وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0086 - الإنفاق - الزكاة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
 اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .

الهدف من أنفاق أموالنا

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ وعدْتكم في الأسبوع الماضي أن أتحدَّث في موضوع الإنفاق ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان جواداً ، وكان أجْوَدَ ما يكون في رمضان ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة في موضوع الإنفاق ، وموضوع الصَّدقة ، وموضوع الزكاة جمعتها لكم ، وصنَّفتها وفق موضوعات أساسيّة .
 الموضوع الأوَّل ؛ لماذا أمرَنا الله سبحانه وتعالى بالإنفاق ، قال تعالى :

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة التوبة الآية:103]

 تطهّرهم وتزكِّيهم ، المال وسيلة من الوسائل الفعّالة لِتَزكيَة النَّفس ، وتطهيرها من أدْرانها ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾

[ سورة الليل الآيات:14-15]

 إذًا حينما أمرنا لله سبحانه وتعالى بالصدقة وبالزكاة ، وبالإنفاق بِشَكْلٍ مُوَسَّع ، الهدف الأوْحَد تطهير النفس ، وتزكيتُها ، وسُمُوُّها إلى خالقها سبحانه وتعالى .
 يجب أيّها الإخوة المؤمنون ؛ يجِبُ أن تعلموا علْم اليقين أنَّ الله يعلم كلّ نفقةٍ تنفقونها صغيرة كانت أو كبيرة ، ربّنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾

[ سورة البقرة الآية:270]

 قال تعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[ سورة البقرة الآية:273]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[ سورة آل عمران الآية:92]

 وما ينفقون نفقةً صغيرة ولا كبيرة ، ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ، يجب أن تعلموا أنّ اللُّقمة إذا أنفقتها في سبيل الله ، أنَّ ليرة الواحدة إذا أنفقتها في سبيل الله فالله يعلمها ، ويجب أن تعلموا أيّها الإخوة المؤمنون ؛ أن توقِنوا يقينًا لا شكَّ فيه أنَّه إذا أنفقتم فإنَّ الله سيُضاعفُ هذا الذي أنفقتموه أضعافًا مضاعفة كثيرة ، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾

[ سورة سبأ الآية:39]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾

[ سورة الأنفال الآية:60]

 قال تعالى :

﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة البقرة الآية:261]

 هذا كلام الله ربّ العالمين ، كلام خالق الكون ، كلام الله لا شكّ فيه ، ولا يتيه الباطل يعض كلّ منفق بالإخلاص وبالتعويض ، وبالمضاعفة ، ولكنَّ النيّة تختلف ، يجب أن نُحَرِّرَ النيّة ، يقول الله عز وجل :

﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾

[ سورة البقرة الآية:272]

 قال تعالى :

﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

[ سورة البقرة الآية:265]

 وقال تعالى :

﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة التوبة الآية:99]

 قال تعالى :

﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾

[ سورة الروم الآية:39]

 يجب أن تعلم أنّ الله يعلم ، ويجب أن توقِنَ أنَّ الله يُخلف ، ويجب أن تُحَرِّر نيّتك من الشوائب لأنَّه درهمٌ أنفقَ في إخلاص خير من مئة ألف درهم أنفق في رياء .

 

يجب أن يكون الأنفاق من كسب الحلال

  ولكنَّ هذا الذي تنفقهُ ما نوعهُ ؟ وما مُسْتواه ؟ وما علاقتهُ بِمَالِك ؟ قال تعالى :

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[ سورة آل عمران الآية:92]

 يجب أن تنفق من شيءٍ تحبّه ، من شيءٍ أثير عليك ، من شيءٍ تحْرص عليه ، من شيء هو عندك متألّق ، قال تعالى :

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[ سورة آل عمران الآية:92]

 وقال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾

[ سورة البقرة الآية:267]

 من الكسْب الحلال ، ومن أطْيَب الكسب الحلال ، وإن أنفقتم شيئًا تكرهونه فالله غنيّ عنكم ، الطَّعام الذي لا تستسيغُه نفسك لا تنفقه للناس ، الله سبحانه وتعالى لن يتقبّله منك ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ﴾

[ سورة البقرة الآية:267]

 يجب أن تعلم أنَّ الله يعلم ، ويجب أن تعلم أنَّ الله يُخْلف ، ويجب أن تعلمَ نيَّتَكَ الصادقة ، ويجب أن تعلم أنَّ نوع الصَّدَقة من شيءٍ تحبُّه ، وتحرصُ عليه ، وتضنّ به ، وتقبلهُ إذا قُدِّم إليك .

 

مقدار النفقة .

 أما مِقْدار النفقة فالله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾

[ سورة الفرقان الآية:67]

 ويقول الله عز وجل :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[ سورة البقرة الآية:195]

 لهذه الآية معْنيان دقيقان جدًّا .
 المعنى الأوّل : إن لمْ تنْفِق فربّما أهْلك المال ، من بخل بِمَاله ولمْ ينفقْه فهناك ألف طريق وطريق لإتلافه ، ولِضَياعِهِ ، ولأخْذه منك غصبًا ، إما أن تنفق المال طوْعًا ، وإما أن يؤخذ منك المال غصبًا ، فيكون حُرْقَةً في القلب ، قال تعالى :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[ سورة البقرة الآية:195]

 إن لم تنفقوا ، أي إن لم تنفقوا فكأنَّما تلقون بأيديكم إلى التهلكة ، إن لم تنفقوا فكأنّ الله سبحانه وتعالى يوشِكُ أن يؤدِّبكم بإتلاف مالكم ، أو بأخْذه غصْبًا .
 المعنى الثاني : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أيْ لا تنفقوا كلّ أموالكم ، هذا المال جعل الله لكم فيه قِوامًا في حياتكم ، أنْفِقْ منه شيئًا ، وأبْق منه شيئًا ، ويقول الله عز وجل :

﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾

[سورة الطلاق الآية:7]

 من ضاق رزقه فلْيُنْفِق ، ولكن بِحَسب رزقه ، بِنِسْبة رزقه القليل ، لأنَّه ربّ درهمٍ سبق ألف درهم ، ليرة من إنسان دخلهُ ألف ليرات تساوي مئة ألف ليرة من إنسان دخلهُ في اليوم الملايين ، ربّ درهمٍ سبق ألف درهم .
 وكيف ننفق ؟ ومتى ؟ وما الطريقة ؟ قال تعالى :

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:274]

 إن كان إعلان النّفقة يُسَبِّب حرجًا لِمَن تعطيه فينبغي أن تنفق سِرًّا ، وإن كان إنفاق المال يُسَبِّب تشْجيعًا ، وحماسًا لِمَن يروْنك ، من دون أن تؤذي أحدًا من عباد الله ، فلا بأس عليك من أن تعلِنَ هذا الإنفاق ، قال تعالى :

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:274]

 وأما المتّقون فهم الذين ينفقون في السراء والضَّراء ، ينفق في حالة الغنى والفقر ، ينفق في إقبال الدنيا ، وفي إدبارها ، ينفق في الضِّيق وفي البحبوحة ، في السراء والضراء ، قال تعالى :

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

[ سورة آل عمران الآية:134]

 هل هناك في القرآن الكريم أوامر محدّدة تحدّنا على الإنفاق ؟ قال تعالى :

﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾

[ سورة الطلاق الآية:7]

 هذا الذي آتاه الله مالاً مأمورٌ بِنَصّ القرآن بالنفقة ، قال تعالى :

﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾

[ سورة الطلاق الآية:7]

 أحبّ ثلاثًا ، وحبّ لِثَلاثٍ أشدّ : أحبّ الكرماء وحبي للفقير الكريم أشدّ ، وأبغض ثلاثًا ، وبغضي لثلاث أشدّ ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغنيّ البخيل أشدّ .
 والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾

[ سورة إبراهيم الآية:31]

 وفي صيغة الأمر ، قال تعالى :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[ سورة البقرة الآية:195]

 قال تعالى :

﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[ سورة القصص الآية:54]

 باب آخر من أبواب الإنفاق أنَّه إذا وقع الإنسان في مخالفة أو زلّة قدم ، أو سبْق لسان ، فتكلَّم ما لا ينبغي ، أو نظر إلى ما لا ينبغي ، أو فعل ما لا ينبغي فالحسنات يُذْهِبْن السيّئات ، قال تعالى :

﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[ سورة القصص الآية:54]

 والله سبحانه وتعالى يعْجب كيف لا ينفق هذا الإنسان ؟! قال تعالى :

﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة الحديد الآية:10]

 أيها الإخوة الأكارم ؛ ما الذي يُبْطل النفقات ؟ قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

[ سورة البقرة الآية:264]

 إن دفعْتَ مبْلغًا من المال فيجب أن تنسى أنَّكَ دفعْته ، قال تعالى :

﴿ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

[ سورة البقرة الآية:264]

 هذا الذي يمُنّ ، ويؤذي الذي أنفق عليه سبب ذلك أنَّه مُرائي ، ينفق ماله رئاء الناس وليس في قلبه إيمان بالله ولا باليوم الآخر ، هذا هو سبب المنّ والأذى ، ويقول الله سبحانه وتعالى في آية خطيرة جدًّا لو عقلْناها لغيَّرْنا مجْرَى حياتنا :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة الآية:53]

 هذا العاصي لله تعالى ، ولو أنفق من ماله فلن يُتَقبَّلَ منه ، لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يريد مالك ، إنَّما يريد نفْسكَ التي بين جَنْبيْك ، إن عَتِبَت الأمّ على ابنها فأرسلَ لها مبلغًا من المال يزداد عتبها عليه ، تقول له : لا أريد مالك ، أريدك أنت أن تزورني ، هذا الذي يعصي الله ، ويبتعد عن الله ، وينفق المال ظنًّا منه أنَّ هذه بِتِلك ، فليس هذا هو المطلوب ، المطلوب نفسك التي بين جنبيك ، أن تُقْبل عليه ، وأن تُطَهِّرها من أجله ، قال تعالى :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة الآية:53]

 فالفاسق محجوب عن الله عز وجل ، إذا أنفقَ قد يُكافئه الله في الدنيا ، ولكن ماله في الآخرة من خلاق ، قال تعالى :

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾

[ سورة التوبة الآية:54]

 إذًا هناك أشياء ؛ الفسْق ، كراهِيَة الإنفاق المنّ والأذى ، هذا يُبطِلُ الصَّدقة وقيمتها ، وأجرها وثوابها عند الله عز وجل .
 أيّها الإخوة المؤمنون ، أما الكفار فكيف ينفقون ؟ قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾

[ سورة الأنفال الآية:36]

 ينفقونها لِيصدُّوا عن سبيل الله ، ولإيقاع الأذى بين الناس ، ولِصَدِّهم عن سبيل الله ، ولإبعادهم عن الدِّين ، ولِفِتْنتهم ، قال تعالى :

﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾

[ سورة آل عمران الآية:117]

 قال تعالى :

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[ سورة الفرقان الآية:23]

 نعوذ بالله من هؤلاء ، الذين ينفقون أموالهم ثمّ يكون إنفاق مالهم حسْرةٌ على قلوبهم .

مصارف الزكاة .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربّنا سبحانه وتعالى حدَّدَ المصارف التي تُصْرف بها الصدقات والزكاة ، فقال تعالى :

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾

[ سورة التوبة الآية:60]

 وتعريف الفقير هو الذي لا يجد حاجته ، ومن كان دخْلهُ أقلّ من مصروفه والمساكين ، وإذا اجْتمعَت كلمة الفقراء ، والمساكين افترقتا ، وإذا انفردتا اجْتمعتا ، يعني إذا وردَت كلمة الفقراء في آية فهي تعني الفقراء والمساكين وإن وردَت المساكين في آية فهي تعني الفقراء والمساكين ، وإن وردت كلمة الفقراء والمساكين ، فالفقراء نوع ، والمساكين نوع آخر ، الفقراء لا يسألون الناس إلحافًا ، والفقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التَّعفّف ، الفقراء تعرفهم بسيماهم ، الفقراء لهم نفوس عزيزة ، إذا اجْتمَعت كلمة الفقراء والمساكين في آية فالفقير هو الذي لا يجد حاجته ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( ليس الفقير الذي تسدُّه اللقمة واللقمتين إنما الفقير من لا يجد حاجته... ))

 أما المسكين فهو العاجز ، من السكون ، والعاملين عليها ، هؤلاء الذين يتفرَّغون لخِدمة الناس يحقُّ لهم من بيت مال المسلمين أجْرٌ يعيشون به ، والمؤلّفة قلوبهم ، وفي الرقاب ، فالمؤلّفة قلوبهم ؛ إن ثبت لك أنَّك أعْطيتَ إنسانًا شيئًا ما لفتَّهُ إليك ، وتاب على يديك ، وكانت هذه النَّفقَة سببًا لِهُداه فهذا من المؤلَّفة قلوبهم ، أي في عتق الرقاب ، والغارمين مَن عليهم دَيْن يعْجزون على أدائه ، وفي سبيل الله ؛ هذه تشمل كلّ عملٍ هدفه إعمال كلمة الله ، وابن السبيل من انقطع في الطريق ولا يجد نفقة العودة ، قال تعالى :

﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾

[ سورة التوبة الآية:60]

 ومن علامة الإيمان أنّه إذا حيل بينك وبين النّفقة ، إن لم تجد ما تنفق فسوف تبكي شوقًا إلى النفقة ، يقول الله عز وجل :

﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾

[ سورة التوبة الآية:92]

 حزنًا أن لا يجدوا ما ينفقون ، هذه هي علامة الإيمان .
 أيها الإخوة المؤمنون ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني.

 

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 

 الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين ، اللَّهمّ صلّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمد صاحب الخُلق العظيم .

دفع زكاة المال في رمضان

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ دفْع الزكاة من السنة أن تُدفع في رمضان ، وفي شهر رمضان بالذات لا في آخره ، لأنّ هذا المال ينبغي أن يُدفع في وقت مناسب ، كي يتدبّر هذا الإنسان ما يحتاج من كِسْوَةٍ ، ومن حاجات ، ومن طعامٍ وشرابٍ ، ومُؤْنةٍ لِيَكون في وضْعٍ مقبول في العيد ، والزكاة نوعان زكاة المال ، وزكاة الرأس أي زكاة الفطر ، فزكاة المال هي في الأموال الناميَة ؛ أموال التجارة ، وأموال الزراعة ، المال الذي ينْمو في أموال التجارة ، واحد في الأربعين ، وفي أموال الزراعة العُشْر في أراضي البعل ، والخمس في أراض يالمَرْوِيَّة ، وأما زكاة الرأس فتجب على كلّ مسلمٍ ؛ عبْدٍ كان أم حرّ ، ذكرٍ أو أنثى ، صغيرٍ أو كبير ، فقير أو غنيّ ، يمْلكُ قوت يومه فقط ، جعلها الله عز وجل طُهرة للصائم من اللّغو والرّفَث ، وطُعمة للمساكين ، وإغنائهم في هذا اليوم الجليل ، هذه الصدقة ؛ صيامكم معلّق بين السماء والأرض حتى تُدْفع صدقة الفِطر ، أو صدقة الرأس أو زكاة الرأس أسماءٌ كلّها بِمُسمّى واحد ، والإمام الشافعي يُحَبِّب ، ويُفضِّل أن تُدفع في أوَّل شهر رمضان ، ونحن الآن في منتصفه ، يعني هذا المبلغ يجب أن يُعْطى قبل صلاة العيد ، لكن قبل الصلاة بأيّام كافيَة لاستخدامهِ في قضاء الحاجات ، هذه الصَّدقة طُهْرةٌ للصائم من اللَّغو والرَّفَث ، وطُعْمةٌ للمسكين ، وإغناءْ له ، وتجب على كلّ مسلمٍ صغير أو كبير ، غني أو فقير ، ذكر أو أنثى ، تجب عليك أو على من تمونه أو تلي عليه ، أي من تنفق عليه ، أو من تشرف عليه ، وبعضهم يدفع عن الجنين في بطْن أمّه تفاؤلاً له بالسَّلامة ، وهذه الزكاة الأقربون أولى بالمعروف ، الأقربون نسبًا ، والأقربون فقرًا ، والأقربون إيمانًا ، ويجب أن تُقيم هذه المتراجحات الثلاث ؛ الأقرب للإيمان أولى ، والأقرب للفقْر أولى ، والأقرب نسَبًا أولى ، فقِمْ هذه المقاييس واخْتر ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر ، ومن أجتهد فأصاب فله أجران ، ومن لم يجتهد فأصاب فله أجر ، لأنَّ هذا المال قِوام الحياة ، فإذا أتْلفْتهُ ، أو دفعْتهُ لِمَن لا يستحقّه ، أو دفعته لمن يقيم على معصيَةٍ ، أو يتقوَّى به على معصيَة فقد أعنتهُ على المعصية ، من اجتهد فأخطأ فله أجر ، ومن أجتهد فأصاب فله أجران ، ومن لم يجتهد فأصاب فله أجر.
 أيها الإخوة المؤمنون ، هذه الصدقة ، أو الزكاة قيَّمها الفقهاء قديمًا بليرة واحدة ، ومع ارتفاع الأسعار ارتفَعَت قيمتها ، لا أقلّ من خمس ليرات أو عشر إن أمكن ، فالليرة والليرتان لا تفعل شيئًا ، على نفسه ، أو على من يمونه أو يلي عليه .

الدعاء :

 اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، وصلّ اللهمّ وسلم على سيّدنا محمّد النبي الأمي وعلى صحبه وسلّم ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بارك لنا في شهر رمضان ، وأعنَّا فيه على الصيام والقيام ، وغضّ البصر ، وحفظ اللّسان ، اللهمّ سلِّمنا لرمضان ، وسلِّم رمضان لنا ، وتسلَّمه منَّا مُتَقَبَّلاً يا أرحم الراحمين ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور