وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 1184 - حقيقة الاعتقاد بذكرى المولد - أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء أساسي من الدين :

قصص الأنبياء جاءت لتثبيت قلب الرسول
أيها الأخوة الكرام، بعد أيام قليلة تطل علينا ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وبادئ ذي بدء هناك جدل كبير حول إحياء ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، والحقيقة التي يقبلها الأطراف جميعاً هو أن الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود: 120 ]

إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع سيرة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى، شاهد آخر هو قول الله عز وجل:

 

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾

[ سورة المؤمنون:69]

معنى ذلك معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، معرفة شمائله، فضائله، كمالاته، أقواله، أفعاله، إقراره، جزء أساسي من الدين، شاهد ثالث:

 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

[ سورة سبأ: 46]

الاحتفال بذكرى المولد ليس عبادة ولكنه دعوة إلى الله عز وجل :

إذاً من خلال هذه الآيات الثلاث يتأكد أن معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء أساسي من الدين، لأن كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعرفة شمائل النبي، وأخلاق النبي، وأحاديث النبي، وصفات النبي، و أفعال النبي، وإقرار النبي عليه الصلاة والسلام، جزء من الدين، إذاً ما الذي يمنع أن نلتقي في مسجد، أو في بيت، ونتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذه الأدلة الثلاثة أدلة قرآنية على أن هذا النشاط نشط دعوي، نشاط تبليغي، نشاط إرشادي، أما إذا قلت لي: الاحتفال بذكرى المولد عبادة، نقول لك: لا، العبادات توقيفية، لا يضاف عليها ولا يحذف منها، هو نشاط دعوي، هو جزء من الدعوة إلى الله، نشاط توجيهي، نشاط إرشادي، نشاط تعريفي، ولكن ذكرى المولد بل الاحتفال بذكرى المولد ليس عبادة ولكنه دعوة إلى الله، إشكالية أن تصف هذا الاحتفال بأنه عبادة، فإذا قلت: عبادة، نقول لك: لا، إنه بدعة، فرق واضح جداً.

ارتباط ارتقاء الإنسان بتطبيق منهج النبي العدنان :

اتباع السنة يؤدي إلى طريق الخير والسعادة
شيء آخر أوضحه بمثل: أب عظيم، عالم كبير، محقق متفوق، وله ابن جاهل وأمي، لو أمضى هذا الابن كل حياته في مدح أبيه هل يرقى درجة؟ لا ننتفع بقراءة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا طبقناها، تصور عالماً كبيراً له مئة مؤلف، يحمل أربع شهادات دكتوراه، له مكتب، في أثناء غياب هذا العالم المستخدم عنده أمي، قفز وجلس على كرسيه في غيبته، هذا المستخدم الأمي جلس بمكان هذا العالم الكبير هل يرقى؟ هو يرقى إذا درس، يرقى إذا سار على طريق سيده، إذا نال شهادة ابتدائية يرقى، ثم إعدادية، ثم ثانوية، ثم ليسانس، ثم دبلوم، ثم ماجستير، ثم دكتوراه، يرقى إن سار على نهج سيده، أما أن يجلس مكانه، في غيبته فهذا لا يقدم ولا يؤخر.
هذه بعض الحقائق التي لا بد منها قبل الحديث عن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.

ما من شيء ينهض بنا إلى الله ويقوي جمعنا كأن نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام

شيء آخر أنت حينما تقرأ آية كريمة:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

الآية واضحة تماماً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ما معنى هذه الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى؟ قال علماء التفسير: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمته من بعده إذا كانت سنته مطبقة فيها:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

أنت فيهم بعد موتك، أي منهجك مطبق في حياتهم، وهذا أهم درس ننتفع به في هذا اللقاء الطيب، أنت شاب طبقت سنة النبي التفصيلية في بيتك؟ في زواجك؟ في اختيار زوجتك؟ عليكم بذات الدين، في تربية أولادك؟ في كسب مالك؟ في إنفاق مالك؟ في علاقاتك الاجتماعية؟ ما دمت مطبقاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام أنت كفرد في سلام، و إذا طبقت الأمة سنة النبي عليه الصلاة والسلام هي كأمة كبيرة في سلام، لذلك ما من شيء ينهض بنا إلى الله، ما من شيء يقوي جمعنا، ما من شيء يهدي رشدنا، كأن نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

ارتباط محبة الله عز وجل باتباع سنة نبيه :

زيارة المدينة المنورة لا تكفي بل البطولة باتباع السنة
أيها الأخوة، مرة ثانية جميل جداً أن نمدح النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الذي ننتفع به هو أن نتبعه، أن نطبق منهجه، أن نقتدي به، أن نقتفي أثره، أن نكون على طريقه، أن نكون على شاكلة أصحابه، هذا الذي يرقى بنا، المديح من دون تطبيق لا يقدم ولا يؤخر، هذه حقيقة، والإنسان قد يذهب إلى العمرة، وقد يزور مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد مزاحمة طويلة قد يستطيع أن يصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام، أنا أقول لكم: افعلوها لكن لا تكتفوا بها، وحدها لا تقدم ولا تؤخر، البطولة الاتباع، والدليل:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

وكأن الله عز وجل ربط محبته باتباع سنة نبيه:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

من لا يدخل الله في حساباته فهو أحمق لا محالة :

معاناة الأمة سببها إهمال السنة
في ضوء الآية السابقة قد تفسر معظم ما يجري في العالم الإسلامي، أمة شردت عن الله تعاني ما تعاني، ولا نهاية لمعاناتها، لأنها أهملت سنة هذا النبي العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أنت قوي عندك محل تجاري، عندك صانع يتيم، ليس بيده شيء، بإمكانك أن تستغله، وإذا جاءت أمه ذممته لها، فضربته في البيت وهو بريء، إن طالبك بحقه تكيل له الصاع صاعين، أنت بهذه الطريقة ما أدخلت الله في حساباتك، للتوضيح أنت - لا سمح الله ولا قدر- إنسان من عامة المواطنين، تقدم للدولة وثيقة مزورة، ويبنى على هذه الوثيقة مبلغ كبير قبضته، هذا المواطن إذا ما أدخل في حساباته أنه قد يكشف هذا التزوير يكون أحمقاً، قد يكشف وإذا كشف دمر، هذا هو الحمق بذاته، هذا تمهيد، وأنت حينما تتعامل مع الخلق، مع الناس، مع من هو أضعف منك، لك زوجة أهلها فقراء، وليسوا مستعدين لاستقبالها لو طردتها، هي ضعيفة أمامك قد تتفنن في إذلالها، وقد تتفنن في أخذ مالها، وحينما لا تدخل في حساباتك أن الله سينتقم منك، فأنت في الدين لا تفهم شيئاً، خذوا هذه القاعدة؛ تنطبق على الزوج في البيت، وتنطبق على أقوى إنسان في البلد، إذا ما أدخل الله في حساباته عندئذ يأتيه البلاء من حيث لا يحتسب، مع الله عز وجل لا ينتفع الذكي بذكائه، ولا ينتفع القوي بقوته، ولكن مع الله عز وجل ينتفع المستقيم باستقامته، والذي أتمناه عليكم قبل أن تقول كلمة، قبل أن تعرض عن إنسان، قبل أن ترفع صوتك، قبل أن تضرب بيدك، قبل أن تقطع علاقاتك مع جهة، أدخل الله في حساباتك، الله كبير، كل مكانة الإنسان، وكل هيمنته، وكل قوته، وكل ما يملك من أوراق رابحة، هذه تتلاشى في دقيقة، وترون، وتسمعون، كل أسباب القوة موجودة بلحظة واحدة فقدت كل هذه الأوراق، أليس كذلك؟ هناك موعظة.

(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، أن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري -إلى الأخبار- عبرة ))

[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة]

الله عز وجل فعال لما يريد :

لو أنك تملك كل أسباب القوة، تملك كل أسبابها، ولم تكن ترضي الله عز وجل في دقائق وفي يوم واحد يسحب البساط من تحت قدميك، وتلقى نتيجة عملك، أين الأوراق الرابحة التي تملكها؟ تلاشت، لا شيء، لذلك الله عز وجل حينما وصف ذاته العلية، قال:

﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾

[ سورة هود ]

أما أنت أيها الإنسان فلست فعالاً لما تريد، أنت قوالاً لما تريد، تتكلم الكلام إذا وافق الواقع نسمعه، فإذا خالفه نحتقره ولو كنت فصيحاً، ولو كنت متكلماً، الله عز وجل فعال لما يريد، في أية لحظة يسحب البساط من تحت قدميك، في أية لحظة ولو أنك تملك كل الأوراق الرابحة، ولو أنك تملك كل أسباب القوة، في لحظة واحدة تسحب من تحت قدميك البسط، مهما تكن كثيرة.
أيها الأخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لا ينفع مع الله ذكاؤك، ولا تنفع قوتك، ولا تنفع هيمنتك، ولا تنفع كثرة من حولك، لا ينفعك مع الله إلا استقامتك، لا ينفعك مع الله إلا خوفك من الله، الذي لا يدخل الله في حساباته هو أغبى الأغبياء، هو أحمق الحمقى، هو أجهل الجهلاء، الذي لا يدخل الله في حساباته، لما أنت تقدم وثيقة لموظف، وهذا الموظف إنسان مثلك تماماً، وقد تكون أذكى منه، لكن أدخل في حساباتك أن هذه الوثيقة قد يطلع عليها موظف آخر أذكى منك، يكشف أنها مزورة وعندئذ تدمر تدميراً كاملاً، فأنت حينما لا تدخل الله عز وجل في حساباتك فأنت ترتكب حماقة ما بعدها حماقة، والإنسان الجاهل يتحرك وينسى أن الله موجود.

 

من ترك سنة النبي الكريم وقع في شرّ أعماله :

أنا أقول دائماً أيها الأخوة، استمعوا إلى الأخبار والآن شاهدوها حية، واستمعوا إلى التحاليل الدقيقة، لكن لا تنسوا للحظة واحدة أن الله موجود، وأن الله يمكن أن يقلب كل المعادلات رأساً على عقب:

(( ولا ينفعُ ذَا الجَدِّ منك الجَدُّ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري ]

من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، لا ينفع ذا الجد من يملك الذكاء والتألق وليس مستقيماً:

(( ولا ينفعُ ذَا الجَدِّ منك الجَدُّ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري ]

من السنة تقصير الصلاة رحمة بالأطفال
أيها الأخوة، الحديث عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ضروري جداً، لأننا حينما تركنا سنته وقعنا في شر أعمالنا، سمع بكاء طفل صغير في أثناء الصلاة، وهذا الطفل الصغير ينادي أمه ببكائه، فاختصر الصلاة، من عادته صلى الله عليه وسلم انه إذا صلى الفجر يقرأ قرآناً مديداً طويلاً، فلما سمع بكاء طفل علم أن هذا الطفل ينادي أمه ببكائه فاختصر الصلاة.
ولما رأى دابة تحمل فوق ما تستطيع، رأى جملاً ذرفت عيناه، فاقترب منه ومسح ذفريه وقال:

(( من صاحب هذا الجمل؟ قال فتى من الأنصار: هو لي يا رسول الله، قال له النبي الكريم: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه))

[الطبراني عن عبد الله بن جعفر]

اسمعوا، لو تعثرت بغلة في العراق، يقول سيدنا عمر، لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟

 

من يعلم أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن يعصيه :

أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو حينما تؤمن إيماناً قطعياً ويقينياً أن الله سيحاسبك، أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب، وأن:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾

[ سورة الطلاق: 12 ]

دققوا:

 

﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾

[ سورة الطلاق: 12 ]

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

معرفة العواقب تؤدي إلى الالتزام
ألا تسأل معي هذا السؤال لما اختار الله من أسمائه اسمين، القدير والعليم؟ لأنك إذا آمنت أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، الدليل، أنت مواطن في هذا البلد الطيب، مواطن عادي، والمركبة تقودها، والشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي آخر على دراجة نارية، وضابط مرور بالسيارة، هل يعقل أن تمشي والشارة حمراء؟ مستحيل وألف ألف ألف مستحيل، لماذا؟ لأنك موقن أن علم واضع قانون السير من خلال هذا الشرطي يطولك، وأن قدرته تطولك، فإذا كنت تنضبط مع شرطي فكيف بخالق السماوات والأرض؟ علم الله يطولك، وقدرته تطولك:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

يعلم وسيحاسب وسيعاقب.

 

أشد الناس حمقاً من يتحرك من دون أن يحسب لعدل الله حساباً :

والله الذي لا إله إلا هو أنا حينما أطلع على بعض أعمال الناس لا أرى على وجه الأرض من هو أشد حمقاً وغباءً وجهلاً ممن يتحرك من دون أن يحسب لعدل الله حساباً، الله موجود:

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة الفتح: 10 ]

﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾

[ سورة الأنفال: 17 ]

فكل ذكائك، وكل نجاحك في الحياة، وكل إيمانك إذا هداك إلى أن تخاف من ربك، فأنت مؤمن ورب الكعبة.
ابن سيدنا عمر أراد أن يمتحن راعياً، فقال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟!.

المظاهر الدينية إن لم ترافقها استقامة على أمر الله لا تقدم ولا تؤخر :

إيذاء الناس في طعامهم يحبط عملك
كل إيمانك، ثلاثون سنة دروس علم إذا قلت: أين الله؟ فأنت مؤمن ورب الكعبة، يمكن أن تضع مادة مسرطنة بمادة غذائية يصبح لونها أشد بياضاً، وترفع السعر، وتربح أرباحاً طائلة، اعتقد معي أن كل عباداتك التي تؤديها لا وزن لها عند الله، من أين آخذ هذا الكلام؟ من نص السيدة عائشة، تقول عن واحد من الناس قولوا لفلان إنه أبطل جهاده مع رسول الله، أنت حينما تؤذي المسلمين بطعامهم وشرابهم، حينما تغشهم لتأخذ أرباحاً طائلة، أنت لا تعرف الله، ولو كان بمقدمة السيارة التي تركبها آية الكرسي، يمكن أن يكون في بيتك آية الكرسي، وأيضاً يمكن أن يكون معك مصحف صغير، وآية قرآنية، كل هذه المظاهر إن لم ترافقها استقامة تامة لا تقدم ولا تؤخر، وفروا أوقاتكم، كل المظاهر الدينية إن لم ترافقها استقامة على أمر الله لا تقدم ولا تؤخر:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

نحن إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام فينا، كانت سنته مطبقة في حياتنا، طبقنا منهجه، نحن في مأمن من عذاب الله.

 

سنة النبي الكريم منهج تفصيلي لكل إنسان :

أيها الأخوة، ملك عمان قال بعد أن التقى النبي العدنان: والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه كان لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، يطبق ما يقول، أيها الأخوة، الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 4]

النبي عليه الصلاة والسلام بيّن لنا الحلال والحرام، الخير والشر، ما ينبغي وما لا ينبغي، ما يجوز وما لا يجوز, سنته التفصيلية تقترب من مئات ألوف البنود, تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي.
أيها الأخوة الكرام، ماذا نتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، أقسم الله بعمره الثمين، فقال:

 

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة الحجر ]

أيها الأخوة، جميل جداً أن نحتفل بذكرى المولد، وأن نقيم الزينات، وأن نرفع اللافتات، وأن نقدم الحلويات، لكن الأجمل من هذا كله أن نتبع سيد الكائنات، أن يكون بيتك إسلامياً، وعملك إسلامياً، وأنت مطبقاً لهذا الدين العظيم، إذا كان من الممكن أن ننتفع بذكرى ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام، ننتفع بها إذا طبقنا سنته التي هي النهج القويم، والصراط المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من يعرف الله لا يمكن أن يعصيه :

أيها الأخوة الكرام، حديث مفصلي، سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام:

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

(( دخلت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار))

[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عن ابن عمر]

تنتهي قوتك بتوقف قلبك
فما قولك بما فوق الهرة؟ هرة! أيها الأخوة الكرام، أنت حينما تعرف الله قد تعد للمليار قبل أن تعصيه، لأن هناك عقاباً وأنت في قبضته، كل مكانتك، وقيمتك، وهيمنتك، وقوتك، وغناك، على ضربات قلبك، فإذا توقفت ضربات القلب، طبعت النعوة، كل هيمنتك، ومكانتك، وقدرتك، والهالة الكبيرة التي حولك، منوطة بسيولة دمك، فإذا تجمدت نقطة من الدم لا ترى بالعين في أحد أوعية الدماغ، إن جاءت بمكان يصاب الإنسان بالشلل، بمكان آخر يصاب بالعمى، وبمكان ثالث يصاب بفقد السمع، وبمكان رابع يصاب بفقد النطق، أنت في قبضة الله، أنا لا أعجب إلا من إنسان يقول: أنا، من أنت؟ أنت لا شيء، أنت بفضل الله شيء، بقوته شيء، بإمداده شيء، بحفظه شيء، برعايته شيء، فلذلك هذا الذي يتوهم أنه قوي، ويفعل ما يريد، وأنه أقوى ممن حوله، وأن حوله لا يملكون له ضراً أو نفعاً، هذا الإنسان الذي نسي الله فزلزل من تحته الأرض، الله هو القوي.

 

 

الدعاء :

 

 

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور