعد قبول أوراقي حزمت الأمتعة وانطلقت إلى بلد الاغتراب تاركاً ورائي أمي المصدومة برحيلي وحلمي الكبير بالحصول على الوظيفة التي طالما حلمت بها.
يجدر بي هنا الإشارة إلى أن هذا الرجل الذي قدم الوعود هو والد صهري أي عم أختي.
 في استراليا لم أستطع أن أوفق بين دراستي وبين وضعي هناك حيث كنت دائم التنقل من بيت إلى بيت عند أقربائي ومن بينهم أختي. وقد مكثت لفترة لا بأس بها عند أحد أقربائي الذي عاملني كشاب من شبابه بل و أحيانا أكثر والله.
وللحقيقة والله أني بمجرد بدايتي بالدراسة بدأت معالم الوعود والآمال تنكشف وتتحول إلى خداع وكذب، ولكني وبفضل الله تابعت المسيرة واضعاً نصب عيني العودة سالماً غانماً إلى أهلي.
 ويصدف أن يسـافر عمي إلى هناك للزيارة، وقد كنت سعيداً جداً بلقائه هناك، وبعد فترة طرح علي عمي أن يخطب لي ابنة ابنته هناك وهي الفتاة التي كنت أسكن في بيت أبيها الذي أكرمني , وللتوضيح أكثر فإن أم هذه الفتاة هي بنت عمي الذي عرض علي الخطبة من ابنته أي حفيدته.
 في بدء الأمر فوجئت بالأمر جدا ولم أوافق على ذلك لأني وعدت أمي أن لا أخطب من بلاد الاغتراب أبداً، وأيضا لأني لم أكن أملك شيئاً سوى حقائبي فقط، ولكن عمي هون الأمر علي و أقنعني أن أهل العروس لن يطلبوا مني شيئا بل على العكس سيساعدوني وخاصة العروس على إكمال دراستي.
 أود أن أذكر هنا أن العروس كـانت قمة في العلم والفهم و أكثر ما شجعني على القبول هو أخلاقها وحبها لدينها وهذا ما يندر وجوده في تلك البلاد. وبعد التوكل على الله واستخارته، ورغم أن أهلي لم يكونوا جد سعداء وراضين إلا انهم قبلوا بالأمر الواقع متمنين لي كل التوفيق وطبعاً كان لعمي الدور الأكبر في إقناع أهلي بخطبتي (والمقصود هنا بالخطبة أي كتب كتاب عند الشيخ).
تمت الخطبة والحمد لله، وقد وجدت في هذه الخطبة الرعاية والمساعدة الكافية لجعلي أتابع دراستي ولله الحمد.
أنهيت السنة الأولى بنجاح وذلك بفضل الله وفضل عروستي بعده.
 يجدر الإشارة بي هنا إلى أن العروس وأنا اعتقدنا في بادئ الأمر إن بقائي في استراليا هو شبه محتوم وخاصة بعد الخطبة ولذلك كان هذا السبب من الأسباب الرئيسية التي جعلتها توافق علي، وأنا كذلك الأمر كنت معتقدا ذلك، ولكني وجدت أن الوعد السابق بالحصول على جنسية بخلال سنة واحدة من خلال دراستي كان مجرد وهم إذ لم يحصل أي شيء من ذلك أبداً.
 مع مرور الوقت اضطررت إلى أن أكون بين وضعين هناك: إما أن أكمل دراستي وإما أن أعود إلى وطني لأن دائرة الهجرة هناك لا تعطي تمديدا في الإقامة إلا في حال متابعة الدراسة, وبما أنى كنت غير قادر على الدراسة هناك وذلك لما سترتبه علي من مصاريف لا مقدرة لي عليها اضررت إلى ترك جامعتي وعدم إكمال الدراسة.
 وهنا بدأت المشاكل تظهر معي، إذ بدأت أكره البلاد كلها بأكملها وبدأت مشاكلي تنتقل إلي وإلى خطيبتي ومن ثم إلى أهلها، وبدأت بالتفكير والتحليل من جديد والمشكلة معي أني كنت خاطباً وإلا لولا ذلك لكنت تركت البلاد حالا ورجعت إلى وطني، ولكني أحببت خطيبتي وصعب عليَ تركها.
 كانت نفسيتي قد تغيرت جداً ووضعت أمام عيني قرار العودة إلى بلادي وبنفس الوقت لم أشأ أن اًًترك خطيبتي ولكني أحسست باًني مضطر للعودة، وهنا تطور الأمر فأصبحت لا أطيق أحدا من المنزل وانتقل هذا الكره ليتحول إلى خصام بيني وبين عروستي وكذلك بيني وبين أهلها, وما لبث أن تطور هذا الخصام إلى طلاق عند الشيخ، ولكن وبفضل الله ومن ثم فضل بعض أهل الخير هناك من أقارب عدنا لبعضنا واتفقنا على أني سأعود إلى وطني على أن أعود ثانية إلى استراليا وذلك من خلال طلب علم جديد أو إذا اضطر الأمر أن تذهب عروستي لتلحقني ومن ثم تقدم لي هي طلب سفري إلى استراليا على اسمها، وقد اتفقت مع والد العروس على أنه إذا وجدت وظيفة في وطني فإني سأبقى فيه وستلحقني هي لتعيش معي هنا في وطني، وقد وافق كل من والد العروس ووالدتها على ذلك، ولكن العروس لم توافق على هذا الطلب الذي عرضته عليها بعد أهلها ولذلك فقد اضطررت إلى وعدها بأني لن أبقى في وطني حتى وإن حصلت على فرصة الوظيفة فيه، وبذلك تم الاتفاق بيني وبينها على أن لا أتقدم لأي وظيفة كانت حتى تأتي هي وتأخذني فيما بعد.
 بعد وصولي إلى وطني بفضل الله، وجدت نفسي أمام معارضة قوية جداً منهما ودعوة صريحة بعدم العودة إلى استراليا، وقد وصل الأمر إلى درجة الحيرة القصوى بين اختيار إما أن أبقى مع أهلي وترضى عروستي بذلك الوضع و تقبل بالعيش معنا أو لا ترضى وبذلك أكون قد أرضيت أهلي وأخلفت بوعدي لعروستي، وإما أن أنتظر مجيء عروستي إلى هنا ومن ثم الذهاب معها والوفاء بوعدي لها ولكن بذلك أكون قد تخليت عن أهلي.
كما و أود هنا أن أذكر إلى أن معظم أخواتي قد تزوجن ولم يبق سوى الصغرى وهي كذلك مخطوبة، أي أنه بعد حين سيبقى أهلي من دون أحد معهم حتى وإن كانت أختي الصغرى قريبة منهم ولكن لا أحد يحل مكان أحد!!!
 وأنا اليوم في وضع بالغ الحيرة، واعتقدني هنا قد شرحت لكم خلاصة مشكلتي ولم أذكر المشاكل الأخرى التي تعتبر من الدرجة الثانية، ولكن صدقوني يا حضرة الدكتور أن المشكلة أعقد مما شرحت بكثير وهناك الكثير من التفاصيل التي لم أذكرها وذلك لأنها ثانوية ولكن في الوقت نفسه مهمة جداً والله اًعلم بحالي.
قد أكون نسيت الكثير من التفاصيل التي تلزمك لإعطاء رأيك في قضيتي وهنا أرجو منك كل الرجاء أن تسألني عن أي معلومة ناقصة أو لازمة حتى تتوضح الصورة كاملة لديك.
أنا الآن أنتظر مجيء خطيبتي إلى هنا وأتوقع عودة المشاكل ثانية وبصراحة الله يستر, صدقني أصبحت أتمنى عدم قدوم خطيبتي الآن رغم شوقي الكبير لها, وذلك لأني أعلم كل العلم أني سأقع في مأزق كبير لا ينجيني منه إلا الله.
 أنا الآن أدعو الله أن يرزقني هذه الوظيفة وبسرعة وأنا كلي أمل أن الله لن يتركني إن شاء الله، وكذلك أقوم بتهيئة الجو المناسب من الآن من خلال حث بعض أقارب العروس هنا بإقناعها بالقبول بالعيش معي ومع أهلي هنا, و لكني أعلم جيداً أن عروستي عنيدة جدا وخاصة أني وعدتها بالعودة معها، ولكن لا أستطيع أن أترك أهلي ببساطة وأسافر من جديد خاصة وأني لم أجد في تلك البلاد ما يبعث على الطمأنينة أو يحث على العودة إلى هنا لأن جميع أقاربي تقريباً سافروا ولم يعودوا ولذلك وببساطة أيضا أنا لا أجد نفسي متولعاً بالعودة ثانية أبدا وأفضِّل أن أبقى هنا، ولذلك أنا أدعو الله أن يوفقني ويرزقني الوظيفة وإن شاء الله سأبقى هنا مع أهلي و في وطني.
والآن وقد أعتقدني شرحت الأمر بأكمله تقريباً، أرجـو منك يا حضرة الدكتور بأن تنصحني نصيحة أبوية أرجو منك أيضا أن تـأخذ برسالتي هذه كاملة وترد علي بالتفصيل لو سمحتم وأنا والله أعلم من الشاكرين والداعين لك بالثواب العظيم من عند الله، وكان الله في عون العبد ما كان العبد في عون اًخيه.
 ومرة ثانية أرجو منك كل الرجاء أن تسألني عن أي تفاصيل إضافية قد تساعدك في إيضاح الصورة بشكل أفضل عندك إن شاء الله تعالى.
ولكم منا خالص الدعاء, وجازاكم الله عنا كل الخير...
 بالمناسبة حضرة الدكتور لقد رأيتك هناك في استراليا في المسجد الكبير في "لاكمبا" وقد كنت سعيداً جداً برؤيتك عندما ألقيت كلمتك بعد صلاة العيد وقد كنت أنت مفاجأة العيد، و كنت استمع إليك دائما عبر إذاعة القران الكريم في سيدني، فما أجمل من أن يلتقي المغترب بابن بيئته حتى وإن كان لا يعرفه، ولكني والله أحببتك في الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
وجزاكم الله عنا كل خير

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
الأخ الكريم
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
 لا أنصحك بالعودة إلى أوستراليا لأن المشكلة ليست متعلقة فيك وفي زوجتك، لكنها متعلقة بأولادك فالبلد الذي لا تضمن فيه أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً لا ينبغي أن تبقى فيه على نية الإقامة الدائمة، عملاً بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " والزوجة ملزمة أن تتابع زوجها، وانتظر حتى تأتي زوجتك وحاول أن تهيئ لها ما يسرها في بلدك والله الموفق
الدكتور محمد راتب النابلسي

 

تحميل النص

إخفاء الصور