وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 095 - خواطر إيمانية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الوقت أثمن شيء في حياة الإنسان:

 أيها الأخوة الكرام، أولاً قالوا: إن لم تخطط يُخطَط لك، هناك إنسان يأتي إلى الدنيا يعيش بحكم أنه موجود، لا يخطط يصبح رقماً سهلاً في خطة أعدائه، أما كل واحد منكم إذا سأل نفسه سؤالاً دقيقاً لماذا جاء الله بي إلى الدنيا ؟ جاء بك إلى الدنيا لتكون الدنيا ثمناً لجنة إلى أبد الآبدين، لذلك أثمن شيء في الدنيا الوقت، لأنك وقت، لأنك بضعة أيام، فالمؤمن الموفق يحسن إدارة وقته، الوقت هو أنت، أنت بأدق أدق التعاريف بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، والإنسان حينما يأتي يوم القيامة لا يندم إلا على ساعة مضت لم يذكر الله فيها:

 

﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

 

( سورة المؤمنون )

 فالإنسان كما يقال: " ما مضى فات والمؤمل غيب ـ الغيب لا تملكه ـ ولك الساعة التي أنت فيها".
 أنت الآن لا تملك إلا هذه الساعة لأن الماضي مضى، ولا جدوى من الحديث عنه، أما المستقبل لا تملكه، أنا زرت إنساناً خلال ساعة حدثني عن مشاريعه خلال عشرين عام قادمة، سيسافر، وسيمضي السنوات الخمس في بلد معين، وبلد آخر، وبلد ثالث، ثم يعود إلى بلده، يكبر أولاده ويشتري محلاً ليبيع فيه التحف، و بعد أن انتهى من الكلام ذهب، الذي أذكره يقيناً أنه حدثني عن عشرين عاماً قادمة، وفي المساء رأيت نعوته على الجدران.
 ما مضى فات والمؤمل غيب ـ الغيب لا تملكه ـ ولك الساعة التي أنت فيها. أنت بين يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود، أما اليوم المفقود فهو الماضي وما مضى فات، وأما اليوم المشهود فهو الحاضر الآن، وأما اليوم المورود فهو الموت، ساعة الموت، وأما اليوم الموعود فهو يوم القيامة، وأما اليوم الممدود إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها.

 

الاستقامة تفضي بالإنسان إلى السلامة والعمل الصالح يفضي به إلى السعادة:

 أيها الأخوة الكرام، أحياناً أنطلق من مفهوم خاص إذا كنت تحب نفسك ولا تحب أحداً فأطع ربك، لأنك بطاعة الله تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، المعنى الأول:

 

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

 

(سورة الكهف)

 يقول لك شاب: أشعر بملل، أصلي صلاة لا معنى لها، أقرأ القرآن الكريم فلا أتأثر، أذكر الله فلا أبكي، معنى هذا أن هناك حالة حجاب، لكن هو مستقيم، استقامتك تودي بك إلى السلامة، مثلاً أنت تزوجت امرأة صالحة، لا يوجد عندك مشكلة في بيتك، الزوجة صالحة، دخلك حلال، لا يوجد عندك مشكلة في مالك، المال لا يدمر ما دام حلالاً، أي الاستقامة تفضي بك إلى السلامة، أما العمل الصالح يفضي بك إلى السعادة.

مع البعد عن الله هناك مشاعر مؤلمة لا تنتهي:

 مبدئياً لا تحب أحداً، أحب نفسك انطلاقاً من حبك لنفسك أو انطلاقاً من أنانيتك ينبغي أن تطيع الله، بطاعتك لله تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، صدق ولا أبالغ، هناك أمراض نفسية لا يعلمها إلا الله، كل هذه الأمراض هي أعراض البعد عن الله، مع البعد عن الله هناك شك، و ملل، وسأم، و ضجر، و إحساس بالنقص، و خوف:

 

﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 151 )

 مع البعد عن الله هناك مشاعر مؤلمة لا تنتهي، أقول لك مرة ثانية: ما من واحد منا من دون استثناء إلا وقد جبل على حبّ وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، السلامة وكمال واستمرار، بطاعة الله تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، بتربية أولادك تستمر، لا أنسى مرة أحد العلماء الكبار ـ توفاه الله عز وجل ـ أقيم له حفل عزاء في الأموي، في اليوم الثالث قام ابنه وخطب خطبة لا تقل عن خطبة أبيه، أنا تأثرت جداً وبكيت، قلت: إذاً هذا العالم الجليل لم يمت، استمر من خلال ابنه.

 

من كان مفرطاً في حبِّ نفسه فعليه أن يطيع الله عز وجل لأن طاعة الله نجاح كبير:

 اسمحوا لي أن أقول لكم بصراحة: إذا كنت مفرطاً في محبة نفسك ينبغي أن تطيع الله، وطاعة الله نجاح كبير، بالمناسبة لا يوجد حرمان أبداً، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أعداء الدين يوهمونك أن الدين كله حرمان، هذه حرام وهذه حرام، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
 المرأة ؛ تزوج، وإذا غضضت بصرك عن محارم الله تظن أنه ليس في الأرض زوجة أفضل من زوجتك، هذا الحب يخلقه الله بين الزوجين، والدليل:

 

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 

( سورة الروم )

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾

( سورة فصلت)

 ومن آياته كما أن الكون من آياته:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

 

( سورة الروم الآية: 21 )

 أي أكبر نتيجة، وأكبر ثمن، وأكبر مكافأة لك في الدنيا عن غض بصرك عن محارم الله، وعلى عفتك قبل الزواج، وعلى استقامتك، زوجة صالحة، تسرك إذا نظرت إليها، تحفظك إذا غبت عنها، تطيعك إن أمرتها، هذه مكافأة.

 

من لم يقل أنا أسعد إنسان ففي إيمانه خلل كبير:

 أتمنى أن أقول لك الدنيا كلها سعادة:

 

 

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

 

( سورة الرحمن )

 قال علماء التفسير: " هناك جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ". " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ". والله الذي لا إله إلا هو إن لم تقل ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، إن لم تقل ذلك هناك خلل في إيمانك، أنت مخلوق تعرفت إلى خالق السماوات والأرض، بيده كل شيء، بيده الكبار والصغار، والأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، والطغاة بيده:

 

﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) ﴾

 

( سورة طه )

 الله معنا، أيها الأخوة الكرام، عندما تعرف الله عز وجل تصير إنساناً آخر لا تخاف، الله عز وجل يرفع ذكرك، يعطيك معنويات قوية جداً، يشعرك أنه يحبك، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ من يستطيع أن يصل إليك إذا كان الله معك؟ من يستطيع أن ينال منك إذا كان الله معك ؟ أي لا تظن أنك إذا سلكت طريقاً إلى الله فأنت إنسان عادي، أنت إنسان متفوق متميز، أنت إنسان عرفت سرّ وجودك وغاية وجودك، فيا أيها الأخوة الكرام، راجع حساباتك، ارسم خطة لحياتك.

 

المؤمن رقم صعب يحاسب نفسه دائماً:

 بدأت هذا اللقاء الطيب بكلمة: إن لم تخطط يخطط لك، إن خططت تكون رقماً صعباً، أي المؤمن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتَّى يظهره الله أو أهلك دونه ))

 

[ السيرة النبوية ]

 أحد أخوتنا الكرام موظف في دائرة، لي درس في جامع الطاغوسية سابقاً ربع ساعة، والدائرة قريبة من هذا المسجد، فهذا الأخ يأتي إلى هذا المسجد يصلي ويستمع إلى الدرس ويعود إلى عمله، بالدائرة يوجد رئيس عصبي، قدم له هذا الموظف إجازة ستة أيام، فهذا المدير العام انفعل قال له: الآن لا يوجد إجازات، قال له: سيدي هذه الأيام الست أنا استهلكتها في صلاة الظهر، جمع أرباع الساعات فكانت ستة أيام حتى يكون معاشه حلالاً قدم إجازة بستة أيام، يقسم بالله هذا الإنسان إنه يموت ولا يصدق أن يدخل المدير العام إلى المسجد، قال له أين مسجدك ؟ فأخبره عن مكان المسجد، فكان هذا المدير في الأسبوع القادم بالمسجد، هذا الإنسان البعيد لا يقنعه شيء بالدين، عندما وجد موظفاً حاسب نفسه على الدوام، حاسب نفسه على ربع ساعة باليوم، جمعهم فكانوا ستة أيام فأخذ إجازة فيهم، المؤمن رقم صعب، المال تحت قدمه، التبر كالتراب:

 

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتَّى يظهره الله أو أهلك دونه ))

 

[ السيرة النبوية ]

من عرف الله كان عنده كبيراً:

 أنا أتساءل لمَ لا تكن رقماً صعباً ؟ ماذا يوجد في الدنيا ؟ هناك بناء بأرقى أحياء دمشق، البيت ثمنه يقدر بمئة وثمانين مليون فما فوق، البناء تقريباً عشرة طوابق، لا يوجد بيت سكنه صاحبه، اشتراه ولم يسكنه إلا واحد كان محظوظاً جداً فغسل في هذا البيت، هذه الدنيا بثانية ينتهي كل شيء، كل مكانتك، وكل عظمتك، وكل هيمنتك، وكل حجمك المالي، منوط بدقات قلبك، توقف القلب، عظم الله أجركم، أي كل آمالك منوطة بحياتك، فالإنسان إذا عرف هذه الحقيقة يجعل نفسه رقماً صعباً، إذا أنت لك موقف بمئة ليرة تغيره، بألف، بمليون، بمئة مليون لا تغيره، هذا المؤمن، لو فرضنا قاض يحقق بجريمة قتل، يمكن أن يعتبر الموت طبيعياً، و لا يوجد جريمة، إذا دفع له عشرة ملايين، لكن القاضي النزيه لا يغير قناعته ولا بألف مليون، هذا المؤمن لا يغير، والله عندما جاءت كنوز كسرى، الكنوز مليارات، تاج كسرى، سوار كسرى، ثياب كلها ألماس وذهب، عندما وضعت في المدينة كانت أعلى من رمحي الصحابيين، أي وقف صحابي بطرف وصحابي بطرف ورفع الصحابيان رمحيهما فلم ير الأول رمح الثاني، كلها كنوز، فسيدنا عمر قال: إن الذي أدى هذا لأمين، ما هذه الأمانة ؟ فقال له سيدنا علي: يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم، لقد عففت فعفوا ولو وقعت لوقعوا.
 أي أنت إنسان متواضع جداً، ليس لك مرتبة اجتماعية كبيرة، مواطن عادي، لكنك تعرف الله فأنت عند الله كبير، في بعض الآثار النبوية :

((أن صحابياً فقيراً جداً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به ترحيباً عجيباً، قال أهلاً بمن أخبرني جبريل بقدومه، قال له: أنا ؟ قال له: نعم يا أخي، أنت خامل في الأرض علم في السماء.))

 قد يكون أحدكم طالب بكالوريا لا يوجد ألقاب، ولا سيادة، ولا سماحة، ولا فضيلة، ولا سيادة العميد، لا يوجد شيء، طالب بكالوريا ومستقيم، هدفه الله عز وجل، هل تصدق أن قلامة ظفرك تساوي عند الله مليون رجل فاسق ؟ هذا الإيمان.

قانون الاتصال بالله عز وجل:

 أيها الأخوة الكرام الإله العظيم له مليون طريق كي تصل إليه، مثلاً: بأي مملكة إذا كان هناك ملك هل تستطيع أن تقابله ؟ شبه مستحيل بأي مكان في العالم، لكن ملك الملوك، مالك الملوك:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾

 

(سورة الكهف)

 أنا أوضح الفكرة بالمثل التالي، بكل جيوش العالم هناك مجند غر، التحق البارحة بالخدمة الإلزامية، ولا يوجد رتبة بالجيش أقل من مجند غر، دخل منذ يومين إلى الجيش وفي الجيش سبعة عريف، وسبعتين عريف أول، وثمانية مساعد، وثمانيتين مساعد أول، وبعده ملازم أول، ثم نقيب ثلاث نجمات، ثم تاج رائد، ثم مقدم، عميد، عقيد، لواء، ثم لواء أركان حرب، هذا المجند الغر هل يستطيع أن يقابل لواء أركان حرب ؟ لا يراها حتى في المنام، إلا بحالة واحدة، أن يرى ابن هذا اللواء يسبح، وكان على وشك الغرق فينقذه، صدق ولا أبالغ يمكن أن يدفع الباب برجله، ويرحب به، ويضعه إلى جانبه ويأتي بالضيافة، ما الذي حمله على أن يستقبل هذا الاستقبال ؟ عمله الصالح، اسمعوا هذه الآية:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾

 

(سورة الكهف)

العمل الصالح يبعد المشاكل والأمراض عن الإنسان:

 تحب أن تبكي في الصلاة اخدم عباده، اصدقهم، لا تغشهم، عاونهم، أطعم الجائع، اكسُ العريان، انصح إنساناً، أنا مرة أمشي بأحد أسواق دمشق، وجدت إنساناً فقيراً جداً اشترى براد بردى من المؤسسة الاستهلاكية، وهو فرح به كثيراً، وهناك سيارة شاحنة يريد أن ينقله إلى بيته، وأنا معلوماتي المتواضعة البراد إذا وضعته بشكل أفقي الزيت يختلف بالمحرك، فإن شغلته فجأة يحترق المحرك، والله انتقلت من رصيف إلى رصيف وقلت له: عندما تشغله أوقفه واتركه من خمس إلى ست ساعات ثم شغله، قلت: مسكين فرح به إذا اخطأ وشغله في البيت احترق المحرك، أنت عندما تعمل عملاً صالحاً ولو كلمة، أحياناً تريد أن تتوضأ هناك نملة توقف وأخرجها، لا تغرقها، عندما أنت تعرف الله عز وجل، تصير كتلة خير، ترحم نملة لا تقتلها:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

 

( سورة الكهف )

 أنا أحب من أخواننا الشباب أن يثقوا بالله، لا تخف إن شاء الله ستجد عملاً جيداً، وتأخذ شهادات عليا، وتتزوج زوجة صالحة، كنت مرة في استنبول أوصلني أخ تركي إلى المطار فما في لغة مشتركة بيننا لكن هناك مترجم، قلت له: اسأله هل هو متزوج ؟ فكان الجواب: لا، قلت: قل له: الله يبعث لك زوجة، تسرك إذا نظرت إليها، تحفظك إذا غبت عنها، تطيعك إن أمرتها، فلما ترجم له قال: أتمنى أن أوصله إلى الشام.
 أنت عندما تعرف الله عز وجل لا يوجد عندك مشكلة أبداً، لا يوجد مرض نفسي مع الإيمان، والله مستحيل، سوداوية، وسوسة، خوف، هلع، لا يوجد شيء من هذا، أنت مؤمن فالطريق إلى الله سالك.

 

الله عز وجل يعتمد مقياسين فقط للمفاضلة بين خلقه ؛ العلم والعمل:

 أهلاً بمن أخبرني جبريل بقدومه، الصحابي فقير جداً، الله عز وجل عنده مقياسين فقط، نحن عندنا مليون مقياس، الغني له ترتيب آخر، والقوي محترم، والوسيم محترم، والذكي محترم، الذكاء مقياس، والوسامة مقياس، والغنى مقياس، والقوة مقياس، لكن عند الله مقياسين فقط، مقياس العلم ومقياس العمل، العلم:

 

 

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

 

( سورة المجادلة )

 والعمل، قال تعالى:

 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

 

( سورة الأنعام)

 لم يعتمد القرآن الكريم إلا قيمتين، قيمة العلم وقيمة العمل:

 

كن ابن من شئت واكتسب أدباً  يغنيك محموده عن النسب
***

 

من هاب الله هابه كل شيء ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء:

 أنا أخاطب أخواننا الشباب، كن ابن من شئت، غني، فقير، من أسرة مشهورة، من أسرة مغمورة، وسيم الصورة، أقل وسامة، الله عز وجل يعتمد مقياسين فقط للمفاضلة بين خلقه:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 13 )

 ما قولك تكون إنساناً كبيراً عند الله، عظيماً، متفوقاً ؟ عليك بطاعة الله، والله مرة سمعت أن أخاً مقيم بأقصى مكان في سوريا، في شمال شرق سوريا، جاء إلى الشام فمرّ أمام جامع الطاغوسية، دخل فسمع درساً من دروسي، يبدو أنه تأثر تأثراً بالغاً، هو غير متعلم، ماذا يعمل ؟ يعمل في لبنان، يجبل الإسمنت، ويحمل الرمل، سمع الدرس فتأثر فيه، بدأ يأخذ أشرطة من عندي ويسمع ـ سبحان الله ـ الأمر تطور، أخذ الابتدائية والإعدادية والثانوية، كل ذلك كان دراسة خاصة، ودخل معهد الفتح، وأخذ شهادة عليا، والآن والله هو داعية في بلاده، أقول: يا رب عندما يعرفك الإنسان تيسر له أمره، أحياناً يكون الطالب متفرغاً، له أهل، وأكل، وشرب، وسيارة، وأساتذة، ووظائف، ودروس خاصة، هذا يعمل فاعلاً في الصيف، يأكل لقمتين في الشتاء، وأخذ شهادة عليا، والآن يعمل في الدعوة، أنا أتمنى على كل واحد منكم أن يكون داعية، تعلم، أدِّ العبادات، اطلب العلم، اعمل عملاً صالحاً، اخطب ود ربك، فالإنسان إذا خطب فتاة أول زيارة معه هدية، ليس من المعقول أن يأتي بدون هدية، يلبس ويترتب ويتعطر، أنت اخطب ود الله عز وجل، الإله العظيم يخطب وده، بعبادة، بصلاة، بقرآن، بغض بصر، باستقامة، بعمل صالح، بدعوة، حاول أن تخطب ود ربك، حاول أن تقيم معه علاقة متينة جداً، حاول أن تتفانى بمحبته، انظر كيف أن الله يرفع لك ذكرك، من هاب الله هابه كل شيء، ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء.

 

من كان مستقيماً على أمر الله عز وجل مُنح السعادة والطمأنينة والأمن:

 هذا الدرس ليس له عنوان، هو خواطر إيمانية، يجب أن تكون رقماً صعباً، يجب أن تقيم علاقة مع الله مباشرة، مرة جاء لعندي إنسان قال لي: أنا كنت عند طبيب نفسي غير مسلم فهم موضوعي بدقة، قال لي: أنت مشكلتك أن عندك شعوراً أن الله عز وجل لا يحبك، فأنت يجب أن تناجيه، والله أنا تأثرت كثيراً، هذا طبيب غير مسلم قال له هذا الكلام، فأنت اعمل عملاً صالحاً، سمع الله لك الحمد، يا رب لك الشكر والنعمة والرضا حمداً كثيراً طيباً مباركاً، بالسجود، يا رب اهدني واهدِ بي، دلني عليك لا تجعل حوائجي إلا إليك، ارزقني طيباً واستعملني صالحاً، ناجِه، صدق ولا أبالغ:

 

 

(( َمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ِ))

 

[ رواه البخاري عن أبي هريرة ]

 الله يقول لك: أنا أنتظرك، كلمة سمع الله لمن حمده، هل تنتبه أنت لها ؟ أنا سأسمعك يا عبدي، منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، هذا الإله العظيم ألا يستحق أن تخطب وده ؟

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾

 

( سورة مريم )

 يجعل لك مودة معه، أحياناً إنسان يكون سائق وزير لا تستطيع أن تكلمه، يمشي بالعرض، يقول لك: أنا عند الوزير الفلاني، خير إن شاء الله، فأنت إذا كان لك علاقة مع الله عز وجل، مع خالق الأكوان، مع ملك الملوك، مع الذي بيده ملكوت كل شيء، بيده الموت والحياة، بيده الرزق، بيده الطمأنينة، بيده السعادة، بيده الأمن، قال تعالى:

 

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

 

( سورة الأنعام )

طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً:

 فيا أيها الأخوة الطريق سالك:

 

(( من سلك طريق يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ))

 

[ الترمذي عن زر بن حبيش]

 مرة قال لي أخ: ـ هو له منصب جيد جداً و أَلِف أن يحضر درس الجمعة ـ اليوم لا تعطي درساً، أخذ أهله إلى الزبداني، وأراد أن يملأ وعاء من ماء بقين، شاب لطيف قال له: هل تحب أن أملأ لك هذا الوعاء ؟ قال له: نعم، شكراً لك، و إذ بهذا الشاب قد أخذ منه الجزدان، فيه هويته وشهادة السواقة، وتحتاج كل وثيقة إلى أشهر حتى يظهر غيرها، كما أخذ المبلغ الموجود كله، قال: يا رب الحق عليّ ألغيت درس الجمعة وذهبت إلى الزبداني.
 أحياناً الإنسان إذا كان له طاعة لا يغيرها:

 

((أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 

[البخاري عن عائشة رضي الله عنها]

 كان عليه الصلاة والسلام عمله مستمر، أي إن أَلِفت درساً فحافظ عليه، من الحفاظ على الدروس ينشأ تراكماً، وعندما تراكم عندك القناعات دون أن تشعر تستقيم، أنت تحب نفسك، كل واحد منا يحب نفسه، جبل على حبّ وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، تراكم الدروس، تراكم القناعات، تراكم الشروح، ينشأ عندك قاعدة فكرية، يجب أن أستقيم، يجب أن أغض بصري، يجب أن أضبط لساني، يجب أن أدرس.
 سأروي لكم قصة سمعتها من الشيخ محمد سكر ـ رحمه الله ـ هذا كان من علماء القرآن.
 تبعد الصعيد عن القاهرة ألف كيلو متر، إنسان أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد خمس سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فعندما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي، بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك هو بكى أسفاً على نفسه، كيف أمضى حياته في الجهل ؟ في اليوم الثاني ركب دابته ـ هو في صعيد مصر، وبين صعيد مصر و القاهرة حوالي ألف كيلو متر ـ واتجه نحو القاهرة، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر ؟ قالوا له: ما الأزعر ؟ قال: مكان التعلم، قالوا: اسمه الأزهر، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر، بدأ في تعلم القراءة، والكتابة، وتابع، وما مات إلا شيخ الأزهر، بدأ يتعلم و عمره خمسة وخمسون عاماً، ومات في السادسة والتسعين و هو شيخ الأزهر.
 فالإنسان إذا طلب العلم، السعادة كلها في العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
 طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.

 

نتائج الاستقامة لا تعد ولا تحصى:

 لذلك أيها الأخوة الكرام، الحديث الشريف:

 

 

(( استقيموا، ولن تحصوا ))

 

[ أحمد و ابن ماجه عن ثوبان ]

 أنت إذا استقمت تتمتع بحياة سعيدة، بمكانة، براحة نفسية، بحالة رضا، بحكمة، بطمأنينة، نتائج الاستقامة لا تعد ولا تحصى.
كلمة مختصرة: لا تفكر أن تقطف من ثمار الدين شيئاً إن لم تكن مستقيماً، لذلك الحديث الشريف:

 

(( استقيموا، ولن تحصوا ))

 

[ أحمد و ابن ماجه عن ثوبان ]

 ماذا ؟ الخيرات، شيء ينعكس على صحتك، وعلى دراستك، وعلى مكانتك، وعلى زواجك، وعلى أولادك، وعلى توفيقك، وعلى العمل الصالح، فهذا الدين دين استقامة، دين التزام، دين أن تقف عند الحلال والحرام، دين أن ترعى حق الله، دين أن تتصل به، دين أن تعمل صالحاً، والإنسان حينما يأتيه ملك الموت:

 

﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾

 

( سورة يس)

 أسأل الله أيها الأخوة الكرام أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور