وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0119 - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها - مدارات الكواكب ومذنب هالي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور .
 الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا .
 الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه و تعالى :
 عبدي أطعتنا فقرّبناك ، عصيتنا فأمهلناك ، نسيتنا فذكّرناك ، ولو عدت بعد ذلك قبلناك ....
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارا بربوبيته وإرغاما لمن جحد به وكفر .
 يقول الله سبحانه و تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 24 ]

 دعوة للحياة ، الكفر موت ، الإعراض موت ، و الإقبال حياة .

﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

 وأشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله .
 قال الله عز وجل :
 وعزتي و جلالي لو سلكوا إلي كل سبيل ، و استفتحوا علي كل باب ، ما كنت لأقبلهم إلا أن يأتوا خلفك يا محمد .
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ ))

[رواه الترمذي]

 كما قال عليه الصلاة و السلام .
 اللهمّ صلِّ و سلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الهداة المهديين الطيبين الطاهرين الذين كانوا علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .
 اللهم ارحمنا ، فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير .

 

آيات من سورة فاطر :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في سورة فاطر آيات بينات ، من هذه الآيات .

 

الآية الأولى : الأمر بيد الله وحده .

 قول الله سبحانه و تعالى :

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 2 ]

 الأمر بيد الله .

 

الآية الثانية : الخبير هو الحق سبحانه وتعالى .

 أما الشركاء يقول الله سبحانه و تعالى :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 من أين تستقي الحقائق ؟ إذا أردت أن تكون طبيبا من أين تستقي علمك ؟
 من أين ؟ التجار أم من الأطباء .
 إذا أردت أن تكون تاجرا من أين تستقي الحقائق ؟ من كبار التجار ، قال تعالى :

﴿ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 أي الخبير وحده هو المؤهّل أن ينبئك بالحقائق ، قال تعالى :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 لو كنت في أزمة شديدة وفي ضيق شديد ودعوت الذين اتخذتهم آلهة ، من دون الله و دعوت الذين تظنهم شركاء لله عز وجل ، لو دعوتهم ما سمعوك ، ولو سمعوك ما استجابوا ، و لو أرادوا أن يستجيبوا لا يقدرون ، ويوم القيامة يتبرؤون من هذه الدعوة التي دعوتهم بها ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، إذا ألّمت بالإنسان آلام شديدة ، لم يدعُ إلا الله ، إذا كان على متن البحر و اضطربت الأمواج لم يدع إلا الله ، إذا كان على متن طائرة و دخلت في منسكب أو في جيب هوائي لم يدع إلا الله ، قال تعالى :

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[ سورة النمل الآية : 62 ]

 و قال تعالى :

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾

[ سورة الشعراء الآيات : 69-72]

 الإله الذي يحب أن تعبده يجب أن يستمع إليك ، في سرك وجهرك ، في ضيقك و يسرك ، قال تعالى :

﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 ليس عندهم إمكانات للإجابة ، لن يستطيعوا أن يدخل يده إلى جوف القلب ليصلح عطبه ، الله سبحانه و تعالى :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 لو أنهم أرادوا أن يستجيبوا لا يستطيعون ، قال تعالى :

﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 خذ الحقائق من الخبير ، خذ الحقائق من العلي القدير ، خذ الحقائق من العلي القدير ، خذ الحقائق من خالق السماوات و الأرض ، خذ الحقائق من رب الأرض و السماء ، خذ الحقائق من بيده أمرك قال تعالى :

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 الله سبحانه و تعالى الذي خلقنا خبير بنا ، الذي أوجدنا يعرف طبيعة النفس ، يعرف ما يسعدها و ما يشقيها ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾

[ سورة طه الآيات : 124-126]

 آيتان في سورة فاطر الأولى تقول :

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 2 ]

 والثانية تقول :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 كن مع الخبير ، استق الحقائق من الخبير ، لا تأخذ الحقائق من غير الخبير ، فغير الخبير ليس عنده حقائق ، عنده أكاذيب ،عنده أغلاط ، عنده خلل ، خذ الحقائق من الخبير .

 

الآية الثالثة : الأعمى والبصير .

 والآية الثالثة في سورة فاطر ، قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 ]

 قولوا لي بربكم :
 أيستوي الأعمى والبصير ؟
 أيُجمع الأعمى و البصير ؟
 البصير هو المؤمن ، والأعمى هو غير المؤمن .
 قال تعالى :

﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 72 ]

 قال تعالى :

﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾

[ سورة الحج الآية : 46 ]

 البصير هو المؤمن الذي رأى الحقائق ، عرف ربه ، عرف أمر ربه ، عرف ما يصلحه ، عرف ما يسعده ، عرف مهمته في الحياة ، عرف أين كان وإلى ما يكون ، هذا هو البصير ، يمشي على بينة ، في حياته حلال و حرام ، في حياته حق و باطل ، في حياته عمل صالح و عمل طالح ، في حياته شيء يجوز أن يفعله ، و شيء لا يجوز ، إنه بصير ، إنه رأى الحقيقة ، قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 ]

 لا يستوي المؤمن وغير المؤمن ، ما أبعد البون الشاسع بينهما ، ما أبعد ما بينهما ، قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة الآية : 18 ]

 وقال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص الآية : 61 ]

 و قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 ]

 إن كنت مؤمنا فقد سعدت و أسعدت ، إن كنت مؤمنا فقد أفلحت ، إن كنت مؤمنا فقد نجحت و لو فاتتك الدنيا بأكملها ، يا بني لا خير بعده النار بخير ، ما شر بعده الجنة بشر ، و كل نعيم دون الجنة محقور ، و كل بلاء دون النار عافية ، إن آمنت و عرفت ربك و استقمت على أمره وعملت صالحا و تقربت إليه فلا تبالي أجاءتك الدنيا أم لن تأتك ، أحصّلت من مالها أم لم تحصِّل ، لأنه لا شأن لها عند الله ، نظر النبي الكريم إلى شاة ميتة متفسخة ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا ))

[ رواه ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]

 قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 ]

 قال تعالى :

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة الجاثية الآية : 21 ]

 الأعمى هو الكافر ، و البصير هو المؤمن .

 

الآية الرابعة : الظلمة والنور .

 قال تعالى :

﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾

[ سورة النور الآية : 40 ]

 عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :

(( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[رواه مسلم]

 قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 - 20 ]

 الحقائق التي جاء بها القرآن هي النور ، والذي وضعه الإنسان من تشريعات و نظريات هي الظلمات ، لأنه لا أساس لها من الصحة ، لأنها ليست على أساس متين ، لأنها لا تسعد الإنسان ، هل أسعد الإنسان تفلُّته من الشرائع في أوروبا ؟ تفلُّت الناس من كل قيد أسعدهم ؟ أشقاهم ، جعلهم أشقى البشر ، تفكك الأسرة هل أسعد أفرادها ؟ الانطلاق وراء الشهوات هذه الأمراض الوبيلة التي تذيب أهل الغرب ، خمسة عشر مليون إصابة ، أحدث رقم في مرض الإيدز ، من الانحراف الأخلاقي ، هل أسعدهم انحرافهم الأخلاقي ؟ هل أسعدهم شربهم للخمر ؟ في بعض الدول التي رايتها لا إله حرَّمت شرب الخمر لما فيه من ضرر ، هل أسعد هؤلاء تفلُّتهم من الشرائع ؟ و أسعد هؤلاء إنكارُهم لله عز وجل ؟ قال تعالى :

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 14 ]

 قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 - 20 ]

 أي شرائع التي وضعها الإنسان شبّهها الله بالظلمات ، إنه لا أساس لها من الصحة ، لأنها لا تسعد الإنسان ، تزيده شقاء ، و رسالات الأنبياء شبهه ربنا سبحانه وتعالى بالنور ، و أنها نور يهدي الإنسان ، نور في قلبه ، و نور بين يديه ، ونور أمامه ، ونور خلفه ، يعرف ما كان و ما ينبغي أن يكون .

 

الآية الخامسة : الظل الإلهي .

 قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 - 21 ]

 هذا الذي يحيا في ظل الله قلبه يستقبل تجليات الله ، هذا الذي تحسه هادئًا سعيدا ساكنا متوازنا راضيا مستسلما واثقا غنيا بنفسه ، هذا شُبِّه في هذه الآية بالظل ، وهذا الذي عصى اللهَ سبحانه و تعالى في حررو ، نفسه كتلة ملتهبة ، عنفه في تصرفاته دليل الحرور الذي في قلبه ، قسوة كلماته دليل ما في قلبه من نار تتأجج ، قال تعالى :

﴿ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 21 ]

 من كان في ظل الله ، قال عليه الصلاة و السلام :

(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))

[ رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 الطائع في ظل الله ، الشاب الناشئ في طاعة الله في ظل الله ، قال تعالى :

﴿ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 - 21 ]

 الظل أن تكون في رحمة الله ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 56 ]

 والحرور أن تكون في نار البعد ، نار الشقاء ، نار الحيرة ، نار المعصية ، نار الجفاء أ نار الطرد ، نار اللعن ، أيما امرأة خرجت من بيتها من غير إذن زوجها لعنتها الملائكة .
 من علامات قيام الساعة نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، فالعنوهن ، لأنهن ملعونات ، أي أعظم شيء ، أعظم هلاك يقع فيه الإنسان أن يُلعن من حضرة الله سبحانه وتعالى ؛ أي أن يُبعد ، لئن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنكسر أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله " الذي يعتدي على حقوق الناس ملعون عند الله ، الذي يعتدي على أعراضهم ملعون عند الله ، الذي يكذب عليهم ملعون عند الله ، الذي يخادعهم ملعون عند الله ، الذي يظلمهم ملعون عند الله ، قال تعالى :

﴿ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 19 - 21 ]

الآية السادسة : الحي والميت .

 وفي النهاية قال تعالى :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 22 ]

 المؤمن حيٌّ والكافر ميت ، هكذا قال الله سبحانه و تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 21 ]

 قلب ميت ليس فيه ذرة خير ، كبر على قسوة على بُعد على غلظة ، أموات ...أحياء " قال تعالى :

﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 22 ]

 إذًا :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾

[ سورة فاطر الآيات : 19 – 23 ]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذه آيات من سورة فاطر ، القرآن الكريم يجب أن نتلوه صباح مساء ، و يجب أن نتدبره ، ويجب أن نقف عند آياته ، و عند الكلمات و عند الحروف ، لأن كل شيء في كتاب الله له مدلول ، قال بعض الصالحين : لي ختمة أختمها كل أسبوع ، و لي ختمة أختمها كل شهر ، و لي ختمة أختمها كل سنة ، ولي ختمة لازلت أقرؤها منذ ثلاثين عاما ، ولما تنتهي بعد . هذا التدبر ، هذا التبصر ، هذا التأمل ، هذا التعمق ، هذا كلام الله رب العالمين ، إذا عرفناه سعدنا ، من تعلم القرآن متّعه الله بعقله حتى يموت .

 

السنة المطهرة : ما من قوم ........... :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى السنة المطهرة ، و الموضوع اليوم موضوع جماعي ، مجموعة أحاديث شريفة تبدأ بقوله عليه الصلاة و السلام :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ ........ ))

الحديث الأول :

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[رواه أبو داود]

 بِمَ يتحدث الناس في مجالسهم ؟ الموضوعات كلها إن تعلقت في الدنيا قاموا عن هذه المجالس عن مثل جيفة حمار ، و كان هذا المجلس عليهم يوم القيامة حسرة و ندامة .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[رواه أبو داود]

 فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ في مجالسكم الخاصة ، مع أهلكم ، مع جيرانكم ، مع أصدقاءكم ، مع زملائكم ، في محلاتكم التجارية ، في دوائركم الحكومية ، لا تتحدثوا بما يغضب الله سبحانه و تعالى ، لا تغتابوا المسلمين ، لا تنهشوا أعراضهم ، لا تتحدث حديثا لا جدوى منه ، الساكت في سلام ، و المتكلم إما له أو عليه .

 

الحديث الثاني :

 يقول عليه الصلاة و السلام :

(( ما من قوم يذكرون الله تعالى إلا حفت به الملائكة وغشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم الله فيمن عنده ))

 اجلس مع أهلك ، حدّثهم عن موعظة ، عن قصة تؤدي إلى مغزى ، عن آية سمعتها ، عن حديث للنبي عرفته ، عن قصة قرآنية ، عن آية كونية ، عن حكم شرعي ، وانظر إلى وجوه القوم تراها قد تألقت ، وقد علاها البشر و التفت حولك ، واجتمعت عليك ، حدَِّثهم عن الدنيا ، الفقير تألم لفقره ، و الغني تمنى أن يكون أكثر من ذلك ، دخل الشيطان ، ساحت النفوس ، اشتهت الدنيا ، غرقت فيها ، انقطعت عن الله عز وجل ، ضاقت نفسهم ، لبُعد المسافة ، لصعوبة الهدف ، ، يقول عليه الصلاة و السلام :

(( ما من قوم يذكرون الله تعالى إلا حفت به الملائكة وغشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم الله فيمن عنده ))

الحديث الثالث :

 عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ ))

[رواه أحمد]

 بالفقر ، بقحط السماء ، بقلة الأمطار ، بارتفاع الأسعار ، بكثرة المطالب ، بضيق المكاسب ، ؛ يقول عليه الصلاة و السلام :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا - الرشوة - إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ ))

[رواه أحمد]

 عقابان أليمان من الله سبحانه و تعالى ، العقاب الأول : قحط السماء بسبب الربا ، و العقاب الثاني : أن يقذف الله في قلوب الناس جميعا الرعب بسبب الرشا .

 

الحديث الرابع :

 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ))

[رواه أحمد]

 أي إن كنت في مجموعة من الأقرباء و كلهم مستقيمون ، وواحد صغير فيهم يعصي الله جهارا ، دون أن يردعوه ، دون أن ينصحوه ، دون أن يوقفوه عند حده ، إلا عم هؤلاء جميعا البلاء ، قال تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 25]

 بهذا المعنى ، إذا كنت قادرا على أن تمنع ابنة أخيك و أنت الذي تنفق عليها بعد وفاة أخيك ، إن كنت قادرا على أن تمنعها من مخالفة للشرع و لن تمنعها جعل الله البلاء يعم الجميع ، لأنهم لم ينصحوا ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ))

 

[رواه أحمد]

 أي إن كنت قادرا على أن تزيل المنكر ، فيجب أن تزيله بيدك ، و إن لم تقدر فبلسانك ، و إن لم تقدر فبقلبك ، وهذا أضعف الإيمان ، أما أن تقول : ما لي وله ، إنه لا يعنيني ، إن قلت : شأنه لا يعنيك أصابك البلاء كما سوف يصيبه .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، و سيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، و العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العامين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين ، و أشهد أن سيدنا محمدا سيد الأولين و الآخرين ، اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

مدارات الكواكب ومذنب هالي :

 أيها الأخوة المؤمنون, في سورة يس, آيةٌ كونية، وهي قوله تعالى:

﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾

[سورة يس الآية: 40]

 هذه الآية، على ظاهرها، أن للشمس مداراً، وللقمر مداراً، ومدار الشمس لا يتصل بمدار القمر، ولن تصطدم الشمس بالقمر، بل كل في فلك يسبحون، يؤيِّد هذا المعنى، قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾

[سورة فاطر الآية: 41]

 أن تزول، بمعنى تنحرف، والزوال في وقت الظهيرة، انحراف الشمس عن كبد السماء, فهم من هذه الآية، أن كل كوكبٍ في الفضاء، له مدارٌ يدور فيه، حتى إن بعضهم، حينما تلا قوله تعالى:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾

[سورة الطارق الآية: 11]

 رأى أن هذه الآية، فيها أدقُّ وصفٍ للسماء، ما من كوكبٍ أو نجمٍ في السماء إلا وله مدارٌ يدور فيه، ويعود إلى ما كان بعد حين .

هل يمكن أن يخرج مذنب هالي عن مساره , وما دليل ذلك ؟

 فهذا المذنَّب، الذي يرصده الناس كلَّ يوم، والذي كما يقول العلماء: سوف يظهر بعد أسابيع في الأفق الجنوبي، مذنَّب هالي، يدور في مدار منذ أن خلق الله السموات والأرض لا يحيد عنه قيد أنمُله، يصل إلى نقطةٍ تقترب من الأرض، ثلاثمئة مليون كيلو متر، له ذيلٌ يزيد طوله عن ثلاثٍ وتسعين مليون كيلو متر, ويخاف الناس أن يبقى في سيره مستقيماً فيصطدم بالأرض.
 أما الآية الكريمة: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) يعني بقاء هذا المذنَّب في مداره، ملايين السنين، بقاء الأرض في مدارها، ملايين السنين، بقاء الشمس في مدارها، بقاء القمر في مداره، هذا بحدِّ ذاته آية, قال تعالى :

﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾

[سورة يس الآية: 40]

 هل يجري على كواكب الكون متغيرات عشوائية بأن يسبق كل واحد الآخر , وما الدليل ؟
 كلُّ كوكبٌ له مدار، لا يزيد، لا ينقص، لا يسرع، لا يبطئ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر, ولا الليل سابق النهار، يعني الشمس، لن ترتطم بالقمر، ودورة الأرض حول نفسها ثابتة، طول الليل لا يتغيَّر؛ يعني التقاويم بعد مئة عام، يقال لك: في يوم سبعة عشر نيسان مثلاً، تشرق الشمس الساعة السادسة ودقيقتين، ما معنى ذلك؟ ولا الليل سابق النهار، دورة الأرض ثابتة حول نفسها، وحول الشمس ثابتة، وكل في فلك يسبحون, لكن علماء الذرة، دهشوا من هذه الآية:

﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ﴾

[سورة يس الآية: 40]

 على من تعود (كلٌ)؟ قال: هذه الآية تعود على كل شيءٍ خلقه الله عزَّ وجل .
 هذا المنبر الذي أقف عليه، فيه ذراتٌ، نترونات، وإليكترونات تدور حول نفسها، نظام الذرة كنظام المجرة .
 قطعة المعدن هذه، كلٌّ شيءٍ تقع عليه عينك، مؤلّفٌ من جزيئات، والجزيء، مؤلَّفٌ من ذرات، والذرة، مؤلَّفةٌ من نواة، ومن كهارب لها مدارات، ولها سرعاتٌ ثابتة، هذه الآية التي تشير إلى الذرة: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر, ولا الليل سابق النهار) يعني كل شيءٍ خلقه الله في فلك يسبحون .
ذرات الصخر، حجر، قطعة خشب، كأس الماء، لوح البللور، الطاولة، كلُّ شيءٍ تقع عينك عليه، إنما هو جسمٌ مؤلّفٌ من جزيئات، والجزيء من ذرات، والذرة من نواة، ومن كهارب.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور