- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهمَّ ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخبار النبي تجعل الإسلام منهجاً قابلاً للتطبيق في كل زمانٍ ومكان :
أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا في شهر ربيعٍ الأول - شهر مولد النبي صلى الله عليه وسلَّم - ولازلنا في الحديث عن شمائله الكريمة منطلقين من قوله تعالى :
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
ولهذه الآية مفهومٌ ومنطوق ، مفهومها أوسع من منطقها ، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم على علوُّ قدره ، وعلى رفعة شأنه ، يُثَبَّت قلبه بأخبار الأنبياء السابقين ، فكيف بنا نحن إذا استمعنا إلى أخبار نبيِّنا عليه الصلاة والسلام ؟! إنَّ أخبار النبي عليه الصلاة والسلام حقيقةٌ مع البُرهان عليها ، إنها تجعل المثاليَّة واقعيَّةً ، تقرِّب الواقع من المُثُل ، وتقرِّب المُثُل من الواقع ، وتجعل الإسلام منهجاً قابلاً للتطبيق في كل زمانٍ ومكان .
أيها الأخوة الكرام ؛ كما تناولنا في الأسبوع السابق جانباً واحد من جوانب شخصية النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو الجانب الاجتماعي . نتناول في هذه الخطبة جانباً آخر وهو : جانبه القيادي .
الجانب القيادي في شخصية النبي صلى الله عليه و سلم :
1 ـ النبي الكريم قائد فذّ و زعيم عظيم :
كان عليه الصلاة والسلام قائداً فذَّاً ، وكان زعيماً يرتقي بزعامته إلى قِمَمِ الزعامة، وإليكم أيها الأخوة بعض الشمائل التي جُمِعَت من هذه الزاوية التي نحن بصددها .
عندما وجَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم دُحْيَةَ الكَلْبِيّ إلى هرقل رسولاً معه كتابٌ يدعوه فيه إلى الإسلام ، ماذا فعل هرقل ؟ جمع الناس وفيهم فريقٌ من أهل مكة ، كانوا صدفةً في بلاد قيْصَر ، ودار في مجلس هرقل حوارٌ بينه وبين أبي سفيان ، وهو حوارٌ يدلُّ على عمق فهم هرقل وقدرته على تحليل الأمور ، هذا الحوار جرى على الشكل التالي : توجَّه هرقل بادئ ذي بدء إلى مَنْ حول أبي سفيان ، وقال : أيكم أقرب نسباً من هذا الرجل - والمقصود به النبي عليه الصلاة والسلام - الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقرب الناس إليه . فقال لأصحاب أبي سـفيان : إني سائلٌ هذا الرجل فإن كذبني فكذِّبوه . أي أنه عدَّ سكوتهم على إجابته إقراراً ، أول سؤالٍ طرحه عليه : كيف حَسَبَهُ فيكم ؟ فقال أبو سفيان : هو فينا ذو حَسَب. لأن سيدنا جعفر حينما سأله النجاشيُ عن رسول الله قال : " بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه " فقال هرقل : هل كان من آبائه مَلِك ؟ قال أبو سفيان : لا . قال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ما يقولُ ما قال ؟ قال : لا . قال : أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم . قال : يزيدون أم ينقصون ؟ قال : بل يزيدون .
قال : هل يرتدُّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه ؟ قال : لا . قال : هل قاتلتموه ؟ قال : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إيَّاه ؟ قال أبو سـفيان : الحرب بيننا وبينه سِجال نصيب منه ويصيب منا . قال : هل يغدر ؟ . قال : لا ، ونحن منه في مُدَةٍ ولا ندري ماذا هو صانعٌ فيها. أيْ إلى حين مغادرته مكة لم يغدر - هذا جواب فيه خبث - قال هرقل : هل قال هذا القول أحدٌ قبله ؟ قال : لا . فقال هرقل : سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب ، وكذلك الرُسُلُ تُبْعَثُ في أحساب قومها . وسألتك هل كان في آبائه مَلِك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان في آبائه ملك فإنه رجلٌ يطلب ملك آبائه . وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم شرفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم . وهم أتباع الرسل عادةً . وسألتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله . وسألتك هل يرتدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا . وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب . وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حينما يتم . وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه ، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالاً ينال منكم وتنالون منه ، كذلك الرسل تُبْتَلَى ثم تكون لهم العاقبة . وسألتك هل يغدرُ ؟ فزعمت أنه لا يغدر ، وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك : هل قال هذا القول قبله أحدٌ ؟ فزعمت أن لا . فقلت : لو كان قال هذا القول أحدٌ قبله قلت رجلٌ ائتم بقول من قبله . ثم قال هرقل : بِمَ يأمركم ؟ قال : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصِلَةِ والعَفاف . فقال هرقل : إن يكن ما تقول حقاً فإنه نبيّ ، وقد كنت أعلم أنه خارجٌ ولم أكن أظنه منكم ، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدميه ، وليبلغنَّ ملكه ما تحت قدمي . هذا الذي استنبطه هرقل ، وهو أبعد ما يكون عن هذا الدين .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ هذه النقاط التي استنبطها هرقل ، أن أتباعه يزيدون ولا ينقصون ، وهم من ضعاف الناس ، وأنه لا يغدر ، وأنه لا يكذب ، وأنه ذو حَسَب ، وأنه يأمر بالصلاة والزكاة والعفاف وصلة الرحم ، ولعلَّ في قول سيدنا جعفر حينما سأله النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال :
((كنَّا قوماً أهل جاهلية ؛ نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونقطع الرحم ، ونؤذي الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، ونسفك الدماء حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه ، فدعانا إلى الله كي نعبده ، وكي نوَحِّده ، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، والكف عن المحارم والدماء))
بماذا عرَّف سيدنا جعفر دعوة النبي ؟ أعطاها الطابع الأخلاقي ، ولم يفهم هذا الصحابيُّ الجليل - وهو على علوِّ قدره - أن الدين عباداتٌ جوفاء تُؤدَّى وانتهى الأمر ، بل فهم هذا الدين مجموعةً من القيَم ، فهم هذا الدين صدقاً ، وأمانةً ، وعفافاً ، وإحساناً ، ورحمةً ، وإنصافاً ، وصلةً للرحم ، وحُسناً للجوار .
2 ـ يوضِّح لأتباعه مقاصده العُليا :
أيها الأخوة الكرام ؛ مِن ملامح شخصية النبي القيادية أنه كان يوضِّح لأتباعه مقاصده العُليا ، إذا أردت أن تقود جماعةً فعليك أن تكون واضحاً ، لأن الغموض يجعل الشكَّ يتسرَّب إلى نفوسهم ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( قد تـركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيع عنها بعدي إلا هالك ))
كان عليه الصلاة والسلام يمشي مع زوجته صفيَّة ، رآه صاحبان من أصحابه ، فقال صلى الله عليه وسلَّم :
(( عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، قَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا، أَوْ قَالَ : شَرًّا))
وضوحٌ ما بعده وضوح . .
((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))
فإذا أردت أن تقود جماعةً إلى الحق ، إذا أردت أن تدعو إلى الله عزَّ وجل ، إذا أردت أن تنوب في هذه الدعوة الشريفة عن الذين اصطفاهم الله عزَّ وجل ، فيجب أن تتبع سنة النبي في الوضوح . قال :
((يا قوم ما جئتكم بهذا الأمر أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا المُلك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل إليَّ كتاباً ، وأمرني أن أكون بشيراً ونذيراً ، فبلَّغتكم رسالات ربي ، فإن تقبلوه فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليَّ أصبر على أمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))
مرَّةً ثانية : من خصائص زعامته صلى الله عليه وسلَّم أنه كان واضحاً لا يجعل أصحابه في شك ، ولا في سوء ظن ، ولا في تردُّد ، ولا في حيرة ، ولا في تلكُّؤ ، بل كان واضحاً كالشمس الساطعة في كبد السماء . .
((...يا قوم ما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا المُلك عليكم ))
3 ـ كان يعرف لكل صحابيٍّ قدره :
أيها الأخوة الكرام ؛ وكان عليه الصلاة والسلام من خصائصه القيادية أنه كان يعرف لكل صحابيٍّ قدره ، يعرف إمكاناته ، يعرف خصائصه ، فهذا الصحابي يقول له :
(( خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ ))
وذلك الصحابي يقول له :
(( هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ ))
وذاك الصحابي : " أنت حبر هذه الأمة "
((لو كان نبيٌّ بعدي لكان عمر ))
(( ما طلعت شمسٌ بعد نبيٍّ أفضل من أبي بكر ))
(( إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ ))
أيْ عثمان .
حتى أن أحد الأخوة الكرام قال لي : إنه يجمع في كُتَيِّبٍ أقوال النبي عليه الصلاة والسلام في أصحابه . إذاً من خصائص زعامته مع أنه سيدهم ، ومع أنه في قمة الكمال البشري ما كان يغفل عن خصائص أصحابه ، ولا عما أكرمهم الله به من صفاتٍ قياديةٍ أيضاً .
أيها الإخوة الكرام ؛ كان يدعو ويقول :
(( اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر أو بأبي جهل ))
كان يحب نُخبةً من الناس تؤمن به ، لأن هذه النخبة واحدٌ كألف ، هناك إنسانٌ يحمل الإسلام ، وهناك إنسانٌ يحمِله الإسلام ، هناك إنسانٌ عبءٌ على المسلمين ، وهناك إنسانٌ آخر المسلمون عبءٌ عليه ، فلذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يتمنَّى أن يؤيِّد الله الإسلام بأحب العمرين ؛ عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب .
دخل عليه عمر ذات يومٍ فرأى الحصير قد أثَّرت في خده الشريف فبكى عمر . قال : " يا عمر ما يبكيك أفي شكٍ أنت يا بن الخطاب؟" فقال عمر : " رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفُرس ينام على الحرير !! فيروي كتَّاب السيرة إجابتين للنبي عليه الصلاة والسـلام ؛ الإجابة الأولى : " أن يا عمر أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ؟ " والإجابة الثانية : أن يا عمر إنما هي نبوةٌ وليست ملكاً . أنا لست بملك ، هذه هي النبوة ، النبوة قيَمٌ ، وأخلاقٌ ، وإنكارٌ للذات ، وقدوةٌ ، وأسوةٌ .
إذاً من خصائص النبي في قيادته صلى الله عليه وسلَّم : الوضوح ، ومعرفة أقدار الرجال ، ويتمنَّى للمتفوقين أن يكونوا معه ، لأنهم يقدمون شيئاً نفيساً جداً للإسلام ، فشتَّان بين من يحمل الإسلام وبين من يحمله الإسلام ، بين من يكون عبئاً على المسلمين ، وبين ما يكون المسلمون عبئاً عليه .
4 ـ يثبِّت قلوب أصحابه :
ومن خصائصه القيادية أنه صلى الله عليه وسلَّم يثبِّت قلوب أصحابه ، معنوياته في أعلى مستوى ، دائماً يبثُّ فيهم العزيمة والأمل بالنصر والتأييد ، فقال مرةً لعدي بن حاتم : " أرأيت الحيرة ؟ " قال : نعم . قال :
(( فإن طالت بك حياةٌ يا عدي فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحداً إلا الله ، ولئن طالت بك حياةٌ لتفتحنَّ كنوز كسرى ، ولئن طالت بك حياةٌ لترين الرجل يخرج ملء كفِّه من ذهبٍ أو فضَّةٍ يطلب من يقبله فلا يجد أحداً يقبله ))
وكل هذا حصل . هذه من دلائل نبوَته صلى الله عليه وسلَّم . إذا رأى أن الخوف قد سرى في قلوب أتباعه ، وحملهم على أن يقعدوا ، وضاقت بهم الدنيا ، فكان عليه الصلاة والسلام يبثُّهم كل الأمل ، وكل التفاؤل .
((عن خبَّابٍ قال : شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو متوسِّدٌ برده بظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدَّةً ، فقلت : " يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ؟! ـ ضاقت بنا الأمور ، واشتدَّ علينا إيذاء المشركين ألا تدعو الله لنا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون ))
ولا تنسوا أيها الأخوة أنه في معركة الخندق حينما رمته العرب كلها بقوسٍ واحدة ، وحينما خانته قبائل اليهود وكشفت ظهره ، وأصبح الإسلام مجرَّد ساعاتٍ وينتهي ، حتى أن أحدهم قال : " أيعدنا صاحبكم - ويقصد بهذه الكلمة النبي صلى الله عليه وسلَّم - أن تفتح علينا بلاد قيصر و كسرى ، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟!
أيها الأخوة الكرام ؛
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾
هذه المضائق لابدَّ من أن يمر بها المؤمن كي يمتحن . .
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾
وحتى أصحاب النبي في معركة الخندق قال الله عنهم :
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
فإذا كنت مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلَّم فيجب أن توطِّن نفسك على تحمُّل الشدائد ، لأنها ممرٌ إجباريٌّ إلى الجنة ، مضيقٌ لابدَّ من عبوره . ونسأل الله العافية .
5 ـ حكمته القيادية :
ومن خصائص قيادة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان حكيماً ، فحينما يُقبل عليه المنافقون ليعتذروا له ، عن تخلفهم عن الذهاب معه إلى الغزوة ، كان يقبل أعذارهم جميعاً من دون تردُّد ، ومن دون تمحيص ، ومن دون تكذيب ، ثمانون من المنافقون اعتذروا إليه بعد أن عاد من تَبوك ، ولم يكذِّب أحداً . لكن المؤمنين الثلاثة الذين تخلَّفوا عن هذه الغزوة لم يقبل أعذارهم ، بل إنهم لم يكذبوا عليه ، وكان من حكمته الرائعة أنه حينما سمع قول سيدنا كعب قال: " أما هذا فقد صدق " . وبتوجيهٍ من الله عزَّ وجل أمر أصحابه الكرام أن يقاطعوا هؤلاء الثلاثة الذين تخلَّفوا عنه خمسون ليلةً حتى تاب الله عليهم توبةً نصوح ، بينما هو قَبِلَ من المنافقين أعذارهم لكنه لم يقبل من المؤمنين .
أما أن يسوق الإنسان الناس جميعاً بأسلوبٍ واحد فهذا ليس من الحكمة القيادية بشيء ، هؤلاء يعاملون بهذه الطريقة ، وهؤلاء يعاملون بهذه الطريقة ، وكلَّما ارتقى الإنسان عند الله حوسبَ حساباً دقيقاً ، كلَّما ارتقى عند الله حوسِبَ على أدق الهفوات ، أما إذا كان بعيداً بعد الأرض عن السماء عن منابع هذا الدين فتقبل أعذاره ويُتسامح معه من باب الحكمة ليسَ غَيْر.
أيها الأخوة الكرام ؛ على علوِّ قدر النبي كان عليه الصلاة والسلام بين أصحابه كواحدٍ منهم ، فكان يدع لأصحابه البتَّ في بعض الأمور ، وهذا ما يسمى الآن بـ " الديموقراطية" . كان يدع لأصحابه وهو فيهم البتَّ في بعض الأمور . مرَّةً جاءه وفد هوازن ، وجاء هذا الوفد يطلب ردَّ ما أُخِذَ منه ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وأما ما كان ليس لي فسأسأل لكم الناس إن شاؤوا وافقوا ، وإن لم يشاؤوا لم يوافقوا ))
ترك الأمر لأصحابه ، هم أولو الأمر في البتِّ في هذه القضيَّة . ولمَّا استجارت زينب رضي الله عنها - وهي ابنته - لزوجها المسلمين ، ترك الأمر لأصحابه ، وقال : إن المسلمين يجيرون عليهم أدناهم فإن شئتم فأجروها . إن شئتم . في ابنته .
6 ـ يشعر من حوله أنه واحدٌ منهم :
كان عليه الصلاة والسلام يشعر من حوله أنه واحدٌ منهم ، وهذه خصيصةٌ عاليةٌ جداً فـي زعامته صلى الله عليه وسلَّم . من حكمته الرائعة وواقعيته يقول أنس : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلَّم في سفر ، منا الصائم ومنا المُفْطِر ، فنزل منزلاً في يومٍ حار ، فسقط الصوَّام إجهاداً وتعباً وانحطاطاً ، وقام المفطرون فضربوا الخيام ، وسقوا الرِكاب ، وهيؤوا الطعام . فقال عليه الصلاة والسلام :
(( ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ ))
على من أثنى ؟ لا على الذين صاموا وقعدوا ، بل على الذين أفطروا وخدموا ، وقدموا خدماتٍ لإخوانهم ، قال :
(( ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ ))
أرأيتم إلى هذا الموقف الواقعي ؟ إنسان يقف على قدميه ، ويضرب الخيام ، ويسقي الركاب ، ويعلِف الدواب ، ويهيِّئ الطعام ، والآخر من شدة تعبه وإجهاده ملقىً على الأرض ، من الذي فضَّله النبي ؟ الذي قام بالصلاة وهو عبادة أم الذي قام بخدمة إخوانه وهو مفطر ؟ طبعاً صيام نفل بالمناسبة . فقال عليه الصلاة والسلام :
(( ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ ))
وكان عليه الصلاة والسلام من شدة رحمته بإخوانه وأصحابه وأمته من بعده ، هناك أفعال يود أن يفعلها ، لكنه إذا فعلها أصبحت فرضاً على أمَّته ، فكان لا يفعلها خشية أن تُفرَض عليهم لأنه مشرِّع .
ويا أيها الأخوة الكرام ؛ كما قلت قبل قليل كان يعرف أقدار أصحابه ، وكان ينزل الناس منازلهم ، وهذه من صفات القيادة الناجحة ، يعرف أقدار أصحابه وينزلهم منازلهم ، وكان يقول :
(( ليلتي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ وَالنُّهَى ...))
أي يتمنى النبي ، بل يأمر النبي أصحابه أن يكون عَلِيَّة أصحابه حوله ؛ تكريماً لهم ، وإعلاءً لشأنهم ، وتقديراً لمنزلتهم بين إخوانهم . ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بَسْط الوجه وحسنُ الخلق ))
كان عليه الصلاة والسلام وهو القائد الفذ ، إذا كان مع أصحابه في غزوة ، وكان الممر ضيقاً ، أو حرجاً ، أو فيه خطر ، كان يقف أمام الممر ويجعل أصحابه واحداً واحداً يعبرونه ، وكان يعبره آخر من يعبر وكأنه الأم الرحيمة ، أو الأم الرؤوم ترعى أولادها ، هكذا كان مع أصحابه ، فهذه الرحمة مع أصحابه حينما لمسها أصحابه فدوه بأرواحهم ، وباعواأنفسهم في سبيل الله وابتغاء رضوانه . وأنه عليه الصلاة والسلام بلغ قمة المجد ، وقمة النجاح ، وقمة السيطرة بعد أن فُتِحَت مكَّة وهزم هوازن ، وعاد إلى المدينة ، وقد دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، صعد المنبر ، واستقبل الناس باكياً وقال :
((يا أيها الناس إني قد دنا مني حقوق من بين أظهركم ، فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ، ألا ومن كنت قد شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد منه ، لا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني ))
أخوتنا الكرام ؛ أن تصل إلى قمة المَجد شيءٌ صعبٌ جداً ، ولكنك قد تصل ، لكن البطولة لا أن تصل بل أن تبقى فوق ، لأن الغرور أحياناً ، والاعتداد بالنفس ، والشعور بالغلبة هذا يدمِّر من وصل إلى قمة المجد . لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى درجات تألُّقه ونجاحه ، ونجاح دعوته ، وإحكام سيطرته ، قال :
((يا أيها الناس إني قد دنا مني حقوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ، ألا ومن كنت قد شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد منه ، لا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني ))
أيْ أنه فذاً .
7 ـ شجاع ربّى أصحابه على البذل و العطاء :
ومن خصائص هذه القيادة الفذَّة أنه كان شجاعاً ، فعندما طَرَقَ عمر بن الخطاب باب دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وكان عمر مشركاً ، وكان شديداً ، وكان بَطَّاشاً ، وكان جبَّاراً ، فكل الظن أنه جاء ليقتل محمداً ، وكل الظن أنه جاء ليبطِش بأتباعه ، فلما طرق عمر باب دار الأرقم خشيه الصحابة وظنوا أنه إنما جاء ليقتل محمداً ، فنهض النبي عليه الصلاة والسلام إليه ، فلما فتح له الباب أخذه بمَجْمَعِ ردائه ، ثم جذبه جذبةً شديدة وقال : ما جاء بك يا بن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى تنزل بك قارعة ؟ الصحابة الكرام خافوا على النبي ، لكن النبي خرج بنفسه ليواجه عمر ، وليمسكه بتلابيب ثوبه ، وليزجره ، وليجذبه جذبةً شديدة ، وليقول له : يا بن الخطاب أما ترعوي أخشى أن تنزل بك قارعة ، فقال عمر : يا رسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله . فكبَّر النبي تكبيرةً عرف أهل البيت من أصحابه أن عمر قد أسلم . وهذه أيضاً من صفات زعامته وقيادته .
لكن جاءه عديُّ بن حاتم ، فعل شيئاً آخر معه ، قال : دخلت على محمد وهو في المسجد فسلَّمت عليه . قال : من الرجل ؟ . قلت : عدي بن حاتم . وكان ملكاً فقام النبي تكريماً له . وانطلق به إلى بيته ، قال : " فوالله إنه لعامدٌ بي إليه ، إذ لقيته امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقفته فوقف طويلاً تكلمه في حاجتها . قال عدي : فقلت في نفسي والله ما هذا بملك . ثم مضى النبي إلى بيته وتناول وسادةً من أدمٍ محشوَّةً ليفاً ، فقدَّمها إلي وقال : " اجلس عليها " . قلت : " بل أنت " . قال : " بل أنت " . قال : فجلست عليها وجلس هو على الأرض " كان من الحكمة صلى الله عليه وسلَّم ، عامل عمر بهذه الطريقة ، وعامل عديَّ بن حاتم بهذه الطريقة .
لكنَّ أصحابه الكرام من شدة تعلقهم به باعوا أنفسهم في سبيل الله ، ففي غزوة العسرة جاء أبو بكر بماله كلِّه ، وجاء عمر بنصف ماله ، وجاء العبَّاس بتسعين ألفاً من الدنانير، وحمل عبد الرحمن مئتي أوقية من الذهب ، وتصدَّق عاصم بتسعين وسْقاً من التمر ، وجهَّز عثمان ثُلث الجيش ثم جاء بألف دينارٍ فأفرغها في حِجْر النبي ، فجعل النبي يقلبها ويقول:
(( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين ))
هكذا ربَّى أصحابه ؛ على البذل والعطاء ، وعلى السخاء ، وعلى تقديم الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس .
8 ـ رحيم حتى أنه أرحم بأصحابه من أنفسهم :
كان عليه الصلاة والسلام مع أصحابه أرحم بهم من أنفسهم ، مرَّ عليه الصلاة والسلام على مُصْعَب بن عمير وهو مقتلولٌ في برده ، فبكى النبي بكاءً شديداً وكأنه أبوه ، قال: يا مصعب - يخاطبه وهو ميت - لقد رأيتك بمكة وما بها أحدٌ أرقَّ حُلَّةً ولا أحسن لُمَّةً منك . . كان سيدنا مصعب من أنق فتيان مكة ، كان أهله من أولي اليسار ، وكان مدللاً ، وكان أثيراً عند والديه فقد أغدقوا عليه ما يريد ويتمنى ، فكان من أجمل فتيان مكة ، ومن أشدِّهم عنايةً بهندامه ولباسه ومظهره ، فلما أسلم قطع عنه أهله المال ، وعاش حياةً صعبةً في المدينة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( لقد رأيتك بمكة وما بها أحدٌ أرقَّ حُلَّةً ولا أحسن لُمَّةً منك ، ثم أنت أشعث الرأس في بردةٍ مرقَّعة ))
وبكى رسول الله بكاءً شديداً على هذا الصاحب الجليل الذي كان له نصيبٌ كبير في إسلام أهل المدينة ، وما فاته من الدنيا شيء . ومن شدة وفائه لأصحابه في بعض الغزوات سأل النبي صلى الله عليه وسلَّم عن سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقام أحد الأنصار وقال : يا رسول الله أنا أنظر لك فيما فعل . فذهب إلى ساحة المعركة فنظر ، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق ، فقال لسعد بن الربيع : " إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ " قال : " أنا في الأموات ، ولكن أبلغ رسول الله عني السلام وقل له : جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمتهٍ ، وقل لأصحابه : لا عُذر لكم عند الله إذا خُلصَ إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف " .
أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حديثٌ يطول لأنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، ولهذا الموضوع تتمة في خطبةٍ قادمةٍ إن شاء الله تعالى ، ونحن في موضوع خصائص قيادته الفذَّة ، وزعامته التي كانت من أعلى درجات النجاح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمَثَل .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اتباع النبي في قيادته الفذة للأخذ بيد الناس إلى الله و رسوله :
أيها الأخوة . . . ذكرت هذه القصص ، والشمائل ، والخصائص في زعامة النبي، لأن الأب في أولاده يشغل منصباً قيادياً ، والمعلِّم في صفه ، ورئيس الدائرة في دائرته يشغل منصباً قيادياً ، فإذا أردت أن تأخذ هؤلاء الذين جعلهم الله تحت يدك إلى الله ورسوله ، فكن بهذا الحُب ، وذاك العطف ، وذاك الوضوح ، وهذه الغيرة ، وتلك الرحمة ، وتلك الحكمة . حكمةٌ ورحمةٌ وغيرةٌ ووضوحٌ ونزاهةٌ وشجاعةٌ وإقدام ، إذا أردت أن تنجح في قيادة من دونك إلى الله عزَّ وجل فعليك أن تقلِّد النبي عليه الصلاة والسلام ، عليك أن تتبعه في هذه القيادة الفذَّة التي قاد بها الأمم والشعوب ، أرسله الله رحمةً للعالمين .
المعلِّم في صفه يقود هؤلاء الذين معه ، إلى أين ؟ إلى الله ورسوله ، الأب في بيته ، الطبيب في مستشفاه ، أليس هناك أناسٌ يعملون معه ؟ صاحب المعمل مع عُمَّاله ، ما منا واحدٌ إلا جعله الله مشرفاً على أُناسٍ دونه ، فيجب أن تتبع في قيادة هؤلاء هذا المنهج النبوي الفذ من أجل أن تنجح في مسعاك إلى أن تأخذ بيدهم إلى الله ورسوله والدار الآخرة .
* * *
منافع الزنجبيل :
أيها الأخوة الكرام ؛ أخٌ طبيبٌ جمع الآيات التي وردت في القرآن الكريم ، والتي ورد فيها أسماء الأعشاب التي تصنَّف تحت باب التوابل ، فرأى ثلاثة مواد وردت في القرآن الكريم ، المادة الأولى هي الزنجبيل ، وفي قوله تعالى :
﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً ﴾
والعنصر الثاني هو المِسك . .
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾
والعنصر الثالث هو الكافور . اليوم نتحدَّث عن الزنجبيل ، هذا الأخُ الطبيب قرأ كل ما كُتب عن الزنجبيل في كتب الطب القديم ، وقرأ سبعة بحوثٍ علميةٍ صدرت عن مراكز علمية محترمة جداً في العالم ، وقد أشار في مقالته إلى أسماء البحوث التي صدرت حول هذه المادة . فكان الشيء الذي لا يصدَّق . الزنجبيل كما ورد في كتب الطب القديمة : مسخِّنٌ للجسم ، معينٌ على الهضم ، مُلَينٌ للبطن ، مطهرٌ ومقوي ، ينفع الزنجبيل في التهاب الحنجرة والرشح ، ومسكنٌ قويٌ لالتهاب المفاصل ، ومسكنٌ قويٌ للمغص المعوي ، ومضادٌ للغَثَيان ، خلاصته المائيَّة دواءٌ جيدٌ لأمراض العين . هذا ورد في الكتب القديمة ، فماذا ورد في الكتب الحديثة ؟ في الأبحاث الحديثة التي أجراها علماء لا يعرفون أن هذه المادة وردت في القرآن الكريم ، ماذا قالوا ؟
قالوا : الزنجبيل موَسِّعٌ للأوعية ، مُنعشٌ للقلب والتنفُّس ، مقويٌ لتقلُّص عضلة القلب ، أي أنه مماثل تماماً للديجوكسين ، الزنجبيل مقوٍ لتقلص عضلة القلب ، موسعٌ للأوعية والشرايين ، منعشٌ للقلب والتنفس ، يمنع تجمع الصُفيحات الدموية ـ إذاً هو مميعٌ للدم ـ يفيد في أمراض الجلطات الدماغية والقلبية وخثرات الأطراف ، يخفِّض من ارتفاع الضغط الدموي وخافضٌ للكولسترول .
لماذا ورد هذا العنصر في القرآن الكريم ؟ أله كلُّ هذه الميزات ؟ وهذا الذي ذكرته لكم بعض ما جاء في مقالةٍ طويلة عن منافع الزنجبيل ، قلت : يا سبحان الله ! لو التفت الأطباء إلى تقصي العناصر التي وردت في القرآن الكريم ، هذا الأخ الطبيب جمع كل ما قيل عنه في الكتب القديمة وفي البحوث الحديثة ، وأثبتها في مقالته ، فلما اطَّلعت عليها وجدت أن في القرآن الكريم كنوزاً لا نعرف مقدارها إلا أن نبحث ، وأن ندرُس . فأن يكون هذا العنصر في الوقت نفسه موسِّع للشرايين والأوردة ، مقوي لعضلة القلب ، خافض للكولسترول ، خافض للضغط ، مميع للدم ، ثم إنه يؤثر تأثيراً إيجابياً في التهاب المفاصل ، مضادٌ للبروستات ، مضاد للسُعال ، أشياء كثيرة جداً . فهذا الكون فيه كل شيء ، وأفضل دواءٍ ما كان نباتياً ، ليس له تأثيرات جانبية ، أكثر الأدوية التي نأخذها أدويةٌ كيماويَّة تنفع من جهةٍ وتُفسد من جهةٍ أخرى، ولو درست الأعشاب دراسةً مستفيضةً علميَّةً لوجدنا العجب العجاب . هناك مؤتمر عٌقِدَ في مصر من أجل الحبة السوداء ، وظهرت أشياء العقل لا يصدقها . النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إِنَّ فِيهِ الشِّفَاءَ ))
ثم اكتشف أنه يقوي جهاز المناعة في الجسم ، ومتى قويَ جهاز المناعة قوي على كل الأمراض التي تجتاح الجسم . فالذي ذكره النبي عن الحبة السوداء ، وعن العسل ، وما ذكره القرآن عن الزنجبيل ، هذا كله مما يلفت النظر .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .