- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيء قدير . اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الزّمن :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ انتظرنا عيدَ الأضحى المُبارك ، وجاء عيد الأضحى المبارك ، وانقضى عيد الأضحى المبارك . وانتظرنا من قَبل شهر الصيام ، وأتى شهر الصيام، وانقضى شهر الصيام . وانتظرنا عيد الفطر السعيد ، وأتى عيد الفطر السعيد ، وانقضى عيد الفطر السعيد . انتظرنا موسم الحج ، وجاء موسم الحج ، وانتهى موسم الحج . ماذا يعني ذلك؟ إنه الزمن ، إنه الزمن في حركته .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ النُقطة إذا تحرَّكت رسمت خطاً ، والخط إذا تحرَّك رسم سطحاً ، والسطحُ إذا تحرَّك شكَّل حجماً ، والحجم إذا تحرَّك شكَّل زمناً . لذلك قال بعض العلماء: " الزمن هو البُعْدُ الرابع للأشياء " . ما علاقة الزمن بحياتنا ؟ وما دوره في عقيدتنا ؟ وما مكانته في تصوراتنا ؟ إن له أكبر حجمٍ في حياتنا ، بل إن حياتنا كلَّها هي الزمن فقط ، الإنسان - كما يقولون - بضعة أيام كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه ، كل مخلوقٍ يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يقول المناطقة - أي علماء المَنْطِق - كل حدثٍ لابدَّ له مِن مُحْدِث ، وكل حدثٍ لابدَّ له من سبب ، وكل حدثٍ لابدَّ له من مسرحٍ مكاني ، وكل حدثٍ لابدَّ له من ظرفٍ زماني ، فالإنسان مُحْدَث ، لقد أحدثه الله عزَّ وجل ، لِمَ أحدثه ؟ وأين أحدثه ؟ وما الظرف الزماني الذي يستوعبه ؟ مسرحه المكاني الأرض ، وظرفه الزماني عمره ، والمُحْدِث هو الله ، وعلة وجوده عبادة الله عزَّ وجل .
علة وجوده ، أو الهدف من وجوده ، أو سبب وجوده أسماءٌ ثلاثة لمسمَّىً واحد . موضوع الخطبة اليوم " الزمن ".
الإنسان بضعة أيام كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ الزمن هو الإنسان ، تشتدُّ قيمة الزمن ، تعظُم قيمة الزمن في حياة الإنسان حتى تنطبق عليه كُلِّيَةً ، حتى إننا نقول : إنَّ الإنسان هو الزمن ، بضعة أيام، كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه .
لذلك الله سبحانه وتعالى يتحدَّث كثيراً في كتابه عن خسارة الإنسان ، كيف يخسر الإنسان ؟ في بعض السوَر :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
وفي آيةٍ ثانية :
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾
ما معنى الخسارة ؟ معنى الخسارة أنك تمتلك رأسَ المال ، هل يقال لإنسان لا يملك درهماً خاسر ؟ خسر ماذا ؟ لا يوصف إنسان لا يملك رأس المال بالخسارة ، لأنه لا يملك ما يخسره ، لكنَّ الذي يملك رأس مالٍ صغيراً أو كبيراً إذا فقده فقد خسره ، فكيف إذا كان عمرك رأس مالك ؟ فكيف إذا كان الوقت هو أنت ؟ فكيف إذا كُنت بضعة أيام كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك ؟ .
أيها الأخوة الأكارم ؛ تصوروا إنساناً يملِك مئة ألف ليرة ، أو يملك مليون ليرة ، وبدأ يُنفق منها على مصروفه اليومي ، لماذا يشعر بقلقٍ شديد ؟ يقول بعض التُجَّار : نأكل من رأس مالنا . لأن هذا الرأس المال من أجل أن تستثمره ، من أجل أن يعود عليك بالربح ، من أجل أن تأكل من رَيْعِهِ لا من أصله ، فإذا أنفقت على مصروفك اليومي من أصل رأس مالك ، تشعر بقلقٍ شديد ، تشعر بخسارةٍ ما بعدها خسارة .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ حينما يُوصف الإنسان بأنه يخسر معنى ذلك أن له رأس مال . هذا الرأسُ المال إما أن تستثمره ، وإما أن تستهلكه ، الأحمق ، والغبيُّ ، والغافل ، والجاهل هو الذي ينفق من رأس ماله . والعاقل ، والفالح ، والذكيُّ ، والموفَّق ، والفائز هو الذي ينفق من رَيْع ماله لا من أصل ماله .
النطق والاستماع نشاطٌ فكري عقلي يؤكِّد إنسانيَّة الإنسان :
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في خطبةٍ من خطبه الجامعة المانعة ، قال :
(( لا خير في العيش إلا لمستمع واع أو عالم ناطق ))
لأن الجماد شيءٌ له حيِّز ، له وزن ، له عَرْض ، له ارتفاع ، له طول ، يشغل حيزاً في العالَم الماديّ ، بينما النبات شيءٌ له حيز ولكنه ينمو ، أما الحيوان فشيءٌ له حيِّز وينمو لكنه يتحرَّك ، الإنسان شيءٌ له حيزٌ ، وينمو ، ويتحرك ، لكنه يفكِّر ، لكنه يعقل . .
﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
علَّة الشقاء تَعْطيل العقل ، " أرجحكم عقلاً أشدُّكم له حباً " . " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " . ضبط جوارحه ، ضبط لسانه ، ضبط عينه ، ضبط أذنه ، ضبط يده ، ضبط رجله ، ضبط حركته ، ضبط دخلَه ، من أين جاء بالمال ؟ ضبط إنفاقه ، ضبط بيته ، ضبط زوجته ، ضبط بناته ، ضبط عملَه فجعله وفق الشرع ، هذا هو الكيِّس ، هذا هو العاقل ، هذا هو الذكيّ ، هذا هو الفالح ، هذا هو المتفوق :
((الكيس من دان نفس وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هوها وتمنى على الله الأماني ))
أيها الأخوة الأكارم ؛
(( لا خير في العيش إلا لمستمع واع أو عالم ناطق ))
النطق والاستماع نشاطٌ فكري ، نشاطٌ عقلي ، هذا النشاط عطاء وأخذ ، نُطْق واستماع ، إلقاء وتلقّ ، هذا النشاط هو الذي يؤكِّد إنسانيَّة الإنسان ، هو الذي يرفعك عن مستوى الجماد ، وعن مستوى النبات ، وعن مستوى الحيوان إلى مرتبة الإنسان ؛ ذلك المخلوق الأول ، والمخلوق المكرَّم . .
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾
خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عن الوقت و عمله بالإنسان :
((أيها الناس لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق ، أو مستمعٍ واعٍ ، أيها الناس إنكم في زمن هدنة ))
أنتم في هدنةٍ مع الله ، كما أن الطالب في أثناء العام الدراسي في هدنة ، متى يحاسب ؟ عند الامتحان ، ومتى يحدد مصيره ؟ بعد الامتحان ، لكنه في أثناء العام الدراسي في هُدنة ، في سلامٍ مع الأساتذة ، ومع الإدارة ، لا يُدرى أينجح أم يرسب ؟ هو مخيَّر بإمكانه أن يدرس أو ألا يدرس ، أن يذاكر أو ألا يذاكر ، أن يداوم أو ألا يداوم . .
((إنكم في زمن هدنة وإن السير بكم لسريع ))
ما بين طرفة عينٍ وانتباهتها يغير اللهُ من حالٍ إلى حال ، ليسأل كلٌ منا هذا السؤال : كم مضى من عمري ؟ أربعون ، ثلاثون ، عشرون ، خمسون ، ستون . اسأل سؤالاً آخر : كيف مضت ؟ يقول لك : كلمح البصر ، ماذا بقي ؟ هل بقي بقدر ما مضى ؟ لا ندري. إذا مضى الذي مضى كلمح البصر ، فلابدَّ من أن يمضي الذي بقي كلمح البصر . .
((وإن السير بكم لسريع ، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد ))
الليل والنهار يعملان فيك ، كما قال سيدنا عمر بن عبد العزيز ، ألا تملك صوراً وأنت شاب ؟ انظر إليها من حينٍ إلى آخر ، وانظر إلى وجهك في هذه اللحظة الراهنة ، هذا من أثر الزمن ، هذا من أثر مُضيِّ الأيام والليالي ، مضيّ الشهور والسنوات ، الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ، إن لم تعمل فيهما فأنت في خسارة لأنك تستهلك رأس مالك . .
((وإن السير بكم لسريع ))
هذا من خطبة النبي عليه الصلاة والسلام .
((وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد ))
لكل جديدٍ بهجة ، حينما يقتني الإنسان مركبةً أول مرة لا تسخو نفسه بنزع الغطاء الشفَّاف عن مقاعِدها ، فرحاً بها ، انظر إليها بعد خمس سنوات ، بعد عشر سنوات ، وقد أكل عليها الدهر وشرب وملَّ منها . .
((يبليان كل جديد ، ويقرِّبان كل بعيد ))
مهما بدا لك الشيء بعيداً فالليل والنهر يقرِّبانه . .
(( ويأتيان بكل موعود ))
وقد وُعِدْنا بالموت وسيأتي الموت . فقال له المقداد عليه رضوان الله : يا رسول الله ما الهُدنة ؟ قال :
(( دار بلاءٍ وانقطاع ))
من تعريفات النبي الجامعة المانعة ، من تعريفاته الدقيقة الدقيقة :
(( دار بلاءٍ وانقطاع ))
انقطاع ، يأتي الموت ليأخذ منك كل شيء ، هذه الأشياء الكثيرة التي جمَّعتها يوماً بيوم ، وأسبوعاً بأسبوع ، وشهراً بشهر ، وعاماً بعام ، وعقداً بعقد ؛ هذا البيت ، هذه المركبة ، هذه السُمْعَة ، هذه المكانة ، هذه العلامة التجارية ، هذا الاسم المتألِّق ، هؤلاء الأولاد الذين أمامك ، هؤلاء حينما يأتي مَلَك الموت نغادر الدنيا ونترك فيها كل شيء ، هذا معنى :
(( دار بلاءٍ وانقطاع ))
البلاء الامتحان . .
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
((دار بلاءٍ وانقطاع فإذا التبست الأمور عليكم))
تداخلت الأفكار ، وكثرت المَذاهب ، واختلف الناس ، واحتدم النقاش ، وكلٌ يدعي وصلاً بليلى ، وكلٌ يدّعي أنه على حق، هؤلاء مع هؤلاء ، وهؤلاء مع هؤلاء ، وهؤلاء لهم حججهم ، وهؤلاء لهم انتقاداتهم .
(( فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ))
كلام خالق الكون ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
((فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وماحل مصدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه قاده إلى النار))
إن لم تعبأ بالقرآن ، إن لم تأتمر بأمر القرآن ، إن لم تنتهِ عما نهى عنه القرآن ، إن لم تأخذْ بحلال القرآن ، إن لم تدع حرام القرآن ، إن لم تصدِّق أخبار القرآن ، إن لم تصدق ما ينبئك به القرآن عن الغيب ، هذا معنى " جعله وراءه " .
(( ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه قاده إلى النار ، وهو الدليل إلى خير سبيل ))
ما هذه البلاغة يا سيدنا يا رسول الله ؟! .
((أو هو دليل إلى خير سبيل ، من قال به صدق ، ومن عمل به أُجِرْ ، ومن حكم به عَدَل))
قراءة القرآن و العمل به ضمانة للإنسان من أرذل العمر :
أيها الأخوة الأكارم ؛
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
الإنسان في سن الثلاثين ؛ قلبه ينبض ، وعروقه مَرِنَة ، ورئتاه متسعتان ، وعضلاته مفتولة ، وقوَّته نشيطة ، وأجهزته تعمل بانتظام ، كلَّما انقضى عامٌ إثر عام ، ضعفت العضوية ، وَهَنَتْ القوة ، ضعفت الأجهزة ، ضعف عمل القلب ، ضعف عمل الرئتين ، ضعفت العضلات ، نَخِرَت العظام ، هذا معنى :
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾
العضوية يسير خَطُّها البياني نحو الهبوط بعد سن الثلاثين أو الأربعين ، نحو الهبوط إلى أن يبلغ أسفل سافلين ، إلى أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر ، إلى أن يصبح كالطفل الصغير، إلى أن يصبح حَشَرِيَّ المزاج ، ثقيل الظِل ، إلى أن يصبح عبئاً على من حوله . .
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
انظر إلى الشاب . .
﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾
من تعلَّم القرآن متَّعه الله بعقله حتى يموت ، اقرؤوا القرآن ، احفظوا القرآن ، افهموا القرآن ، اعملوا بالقرآن فهو ضمانةٌ لكم من أرذل العُمر ، ضمانةٌ لكم من الخَرَف ، ضمانةٌ لكم من الشيخوخة التي لا تُحْتَمَل ، أما المؤمن فيزداد تألُّقاً مع مضيّ الأيام . يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكِبَر .
مفهوم الزمن في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الأكارم ؛ مفهوم الزمن في القرآن الكريم دقيقٌ دقيق ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
أنت حر ، وسرُّ سعادتك في الآخرة أنك حرٌ في كسبك ، لأن عملك أساس سعادتك ، وأساس قيمة عملك أنك مخيرٌ في كسبه ، لذلك قال الله تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
ما علاقة قوله تعالى بعد ذلك :
﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
أي أنت الآن تتمتَّع بشيءٍ عظيم ، تتمتَّع بما يسمَّى بحرية الكَسْب ؛ لك أن تصلي ، لك أن تفكِّر ، لك أن تُنْفِق ، لك أن تطلب العلم ، لك أن تقرأ القرآن ، لك أن تطبِّق القرآن ، لك أن تدعو إلى الله ، أنت الآن متمتع بشيءٍ لا يقدَّر بثمن ، إنها حرية كسبك . .
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
استغلَّ هذه الميزة ؛ أنك حرٌ في كسبك ، منحك الله حرية الاختيار . .
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
فإن لم تستبق الخيرات . .
﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾
إذا انتهى الأجل خُتِمَ العمل ، وأُلغي الاختيار ، وأصبح الإنسان رَهْنَ عمله وكَسْبه . .
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
دقة الآية في تنوّع موضوعاتها ، وفي العلاقة الوشيجة بين موضوعاتها .
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
أنت مخيَّر ، واختيارك في كسبك سرُّ سعادتك الأخرويَّة ، عليك أن تستبق الخيرات ، عليك ألا تسمح للزمن أن يسبِقك ، عليك أن تسبق الزمن ، عليك أن تنفِقه استثماراً لا استهلاكاً ، فإن لم تفعلْ يأتي مَلَكُ الموت أينما كنت . وقد قال بعض المفسرون : في أيّ مكانةٍ كُنت ، وفي أي مكانٍ كنت . في أي مكانةٍ أي مهما عَظُم شأنك ، مهما كثر من حولك ، مهما ازداد مالك ، مهما قوي سلطانك . .
﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا﴾
في أية مكانةٍ كنتم ، وفي أي مكانٍ أنتم؛ في أطباق الهواء ، في أعماق البحار ، في أية قارَّة ، في أي بيت ، في أي نُزهة . .
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾
ينتهي العُمُر ، وينتهي الاختيار ، ويُخْتَم العمل ؛ فإما إلى جنةٍ يدوم نعيمها ، وإما إلى نارٍ لا ينفد عذابها .
خصائص الوقت :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ من خصائص الوقت سُرعة انقضائه ، الزمن يمرُّ مرَّ السحاب ، لكن دقيقة الألم ساعة ، وساعة اللذَّة دقيقة ، مضيُّ الزمن مضيٌّ سريع ، لكن الزمن إذا احتوى المآسي والأحزان مرَّ بطيئاً فيما يبدو ، وإن احتوى الملذَّات والمسرَّات مرَّ سريعاً فيما يبدو.
﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾
لذلك من علامات سرعة انقضاء الزمن أن الله سبحانه وتعالى أشار إلى هذه الحقيقة فقال :
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ﴾
عاش ثمانين عاماً ، عاش عُمُراً مديداً ، كم لبثتم ؟
﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾
خصيصةٌ أخرى للزمن أنه ما مضى منه لا يعود ، لا يعوَّض ولا يعود ، لذلك ما دام هذا الزمن يمضي سريعاً ولا يعود إذاً هو أنفس شيءٍ يملكه الإنسان ، فمن جهل قيمته أتت عليه ساعةٌ ولكن بعد فوات الأوان عرف قيمة الزمن ، قال تعالى دقِّقوا في هذه الآيات :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
أيْ خسروا الوقت ، خسروا الزمن ، أي أنفقوا الزمن في اللهو ، في المُتعة ، في المُباحات ، ولم ينفقوه في الطاعات ، ولا في طلب العلم ، ولا في العمل الصالح ، إذاً هم خاسرون ، أنفقوا رأس مالهم ، أكلوا من رأس مالهم ولم يستثمروا رأس مالِهم . .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
يأتي الجواب :
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
معرفة قيمة الوقت عند الموت :
متى نعرف قيمة الوقت ؟ عند الموت ، يتمنى الرجل لو يدفع ماله كله لقاء ساعةٍ تضاف إلى عمره ، يصلي فيها ركعتين ، كل ما يملك في الدنيا يتمنى أن ينفقه نظير ساعةٍ واحدة ؛ يصلي فيها ركعتين . .
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
هذا الموقف موقف ندمٍ على قيمة الوقت ، وهناك موقفٌ آخر يذكره الإنسان يوم القيامة ، قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾
قال تعالى :
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾
الشيب هو النذير . .
((عبدي كبرت سنك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك ، فاستح مني فأنا أستحيي منك ))
سن الأربعون هي النذير ، الستون هي النذير ، القرآن هو النذير ، النبيُّ هو النذير ، المصائب هي النذير ، موت الأقارب هو النذير . .
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾
الأمراض المتعلقة بالوقت :
أيها الأخوة الأكارم ؛ مرضان خطيران متعلِّقان بالوقت ، المرض الأول : الغفلة ، ونعوذ بالله أن نكون من الغافلين ، قال تعالى :
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾
الذي يرى الآيات بعينه فلا يَعْتَبِر ، ويسمع قصص المنحرفين وعقوباتهم فلا يتَّعظ، الذي لا يستخدم عقله لإدراك الحقائق هذا غافل ، والغافل مصيره إلى النار . .
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾
المرض الآخر هو : التسويف ، هلك المسوِّفون ، قال بعضهم : أيها الإنسان إنك بيومك ولست بغدك . كل إنسان يقول لك الآن ، إنسان عاقل ، الذي يقول لك : غداً . هذا جاهل وأحمق ، لأنك بيومك لا بغدك ، ما مضى فات ، والمؤمَّل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، لا تملك إلا هذه الساعة ، فإذا أردت أن تتوب فمن الآن ، إذا أردت أن تنفق فمن الآن ، إذا أردت أن تقرأ القرآن فمن الآن ، إيَّاك والتسويف . قال :
((أيها الإنسان إنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن لك غدٌ فكن في غدٍ كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غدٌ لم تندم على ما فرَّطت في اليوم ))
هل هناك أعقل من هذه المحاكمة ؟ إنك بيومك لا بغدك ، إن كان لك غد فكن في غدك كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد ، لا تندم على ما فرَّطت في يومك .
لذلك قال بعض العلماء : سوف من جنود إبليس . إبليس له سلاحٌ خطير هو يقول له : سوف؛ سوف تفعل ، سوف تتوب ، سوف تصلي ، سوف تطلب العلم ، سوف ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام :
((اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مفاصل الإنسان :
أيها الأخوة الأكارم ؛ عُلماء التشريح ، ولاسيما التشريح الوَصْفِيّ ، عدوا مفاصل الإنسان بعد أن شرَّحوه ، وبعد أن جردوا جهازه العظمي ، وبعد أن درسوه دراسةً متأنيةً دقيقةً ، فعدوا مفاصل الإنسان على الشكل التالي : في عموده الفقري مئةٌ وسبعةٌ وأربعون مفصلاً ، خمسة وعشرون منها غضاريف بين الفقرات ، واثنان وسبعون منها بين الضلوع والفقرات ، وخمسون منها بين الفقرات عن طريق اللُّقيمات الجانبية ، ففي العمود الفقري مئةٌ وسبعةٌ وأربعون مفصلاً .
وفي الصدر أربعة و عشرون مفصلاً ، مفصلان في عظم القَص ، وثمانية عشرَ مفصلاً بين القصّ والضلوع ، ومفصلان بين الترقوة ولوحَيّ الكَتِف ، ومفصلان بين لوحي الكتف والصدر ، مجموعهما أربعة و عشرون .
وأما الطرف العلوي ففيه مفصلٌ للكتف ، وثلاثة للكوع ، وأربعة للرُسُغ ، وخمسةٌ وثلاثون مفصلاً لعظام اليد . وأما الطرف السفلي فأربعةٌ وأربعون مفصلاً للفخد ، وثلاثة للركبة ، وثلاثة للكاحل ، وسبعةٌ وثلاثون مفصلاً مفاصل عظام القدم . وأما الحَوْض فثلاثة عشر مفصلاً؛ اثنان الورك ، وأربعة العُصْعُص ، وستة عظيمات الحُق .
والفَك مفصلان . مئة وسبعة وأربعون ، مع أربعة وعشرين في الصدر ، مع ستة وثمانين الطرف العلوي ، ثلاثة وأربعون ضرب اثنين ، وثمانية وثمانون السفلي ، أربعة وأربعون ضرب اثنين ، وثلاثة عشر الحوض ، واثنان الفَك ، المجموع : ثلاثمئةٍ وستون مفصلاً في جسم الإنسان ، هذا شيء معروف ، وبديهي ، وطلاَّب كلية الطب يدرسونه في السنة الأولى أو الثانية ـ فيما أعلم ـ
لكن الشيء المُدهش ، لكن دلائل النبوة أن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مُسلم ، يشير النبي في عصرٍ لا يمكن أن يُعلم عدد مفاصل الإنسان ، فيما روته السيدة عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :
((إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل - هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام- فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ - قال : لا إله إلا الله - وَسَبَّحَ الله - قال : سبحان الله - وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً ، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ ))
هل يستطيع بشر في عهد النبي أن يعد عدد المفاصل التي كشفها علماء الطب الآن ؟ هذا الحديث رواه الإمام مسلمٌ في صحيحه ، وله روايتان اثنتان . في روايةٍ أخرى . .
(( فعليه أن يتصدَّق عن كل مفصلٍ منه صدقةً ))
وفي روايةٍ ثالثة :
((فعليه لكل عظمٍ منها في كل يومٍ صدقة ))
وعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - هذا قول النبي - :
((في الإنسان ستون وثلاثمئة مَفْصِلاً فعليه أن يتصدَّق عن كل مفصلٍ منها صدقةً ، قالوا : فمن يطيق يا رسول الله ؟ قال : النُخاعة في المسجد تدفنها))
أيْ أيّ عمل في خدمة المسجد ؛ ولو نزعت قشةً عن أرض المسجد ، ولو ساهمت في تنظيف المسجد ، ولو قدَّمت خدمةً ، ولو أنفقت مالاً ، ولو أتيت بمصباحٍ ، ولو أتيت بجهازٍ ، قال : قال الإمام المُنْذِرِيّ صاحب الترغيب والترهيب :
(( النخاعة في المسجد تدفنها - فهذا أقل عمل - والشيء تُنَحِّيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك ))
أليس هذان الحديثان من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام ؟ عصر النبي ، هل في معطيات العصر إمكانٌ أن نعرف عدد هذه المفاصل ؟ مئة وسبعة وأربعون مفصلاً في العمود الفقري ، خمسة وعشرون غضروفاً بين الفقرات ، اثنان وسبعون بين الضلوع والفقرات ، خمسون بين الفقرات عن طريق اللُّقيمات الجانبية ، أربعة و عشرون مفصلاً في الصدر ، اثنان عظم القَص ، ثمانية عشر بين القص والضلوع ، اثنان بين الترقوة ولوحي الكتف ، اثنان بين لوحي الكتف والصدر ، ثلاثة وأربعون في الطرف العلوي ، واحد مفصل الكتف ، ثلاثة الكوع ، أربعة الرسغ ، خمسة وثلاثون عظام اليد ، أربعة وأربعون الطرف السفلي ، واحد مفصل الفخد ، ثلاثة الركبة ، ثلاثة الكاحل ، سبعة وثلاثون عظام القَدَم ، ثلاثة عشر الحوض ، اثنان الورك ، أربعة العُصعص ، ستة عُظَيمات الحُق ، اثنان الفَك ، مئة وسبعة وأربعون مع أربعة وعشرين مع ثلاثة وأربعين - الطرف العلوي - ضرب اثنين يساوي ستة وثمانين ، مع أربعة وأربعين- الطرف السفلي- ضرب اثنين يساوي ثمانية وثمانين ، مع ثلاثة عشر مع اثنين يساوي ثلاثمئة وستين .
((إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ الله ، وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ ))
وفي روايةٍ :
(( فعليه أن يتصدَّق عن كل مفصلٍ منه صدقةً ))
وفي روايةٍ :
(( فعليه لكل عظمٍ منها في كل يومٍ صدقة ))
والسُلامى في تفسير اللغويين عظام الجسم ومفاصله . هذا الحديث رواه الإمام مسلم . وعن بُرَيدة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول :
((في الإنسان ستٌ وثلاثمئة مفصلاً ، فعليه أن يتصدَّق عن كل مفصلٍ منها صدقةً ، قالوا : فمن يطيق يا رسول الله ؟ قال : النُخاعة في المسجد تدفنها ، والشيء تنحّيه عن الطريق ، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك ))
قال المنذري : رواه أحمد واللفظ له ، وأبو داود ، وابن حبَّان ، وابن خزيمة في صحيْحيهما .
أيها الأخوة . . .
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
معطيات عصر النبي لا تسمح لا للنبي ولا لغيره إلا أن يكون يوحى إليه بهذه الحقائق .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .