وضع داكن
29-03-2024
Logo
دورات للطلاب الأجانب - دورة عام 1999 - سيرة الصحابة : 20 - الصحابي عمير بن سعد2.
  • موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
  • /
  • ٠2سيرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ـ كان أهل حمص شد يدي التذمر من ولا تهم، فعزم الفاروق على أن يبعث عليهم بوالٍ لا يجدون فيه مطعناً، فوقع اختياره على عمير بن سعد.
وعلى الرغم من أن عميراً كان إذ ذاك يضرب في الأرض مجاهداً في سبيل الله، فقد دعاه أمير المؤمنين، وعَهِد إليه بولاية حمض.

 

ـ قضى عمير بن سعد عاماً كاملاً في حمص، لم يكتب خلاله لأمير المؤمنين كتباً، ولم يبعث إلى بيت مال المسلمين درهماً ولا ديناراً، فشك عمر فيه، وبعث إليه رسالة يأمره فيها بالحضور إليه.

ـ تلقى عمير بن سعد كتاب عمر رضي الله عنه، فأخذ كيس طعامه، وحمل على عاتقه قصعته ووعاء وضوئه، وأمسك بيده حربته، وأنطلق ما شياً إلى المدينة.
فما كاد يبلغ المدينة حتى كان قد شحب لونه، وهزل جسمه، وطال شعره.. دخل عمير على أمير المؤمنين، فدُهش من حاله، وقال: ما بك يا عمير ؟.
قال: ما بي من شيء، فأنا صحيح معافى، أحمل معي الدني كلها، وأجرها من قرنيها. فقال عمر: وما معك من الدنيا ؟ ـ وهو يظن أنه يحمل مالاً لبيت مال المسلمين.
كان زاد عمير من الدنيا قصعته وكيسه
فقال: معني كيسي وقد وضعت فيه زادي. ومعي قصعتي آكل فهيا، وأغسل عليها رأسي وثيابي. ومعي قِربة لوضوئي وشرابي.
ثم إن الدنيا كلها ـ يا أمير المؤمنين ـ تبع لمتاعي هذا، وفضلة لا حاجة لي فيها.
فقال عمر: وهل جئت ما شياً ؟. قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال: أما أُعطيت من الإمارة دابة تربكها ؟. قال: هم لم يعطوني، وأنا لم أسألهم.
فقال عمر: وأين ما أتيت به لبيت المال ؟. قال: لم آت بشيء.
قال: ولمَ ؟. فقال: لما وصلت إلى حمص، جمعتُ صلحاء أهلها، ووليتهم جمع المال، فكانوا كلما جمعوا شيئاً منه، استشرتهم في أمره ووضعته في مواضعه، وأنفقته على المستحقين منهم.
فقال عمر لكاتبه: جدِّد عهداً لعمير على ولاية حمص.
فقال عمير: هيهات... فإن ذلك شيء لا أريده، ولن أعمل لك ولا لأحدٍ بعدك يا أمير المؤمنين.
ثم استأذنه بالذهاب إلى قرية في ضواحي المدين يقيم بها أهله.

ـ بعد وقت قصير أراد عمر الفاروق أن يختبر عميراً، وأن يستوثق من أمره ؛ فقال لواحد من ثقاته يُدعى الحارث: انطلق يا حارث إلى عمير بن سعد، وأنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت عليه آثار نعمة فعد كما أتيت، وإن وجدتَ حالاً شديدة فأعطه هذه الدنانير...
أقام الحارث في ضيافة عمير بن سعد ثلاث ليالٍ، فكان يُطعمه في كل ليلة قرصاً من الشعير ؛ عند ذلك أخرج الحارث الدنانير وأعطاها لعمير،قال عمير: ما هذه ؟. قال الحارث: بعث بها إليك أمير المؤمنين. فقال: ردَّها إليه، وقل له لا حاجة لعمير بها، فصاحت امرأته: خذها يا عمير، فإن احتجت إليها أنفقتها، إلا وضعتها في موضعها، فالمحتاجون هنا كثير.
وهذا ما كان فقد قسم عمير المال بين فقراء الناس.

ـ عاد الحارث إلى المدينة فقال له عمر: ما رأيت يا حارث ؟.
وزع عمير كل ما أعطاه عمر على المحتاجين
فقال: حالاً شديدة يا أمير المؤمنين، فقال: أدفعت إليه الدنانير ؟ قال: نعم قال عمر: وما صنع بها ؟ قال: لا أدري، وما أظنه يُبقي لنفسه درهماً واحداً.
فكتب الفاروق إلى عمير يأمر بالحضور إليه.. فلما دخل عليه، سلم عليه عمر، وجلس قريباً منه، وقال له: ما صنعت بالدنانير يا عمير ؟ قال: وما عليك منها يا عمر بعد أن خرجتَ لي عنها ؟. قال عمر: عزمتُ عليك أن تخبرني بما صنعت.
فقال عمير: ادخرتها لنفسي يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فدمعت عينا عمر، وقال: أشهد أنك من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ثم أمر له بطعام كثير، وثوبين، فقال عمير: أما الطعام فلا حاجة لنا به يا أمير المؤمنين، فقد تركت عند أهلي صاعين من شعير، وإلى أن نأكلها يكون الله عز وجل قد جاءنا بالرزق... وأما الثوبان فآخذهما لأم فلان (يعني زوجته) فقد بليَ ثوبها.

ـ ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى لحق عمير بن سعد بربه قرير العين.
فلما بلغ عمر بن الخطاب نبأ وفاته، حزن حزناً شديداً وقال: وددت لو أن لي رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم في أعمال المسلمين.

تحميل النص

إخفاء الصور