وضع داكن
19-04-2024
Logo
دورات للطلاب الأجانب - دورة عام 1999 - سيرة الصحابة : 19 - الصحابي عمير بن سعد1.
  • موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
  • /
  • ٠2سيرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ـ عاش عمير بن سعيد يتيماً منذ نعومة أظفاره ؛ فقد مات أبوه دون أن يترك مالاً أو مُعيلاً، لكن أمه ما لبثت أن تزوجت أحد أثرياء الأوس، اسمه الجلاس بن سويد، فكفل ابنها عميراً وضمه إليه.

 

ـ وقد أسلم الفتى عمير بن سعيد، وهو صغير لم يجاوز العاشرة من عمره إلا قليلاً، وكان على حداثة سنه لا يتأخر عن صلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أمه تغمرها الفرحة كلما رأته ذاهباً إلى المسجد أو راجعاً منه، تارةً مع زوجها، وتارة وحده.

ـ ثم إن عميراً تعرض لتجربة قاسية جداً:

ففي السنة التاسعة للهجرة أعلن الرسول صلوات الله وسلامه عليه عزمه على غزو الروم في تبوك وأمر المسلمين أن يستعدوا لذلك.
وكان الحرُّ قد اشتدَّ، والثمار قد أينعت، والنفوس قد ركنت إلى التكاسل، على الرغم من ذلك كله فقد لبى المسلمون دعوة نبيهم، وأخذوا يستعدون.

 

وفي يوم من الأيام التي سبقت رحيل الجيش، عاد الغلام عمير بن سعد إلى بيته بعد أداء الصلاة في المسجد، وقد امتلأت نفسه بطائفة مشرقة من صور بذل المسلمين ؛ فقد رأى نساء الأنصار والمهاجرين يقبلن على رسول الله، وينزعن حليِّهنَّ ويلقينه في يديه ليجهز بثمنه الجيش الغازي في سبيل الله.
تبرعت نساء الأنصار والمهاجرين بحليهم لتجهيز جيش المسلمين
ورأى عثمان بن عفان يأتي بجراب فيه ألف دينار ذهباً، ويقدِّمه للنبي عليه صلوات الله وسلامه... وغيرها كثير.

وكأنما أراد عمير أن يستثير همة الجلاس، ويبعث الحمية في نفسه فأخذ يقص عليه أخبار ما سمع ورأى،.. لكن الجلاس ما كاد يسمع من عمير ما سمع حتى نطق بكلمة إطارت صواب الفتى المؤمن.
إن كان محمد صادقاً فيما يدعيه من النبوة فنحن شر من الحمير...
وكان على الفتى أن يختار بين أمرين، أحلاهما مُرٌّ. وسرعان ما اختار فقال للجلاس: والله يا جلاس، ما كان على ظهر الأرض بعد محمد أحب إلي منك، ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك، وإن أخفيتها خنت أمانتي، وأهلكت نفس وديني. وقد عزمتُ على أن أخبر رسول الله صلى الهي عليه وسلم بما قلتَ، فكن على بينة من أمرك.
مضى عمير إلى النبي، وأخبره بما سمع من الجلاس، فاستدعى النبي الجلاس وقال له:
ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد ؟.
فقال: كذب عليَّ يا رسول الله وافترى، فما تفوهت بشيء من ذلك.
والتفت رسول الله إلى عمير فرأى وجهه قد احتقن بالدم، والدموع تتحدر مدراراً من عينيه، وهو يقول:
اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به.
فقال الجلاس: إني أحلف بالله إني ما قلتُ شيئاً مما نقله لك عمير.
فما إن انتهى من حلفه، وأخذت عيون الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد حتى نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وهنا ظهر الخوف على وجه الجلاس، وبدا التلهف على وجه عمير، وظل الجميع كذلك حتى ذهب الوحي عن رسول الله، فتلا قوله الله عز وجل:

﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)﴾

[سورة التوبة]

فارتعد الجلاس من هول ما سمع، وقال: بل أتوب يا رسول الله.. بل أتوب. صدق عمير وكنتُ من الكاذبين، اسألِ الله أن يقبل توبتي يا رسول الله.
عاد الجلاس إلى الإسلام وحسن إسلامه، وكان يقول كلما ذُكر عمير: جزاه الله عني خيراً، فقد أنقذني من الكفر، وأعتق رقبتي من النار.

تحميل النص

إخفاء الصور