وضع داكن
20-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 052 - حديث شريف - ارحموا من الناس ثلاثة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين.

ماذا رأى عدي بن حاتم في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ :

 أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

((ارحموا من الناس ثلاثة: عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالماً ضاع بين الجهال))

 الإسلام رحيم، سيدنا –نقول: سيدنا لأنه أسلم- عدي بن حاتم، كان ابن ملك الغساسنة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام؛ رحب به ترحيباً خاصاً، ودعاه إلى بيته -عدي بن حاتم، كان يظن أنه سيلقى ملكاً-, فلما كان في الطريق معه, استوقفته امرأة مسنة، تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها، فقال في نفسه: والله ما هذا بأمر ملك -هذا ليس ملكاً-, فلما دخل بيته, يقول عدي بن حاتم:

((ألقى إلي وسادة من أدم محشوة ليفاً, فقال: اجلس عليها، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، فجلست عليها, وجلس رسول الله على الأرض.
-ليس في بيته إلا وسادة واحدة.

هذه هي النبوة :

 قال:

((دخل عليه عمر بن الخطاب، رآه قد توسد حصيراً، فأثرت في خده الشريف, فبكى، قال: يا عمر ما يبكيك؟ قال: رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير!؟ قال: يا عمر، إنما هي نبوة وليست ملكاً))

 أنا لست ملكاً، هذه نبوة؛ ما النبوة؟ النبي يملك القلوب، بينما الملك يملك الرقاب، وفرق كبير بين القلوب والرقاب, الأقوياء يملكون الرقاب, يعطون أمراً لا بد من أن ينفذ، ينفذه مئات الملايين، ولكن الأنبياء ملكوا القلوب, اذهب إلى مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- وقف وراقب؛ ترى مئات الألوف من كل حدب وصوب, إذا وصلوا إلى مقامه الشريف, يقفون بأعلى درجة من الأدب ويبكون, يعني ماذا فعل معهم؟ هل أعطاهم مالاً؟ لا، ما رأوا منه شيئاً، الأنبياء ملكوا القلوب في حياتهم وبعد مماتهم إلى ما شاء الله.

 

زائر من الصين إلى دمشق :

 زارنا ضيف من الصين، أحد أخواننا الكرام كان مرافقاً له، ويبدو أنه كانت الزيارة في عيد المولد، فوجد الوضع غير طبيعي؛ في محلات مغلقة، لا يوجد دوام في الدوائر، لماذا عندكم عطلة؟ قال له: نحن نحتفل بعيد نبي كريم, قال له: من كم سنة هو متوفى؟ -ظن أنه منذ سنتين, ثلاثة-, قال له: منذ ألف وخمسمئة عام, صعق هذا الضيف, من ألف وخمسمئة عام، وتحتفلون بيوم مولده؟!.

استطلاع رأي :

 أحدهم ألف كتاباً سماه المئة الأوائل، قرأ تاريخ البشرية كله -إذا قلنا كله فتعود على التاريخ، وإذا قلنا قرأ تاريخ البشرية كلها فتعود على البشرية- استخلص من عظماء العالم عبر العصور، والقرون، و الحقب، والأصقاع، والأمصار، والأقاليم، والقارات، وما قبل التاريخ، وما بعد التاريخ؛ استنبط مئة إنسان عظيم، سماهم المئة الأوائل، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأس هذه المئة, -وهو ليس مسلماً, بشكل موضوعي- في المقدمة كتب: لماذا اخترت محمداً بن عبد الله على رأس المئة الأوائل؟ قال: لأنه ما من زعيم في العالم كان أكثر تأثيراً من رسول الله، وما من زعيم في العالم كان تأثيره في أوسع رقعة من رسول الله، وما من زعيم في العالم كان تأثيره في أطول مدى من رسول الله، يعني أعمق تأثيراً, وأوسع تأثيراً, وأطول تأثيراً, -هو قرر أن هذا الإنسان ترك أعمق تأثيراً, وأطول تأثيراً, وأوسع تأثيراً-, ولكن جعل من بين هذه المئة مثلاً: هتلر؛ هتلر ترك خمسين مليون قتيلاً في الإنسانية, فكنت أتمنى على هذا المؤلف: أن يضيف عنصراً رابعاً في التقويم؛ نوع التأثير: تأثير إيجابي أم سلبي؟ الطغاة في العالم تركوا ملايين القتلى، منهم نابليون، منهم هتلر, ثلاثة وخمسون مليون قتيل، غير المصاب والمعتوه وال .... ثلاثة وخمسون مليون قتيل, محصلة الحرب العالمية الثانية, فجعل هتلراً مع هؤلاء المئة، أصحاب التأثير لكن تأثير سلبي، تأثير جريمة, فلذلك قال: يا عمر، إنما هي نبوة وليست ملكاً.
 وفي رواية:

((أفي شك أنت يا عمر؟ أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا؟))

 أيها الأخوة، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، وأنت تأثيرك في الناس بحسب قوتك أم بحسب كمالك؟ القوة تملك بها، والكمال تملك به، بالقوة تملك الرقاب وبالكمال تملك القلوب.

 

حوار لطيف جرى بين رسول الله وبين عدي بن حاتم :

 فهذا هو ابن ملك, النبي استقدمه، ودعاه إلى بيته، ورحب به-: أعطاه وسادة من أدم محشوة ليفاً، قال: اجلس عليها، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، فجلست عليها, وجلس رسول الله على الأرض.
 قال: إيه يا عدي بن حاتم, لعله إنما يمنعك في دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم -أصحابي فقراء- وايم الله! ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه -وهذا قد حدث- لعله يا عدي إنما يمنعك من دخول الدين ما ترى من كثرة عدوهم -كما هي الحال الآن-))

إشارة استفهام ......؟؟؟؟:

 أنا عجبت أشد العجب! لي يومان أو ثلاثة, لا أفهم ماذا يجري في العالم؟ يعني امرأة ساقطة، تعقد مؤتمراً صحفياً، يبث على عشر محطات فضائية، يستمع إلى هذه المحطات سبعمئة مليون إنسان، وتقول: أنا في اليوم الفلاني زنيت مع فلان في الإسطبل، في اليوم الفلاني زنيت مع فلان، عددت سبع حالات خيانة لزوجها؛ زنا، والعالم كله اليوم يقدسها! ما هذا؟! في أي وضع نحن؟! امرأة زانية ساقطة، والعالم كله يبكي لموتها، أما حينما اغتصبت خمسة وثلاثون ألف امرأة في البوسنة؛ ما بكى أحد، وحينما اكتشفت عشرات المقابر الجماعية؛ ما بكى أحد، وحينما جاعت الشعوب بالحصار الاقتصادي؛ ما بكى أحد، خمسمئة ألف طفل ماتوا جوعاً في العراق من الحصار؛ ما بكى أحد، ما هؤلاء؟! هؤلاء وحوش.

((من هوي الكفرة حشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً))

هذه هي رحمة الإسلام :

 النبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا أن نكرم عزيز قوم ذل, قال عليه الصلاة والسلام:

((أَنزِلوا الناسَ منازلهم))

[أَخرجه أبو داود في سننه]

 أنا أسألكم سؤالاً: هل هناك حالة، يجوز أن تعطي فيها الزكاة لإنسان قوي قادر على العمل؟ أجيبوني .... الزكاة التي هي للفقراء.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((لا تجوز الزكاة أو الصدقة لغني، ولا لذي مرة قوي))

 ممنوع أن تعطي الزكاة لإنسانين؛ إنسان قوي قادر على أن يكسب رزقه، وإنسان غني. هل هناك حالة يجوز أن نعطي الزكاة لإنسان قوي قادر على الكسب؟ ما هي؟ عزيز قوم ذل, معقول أن أقول لواحد كان عنده شركة ضخمة: أخي اعمل عتالاً, لا، الإسلام كريم، بل نعطيه من زكاة المال، نحفظ له ماء وجهه، نحفظ له مكانته، هو قوي, عمره اثنان وأربعون سنة، قوي البنية، لكنه كان يدير أضخم شركة، والشركة فلست، نقول له: اجلس في بيتك، وكل واشرب من بيت مال المسلمين، ونحن لا نضعك في الوحل، ولا نحرجك أمام الناس أبداً.

 

سؤال ورد :

 البارحة جاءني سؤال: أن إنساناً يدير شركة وخرج عشرات -أصحاب الأعمال- والآن فلس, فأهله ومن حوله, يدعونه إلى العمل, عند هؤلاء الذين خرجهم, ليشتغل عندهم صانعاً، هو يأبى، أقرباؤه الموسرون يأبون أن يعطوه شيئاً وهم خاطئون، يجب أن يعطوه ولو من مال الزكاة ما يحفظ له ماء وجهه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((أكرموا عزيز قوم ذل.

 -أنت، لما يكون هناك إنسان له مكانة وتحترمه, يعني أقول لكم هذه الكلمة: إنسان قد يكون بمنصب معين، ثم نحي عن هذا المنصب، يكون بحساسية بالغة جداً، فإن أردت الكمال, عامله بعد أن أزيح عن منصبه, كما لو كان في منصبه، هذا كمال بالإنسان.
 إنسان كان له منصب، كان له شأن, أزيح, أنت عامله بمكانته السابقة، تستهوي قلبه، تملك فؤاده, هكذا قال عليه الصلاة والسلام-:
أكرموا عزيز قوم ذل..

 

قصة من التاريخ :

 -يقولون: أن أحد أكبر ملوك ﺇسبانيا –الأندلس- اسمه ابن عباد, يعني ملك متألق، وقصور، وخدم، وحشم، وعز، وسلطان, كان يتمشى في حديقة قصره, فرأى بركة ماء، وقد هب عليها النسيم، فرسم عليها زرداً كالسلسلة أو كالدرع، وكان شاعراً وقال:
 نسج الريح على الماء زرد ....
 أراد أن يتمم فما تمكن, فإذا فتاة خلفه تقول:
 يا له درعاً حصيناً لو جمد
 فالتفت فإذا هي جارية من أجمل الجواري فتزوجها، وصارت زوجة له، بعد أن تمكنت وصارت السيدة الأولى, حنت إلى حياة الفقر، حياة الطين، حياة التعب، طلبت منه أن تدوس في الطين، فجاء بالكافور وماء الورد ومزجهما، وقال: هذا هو الطين, ثم جاء ابن تاشفين من شمالي أفريقيا، وقضى على ملوك الطوائف، ووضعه في السجن، وهذه الزوجة استاءت, وأصبحت زوجة فقيرة, أولادها جياع، فنظم قصيدة.
 الحقيقة: إذا الإنسان قرأها فلا يملك إلا أن يبكي, كيف كانت بناته منعمات في القصر, يرتدين أجمل الثياب، ثم كيف صرن جائعات عاريات، ثم أن هذه الزوجة كأنها لم تطأ مسكاً أو كافوراً؟ لذلك في أثناء المشاحنات, الزوجة غير الوفية, ما دام زوجها غنياً تحبه كثيراً، فإذا افتقر فجأة تعرض عنه، وقد تقول له ما رأيت منك خيراً قط؛ لذلك النبي الكريم قال عن النساء اللواتي لم يعرفن الله:

((يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم, ومالك في الموطأ]

 فهذه زوجة ابن عباد، قالت له: ما رأيت منك خيراً قط، قال: ولا يوم الطين, يوم مزجت لك المسك والكافور، وخضي فيه, فاستحيا, فالله عز وجل إذا أعطى أدهش، وإذا سلب أدهش, من ملك يرفل بأثواب العز، إلى إنسان سجين, وزوجته, وبناته جائعات عاريات-:
 ارحموا عزيز قوم ذل.

الله إذا أعطى أدهش وإذا سلب أدهش :

 -رأيت إنسان في عليه مبلغ من المال، ذهبت إلى دكانه في أطراف المدينة، رأيته ينام على طاولة التفصيل, ويأكل علبة السردين بلا صحن، من العلبة مباشرة، حدثني عن بيته السابق؛ بيت ألف متر، وعن الموظفين في البيت, موظف حدائق، طباخ، عن سيارته، عن دخله، عن مكانته, قصة طويلة جداً، الله عز وجل سلب منه كل شيء، وجعله ينقب في القمامة، يذهب إلى سوق الهال -في القمامة- مكبوب سبانخ، سلق، يأخذها إلى البيت ليطبخها ويأكلها، لذلك: أنا من الأدعية التي أرددها كثيراً:

((اللهم إنا نعوذ من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء, ومن السلب بعد العطاء))

شخص أدبه الله :

 مرة زرت إنساناً في عين الفيجة؛ غرفة قميئة على النهر، في أيام الشتاء القارص، لا يوجد عنده مدفأة، كدنا نموت من البرد، خلال ربع ساعة، قلت له: أليس عندك تدفئة؟ قال: والله لا أملك ثمن الوقود, ماذا كنت تعمل؟ قال لي: عندي كان معمل، حوالي ثمانين عاملة، معمل تريكو، لي بيت كان بالقصور، سيارة، أعجبته إحدى العاملات، وتزوجها -غير مسلمة- أسلمت من أجله, فلما شبع منها طلقها، تزوج ثانية، ثالثة، ثم جاء التأديب الإلهي, تقول له: أنا أسلمت من أجلك: لمَ تطلقني؟ أنا خسرت أهلي كلهم من أجلك: طلقها، ولم يعبأ بها:

((الظلم ظُلمات يوم القيامة))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

 لذلك-: أكرموا عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالماً ضاع بين الجهال))

قصة مؤثرة :

 زارني على جامع الطاووسية إنسان، كدت أبكي من أجله, قال لي: أنا عندي أربعمئة دونم حول القنيطرة، كان مختار القرية، قال لي: كل يوم ذبيحة، عنده مضافة, أي إنسان دخل بيته, يأكل من هذا الطعام الطيب، مكانة وعزة، لماذا جاءني؟ يبحث عن عمل؛ ناطور بناية، أربعمئة دونم ذهبت منه، وافتقر، وعمره خمس وسبعون سنة، يبحث عن ثلاث آلاف ليرة بالشهر, أنا سعيت له, وحصل له ما أراد؛ لكن ناطور بناية، ثلاث آلاف ليرة بالشهر! أربعمئة دونم عنده، حول القنيطرة، كان مختار لقرية، فدائماً كن أديباً مع الله.

((يَا عَائِشَةُ, أَكْرِمِي جوار نعم الله؛ فإن النعمة إذا نَفَرَتْ قلما تعود))

 تأدب.

 

وتلك الأيام نداولها بين الناس :

 اليوم ذكرت بالطاووسية, أن إنساناً يجلس مع زوجته, طرق الباب, قامت الزوجة لتفتح الباب, تأكل مع زوجها دجاجاً, همت أن تعطيه قطعة دجاج ليأكلها هذا الفقير, فنهرها زوجها، وقال: اطرديه, فطردته, مضت الأيام والسنون، وساءت العلاقة بينها وبين زوجها، حتى انتهى الزواج إلى الطلاق، ثم جاءها من يخطبها ويكرمها، وبينما هي مع زوجها الثاني, تأكل دجاجاً, طرق الباب, فإذا هي مضطربة، قال: من الطارق؟ قالت: سائل, قال: لماذا اضطربت؟ قالت: لا شيء, قال: قولي, قالت: أتدري من هو السائل؟ إنه زوجي الأول, قال: أتدرين من أنا؟ أنا السائل الأول.
 الله يعطي ويمنع، كن أديباً.

هذا الذي حصل في الخليج :

 حدثني اليوم إنسان، كان بالخليج, عزم علية القوم، أقسم لي بالله: حوالي اثنا عشر رجلاً من الأشداء الأقوياء, يحملون طبق الطعام، طبق كبير جداً، فيه قطع من الجمل، وخروف بالقمة، المدعوون عشرة أشخاص، هذا الطبق يطعم ألف إنسان، أقسم لي بالله: رائحة السمن لخمسين متر فائحة, سمن بلدي، رز، وجمل، وخروف، اثنا عشر شخصاً شديدون يحملونه، المدعوون عشر أشخاص, بعد أن انتهى الطعام, رجل شاهد بعينه كان مدعواً, جاء الخادم ليغسل أيدي الضيوف، بدأ بالأمير الضيف, فغسل يديه فوق الطعام، وقذف من فمه ومن أنفه -هذا الضيف من دمشق، كاد يخرج من جلده-, قال له: يا سيدي, أليس عندكم من يأكل هذا الطعام؟! قال: لا يجوز أن يأكل أحد بعدي -هذا تقليد عندهم، لعنة الله على هذا التقليد- فغسل يديه، واستنثر، وبصق على هذا الطعام, الذي يشبع ألف إنسان جائع.

((يَا عَائِشَةُ, أَكْرِمِي جوار نعم الله؛ فإن النعمة إذا نَفَرَتْ قلما تعود))

 لذلك: سلط الله عليهم من يأخذ ما في أيديهم؛ هذا الذي حصل.

((أكرموا عزيز قوم ذل، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين الجهال))

أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك :

 أيها الأخوة, الإنسان أحياناً يحترم عالماً, لا لأنه فلان, لأنه يرتدي زي العلم، أنت توقر العلم، توقر الدين.
 أنا عملت بالتدريس سنوات طويلة، التقيت بمدرس تربية إسلامية، فن ثانوية مجاورة لثانويتي, يرتدي الجبة والعمة, كنت أركبه السيارة, وأوصله إلى باب الثانوية كل يوم إكراماً له، أنا حينما أحترم زياً إسلامياً, أنا أحترم الدين.
 أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين، فلا يؤتين من قبلك.
 كل مسلم سفير المسلمين، يجب أن تظهر بمظهر جيد، يجب أن تكون يدك هي العليا، يجب أن تكون في موضع احترام للناس, وإلا هناك من يستصغر الدين, حينما تهون عليك نفسك.
 راح المشايخ على المساوية, ضيفوهم موز، واحد أكل موزة, وبقي الثاني وضعها بجانبه، وانتهت المساوية وقرؤوا القرآن، وختموا وأنشدوا, لقد نسينا الموزة, رجع بعد ساعة, دق الباب: بالله أعطونا الموزة, قال له: يا هذا, لقد ضاع من نفسك أكثر مما ضاع منك.

لا تضع نفسك في مكان لا يليق بك يا حامل القرآن :

 في إنسان نفسه عزيزة، في إنسان -مرة لا أنسى هذا المنظر بحياتي- توفى لنا صديق, وذهبنا لتسيير المعاملة، وصلنا إلى مكان, لحقوا بنا إلى السيارة حوالي خمسين قارئ: أنا أستاذ، أنا أستاذ، أنا أقرأ جيداً, أنت حامل قرآن كريم، أنت يجب أن تصون نفسك, الله هو الرزاق، ما أعجبني أبداً هذا التهافت من القراء على أصحاب هذه المناسبات, حامل القرآن إنسان عظيم عند الله.

((من أوتي القرآن, فظن أن أحداً أوتي خيراً منه, فقد حقر ما عظمه الله عز وجل))

دعوة استجاب الله لها :

 فيا أيها الأخوة؛ أن تعزوا عزيز قوم ذل، وغنياً قوم افتقر، وعالماً ضاع بين الجهال.
 إنسان جاهل أحياناً, يروق له أن يهين امرأة محجبة، أنت لا تبق ساكتاً, دافع عنها, قال لي: دخلت إلى صيدلية, فامرأة محجبة مسنة, جالبة معها وصفة, صيدلانية فاسقة فاجرة, نقص لها ليرتين: اذهبي واجلبيهم, واقف شخص قال لها: خذيهم مني، قالت له: ليس أمرك، قال لها: بل أمري، بعمر والدتك، هذا المبلغ, دعت له هذه المرأة.
 قال: ثاني يوم سافرنا بالبادية بمهمة بالمساحة، قال لي: السيارة فارت وليس معنا ماء، وأيقنا بالهلاك، قال لي: دعوت الله عز وجل إن كنت أكرمت هذه المرأة المحجبة في الصيدلية لوجهك الكريم, فأنقذنا الآن, والله أنقذهم من الموت المحقق.
 فإذا إنسان رأى إنساناً, يرتدي زياً إسلامياً, احترمه, دعه يشعر أنه معزز مكرم, امرأة محجبة, احترمها, إذا إنسان من طلاب العلم لا تهنه، في أشخاص إذا خطأ خطأ طالب علم, يريد أن يمسح به الأرض، لا هذا طالب علم.

((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع))

((مَن سَلَكَ طريقاً يريد به علماً، سهل الله به طريقاً إِلى الجَنَّةِ))

 إذاً: درسنا اليوم ثلاثة أشخاص:

((أكرموا عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالماً ضاع بين الجهال))

 أكرم الذي كان عزيزاً لعله يلتفت على الله، وأكرم الذي كان غنياً لعله يلتفت على الله، وأكرم إنساناً كان طالب علم جالس بين الجهال.

 

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور