وضع داكن
16-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 015 - الضرورات تبيح المحظورات 4 - اعتبر الجهل عذراً مبيحاً
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

انتهاك المحرمات تحت غطاء الضرورات تبيح المحظورات :

أيها الأخوة الكرام: في ثلاث خطب من خطب الجمعة كان الحديث عن قاعدة أصولية أسيء استخدامها أشد الإساءة حتى انقلب المقصود منها إلى عكس أصله، هذه القاعدة هي أن الضرورات تبيح المحظورات، توسع الناس بهذه القاعدة توسعاً شديداً حتى أن الإنسان إذا شعر بالحر اقترض قرضاً ربوياً ليشتري مكيفاً ويقول: هذه ضرورة، إلى درجة أن كل المحرمات انتهكت تحت غطاء الضرورات تبيح المحظورات.
مع مضي الزمن وتسلط الأهواء يغدو الدين هيكلا أجوف
وتعلمون أيها الأخوة أن حقائق الدين مع مضي الزمن، ومع إساءة فهمها، وإساءة العمل بها، ومع تسلط الأهواء والرغبات والنزعات، هذه المعالم تضيع فيغدو الدين هيكلاً مجوفاً، يغدو الدين اسماً بلا مسمى، يغدو الدين طقوساً لا معنى لها، عندئذ ربنا عز وجل يؤدب هؤلاء الذين انحرفوا في فهمهم وزاغت أعينهم عن الصراط المستقيم.
لابد من أن نعيد للدين حيويته، ما هو العمل الذي يتعلق بتجديد بناء؟ أن نزيل عنه ما علق به، هذا هو التجديد، أحياناً بناء حجري تأتي عليه عوامل الزمن فيغدو الحجر أسود اللون، الآن يوجد أجهزة تزيل عنه هذه الطبقة السوداء وتعيد إليه نصاعته، المفروض أن الدعاة إلى الله عز وجل كلما جاءت قاعدة ضاعت معالمها، شوهت، مددت، زورت، أسيء فهمها، أسيء تطبيقها، عادوا إلى أصلها.
خصصت ثلاث خطب عن الضرورات تبيح المحظورات، وتحدثت عن الضرورة وعن حدودها الضيقة، وكيف أن الضرورة في النهاية حينما يغلب على يقين الإنسان أنه هالك هو وأهله جوعاً وعرياً وعطشاً وتشرداً عندئذ تباح له المحظورات، ذكرت هذا تفصيلاً في خطب الجمعة الثلاث، لكن وصلت في الخطب إلى موضوعات دقيقة جداً.
من الضرورات الجهل، من الضرورات النسيان، من الضرورات الإكراه الملجئ، من الضرورات الجوع الشديد، فهذه الموضوعات لا تعالج في خطبة الجمعة، وإنما تعالج في دروس الفقه.

معالم الجهل الذي يعذر به الإنسان :

درسنا اليوم متى يعد الجهل ضرورةً أو عذراً مبيحاً؟ أيضاً الناس في هذه الأيام يحتجون بالجهل، يقول لك: لا أعرف، متى كلمة لا أعرف تعذر بها؟ ومتى كلمة لا أعرف لا تعذر بها؟ حتى الإنسان لا يكون عرضة للهلاك وهو يحسب أنه يحسن صنعاً لا بد من تحديد معالم الجهل الذي يعذر به الإنسان.
أولاً: الجهل في اللغة الذهول عن الشيء، قد يكون في الغرفة خاتم ألماس غال جداً وأنت لم تنتبه إليه، جهلت وجوده، ذهلت عن وجوده، هذا أصل الجهل.
اصطلاحاً: الجهل عدم العلم بالأحكام الشرعية، حينما لا تعلم أن المصافحة حرام وتصافح، تجهل الحكم الشرعي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ تَقُولُ: جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ فَقَالَ: لَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ))

[ابن ماجه عن أميمة بنت رقيقة]

فحينما تجهل الحكم الشرعي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هذا الجهل هو محور درسنا اليوم، السؤال الدقيق من جهل حكماً شرعياً فلم يعمل به، أو عمل بخلافه هل يعد جهله عذراً مقبولاً عند الله وعند الناس؟ هذا هو الدرس. لكن الأصل أيها الأخوة أن أصل التكليف أن تعلم الأمر التكليفي، شرط التكليف الأساسي أن تعلم أن هذا أمر وهذا نهي، وبعدئذ تحاسب عن تقاعسك عن أداء الأمر، أو فعلك عن المنهي عنه.

الإدعاء بعدم العلم أو الاعتبار بالجهل في دار الإسلام غير مقبول :

عذر الجهل لا يقبل لمن يعيش في بلاد المسلمين
لكن لو قلنا: أي جهل بالأحكام الشرعية يكفي، كل إنسان يدعي أنه جاهل، بهذا تضيع معالم الشريعة ونقع في فوضى لا تنتهي، علماء القانون انتبهوا إلى هذا، لو قلنا: أي مواطن يجهل هذه المادة في قانون السير، كل إنسان يخترق قوانين السير يقول: أنا لا أعلم أن هذا الطريق ممنوع، لذلك علماء القانون قالوا: لا جهل بالقانون، والجهل في القانون عذر غير مقبول، الشريعة من باب أولى، إنسان نشأ في بلاد المسلمين دخل المدارس، يوجد ساعتين تربية إسلامية، دخل في الإعدادي ثلاث ساعات، دخل الثانوي عمره عشرون سنة، عشرون ضرب خمسين حضر ألف خطبة، معقول أنه لا يعرف أن الزنا حرام؟ الخمر حرام؟ شيء مستحيل أن يقبل عذر الجهل لإنسان يعيش في بلاد المسلمين.
لا عذر يمنع القراءة التعليمية للقرآن
لذلك شرط التكليف العلم بالأمر التكليفي أو التمكن من علمه، اسأل، قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 43]

إنسان نشأ في بلد مسلم، تلقى علومه الشرعية في التعليم الإعدادي والثانوي والابتدائي، وحضر ألف خطبة جمعة، لا يمكن أن يعذر، أنا لا أعلم بأن الربا حرام، لذلك أول حقيقة في هذا الدرس الفقهاء أجمعوا على أنه لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام.
لاعذر للجاهل بقوانين السير كذلك لاعذر لجاهل بأحكام الدين
هناك مثل آخر دقيق؛ كلكم يعلم أن الإنسان إذا كان جنباً لا يستطيع أن يقرأ القرآن وكذلك المرأة إذا كانت في الحيض لا تقرأ القرآن، يوجد عندنا ثانوية شرعية، وعندنا صف عاشر، والمادة قرآن كريم، جاءت المدرسة بتلاوة القسم الذي كلفن حفظه، تفضلي يا فلانة واقرئي، آنسة أنا معذورة، تفضلي أنت، فقالت: معذورة أيضاً، معنى هذا انتهى الدرس كلياً، لذلك أجمع الفقهاء على أن المرأة أو الرجل إذا كانت حائضاً أو كان جنباً وكان هناك قراءة قرآن تعليمية يباح له أن يقرأ القرآن، عذر لا يوجد، وإلا الأمور لا تستقيم.
أول حقيقة: الإدعاء بعدم العلم، أو الاعتبار بالجهل في دار الإسلام غير مقبول، إنسان عمره عشرون سنة، حضر أقل شيء سبعمئة خطبة، كل أسبوع ساعتان، والعام الدراسي يقدر بثلاثين أسبوعاً- ستون ساعة- الابتدائي ست سنوات، والإعدادي ثلاث، والثانوي ثلاث، اثنا عشر ضرب ستين، معقول؟؟ وله أب وأم، لذلك العذر بالجهل بدار الإسلام غير مقبول أبداً، وإلا إذا قبلنا عذر الجاهل يعطل هذا الدين، وتعطل أحكامه، وعلماء القانون انتبهوا إلى هذا وقال: لا جهل في القانون. أنت إذا كنت تركب مركبة وخالفت القانون يقبل منك الشرطي أن تقول له: لا أعلم ؟ لا يقبل.
يقول الإمام الشافعي: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل، إذا أخذنا ألف شخص، تسعون شخصاً من هؤلاء يعلمون أن الزنا حرام، والسرقة حرام، والخمر حرام، وإطلاق البصر حرام، والمصافحة حرام، فإذا ادعى أحدهم أنه لا يعلم في حين أن غالبية الناس يعلمون، هذا ادعاء مرفوض، وعذر غير مقبول.

استثناءات الإدعاء بعدم العلم أو الاعتبار بالجهل :

معذور من عاش سبعين عاما محروما من الإسلام
يستثنى من ذلك أن يكون قريب عهد بالإسلام، أي أسلم البارحة، واليوم رمضان، ولا يعلم أن الاقتراب من أهله يفطر الصائم، لو أنه اقترب لا شيء عليه لأنه حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيد عن العلماء. حدثني أخ ذهب إلى بلد في هذه البلدان التي تؤمن أنه لا إله سابقاً، دخل إلى مكان للبيع، أحد هؤلاء الروس الداغستان عرفه مسلماً فأقبل عليه وعانقه وبكى حتى بللت دموعه لحيته، ولشدة محبته له اشترى زجاجة خمر وقدمها له هدية، صدقوه لا يعلم أن الخمر حرام، سبعون سنة تجهيلاً، هذه حالات أخرى لو كان في بلاد حرمت العلم سبعين عاماً، المساجد أصبحت إسطبلات، مستودعات، إذا فلان عنده مصحف يهدر دمه لأنه يحوز مصحفاً، في مثل هذه البلاد العذر مقبول والمسؤولية على من؟ على المسلمين في بقية البلاد، لذلك على المسلمين الآن عبء كبير جداً، ومسؤولية كبيرة جداً لهؤلاء الذين مورس الجهل عليهم سبعين عاماً.
يوجد استثناء واحد هو أن يكون الرجل قريب عهد بالإسلام، أو أن يكون في بادية بعيد عن العلماء، أو في مكان العلم ممنوع.

الأحكام الشرعية التي لا يعلمها إلا العلماء يعد الجهل بها عذراً مقبولاً :

يعذر العوام من الأحكام التي لا يعرفها إلا المختصون بالدين
لكن العلماء قالوا: أما الأحكام الشرعية التي لا يعلمها إلا العلماء المختصون - يوجد أحكام دقيقة جداً، في التعامل التجاري، في التعامل الربوي، في البيع والشراء، هذه تحتاج إلى فقهاء، وإلى مجتهدين، وإلى علماء بأصول الفقه- الأحكام الدقيقة جداً التي لا يعلمها عامة المسلمين هذه يعد الجهل بها عذراً مقبولاً، أما الحل فأن تسأل.
الأحكام الشرعية التي لا يعلمها إلا المختصون من العلماء فهذه يجوز للعوام أن يعتذروا لجهلهم، أي هل يجوز نقل الأعضاء؟ قضية خلافية، عقدت مؤتمرات من أجل هذا، يجوز للإنسان أن يبيع كليته؟ هذه قضية لا يعلمها عامة الناس، يوجد أشياء دقيقة في الحياة تحتاج إلى فقهاء، وإلى خبراء، الأشياء التي لا يعلمها إلا قلة قليلة من العلماء هذه يعد الجهل بها عذراً مقبولاً، أما هذا العذر المقبول فيكون لعامة الناس لا للفقهاء، إنسان طالب علم شرعي دخل كلية الشريعة، يحمل شهادة شرعية، هذه الإنسان المتخصص بالشريعة وحده محاسب ولا يقبل منه عذر، لأنه جهل بالأحكام التفصيلية التي لا يعلمها إلا الفقهاء، لأنها من اختصاصه.

من الأعذار المقبولة أيضاً النسيان :

النسيان عذر مقبول
لكن العلماء قالوا: النسيان يعد عذراً مقبولاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))

[ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ]

أيها الأخوة: الإمام السيوطي يقول: إن الجهل والنسيان مسقطان للإثم مطلقاً أي في الآخرة، الله عز وجل رحمة بنا ورأفة بنا، الجهل والنسيان عند الله مقبول، أما في الدنيا فغير مقبول، لو أن إنساناً أكل ما ليس له، وأخذ ما ليس له ناسياً عليه حينما يذكر أن يعيد هذا الذي أخذه إلى صاحبه. حينما يفطر في رمضان مثلاً يحتجم فيتوهم أن الحجامة تفطر فيأكل، ثم يكتشف أن الحجامة لا تفطر، والآن أفطر عن جهل نقول له: عليك أن تقضي هذا اليوم، النسيان والجهل لعلهما يسقطان الإثم مطلقاً عند الله، أما في الدنيا فلا بد من أن ترمم، أو أن تقضي، أو أن تؤدي الحق إلى أصحابه.
من نسي أو جهل صلاةً أو صوماً، أو حجاً أو زكاةً، وجب تدارك ذلك بالقضاء بلا خلاف، هذا في العبادات، أما في المعاملات فلابد من أن يعوض على من أخذ ماله خطأ أو نسياناً أو جهلاً.
ومن رحمة الله بنا أنك إذا حلفت يميناً على شيء أن تفعله ولن تفعله نسياناً، أو على شيء ألا تفعله وفعلته ناسياً، ما دام النسيان هو علة عدم الفعل أو الفعل فهذا النسيان أيضاً يعد عذراً مقبولاً عند الله عز وجل، وأوضح شيء من أكل في رمضان ناسياً لا شيء عليه لكن يسن إذا كان شاباً أن تذكره، وإن كان شيخاً مسناً وأكل ناسياً اسكت لا تذكره في رمضان، هكذا العلماء قالوا، لأنها ضيافة الله له.
أحياناً تأكل طعاماً مغتصباً لا تعلم، دخلت إلى بيت قدم لك فاكهة قد تكون هذه الفاكهة أخذت قسراً من صاحبها، أنت لا تعلم، لذلك حينما لا تعلم وحينما لا تملك أن تعلم، قاض جاءه شاهد أقسم يميناً على كتاب الله أنه يشهد بالحق، وأدى شهادة صحيحة، فبنى القاضي على هذه الشهادة، فإذا بالشاهد كاذب، القاضي لا يعلم أنه كاذب دفعه إلى حلف اليمين وحلف، فهذا جهل معذور به القاضي لأنه لم يتمكن أن يعلم، والإنسان أيها الأخوة من ضعفه لا يعلم إلا أن يعلم.
الجهل عند السادة الشافعية لا يعتبر ضرورياً في ترك المأمورات والاختلافات، ويعتبر ضرورة في بعض المنهيات وبعض العقوبات، هذا ملخص هذا البحث.

 

الفرق بين النسيان و الجهل :

يختلف الجهل عن النسيان بأنك تتغلب عليه بالعلم
الآن هل هناك فرق بين النسيان وبين الجهل؟ الحقيقة يوجد فرق؛ النسيان يطرأ على الإنسان قهراً بحيث لا يتمكن من دفعه، أما الجهل فيمكن التغلب عليه بالعلم، أخ من أخواننا والله أنا أكبرته، اشترى صفقة جلود بمبلغ كبير جداً، فلما وصلت إلى البلد سأل أي جلد هذا؟ فإذا هو جلد خنزير، والثمن كبير جداً، وهناك من يشتريها، أحرقها، ونجا بجلده لأنه لا يجوز استعمال جلد الخنزير، هذا جهل، حينما اشتراها من بلاد شرقي آسيا لم يخطر في باله أن يسأل عن هذا الجلد وظنه جلداً بقرياً لكبر حجمه فلما علم أنه جلد خنزير، هنا سأل فعلم- لذلك الجهل يمكن أن تتلافاه بالسؤال- فلما علم أنه جلد خنزير أحرقه. أجمعت الأمة أن النسيان لا إثم فيه بالجملة، وأن الناسي معفو عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))

[ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ]

أما الجاهل فالذي لا يعفى عنه، ويعتبر الجاهل كالمتعمد، لأن المكلف بالأمور الشرعية لا يجوز أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، هنا موضوع ثان النسيان واضح، أما الجهل فغير مقبول، أنت مسلم وتعرف أن هذا الشرع كامل، وأن فيه حكماً لكل شيء، فقبل أن تقبل على هذا القرض، أو قبل أن تضع هذا المال بربح ثابت، قبل أن تلتقي مع هذه المرأة، يجب أن تسأل ما حكم هذه الخلوة؟ ما حكم هذا التعامل؟ ما حكم هذا القرض؟ ما حكم هذا السفر؟ ما حكم شراء هذه المادة؟ ما حكم التعامل في هذه البضاعة المحرمة؟ الجهل لا يعد عذراً عند الفقهاء لأنك مسلم، ويمكنك أن تتلافى هذا الجهل بالسؤال، أما النسيان فقوة قاهرة، أذكى الأذكياء ينسى أمراً مهماً جداً وقد تفوته فرصة ذهبية، الإنسان مقهور بالنسيان، يمكن أن تقول: سأفعل هذا الشيء غداً دون أن تقول إن شاء الله، وهذا الأمر مهم جداً، وأنت في أمس الحاجة إليه، الله عز وجل يقهرك وينسيك ذلك، قال تعالى:

﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾

[ سورة الأعلى : 6-7]

أما ربنا جل جلاله فقال تعالى:

﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾

[ سورة طه : 52]

والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ قَالَ: وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ))

[أبو داود عن علقمة]

ولولا أن الله أنساه هاتين الركعتين لما سنّ لنا عليه الصلاة والسلام سجود السهو، فالفرق بين النسيان والجهل فرق كبير جداً، وكل واحد منكم وأنا معكم يوجد أشياء ضرورية جداً نسيها.
السؤال مفتاح العلم
طائرة فيها مئة راكب، والطيار أول مرة يقودها، وكان معاون طيار وصار طياراً، فلما وصل إلى أرض المطار نسي شيئاً بسيطاً جداً، نسي أن يرخي العجلات، والطائرة سارت على بطنها زحفاً طول المدرج كله ولم تحترق، ولم تجمح، متى علم الطيار أنه لم ينزل العجلات؟ حينما وصل إلى ساحة المطار وأراد أن ينحرف لم يعمل المقود، وعندما جاء الخبراء قالوا: هذه بقدرة قادر، هذه الحادثة عندنا في الشام شيء لا يصدق، نسي أن يرخي العجلات، النسيان قوة قاهرة أما الجهل فليس قوة قاهرة، الجهل تتلافاه بالعلم، قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 43]

السؤال مفتاح العلم، بالمناسبة أنا أرى أن الأذكياء والعقلاء والمتفوقين والموفقين يسألون دائماً، إنك إن سألت الرجال استعرت عقولهم، تستعير عقله كله، أحياناً إنسان يشتري كتاباً، الكتاب استغرق تأليفه عشر سنوات، مؤلف الكتاب صبّ كل علمه في هذا الكتاب، يقول لك: الكتاب غال، لا ليس غالياً أنت اشتريت علم إنسان خلال أربعين سنة، عندي كتاب في النحو، قال مؤلفه في المقدمة: أمضيت في تدريس النحو في جامعة القاهرة أربعين عاماً وبعدها ألّف الكتاب، هذا الكتاب محصلة خبرات النحو والصرف وعلم اللغة لهذا الأستاذ.

استفتاء الشرع :

أنا والله أيها الأخوة أحياناً يأتيني أخ كريم ويسألني في موضوع فقهي دقيق ويقول لي: أريد حكم الشرع فإن كان هذا حرام تركته، والله أكبره أيما إكبار، أخ من أخواننا جاءه عرض وهو في ضائقة مالية شديدة، عرض صناعي وهي صنعته، مبلغ فلكي لكن البضاعة فيها شبهة فتركها لوجه الله، وعوضه الله خيراً منها في القريب العاجل.
أروع شيء في الإنسان أن يستفتي الشرع، قل لي ما حكم الشرع في هذا؟ إن كان حراماً لا أفعله، ما الدليل على أنه لا يجوز أن تقدم على شيء قبل أن تعرف حكم الشرع فيه ؟ الآية الكريمة:

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾

[ سورة الإسراء : 36]

قبل أن تعطي، قبل أن تدع، قبل أن تصل، قبل أن تقطع، قبل أن تصافح، قبل أن تبتسم، يجب أن تعلم علم اليقين ما حكم الشرع في هذا؟
أخواننا الكرام: الإنسان بعد أن عرف الله، وبعد أن وصل إلى ما وصل إليه لا شيء يسعى إليه أكثر من معرفة حكم الله في هذا الأمر، الإنسان له نشاط واسع جداً، نشاط في عمله التجاري، نشاط في قبض المال، نشاط في كسب المال، في إنفاق المال، نشاط اجتماعي، هناك لقاء مسموح به ولقاء غير مسموح به، هناك اختلاط مسموح به اختلاط المحارم، و اختلاط غير مسموح به، كلام مسموح به وكلام غير مسموح به، المؤمن مقيد بمنهج الله عز وجل، أما غير المؤمن فمتفلت غير مقيد، وأنا أقول لكم دائماً: الناس رجلان، والله لا ثالث لهما، إنسان موصول منضبط محسن سعيد، مقطوع متفلت مسيء شقي، وما سوى هذه التصنيفات تصنيفات لا أصل لها، وليس لها من الله داع.
فالنصف الأول ولا تقف ما ليس لك به علم، والنصف الثاني قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ))

[ابن ماجه عن أنس بن مالك]

خطر في بالي مثل ذكرته قبل يومين، المظلي حينما يهبط من الطائرة لو أنه جهل نوع النسيج الذي صنعت منه المظلة هل يموت؟ لا، لا يموت، لو جهل طول الحبال هل يموت؟ لا يموت، نوع الحبال طبيعية أم صناعية؟ لو جهل مساحة المظلة هل يموت؟ لا، أما هناك شيء واحد إذا جهله يموت، طريقة فتح المظلة، إذا جهل كيف يفتح المظلة لابد من أن ينزل ميتاً، فهناك في الشريعة علم ينبغي أن يعلم بالضرورة، ويوجد علوم للمختصين للمتبحرين، لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 104]

أي منكم علماء أجلاء متبحرون متخصصون، عندهم حجج قوية، و ردّ على كل شبهة، هؤلاء العلماء المتبحرون فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الجميع، أما يجب أن تعرف أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وأنت تاجر يجب أن تعلم أحكام البيوع، وأنت زوج حقوق الزوج والزوجة، وأنت أب واجبات الأب تجاه أبنائه، يوجد بالشريعة علوم لا بد من أن تعلم بالضرورة، وهي فرض عين على كل إنسان، لذلك طلب العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولا تقف ما ليس لك به علم.

الجاهل في العبادات كالمتعمد لا كالناسي :

هذا الذي يتخذ الجهل عذراً في التفلت من أحكام الشريعة، تقول: لا أعرف يوجد أمور أخرى تعرفها، أنت من أجل أن تصرف ليرة ذهبية واحدة، تسأل مئة إنسان والأسعار، والجرائد، وتسأل، وتحسب، من أجل ليرة ذهبية واحدة، أما دينك فإلى هذه الدرجة رخيص عليك حتى لا تسأل؟ هكذا الله ألهمني، ما هذا الكلام؟ يوجد علماء ومفتون، وأناس متخصصون، قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 43]

هما آيتان، هناك علوم متعلقة بذات الله، فاسأل به خبيراً، ويوجد علوم متعلقة بالشرع فاسألوا أهل الذكر، أنت غير معذور. قال: من باع يجب عليه أن يتعلم ما علمه الله وشرعه في البيع، ومن أجرّ عقاراً يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في الآجار، ومن صلى يجب عليه أن يتعلم حكم الله في الصلاة، إذاً هذه العلوم يجب أن تعلم بالضرورة.
الآن يوجد عندنا مشكلة لو أن إنساناً قال: لا أعلم، يعاقب على الجهل لم لا تعلم؟ الجهل ليس عذراً، العقاب قائم إما على المخالفة بحكم شرعي، وإن قلت: لا أعلم فالعقاب على أنك تجهل هذا الحكم الشرعي، لمَ لم تطلب العلم؟
لذلك قال الإمام مالك: الجاهل في العبادات كالمتعمد لا كالناسي، إنسان أحياناً ينسى أن يصلي الظهر، ويكون له عادة أن يصلي في المسجد، دائماً بعد المسجد مرتاح، يوم لم يصلِّ بالمسجد نسي هذا النسيان عذر أما الجهل فليس عذراً، لذلك بالعبادات الجاهل كالمتعمد.
عند الإمام المالكي رأي دقيق في موضوع الجهل، قال: الجهل الذي يعتذر به هو الجهل الذي يتعذر الاحتراز عنه، إنسان موظف، مدرس، مهندس، طبيب، دارس شريعة بشكل مبسط، لكن يوجد قضية في المعاملات التجارية معقدة جداً، أحياناً إنسان يقول لك: أنا اشتريت مع إنسان ربع بيت وأخذت أجرته، هل في هذا شيء؟ لا شيء عليك، ولكن أنا اشترطت عليه أن هذا المبلغ يرد إليّك بعد سنتين بالتمام والكمال، مادمت شرطت هذا الشرط فكل الذي أخذته منه على أنه أجرة هو فائدة ربوية، متى تكون هذه الأجرة حلالاً؟ بعد سنتين يقيم البيت بتقييم وقتي، فإما أن يزداد السعر، وإما أن يهبط، أو إنسان وضع ماله عند شخص وطلب على الألف كذا فائدة، لا يصح الاستثمار- المضاربة المشروعة التي أمر الله بها- إلا أن يكون على ربح حقيقي لا على مبلغ ثابت، النسبة مشروعة.
الشيء الذي يتعذر معرفته يعد الجهل به عذراً مقبولاً، أما الشيء الذي لا يعذر الإنسان فمعرفته سهلة، الظهر كم ركعة؟ لو سألت ألف إنسان يقول لك: أربع ركعات، شيء سهل، أما الشيء المتعذر، يوجد بعض القضايا تحتاج إلى مراجع، تحتاج إلى الخوض في مسائل الفقه، الأشياء المعقدة، الإمام مالك يقول: يعد الجهل بها عذراً مقبولاً، أما الأشياء المبذولة لكل الناس فلا يعد الجهل بها عذراً مقبولاً.
لابد أن تحتاط من طعام مستورد أن يكون به شحم خنزير
أحياناً إنسان يأكل قطعة حلوى، بعد أن أكلها علم أنها مستوردة من بلد غربي وأغلب الظن أن المادة الدهنية في هذا البلد من شحم الخنزير، فإذا الإنسان كان أدق من ذلك وورعاً، إذا شيء مستورد وفيه دهون، مواد دسمة مكتوب: دهن حيواني من بلد غربي في الأرجح والأعم الأغلب أنه شحم خنزير، الإنسان عليه أن يحتاط.
كل جهل لا يتعذر الاحتراز عنه، ولا يشق على النفس لم يعف عنه، ولا يرفع التكليف بالفعل به، أما الشيء الدقيق جداً أنه في أصول الدين وفي الاعتقاديات فالجهل غير معذور به، الله موجود والله واحد، وأسماؤه حسنى وصفاته فضلى، ويوجد جنة ونار، أصول الدين معلومة بالضرورة للكل، لذلك الجهل بها لا يعفي صاحبها، وبالعبادات الجاهل كالمتعمد، الصلوات والصوم والحج الجاهل كالمتعمد، في العقائد الجاهل كالمتعمد، هذه الموضوعات في أصول الدين والعبادات الجهل فيها ليس عذراً أما في دقائق الأحكام الشرعية التي يتعذر على المسلم العادي معرفتها فهذه ربما تكون عند الإمام مالك عذراً مقبولاً.
ملخص هذا الموضوع يعتبر الجهل أحياناً ضرورة تدفع الإثم والحرج والمسؤولية عن المكلفين، وتمنع من توجيه الخطاب الشرعي إليهم، ويكون هذا العذر أحياناً سبباً في تخفيف العقوبة الشرعية لدى بعض الفقهاء، لكن الجهل لا يبيح الفعل بمعنى أن الإنسان أن يكون مخيراً بين فعل وترك، وإنما يكون فقط عذراً مانعاً من المسؤولية كما أشرت.

طلب العلم فريضة على كل مسلم :

أيها الأخوة الكرام: أنا أقول لكم: لا شيء يعلو في حياة المسلم على طلب العلم، لأن حياتك بالعلم، تعرف ربك بالعلم، تعرف أسماءه الحسنى بالعلم، تعرف وحدانيته بالعلم، تعرف كتابه بالعلم، تعرف هويتك بالعلم، تعرف سر وجودك بالعلم.
إذا أردت الدنيا والآخرة عليك بالعلم
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
إنسان درس الطب ثلاثاً وثلاثين سنة، وجاء إلى بلده واشترى عيادة ديناً، وعليه ديون كبيرة جداً ويحمل أعلى شهادة في الطب، وعيّن موعداً لاستقبال المرضى من الخامسة وحتى السابعة مساءً، وجاءه مريض الساعة السادسة مساءً فقال له: لا يوجد لدي وقت، لماذا لا يوجد لديك وقت ؟ هذا سبب رزقك، وهذا عملك الأساسي، وهذا الوقت المحدد، وعليك دين، فإذا إنسان قال لك: أنا لا يوجد لدي وقت لحضور مجلس علم، إلى أي شيء أنت فارغ؟ لسهرة فيها مسلسلات؟ لسهرة فيها غيبة ونميمة؟ لسهرة فيها نرد؟ ماذا كنت تعمل في الدنيا؟ قال تعالى:

﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾

[ سورة المدثر : 45-47]

مرة ثانية: لا شيء في حياة المؤمن يعلو على طلب العلم، حياتك بالعلم، استقامتك بالعلم، اتصالك بالله بالعلم، انضباطك بالعلم.
أحدهم معه ضغط عال كيف يعالجه؟ أول مرحلة بمعالجته أن تعلمه أن ضغطك عال، أول معالجة للمشكلة أن تعلمها، أن تعلم أن هناك مشكلة، العلم ماذا يفعل؟ يعرفك بواقعك، يعرفك بموقعك من الإسلام، هل أنت مقصر؟ متفوق؟ متفلت؟ ورع؟ متمسك؟ العلم يعرفك بموقعك في الإسلام، العلم ما هو حل كلي، العلم وسيلة لأن تعرف أين أنت في هذا الدين؟ في المقدمة؟ في المؤخرة؟ خارج هذا الدين؟
أحياناً يقولون: إن هذا الوقت ضائع، وأحياناً يقولون: إن هذا الوقت مستثمر، الوقت الذي تمضيه في طلب العلم استثمار للوقت، وليس هدراً له، إذا رجل عنده آلة معقدة جداً يوجد كومبيوتر لتحليل الدم، يمكن أن تضع نقطة دم بضغطة واحدة يعطيك سبعة وعشرين تحليلاً، إذا كل تحليل بألفي ليرة، وعندك ألف زبون، والجهاز تجهل استعماله، ولا تعرف كيف تستعمله، وسافرت إلى البلد المصنع، وأقمت أسبوعاً للتدرب على هذا الجهاز، هل تعد هذا الوقت ضياعاً؟ هذا العمل أكبر استثمار للوقت، عندك جهاز كل تحليل بألفي ليرة وعليه طلب، عندك مئة زبون والجهاز غال جداً، فإذا لم تستعمله جمدت ثمنه، وإن استعملته بلا علم عطلته، فأفضل شيء أن تذهب إلى بلد المنشأ، وتتدرب على استخدام هذا الجهاز، الوقت الذي تبذله في طلب العلم استثمار للوقت، لذلك قالوا: هم في مساجدهم والله في حوائجهم.
مرة قال لي أحدهم: زوجتي تخونني، قلت له: منذ متى ؟ قال: من خمس سنوات، قلت له: مع من ؟ قال: مع جارنا، قلت له: كيف عرفت هذا الجار ؟ قال لي: أنا السبب، مرة زارنا فقلت لها: تعالي أم فلان هذا مثل أخيك اجلسي معنا. هو لو حضر مجلس علم واحد لن يفعل هذا، أحياناً العلم يحرسك، يقيك من المصائب، سائق سيارة عمومي أوقفته امرأة، قال لها: أين تذهبين ؟ فقالت له: أينما تريد، فهم واعتبرها مغنماً فلما قضى حاجته تركت له ظرفين، ظرف فيه خمسة آلاف دولار، وظرف فيه رسالة، الرسالة كلمتان: مرحباً بك في نادي الإيدز، والدولارات مزيفة دخل السجن.
لو كان مسلماً ويعرف حكم الخلوة مع امرأة أجنبية لفتح الباب وركلها بقدمه ونفد، العلم مهم جداً، لا يوجد مشكلة في الأرض إلا سببها الجهل، فأنت حينما تعلم تدخل إلى حصن حصين، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ولا تقف ما ليس لك به علم.
محور درسنا اليوم هل يعد الجهل عذراً مقبولاً ؟ فيما يجب أن يعلم بالضرورة عذر غير مقبول، أما في دقائق الأحكام الفقهية فيعد عذراً مقبولاً، لكن الحلال يجب أن تتعلم حتى تنتهي من هذه المشكلة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور