وضع داكن
20-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 14 - سعة علمه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

سعة علم النبي صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام، مازلنا في موضوعات متعلقة بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام، والدرس اليوم هو الدرس الرابع عشر، موضوعه سعة علمه صلى الله عليه وسلم، كان النبي عليه الصلاة والسلام واسع العلم، عظيم الفهم، أفاض الله تعالى على يده العلوم النافعة الكثيرة، والمعارف العالية الوفيرة، والله عز وجل يقول:

﴿ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

 اسمحوا لي أن أعلق على كلمة عظيم، إذا قال لك طفل صغير: معي مبلغ عظيم عقب عيد الأضحى، أنت تقدره بألف ليرة، لو قال مسؤول كبير بدولة عظمى: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، كلمة عظيم من مسؤول تقدر بمئتي مليار، فإذا قال خالق الأرض والسماوات :

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

 بحسب هذه الآية هل هناك من عطاء إلهي يفوق أن تعرفه؟

 

الكرامة الحقيقية أن تعرف الله و تستقيم على أمره :

 لذلك: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

 فإذا سهل الله عز وجل لإنسان طلب العلم، سهل له أن يعرف الله، أن يستقيم على أمره، أن يتقرب إليه، أن ينضبط بمنهجه، هذا عطاء وأي عطاء، إلا أن الدنيا الأوراق فيها مختلطة، كيف؟ الناس كلهم عندهم بيوت، ويأكلون، ويشربون، ويستمتعون، كفصل في مدرسة، فيه خمسون طالباً، هناك متفوق، و كسول، ومتوسط، متى يفرزون؟ آخر العام، أما أثناء العام الدراسي فكلهم مثل بعض، طلاب يلبسون ثياباً مدرسية، معهم محفظة فيها كتبهم، متى يفرز هؤلاء الطلاب إلى متفوقين أو مقصرين؟ بعد الامتحان:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

على الإنسان ألا يروي الكرامات لأنها تضعضع ثقة الناس بالدين :

 نسمع من حين لآخر عن الكرامات، والكرامات الأولى ألا ترويها، لأنك إذا رويتها ضعضعت ثقة الناس بالدين، إلا أن الكرامة الذي وردت في القرآن الكريم مدعمة بوحي السماء، السيدة مريم ليست نبية لكنها أنجبت مولوداً من دون زواج، هذه كرامة لكن هذه الكرامة وردت بالقرآن الكريم، فأنا أنصح أخوتي طلاب العلم أن يقتصروا في رواية الكرامات وخوارق العادات على ما جاء في القرآن الكريم فقط، وما سوى ذلك تبعد الناس عن الدين، إنسان يحمل شهادة ثانوية، قلت له: إن فلاناً تخطى المسافات في دقائق، يقول لك: هذا خلط، هذه خرافات، هذه خزعبلات، أباطيل، فأنا أنصح ألا تروي كرامة إلا إذا وردت في كتاب الله لأنها موثقة، وإذا رويتها في غير كتاب الله ولم تكن في كتاب الله فأنت تغامر، قد تكون هذه الكرامة سبباً لانصراف المستمع عن الدين أصلاً، فأنا من منهجي في الدعوة إلى الله أن الكرامة لا أرويها ولا أنكرها، ما كان لي أن أنكرها لأنها في الكتاب والسنة، لكن لا أروي من الكرامات إلا ما كان في الكتاب والسنة فقط، لذلك قالوا: الولي يستحي بكرامته كما تستحي المرأة بدم حيضها، الولي لو أن الله سبحانه وتعالى أكرمه بكرامة لا يرويها، الأنبياء معجزاتهم أمروا أن يتحدوا الكفار بها، أما الأولياء فكراماتهم ينبغي ألا يَتَحدّوا أحداً بها، لأن الناس عندئذ لا يصدقونه، أفضل نصيحة في دعوتك إلى الله ابتعد عن كل حديث عن كرامة، وأفضل كرامة أن تخفيها لا أن تظهرها.

أعظم كرامة للإنسان هي كرامة العلم :

 لكن أجمل كلام أقوله لكم الآن أعظم كرامة على الإطلاق كرامة ليس فيها خرق للعادات، إنها العلم:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

 كرامة العلم ليس فيها خرق للعادات، وهي أعظم الكرامات، وقد قيل: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه، بل إن هذه الكرامة أو هذه القيمة جعلها الله أساساً للترجيح بين عباده، فقال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر:9 ]

 وقال تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

[ سورة المجادلة: 11]

 وما استزاد النبي عليه الصلاة والسلام من شيء على الإطلاق إلا العلم بأمر من الله عز وجل، والآية:

﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾

[ سورة طه: 114]

 هذه الآية محفورة بالحجر على بناء جامعة دمشق:

﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾

[ سورة طه: 114]

من عرف الله و استقام على أمره فقد حقق النعمة المطلقة :

 ويكفي أنك إذا قرأت الفاتحة في الصلاة ووصلت إلى قوله تعالى:

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

[ سورة الفاتحة: 6-7]

 النعمة الحقيقية العظمى أن تكون مستقيماً على أمر الله، أما الذين غضب الله عليهم فهم الذين عرفوا وانحرفوا، وأما الضالون فهم الذي ما عرفوا وانحرفوا، كلاهما منحرف، لكن الأول عرف وانحرف والثاني ما عرف وانحرف، والذي أنعم الله عليه يتكرم عليه بالاستقامة:

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

[ سورة الفاتحة: 6-7]

 لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا))

[البخاري عن عائشة ]

أيّ معرفة لا علاقة لها بالله عز وجل ليست نجاحاً :

 لذلك حينما تتوهم نجاحاً لا علاقة له بمعرفة الله فأنت مخطئ وأنت واهم، من هنا إذا رجع العبد بعد أن عرف الله واستقام على أمره، نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، والآية الكريمة:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾

[ سورة الكهف:46]

 قال بعض علماء التفسير: هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أي إذا سبحته، وحمدته، ووحدته، وكبرته، قد عرفته، وإن عرفته هذه المعرفة خير لك من الدنيا وما فيها، لو جمعت آلاف الملايين ماذا بعد أن جمعتها؟ هناك موت، ثم ماذا؟ هناك موت، لو بلغت أعلى مقام في الأرض ماذا بعد هذا المقام؟ الموت، لو تألقت أعلى تألقاً ماذا بعد هذا التألق؟ الموت، الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغنى الغني، وفقر الفقير، وصحة الصحيح، ومرض المريض، وذكاء الذكي، ومحدودية المحدود، الموت ينهي كل شيء.

 

العلم ما عُمل به :

 ورد في الصحيحين، واللفظ لمسلم:

((سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، وفي روايةٍ :" إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا "، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي...))

[مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 الصحابة أدركوا أن النبي غضب، طبعاً كأن النبي عليه الصلاة والسلام ما أراد أن يكون العلم هدفاً، أراد أن يكون وسيلة، لذلك العلم ما عُمل به، العلم الذي حضك الله عليه، ودعاك إليه، وأثنى عليك به، هو العلم الذي تعمل به، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

[ سورة التحريم: 4]

 كلكم تصغون إليّ إصغاء كاملاً واضحاً الآن، هذا دليل اهتمام، دليل محبة، دليل تقدير، لكن الإصغاء الحقيقي لا أن تعطيني أذنك بالدرس، الإصغاء الحقيقي حينما ينتهي هذا الدرس وتذهب إلى البيت وتطبق ما جاء فيه، الآية واضحة؟

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

[ سورة التحريم: 4]

 علامة الإصغاء العمل بالعلم، العلم ما عُمل به، فإن لم يعمل به كان الجهل أولى، للتقريب، إنسان على وشك الموت عطشاً ولم يجد ماءً، وإنسان آخر عرف مكان النبع وهو على وشك الموت عطشاً فلم يذهب إلى النبع، والاثنان ماتا، أيهما أشدهم حسرة بعد الموت؟ الذي عرف النبع ولم يذهب إليه.

 

العلم بالإسلام ليس هدفاً لذاته إنما هو وسيلة:

 

 أيها الأخوة الكرام، العلم بالإسلام ليس هدفاً لذاته، إنما هو وسيلة، فإذا جعلت العلم وحده هدفاً، وأكثرت المسألة، وغرقت في التفاصيل، وفي الجزئيات، وجعلت همك وحده أن تشحذ عقلك بالمعارف، عندئذ نقول لك: العلم ما عُمل به، فإن لم يعمل به كان الجهل أولى، الصحابة الكرام رضي الله عنهم يقرؤون الآيات العشر حتى يطبِّقوها.
 ابن سيدنا عمر أراد أن يمتحن راعياً، فقال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟!.
 ليس لها حل، أعرابي جاء النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله عظني ولا تطل -أي عظني واختصر- فتلا عليه النبي عليه الصلاة والسلام قول الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

[ سورة الزلزلة: 7-8 ]

 آية واحدة، آية ثانية:

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[سورة النساء:1]

 ألا تكفي هذه الآية؟ والله هناك آيات لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده بينما أمته معصومة بمجموعها :

 لذلك البشر يتمايزون بمقاييس أرضية من هذه المقاييس القوة، القوي محترم، يقول لك وأنت بالخدمة الإلزامية عريف بسبعة: ازحف، لو جاء الأمر من لواء أركان حرب، الفرق كبير جداً بين الأمر الأول والأمر الثاني، الإنسان بقدر معرفته للآمر يكون موقفه من الأمر، وفي بعض الأدعية التي نقلت عن النبي عليه الصلاة والسلام: لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، وفي رواية ثانية : ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً.

((اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي وَزِدْنِي عِلْمًا ...))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 عندنا ميزة في هذه الأمة أن هذه الأمة لا تجتمع على خطأ، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، معصومة بمجموعها دليله: لا تجتمع أمتي على خطأ.
 يُنشر كتاب واضح، لا يوجد فيه خطأ، و لا شذوذ، و لا عقيدة فاسدة، لا أحد يتكلم بأي كلمة، سماه العلماء هذا الموقف إجماع سكوتي، لكن يتألف كتاب يُقرأ من بعض طلاب العلم تقوم الدنيا ولا تقعد، معنى ذلك هذه الأمة لا تجتمع على خطأ، وهذا من فضل الله علينا.

 

التفكر في خلق السماوات والأرض يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين :

 لكن العلم نوعان، إما أن تتفكر في خلق السماوات والأرض بجهد جهيد، وعمل شخصي، وهذا التفكر في خلق السماوات والأرض يرقى بك إلى الله بل إلى أعلى عليين، كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعبد الليالي ذوات العدد، إذا شخص أكرمه الله بالحج أو العمرة هناك بمكة طريق جبل النور، الطريق غير معبد، والوصول إلى هذا الجبل يحتاج إلى أكثر من ساعتين، بجهد جهيد، هناك يوجد مغارة تطل على الكعبة المشرفة، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يتعبد الله الليالي ذوات العدد، أي أنسه بالله عز وجل غلب وحشة المكان، أنا أتمنى على كل واحد منكم أن يكون له مع الله عز وجل جلسة صباحية ربع ساعة، يقرأ القرآن، يقرأ خمس صفحات، عشر صفحات، يذكر الله:

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾

[ سورة الإنسان: 25 ]

 يدعو، بين دعاء، بين ذكر، بين تلاوة، بين صلاة:

(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾

[ سورة المزمل: 6]

كلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي يوحى :

 أيها الأخوة الكرام، قد يسأل سائل النبي عليه الصلاة والسلام أمي، لماذا هو أمي؟ لأنه لو حصّل ثقافة عصره ثم جاءه الوحي فتلا على أصحابة القرآن الكريم لسألوه مع كل لقاء هذا كلام الله أم من ثقافتك؟ فقال تعالى:

﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلوا مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 48 ]

 فكل كلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي يوحى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم:3-4]

 لذلك تروي الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه جبريل جاءه بوحي السماء لم يكن نائماً، ولا حالماً، بل إنّ جبريلَ عليه السلام عندما جاء النبي عليه الصلاة والسلام وقال له:

((اقْرَأْ، فقال: مَا أَنَا بِقَارِئٍ "، قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي - أي ضغط علي - حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : اقْرَأْ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ : اقْرَأْ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ))

[ البخاري عن عائشة]

 أي الوحي ليس مناماً، ولا حلماً، ولا توهماً، في أعلى درجات اليقظة، في أعلى درجات الوعي:

(( فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي - أي ضغط علي ))

 ثم جاءه وحي السماء.

 

أنواع القراءات :

1 ـ قراءة البحث و الإيمان :

 لذلك أيها الأخوة، الآية الكريمة الكلمة الأولى في أول آية في أول سورة من كتاب الله اقرأ:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 اقرأ من أجل أن تؤمن، هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 اقرأ من أجل أن تؤمن بربك الذي خلق، لكن خلق الإنسان من علق.

 

2 ـ قراءة الشكر و العرفان :

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾

[ سورة العلق: 3 ]

 اقرأ من أجل أن تشكر، القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان.

 

3 ـ قراءة الوحي والإذعان :

 والقراءة الثالثة:

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق: 3 -5]

 هذه قراءة الوحي، عندنا قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، والقراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان، ثلاث قراءات.

 

4 ـ قراءة العدوان و الطغيان :

 وهناك قراءة رابعة نعوذ بالله منها:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[سورة العلق: 6-7 ]

 بالعلم أسلحة كيماوية، أسلحة جرثومية، أسلحة نووية، من أجل السيطرة على أركان الأرض، هذا علم آخر من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع))

[مسلم عن زيد بن أرقم]

الموضوع العلمي :

جسم الإنسان آية دالة على عظمة الخالق سبحانه و يتجلى ذلك بـ :

 أيها الأخوة الكرام، الموضوع العلمي، وهذه حقائق أكررها كثيراً، أنت متى تستقيم على أمر الله؟ إذا عرفته، أي إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، دائماً وأبداً أقول لكم: أقرب آية دالة على عظمة الله إليك جسمك، هذه آية والله لو أمضيت الحياة كلها في دراسة تفاصيلها لا تنتهي، لكن الندم الشديد يوم القيامة حينما تكون آيات الله بين يديك، وأنت في غفلة عنها.

1 ـ الشعر :

 برأس الإنسان هناك شعر، بأي مكان في الجسم هناك أعصاب حس، امسك دبوساً بأي مكان غرسته هناك ألم لكن الشعر لا يوجد فيه أعصاب حس، لو كان فيه أعصاب حس يسألونك: أين ذاهب؟ فتجيب: ذاهب لأعمل عملاً جراحياً في المستشفى، تحتاج إلى تخدير كامل، هل انتبهت إلى هذه النقطة أن الشعر ليس فيه أعصاب حس، والأظافر كذلك لا يوجد فيها أعصاب حس، فالإنسان أمام آيات مذهلة.

2 ـ العين :

 هل انتبهت إلى أن عينك لها قرنية، والقرنية طبقة شفافة شفافية تامة، وأنت تعلم علم اليقين أنه لا يوجد ميليمتر في الجسم إلا ويتغذى عن طريق الشعريات الدموية، لو أن طبقة القرنية في العين تتغذى عن طريق الشعريات لرأيت الأشياء ضمن شبكة، لكن الحكمة الإلهية أن القرنية التي هي الطبقة الأولى بالعين تتغذى بطريقة فذة، طريقة فريدة، تتغذى عن طريق الحلول، فأول خلية بالقرنية تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل هذا الغذاء غبر الغشاء الخلوي، لذلك القرنية شفافة شفافية تامة.
 الماء يتجمد، بأي درجة؟ بالصفر، ما قولك أن هناك أماكن في فنلندا تصل البرودة فيها إلى تسع وستين تحت الصفر، وعينك فيها ماء، لماذا هذا الماء لا يتجمد؟ معنى ذلك كل إنسان عاش بهذه البلاد يجب أن يفقد بصره، لكن الله عز وجل أودع في ماء العين مادة مضادة للتشنج، حكمة من؟ علم من؟ رحمة من؟ قدرة من؟

3 ـ الأنف :

 والله أيها الأخوة، أتمنى عليكم أن تتفكروا في هذا الجسم، الأنف؛ لاحظ بالشتاء البارد أنف الإنسان يصبح أحمر اللون، يزداد حمرة ما السبب؟ إذا كانت درجة الهواء صفراً، وأنت تتنفس من أنفك، فإذا دخل الهواء الذي درجته صفر إلى الأنف وانتقل إلى الرئتين وأنت حرارتك تقدر بسبع وثلاثين درجة، هناك مشكلة كبيرة جداً، الانتقال المفاجئ من البارد للساخن يعمل للإنسان مشكلة، لذلك الأوعية الدموية بالأنف لها عضلات في أثناء البرد تتوسع، فإذا توسعت جاء الدم غزيراً، والدم حرارته سبع وثلاثون، فالهواء الذي يدخل إلى الأنف يصل إلى الحلق درجته سبع وثلاثون عن طريق سطوح متداخلة، أي الهواء يمشي بالأنف بطريق طويل وسطوح متداخلة، كان هنا بدرجة صفر وصل إلى هنا بدرجة تقدر بسبع وثلاثين، لو أن في الهواء غباراً أو آثار احتراق، هناك طبقة مخاطية على هذه السطوح، هذا الغبار وهذا الفحم يلتصق بهذه الطبقة، فإذا نظف الإنسان أنفه يخرج من الأنف مادة سوداء، ذرات الفحم العالقة بالهواء تلتصق بهذه الطبقات، يد من؟ علم من؟ حكمة من؟ صنعة من؟ لذلك الذي يتنفس من فمه يعطل هذا الجهاز، هذا الجهاز له مكانة كبيرة جداً، جهاز بالغ التعقيد، يجعل الهواء من صفر إلى سبع وثلاثين، وأي شيء يحمله الهواء من غبار أو من ذرات فحم تلتصق، لذلك إذا فكرت بالأنف أو بالعين أو بالشعر أو بالأظافر تجد أن هناك آيات عظمى.

4 ـ المري :

 فكرت بالمري، إذا إنسان علقناه من رجليه وأطعمناه، ما الذي يحصل؟ تنتقل هذه التفاحة عبر المري إلى المعدة، لكن هو معلق من رجليه والمعدة في الأعلى والتفاحة في الأسفل فكيف تصعد هذه إلى أعلى بعكس الجاذبية؟ المري فيه عضلات دائرية تتقلص تباعاً، فلو علقت إنساناً من رجليه وأطعمته تفاحة، هذه التفاحة بعد أن يمضغها في فمه، والناتج ينتقل إلى المعدة صعوداً، صنعة من هذه؟

5 ـ لسان المزمار :

 وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك، ما الذي يحصل؟ تذهب رسالة إلى الدماغ أن اللعاب زاد، يأتي أمر من الدماغ ينتقل لسان المزمار من تغطية المري إلى تغطية القصبة، وأنت نائم لسان المزمار يغطي المري، يغلق القصبة الهوائية من أجل أن تتنفس، وأنت نائم تبلع اللعاب وأنت مرتاح، أوضح شيء عند طبيب الأسنان إذا العملية طويلة يضع لك شراقة، هذا اللعاب يزداد حتى يخرج من الفم، أنت تنام كل اللعاب الزائد ينتقل إلى المري، بعد أن ينتقل إلى المري يرجع لسان المزمار يغطي المري ويفتح القصبة.

6 ـ مراكز الإحساس بالضغط :

 وأنت نائم هناك مراكز الإحساس بالضغط، الهيكل العظمي وما فوقه من عضلات تضغط على ما تحته من عضلات، هذا الضغط يؤدي إلى أن تضيق لمعة الأوعية فتضعف التروية، تذهب رسالة من القسم الذي تحت الهيكل العظمي إلى الدماغ صار هناك ضغط قلّت التروية، الدماغ يعطي أمراً وأنت نائم فتتقلب، لما قلبت قلبة عكست الموضوع، العضلات المضغوطة أصبحت فوق، والضاغطة أصبحت تحت، قال تعالى:

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

[ سورة الكهف: 18 ]

 هذه أشياء بديهة أنت نائم تتقلب خمس مرات، عشر مرات، لو قلبك ذات اليمين وذات اليمن تقع من على السرير.
 أيها الأخوة الكرام، عود نفسك أن تفكر بجسمك، وأنت تشرب اسأل نفسك: هذا الماء عذب لو كان مالحاً من جعله عذباً فراتاً؟ هذا الخبز كان قمحاً، هناك أشياء بين أيديكم فإذا عرفت الله أكثر ازدادت طاعتك له أكثر، وازدادت محبتك له أكثر، وازداد قربك له أكثر.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور