وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0875 - الحرب العدوانية على العراق 1 - خلاص المسلمين بالصبر والتقوى .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغـاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسـلم رسول اللـه، سـيد الخلق والبشر، مـا اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كيفية التوفيق بين وعود الله و واقع المسلمين اليوم :

 أيها الأخوة الكرام، ماذا نقول؟ وكان الله في عون الذين يعتلون منابر رسول الله، نقرأ القرآن الكريم:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة الروم: 47]

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[سورة غافر: 51 ]

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[سورة النور: 55 ]

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[سورة النساء: 141]

 نقرأ القرآن الكريم نجد فيه وعوداً من الله عز وجل لا تعد ولا تحصى.

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أين الاستخلاف أيها الأخوة؟ هل نحن مستخلفون في الأرض؟

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هل ديننا الإسلامي ممكن في الأرض أم أنه محارب في كل قارات الأرض؟

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أين التطمين ؟ فلا استخلاف، ولا تمكين، ولا تطمين! كيف نوفق بين وعود الله في القرآن الكريم وما أكثرها وبين واقع المسلمين وما أمرّه؟ فيما نرى لم يمر على المسلمين حين من الدهر كان في أصعب ما يكون كما في هذه الأيام، كيف نوفق بين وعود الله عز وجل في القرآن الكريم، وهذا القرآن كلام الله، وهو حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟ وكيف نفسر واقعنا الذي لا يسر عدواً ؟ كيف نوفق بين هذا وذاك ؟
 أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، كيف نفسر هذه المفارقة الحادة والتناقض الكبير بين وعود الله للمؤمنين وبين واقع المسلمين؟
 أيها الأخوة الكرام، ما لنا إلا القرآن الكريم ففيه الجواب، حينما قال الله عز وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أي وعد الله بتمكين دينِه الذي يرتضيه، فأول استنباط دقيق أنه إن لم نمكن في الأرض، فهذا الدين الذي نحن عليه بفهمنا السقيم له، أو باختلاطه مع الشرك، أو ببعدنا عن منهج الله القويم، فهمنا الدين كشعائر لا تقدم ولا تؤخر، ونسينا أن الدين كمجموعة قيم، ومجموعة مبادئ، نسينا أن الدين التزام، وأن الدين عمل بالقرآن، وأن الدين اتباع لسيرة سيد الأنام.

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 إنّ الله وعد بتمكين الدين الذي يرتضيه، ولم يعد بتمكين دين لا يرتضيه، ليس بين المسلمين حب، وليس بين المؤمنين مودة، بينهم مشاحنات، وخصومات، ومصالح، ورغبات.

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإن لم يمكن لهم، فالاستنباط القطعي أن الدين الذي هم عليه، وفهمهم له، وعلاقتهم بتطبيق تعاليم الدين لم يرتضها الله لهم.

 

الاستخلاف لا يكون إلا بمراجعة دقيقة لمعتقداتنا وسلوكنا :

 ما الحل؟ مِن السهل جداً أن نصف الداء، ومعظم الدعاة إلى الله ماهرون بوصف الداء، ولكن أين الدواء؟ الدواء من هذه الآية ينبغي أن نبحث عن الدين الذي يرتضيه الله لنا، ونبحث عن الدين بعقيدته السليمة، وبُعده عن الشرك.

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 106]

 بالبعد عن الشرك، وبالبعد عن الالتزام بمنهج الله عز وجل.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 ينبغي أن يكون فهمُنا وتطبيقنا للدين يرتضيه الله لنا، حتى نستحق هذه الوعود الرائعة التي نذل بها أعداءَنا، لا أن يذلونا بتقصيرنا.
 أيها الأخوة الكرام، من أدق ما في هذه الآية الكريمة:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

[ سورة الممتحنة: 5 ]

 حينما نقصر في طاعتك يا رب، حينما لا نطيعك في دقائق حياتنا، حينما نفهم الدين شعائر، ولا نفهمه طاعات، ومعاملات، وصدقاً، وأمانة، ووفاء بالعهد، وإنجازاً للوعد، حينما لا نفهمه تراحماً بيننا، حينما يظلم بعضنا بعضاً، وحينما نحكم منهجاً غير منهج الله، عندئذ لا يرتضي ربنا لنا هذا الدين، وعندئذ لا نستحق الوعود التي وعدنا بها.
 أيها الأخوة الكرام، يجب أن نجري مسحاً دقيقاً لتصوراتنا لعل في بعضها خطأ كبيراً، أن نجري مسحاً دقيقاً لمعتقداتنا التفصيلية لعل فيها انحرافاً خطيراً، أن نجري فحصاً دقيقاً لسلوكنا لعل فيه انحرافاً خطيراً عن منهج الله عز وجل، فلابد من أن نبحث عن الدين الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه الكرام، ينبغي أن نبحث عن الدين الذي طبقه الأصحاب الكرام والتابعون وتابعو التابعين، ينبغي أن نبحث عن الدين، وعن فهم القرون الثلاثة الأولى التي شهد النبي لها بالخيرية، ينبغي أن نبحث عن فهمهم، وتوحيدهم، واستقامتهم، وورعهم، هذا هو البند الأول: عملية مراجعة دقيقة لمعتقداتنا وسلوكنا.

إضاعة الصلاة لا يعني تركها ولكن تفريغها من مضمونها :

 شيء آخر: يقول الله عز وجل إجابة عن هذا التناقض المريع، وعن تلك المفارقة الحادة:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[سورة مريم: 59]

 وهذا الغي نلقاه تحت سمعنا وبصرنا، نقهر، وتحتل أرضنا، وتنهب ثرواتنا، ويذل رجالنا، ويمتهن ديننا.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[سورة مريم: 59]

 وقد أجمع المسلمون على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها، بل تفريغها من مضمونها. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

[ابن ماجة عَنْ ثَوْبَانَ]

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))

[ أحمد وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾

[سورة مريم: 59]

 إنّ إضاعة الصلاة لا يعني تركها، ولكن يعني تفريغها من مضمونها، وحينما لا نقيم منهج الله في حياتنا التفصيلية حجبنا عن الله، أي فرغت صلاتنا من مضمونها، وأصبحت حركات وسكنات تبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسليم، ولا معنى لها .

التعريف بالقلب السليم :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾

[سورة مريم: 59]

 من أدق ما قاله المفسرون في قوله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم هو القلب الذي سلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وهو الذي سلم من تحكيم غير شرع الله، وهو الذي سلم من عبادة غير الله، فإذا رأيت المسلمين يعبدون غير الله، يعبدون الله بالظاهر، ولكنهم يعبدون الأقوياء، ويخافونهم كما يخافون الله، ويخضعون لهم كما يخضعون لله، ويستخذون، ويتضعضعون أمامهم، فإذا عبد المسلمون غير الله، وإذا والوا غير الله، وإذا والوا أهل الكفر وصدقوا كل شيء يأتيهم عن الغرب، ولو تناقض مع منهج الله فقلبهم ليس سليماً.
 قرأت هذا في مجلة مترجمة صدرت في بلاد الغرب، وكأنها قرآن لا يناقش، إذا صدقوا خبراً يتناقض مع وحي الله، وإذا فعلوا شهوات تتناقض مع منهج الله، وإذا حكّموا في حياتهم، واقتصادهم، وبيعهم، وشرائهم، وكسب أموالهم منهجاً غير منهج الله، حكّموا منهجاً غربياً، وإذا احتكموا لغير شرع الله، هذا الذي يوجب أن يتخلى الله عنا !
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة إبراهيم: 46]

 هل يستطيع أهل الأرض قاطبة أن ينقلوا جبلاً صغيراً كجبل قاسيون من جانب دمشق للجنوب؟ يقول الله عن مكرهم:

﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة إبراهيم: 46]

 أيها الأخوة الكرام :

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة إبراهيم: 46]

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

[سورة إبراهيم: 47D
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، البطولة أن نكون مؤمنين، ونستحق نصر الله المبين، وأن نكون عند حسن ظن رب العالمين.

خلاص المؤمنين في الصبر و التقوى :

 أيها الأخوة، هل تصدقون أن خلاص المؤمنين في كلمتين فقط في كتاب الله ؟ ! خلاص المسلمين هذا قرآن! وكلام خالق الأكوان، هل تصدقون أن خلاص المسلمين في كلمتين فقط؟ دققوا:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران: 120 ٍ]

 هذا الكيد الذي تزول منه الجبال، الكيد المخيف اللئيم، الطغيان والكبر والغطرسة:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 120 ٍ]

 محيط بهم.

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾

[سورة إبراهيم:169]

 أيها الأخوة الكرام، مع الفارق الكبير الكبيرِ الكبير إلى ما لا نهاية، النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف إن كان لدعوته خط بياني فقد وصل خطه البياني في الطائف إلى الحضيض، إلى الأسفل، فبالغوا في إيذائه بقولهم، وفعلهم، وسخريتهم، وتكذيبهم فقال عليه الصلاة والسلام:

((اللهم إني أشكو إليك ضعفي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس))

[ورد في الأثر]

 ألا ينطبق هذا الحال علينا ؟

((إني أشكو إليك ضعفي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي))

[ورد في الأثر]

 أيها الأخوة، هذا دعاء دعاه النبي في أشد ساعات حياته ضيقاً، وتكذيباً، واستهزاءً، وسخرية، ونيلاً منه.
 أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾

[سورة الفرقان: 77]

 ما معنى أن تدعو الله؟ معنى هذا أنك مؤمن بوجوده، وبأنه يسمعك، وبأنه قادر على أن ينجيك، ويحبك، ويحب أن يرحمك، إذا توافرت هذه الصفات في الإنسان عبأ الله به لأنه يدعوه.

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾

[سورة الفرقان: 77]

الدعاء مخ العبادة :

 أيها الأخوة الكرام، لم يبق بأيدينا شيء، هذه حقيقة قيلت في أعلى مستوى، ولم يبق لنا إلا الدعاء، لعل الله سبحانه وتعالى حينما يبلغ الطغيان حده الأعلى تأتي هذه الآية لتوضح الحقيقة، ليس لها من دون الله كاشفة، ما نحن فيه ليس له حل أرضي !

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

[ سورة الطلاق: 2 ]

 الإنسان أيها الأخوة متى يبحث عن المخرج؟ حينما يرى أن كل الأبواب مغلقة، يقول: أين المخرج؟
 أيها الأخوة الكرام، كلمتان خفيفتان باللسان، سهلتان بالتطبيق، توبة نصوح، ودعاء إلى الله، ولا نملك غيرهما: اللهم إننا ندعوك فاستجب لنا.
 أيها الأخوة الكرام، الدعاء مخ العبادة، وأن تدعوه متذللاً، وراجياً، وتثني عليه، وتفتقر إليه.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دعاء لنصر المسلمين :

 لك الحمد يا ربنا ملء السموات والأرض أبد الآبدين ودهر الداهرين، اللهم إنا عبيدك، بسطنا إليك أكف الضراعة، لا نملك أكثر من ذلّ عبوديتنا لك، جئناك نستجدي كرمك يا رب، جئناك نستمطر فضلك، ونطرق باب رحمتك وجودك، لا ترد أكفنا خائبة يا الله، يا مولانا الذي لا مولى لنا سواه، نسألك بإيماننا بك وبتوحيدنا لك، نسألك بثقتنا برحمتك يا رب العالمين، اللهم إنك تعلم أن عاداً طغت فأهلكتها بريح صرصر عاتية، سخرتها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، اللهم إنك تعلم أن ثمودَ طغت فأهلكتها بالصيحة، اللهم إنك تعلم أن قوم لوط طغوا فجعلت عاليها سافلها، وأمطرت عليهم حجارة، اللهم إنك تعلم أن فرعون طغى وبغى فأخذته أخذ عزيز مقتدر، يا ربنا هؤلاء كلهم طغوا بين أقوامهم، وفي حدود بلدانهم، ولكنك ترى يا مولانا أن الطغمة من أعدائنا طغوا ونشروا طغيانهم في أرضك الواسعة إنهم اليوم يتهددون الإسلام في كل بقاعه، ويتهددون دينك في كل أصقاعه، يا ذا الجلال والإكرام، إنك لترى طغيانهم ليس محصوراً في بلادهم، وإنما يتهددون شرق العالم وغربه حيث وجد الإسلام، فيا أحكم الحاكمين لقد أريتنا حكمة الإمهال فأرنا اليوم سطوة الانتقام، اللهم أرسل على هذه الطغمة الطاغية الباغية جنداً من جنودك، أرسل عليهم شهباً ثاقبة، اللهم إنك تستطيع أن تهلكهم بجرذان الأرض، وبطيور السماء، وبجراثيم الفضاء، ولا يعلم جنودك إلا أنت، يا رب العالمين، اللهم كما جعلت كيد أبرهة وقومه في تضليل، وكما أرسلت عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فاجعل كيد هؤلاء في تضليل، يا الله نسألك بدعاء الحجاج الذين تضرعوا بالأمس أمام بيتك الحرام، وعلى أرض عرفة، نسألك بالدموع التي انهمرت من عيونهم، وبالأكف التي ارتفعت إلى سماء رحمتك، نسألك بالحناجر التي خاطبتك وناجتك تستمطر نصرك، وتأييدك، يا الله، يا غوثاه، بعبادك الشعث الغبر الذين لو أقسم عليك أحده منهم لأبررت قسمه، نسألك بالبقية الباقية من عبادك الذين لا يزالون على العهد، ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، اللهم بهؤلاء، وبدموع المتضرعين على بابك، المتذللين على أعتابك، نسألك أن تستجيب الساعة يا رب العالمين، لا تخيب رجاءنا، وترينا انتقامك من أعدائنا وأعداء دينك.
 أيها الأخوة الكرام، ورد في الأثر أن أحد القادة المسلمين اسمه نور الدين سجد وهو يواجه التتار فقال: يا رب من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك وإسلامك، يا رب بلاد المسلمين اجعلها في حماك، وفي حرزك، وفي كنفك، ردّ عنها كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، اللهم إن هذه الطغمة تستكبر بالقوة التي متعتها بها، حطم اللهم هذه القوة التي متعتهم بها، اجعلها لهيباً تشتعل بهم، أنزل عليهم من سياط عذابك ومن شهبك الثاقبة ما يجعلهم رماداً، ويحيلهم أثراً بعد عين، اللهم إنا نعلم ونتيقن أن القوة قوتك، والسلطان سلطانك، والقهر قهرك، وأن الناس كلهم عبادك، يا ذا القهر، يا الله، يا ذا السلطان الذي لا يحارب، يا ذا الجبروت، أرنا اليوم يا ذا الجلال والإكرام ما تشفي به صدور عبادك المؤمنين، يا رب العالمين، يا رب أرض العراق معجونة بدماء عبادك الصالحين، تحتضن رفاة أوليائك المحسنين، ورفاة أصحاب رسولك الأمين، هذه الطغمة من أعدائك تدنس هذه الأرض، نسألك بجبروتك وبقدسية كلامك وبوعدك، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين نسألك أن تحفظ ذكر الله في هذه البلاد، وفي غيرها، وفي كل أرض تشرفت بذكرك، يا رب العالمين أرنا اليوم ما تشفي به صدور عبادك المؤمنين، عبادك قصروا في جنابك، لم يسيروا على منهجك أصلح حالهم يا رب، ووجه قلوبهم لما يرضيك، اهدهم إلى سواء الصراط المستقيم، أدخل في روعهم أن القوة قوتك، وأن السلطان سلطانك، وأن الناس كلهم عبيدك يا الله يا رب، إن أعداءَنا وأعداءَك يقولون كما قالت عاد من قبل: من أشد منا قوة؟ يا رب لقد غاب عنهم بغرورهم أنك أشد منهم قوة، صب عليهم من عندك سوط عذاب، إنك لهم بالمرصاد، اللهم إنا نسألك بدموع الأطفال وبكائهم، وبخشوع الشباب وتضحياتهم، وببطولة الشابات واستشهادهن، وبصلاح الأمهات ووعيهن، وبركوع الشيوخ ودعائهم، اللهم إنا نسألك باستغاثة المستغيثين، واستجارة المستجيرين، والتجاء الملتجئين، وتسبيح المسبحين، وحمد الحامدين، وتهليل المهللين، وتكبير المكبرين، ورجاء الراجين ألا تتخلى عنا، ومنا من يفعل ما تتخلى به عنا يا رب العالمين، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا يا كريم، اللهم إنك أنت القائل: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين، ونحن مؤمنون بك ومقصرون في عبادتك، فإن كنا لا نستحق أن تنصرنا بعدلك فانصرنا برحمتك، وإن كنا لا نستحق أن تنصرنا استحقاقاً فانصرنا تفضلاً، ونسألك اللهم بوعدك الذي قطعته على ذاتك العلية، وبإيماننا بك أن تنصرنا، وتنصر إخوتنا في العراق وفلسطين، وترد عنهم كيد الكائدين عاجلاً غير آجل بما شئت، وكيف شئت يا رب العالمين، اللهم إنك أنت القائل: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم، وها نحن نستغيث بك فنسألك أن تغيثنا، اللهم إنا نستغيث بك كما استغاث بك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما استغاث بك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما استغاث بك السلف الصالح، نسألك اللهم بصدق إيماننا بك، وخالص عبوديتنا لك، وبذل افتقارنا إليك أن تستجيب دعاءَنا آجلاً غير آجل، يا رب العالمين، اللهم إنك أنت القائل: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، أرنا إهلاكك لهم، اللهم أرنا قدرتك في تدميرهم، يا رب العالمين، اللهم إنك أنت القائل: حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا، اللهم إنا لا نريد أن نصل لنقطة اليأس، نحن لا نيئس، ولا نظن بك إلا النصر والتأييد نسألك بحسن ظننا بك أن تنصرنا على أعدائنا يا كريم، نسألك اللهم أن تكف عنا بأس الذين كفروا بأنك أشد بأساً، وأشد تنكيلاً، اللهم إن أعداءَك يعتمدون على قوتهم، وأن عبادك المؤمنين يقولون إنهم يعتمدون عليك، ويلتجئون إليك، وليس لهم غيرك، وقد تخلى عنهم أهل الأرض إلا من كلمات تردد لا تقدم ولا تؤخر.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما نحب، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم شتت شملهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور