وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 34 - سورة التوبة - تفسير الآية 40 ، تلازم النصر مع السكينة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


الله سبحانه وتعالى ذات كاملة واجب الوجود وهو على كل شيء قدير :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الأربعين، وهي قوله تعالى:

﴿  إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40)﴾

[ سورة التوبة ]

 أيها الإخوة الكرام، هذه الآية مُنطلَقٌ لموضوع كبير، هذا الموضوع هو أن الله -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير، هو ذات كاملة، واجب الوجود، لكنّ ما سواه ممكن الوجود، معنى ممكن أي ممكن أن يكون موجوداً أو ألا يكون، معنى آخر ممكن أن يكون على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون، أليس من الممكن أن يجعل الله الكفار في كوكب آخر؟ أو في قارة أخرى؟ أو في حِقبة زمنية معينة؟ لا يوجد حروب، ولا كفر، ولا معاصي، ولا آثام، المؤمنون في كوكب، والكفار في كوكب، لكن شاءت حكمة الله أن نكون معاً في مكان وزمان واحد. 


البشر عند الله صنفان لا ثالث لهما :


 لذلك القرآن طافح بقوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56(﴾

[  سورة الجمعة ]

 هناك آية واحدة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7)﴾

[  سورة التحريم  ]

 هناك مؤمنون، وهناك كفار.

﴿  وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)﴾

[  سورة الليل ]

 الصنف الأول صدّق أنه مخلوق للجنة، هؤلاء المؤمنون، بناء على هذا التصديق اتقوا أن يعصوا الله -عز وجل-، وبنوا حياتهم على العطاء، بالمؤمن صفة أساسية، صارخة، شمولية، قطعية، أن حياته كلها عطاء، يعطي من وقته، من ماله، من علمه، من خبرته، وهناك صفة أخرى لأهل الدنيا يأخذون، هذا يعطي، وهذا يأخذ. 


الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي :


 ومن أروع ما قدم بعض المؤلفين كتاباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قدمه لصاحب الكتاب للنبي الكريم، قال له:

 "يا من جئت الحياة، فأعطيت ولم تأخذ" . الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء يُمدَحون في غيبتهم، أما الأقوياء فيُمدَحون في حضرتهم ، لذلك الناس جميعاً تَبَعٌ لقوي أو نبي، من هنا خاف الناس الأقوياء، وأحبوا الأنبياء، هناك هرم بشري، هناك بشر، وللبشر أعلام، أعلام البشر هم المتفوقون، المشاهير، بتعبير معاصر النجوم، أعلام البشر زمرتان، زمرة سبب قوتهم: كمالهم وأخلاقهم، معرفتهم بالله، أعمالهم الصالحة، وقسم آخر سبب قوتهم: بأسهم وبطشهم وشدتهم.

 هناك قوي من طغاة الأرض، بعض الحروب العالمية تركت خمسين مليون قتيلاً، وخمسين مليون معاقاً، وخمسة ملايين مشردين، وهناك أنبياء عاشوا للناس، لذلك الناس جميعاً تَبَعٌ لقوي أو نبي.


الفرق بين المؤمن و غير المؤمن فرق صارخ :


 النقطة الدقيقة: أن المؤمن من أتباع الأنبياء، وأن غير المؤمن من أتباع الأقوياء، فبطولتك أن تكون تابعاً لمن؟ أن تكون تابعاً للأنبياء، تطبّق المنهج الذي جاؤوا به، تتقرب إلى الناس بكمالك، بعطائك، بحلمك، بعدلك، بإنصافك، الفرق بين الاثنين فرق صارخ.

 مثل للتقريب: قطعة لحم، واللحم غذاء أساسي، والإنسان إذا كان جائعاً جوعاً شديداً، ربما أثمن طعام أن تقدَّم له لحماً مشوياً، وهناك قطعة لحم متفسخة، رائحتها تصل لخمسين متراً، تكاد تخرج من جلدك من رائحتها، والقطعتان من اللحم، قطعة لحم تتمنى أن تأكلها وأنت جائع، وقطعة لحم تخرج من جلدك منها من شدة رائحتها النتنة، صدّق ولا أبالغ هكذا البشر، إنسان تتمنى أن تكون معه، تتمنى أن تجالسه، تتمنى أن تكون في خدمته، تتمنى أن تصاحبه، هؤلاء المؤمنون تتمنى أن تتزوج من بيته، هناك كمال، وحلم، ورحمة، وإنصاف، وكلام منضبط، وعفة، ورقي، وهناك إنسان كتلة سيئات، كاذب، منحرف، وصولي، منافق، لذلك دقق:

﴿  أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ﴾

[  سورة الماعون ]

﴿  أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى(11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12)  ﴾

[  سورة الماعون ]

 إنسان آخر. 


قضية الإيمان والكفر قضية حاسمة :


 إخواننا الكرام، الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن كما بين الأبيض والأسود، كما بين قطعة اللحم المتفسخة وبين قطعة اللحم الطازجة، بين الأزهار الفواحة وبين الأقذار التي لا تُحتَمل، فرق كبير جداً، يقول لك: هذا يصلي، القضية أكبر من الصلاة، أكبر من مليون صلاة، المؤمن صادق لا يكذب، المؤمن لا يخون، لا يعتدي على أعراض الآخرين، لا يعتدي على أموالهم.

 فيا أيها الإخوة الكرام، قضية الإيمان والكفر قضية حاسمة، من هنا الله -عز وجل- جعل المؤمنين وجعل غير المؤمنين في مكان واحد وفي زمان واحد، لترى الفرق الكبير بين من عرف الله وبين من لم يعرف الله.


من نصر دين الله عز وجل ارتقى عنده :


 لذلك الله -عز وجل- يقول في سورة التوبة في الآية الأربعين: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ إذا أنتم تأبّيتم أن تنصروه، الله ناصره.

 لكن هناك سؤالاً: الله -عز وجل- أرادنا أن نرقى عنده بنُصرة أنبيائه، فإذا استنكفنا فهذا شأننا، عندئذٍ ينصره هو، لكن أراد الله -عز وجل- أن يترك نصرتهم لنا؛ لنكسب العمل الصالح، هو القادر بأي لحظة أن ينصرهم، ولكن حينما تقف موقفاً مُشرِّفاً من نبي كريم، حينما تدعم داعية صادقاً، حينما تقف مع الحق، حينما ترفض الباطل، تكون قد نصرت هذا الدين، ماذا تفهم من قوله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾

[  سورة محمد ]

 الله يحتاج من ينصره؟ هو القوي، كن فيكون، زُل فيزول، ولكن المعنى أنك عندما تدعم دينه، حينما تقوم وتصلي وهناك عدد كبير لا يصلي، أنت إذا قمت إلى الصلاة نصرت دينه، حينما تدافع عن مؤمن نصرت دينه، حينما تَذُبُّ عن الحق نصرت دينه، حينما تدعم إنساناً مستقيماً نصرت دينه، حينما تنطق بالقرآن نصرت دينه، حينما ترفض كلام أهل الكفر نصرت دينه، والله الذي لا إله إلا هو هناك مليون مليون طريق لنصر هذا الدين، الله -عز وجل- قوي عزيز، لا يحتاج من أحد أن ينصره، ولكنك إذا نصرت دينه ارتقيت عنده، وإذا نصرت دينه نصرك، والآية الكريمة:

﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾

[  سورة آل عمران  ]


النصر الحقيقي من عند الله عز وجل :


 الآية الأولى:

﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(10)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 النصر الحقيقي من عند الله، قد يكون هناك وسائل، قد تملك سلاحاً وقد لا تنتصر به، قد تملك الرجال وقد لا تنتصر بهم، قد تملك العَتاد وقد لا تنتصر بها، أما النصر فمن عند الله، أول حقيقة في الدين: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ هو الناصر.

 الآن هذا النصر الذي هو من عند الله له ثمن، ما ثمنه؟ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾  تنصر دينه، تدافع عن المؤمن، تقف مع الحق، تحكم بالعدل، لا تأخذك في الله لومة لائم، أنت إذاً نصرت دينه، والله الذي لا إله إلا هو باليوم الواحد هناك مئات المواقف مُتاحٌ لك فيها أن تنصر دينه، مثلاً مؤمن غائب عن الجلسة، وهناك إنسان يكرهه لأنه مؤمن، فطعنَ بأمانته، وتعلم أنت علم اليقين أنه نقي، وأنه طاهر، وأنه عفيف، فدافعت عنه، أنت في هذا الكلام نصرت دين الله، لأنه مؤمن، عند الناس مؤمن، وتعلمه يقيناً أنه صادق، وأمين، وعفيف، لكن دائماً هناك عِداء أساسه العقيدة، المؤمن قد لا يؤذي أحداً قطعاً وله أعداء، هذه العداوة هي عداوة قابيل لهابيل، ماذا فعل قابيل؟ قابيل قاتِل، وهابيل مقتول، ماذا فعل قابيل؟ قاتِل، لذلك العداوة عداوة حال، عداوة موقف، فالمؤمن مؤمن، لأنه مؤمن هناك من يعاديه، النبي ماذا فعل؟ قدم للناس كل خير.

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾

[ سورة الفرقان ]

 هناك أعداء لله -عز وجل-، هكذا أراد الله -عز وجل-. 


الحكمة من وجود المؤمنين و الكافرين في مكان و زمان واحد :


  مرة ثانية أقول لكم: كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر، أو في قارة أخرى، أو في حقبة أخرى، ولكن شاءت حكمة الله أن نكون معاً، على وجه الأرض، وفي كل مكان وزمان، السبب لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون النصر إلا بالبذل والتضحية، لذلك معركة الحق والباطل أرادها الله، أرادها الله لأنك إذا نصرت الحق وعاديت أهل الباطل ارتقيت عند الله، معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية.


زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق الآية التالية :


 الآن تطبيق عملي، هناك آية كريمة إخواننا الكرام:

﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

 آية قرآنية، زوال الكون أهون على الله من ألا تُحقَّق هذه الآية، في النهاية المؤمنون ينتصرون، لكن الحرب جولات، هناك جولات وجولات، ونحن جاء دورنا في هذا العصر، الكافر قوي جداً، الكفار أقوياء، بيدهم زمام المُقدَّرات في الأرض، ونحن ضعفاء، لكن ما دمت مع الله فالله معنا إن شاء الله.

﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ ماذا فعل كفار قريش؟ قال: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ هذا الإنسان الراقي، الحليم، الرحيم، اللطيف، الذي اتصل بالله، جاءه الوحي، أراد إنقاذ أمته، لما خرج إلى الطائف، لماذا خرج إلى الطائف؟ ليهديهم إلى الإسلام، ليرحمهم، كذبوه، سخروا منه، أغرَوا سفهاءهم أن يضربوه وضربوه، وجاءه جبريل، قال يا محمد: أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك:

((  إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، قال : لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا  ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 هذا الإنسان الكامل الذي ما قبل أن يُؤدَّب معارضوه إطلاقاً، الله -عز وجل- لما أرسل له ملك الجبال، قال هذا الملك للنبي الكريم: (إن شئت أطبق عليهم الأخشبين) أي مكنه الله أن ينتقم منهم، لم يقبل. (اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) .

 هذا هو المؤمن، فأنت اطمئن كمؤمن الله سوف ينصرك، أما إذا نصرك إنسان ودعمك، ودعم مقولتك، ودافع عنك، ووقف أمام خصومك وقفة جريئة، فهذا كسب عملاً صالحاً كبيراً، أما لو تخلى عنك كل من حولك الله لن يتخلى عنك، حقيقة مهمة، الله -عز وجل- يريدنا أن ننصر الحق، كي نرقى عنده، كي نكون أبطالاً عنده، كي يرقى بنا هذا النصر إلى عليائه، لكن لو تخلينا عن نصرة أهل الحق، الله ينصرهم ويستغني عنا بنصرتهم، فأنت إن نصرت أهل الحق من أجل أن ترقى عند الله فقط، أما هو فسوف ينصرهم. 


على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ويتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :


﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ النبي الكريم علَّمنا في درس الهجرة حقائق بليغة جداً هو كإنسان أخذ بالأسباب، اتجه إلى غار ثور، قبع فيه ثلاثة أيام، ثم استأجر خبيراً في الطريق، وناقة جيدة وهاجر بها، أي أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، اتجه نحو الساحل ليُعمِّي على المطاردين حركتهم، قبع في غار ثور ثلاثة أيام، استأجر دليل للطريق وراحلة، أخذ بالأسباب كلها، لكن لمّا وصلوا إليه، ما كان يعتمد على هذه الأسباب الذي أخذ بها، كان يعتمد على رب الأرباب، فلما وصلوا إليه، قال:

((  يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك  ]

 هذا الكلام إخواننا الكرام ينقلنا إلى حقيقة دقيقة، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وينبغي أن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، دائما أن تأخذ من طرف العصا قضية سهلة جداً، أما أن تمسك العصا من وسطها القضية تحتاج إلى مهارة عالية جداً، فألّا تأخذ بالأسباب كشأن المسلمين اليوم، القضية سهلة جداً، أو أن تأخذ بها كأهل الغرب وأن تعتمد عليها وأن تُؤَلّهها، وأن تنسى الله قضية أهون، كلا الطرفين خاطئ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.

أي يمكن أن تقرأ الكتاب المدرسي عدة مرات، تلخصه كله، تحفظه كله، وفي الوقت نفسه وأنت على هذا الإتقان الشديد، من أعماق أعماقك تقول: يا رب أنت المُسلِّم، أنت الذي تلهمني الصواب في الامتحان.

 الإنسان حينما يأخذ بالأسباب ينسى مسبب الأسباب، حينما يأخذ بالأسباب ينسى الله -عز وجل-، عندك سفرة إلى حلب بمركبتك، أجريت مراجعة للسيارة تام، كل شيء راجعته جاهزية تامة، عندك إمكان بعد هذه المراجعة التامة أن تشعر بافتقارك إلى الله؟ أن تقول: يا رب! أنت المُسلِّم، يا رب! احفظني في هذا السفر، يا رب! أنت رفيقي في السفر، وأنت خليفتي في الأهل والمال والولد، الشيء المألوف الإنسان إذا أخذ بالأسباب وكان إيمانه ضعيفاً، ينسى مسبب الأسباب، ينسى الله، وأنه حينما لا يأخذ بالأسباب وهو عاصٍ لله، عندئذ يتواكل على الله، إما أن يتواكل أو أن يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها، أما الموقف الكامل فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.

لذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أنه موقن بنصر الله له، مع أنه موعود بالنصر، أخذ بالأسباب، أعدّ العُدَد، بكل معركة من معاركه كان يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وبعدئذٍ يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. 


من كان مع الله كان الله معه :


﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ سيدنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- خرج مع أبي بكر ﴿أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ لكن المشكلة أن هذه الخطة المُحكَمة - توجه نحو الساحل، وقبع في غار ثور ثلاثة أيام- مع كل هذه الخطط، والاحتياطات، وصلوا إلى الغار، الحكمة من وصول الكفار إلى الغار أن يتبين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما أخذ بالأسباب لم يكن يعتمد عليها، كان يعتمد على الله، فلما قال له الصديق: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، قال عليه الصلاة والسلام: (يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا )

 هناك رواية ضعيفة أن سيدنا الصديق قال للنبي الكريم، وهو خائف، قال: يا رسول الله لقد رأونا، قال: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) ﴾

[ سورة الأعراف ]

 أي أنت إن كنت مع الله -عز وجل- ينبغي ألا تخاف، إذا كان معك خالق السماوات والأرض، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإن كان عليك فمن معك؟

 إخواننا الكرام، والله أن يكون الله معك في متناول يد كل مؤمن، كن معه يكن معك، كن معه مطيعاً يكن معك ناصراً، كن معه يكن معك، وهذا مُتاح لكل مؤمن، أنا لا أتكلم عن حالات خاصة، متاح لكل واحد منكم، إذا كنت مع الله كان الله معك.

﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ أنا أقول دائماً: إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟. 


الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يدعوه إلا ليستجيب له :


﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ إخواننا الكرام، قد تكون قوياً، وقد تكون غنياً، وقد تملك حلاً لكل مشكلات أهل الأرض، وإذا تخلى الله عنك ترى كم أنت ضعيف، وقد تكون ضعيفاً فإذا كنت مع الله شعرت بقوتك، القوة والضعف قضية نسبية، إن كنت مع الله شعرت بقوتك، وإن كنت بعيداً عن الله شعرت بضعفك، لذلك الله -عز وجل- يقول فيما يرويه النبي عن ربه:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة  ]

 كيف يكون المؤمن قوياً؟ بالله -عز وجل-، يستعين بالله، يتوكل على الله، يستقيم على أمر الله، يدعو الله -عز وجل-، باب الدعاء هناك غفلة كبيرة عنه.

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) ﴾

[ سورة غافر  ]

 وما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ والله أيها الإخوة لو فتحتم على أنفسكم هذا الباب الكبير من الخير، باب الدعاء، اسأل ربك كل شيء، اسأله ملح طعامك، هكذا ورد بالحديث، اسأله حاجتك كلها، اسأله شِسع نعلك إذا انقطع، 

(( مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ ))

[ سنن الترمذي ]

، اسأله، اطلب منه، أقم مناجاة بينك وبينه، يا ربي وفقني، يا ربي ألهمني الصواب، قبل أن تخطب امرأة، يا رب هيئ لي زوجة صالحة، زوجتك حامل، يا رب اجعل هذا الابن صالحاً، اسأله، ناجه، لكن من الذي يناجي ربه؟ المستقيم، المخطئ يستحي أن يناجيه، أنت استقم على أمره، واسأله كل شيء، اسأله حاجتك كلها، ولا تقلق.

  إذاً: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ - النبي الكريم - لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ الكلام دقيق جداً، أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، النبي أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، لكنه لم يعتمد عليها، اعتمد على الله، فلما وصلوا إليه قال أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا – أو لقد رأونا- عندئذٍ قال عليه الصلاة والسلام: ( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ) الموقف الكامل ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. 


السكينة راحة نفسية عجيبة لا يشعر بها إلا المؤمن :


﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ ما هذه السكينة؟ الله -عز وجل- يرزقنا السكينة، السكينة حالة أمن عجيبة، حالة راحة نفسية عجيبة، حالة ثقة بالمستقبل عجيبة، حالة شعور بالتفوق عجيبة، حالة شعور بالقوة عجيبة، سكينة، الله -عز وجل- أنزل عليك السكينة، آية قرآنية: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ تسكن بها، ترتاح، لا تخاف أحداً، لا تخاف دماراً، لا تخاف فقراً، لا تخاف مرضاً عُضالاً، النبي الكريم أُعطي دواء لذات الجنب، مرض عضال، فغضب وقال: ذلك مرض ما كان الله ليصيبني به،

(( لدَدْناهُ في مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إلَيْنا: أنْ لا تَلُدُّونِي فَقُلْنا كَراهيةُ المَرِيضِ لِلدَّواءِ، فَلَمَّا أفاقَ قالَ: ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّونِي، قُلْنا كَراهيةَ المَرِيضِ لِلدَّواءِ، فقالَ: لا يَبْقَى أحَدٌ في البَيْتِ إلَّا لُدَّ وأنا أنْظُرُ إلَّا العبَّاسَ فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُمْ. ))

[ صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين ]

 وأنت أيها المؤمن، أنت حينما تقرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت ]

 إله عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض، يطمئنك ويقول: لا تخف، ولا تحزن، لا تخف من المستقبل، ولا تحزن على الماضي، الآن أحياناً إنسان بالستين أو بالسبعين يعرف هناك أمراض عضالة تأتي في آخر سنوات العمر، هناك شلل، وورم، وأمراض تنهد لها الجبال، المؤمن واثق أن الله -عز وجل- يحميه منها، ذلك مرض ما كان الله ليصيبني به، فأنت حينما تعيش تقياً تعيش حياة سعيدة، أكبر عطاء إلهي أنه طمأنك، والدليل أن الصحابة الكرام في قول الله -عز وجل-:

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾

[ سورة التوبة  ]

 لنا، ما قال علينا، أنا أقول لكم هذه الكلمة: أنت اجهَد أن تستقيم على أمر الله، ويجب أن يمتلئ قلبك ثقة بالمستقبل، لا يوجد عندك دمار أبداً، أهل الدنيا من بُعدهم عن الله -عز وجل- يتوقع شللاً.

 مرة إنسان زار مريضاً معه أزمة قلبية، وله بيت معتنٍ به عناية تفوق حدّ الخيال، قال هذا المريض لصديقه الزائر: أنا خائف من هذه المرأة اللعينة بعدما أموت أن تتزوج إنساناً يأتي إلى هذا البيت على بارد الماء، ما هذه الحالة؟ تجد البعيد عن الله عنده قلق دائم، عنده خوف، عنده شعور أنه هو سوف يدمر ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ أنت مؤمن غالٍ عند الله. 


الله عز وجل لا يعامل الإنسان الفاسق كالإنسان المؤمن :


 أنا أريد هذه النقطة أن تكون واضحة عندكم، مادمت مستقيماً على أمر الله، يجب أن تشعر بالأمن، والله عز وجل يقول:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام ]

 أي أنت ألَا تعجب من قوله تعالى:

﴿  أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18)﴾

[ سورة السجدة ]

 تتصور أن الله -عز وجل- يعامل الإنسان المؤمن كما يعامل الإنسان الفاسق ؟ مستحيل!.

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾

 

[ سورة جاثية  ]

 دعك من الآخرة، الحياة الدنيا مستحيل أن يكون فيها المؤمن كغير المؤمن، في بيته، في صحته، في زواجه، في أولاده، مستحيل! في الدنيا قبل الآخرة، والدليل: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾ معقول، حياتك غير حياته، زواجك غير زواجه، عملك غير عمله، دخلك غير دخله، سمعتك غير سمعته، أنت مؤمن، فأنا أتمنى أن المؤمن إذا استقام على أمره تماماً ألا يسمح لوساوس من الشيطان أن تخيفه من الله -عز وجل- ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ .


 الله عز وجل يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين :


﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ إخواننا الكرام، هذه السكينة أجمل ما عند الله، أحلى عطاء من الله، سكينة، تجلس مع مؤمن، والله فقير لا يوجد عنده شيء، عنده ثقة بنفسه، عند ثقة بالله، عنده شعور بالسعادة لا يوصف، لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدَرٍ لأصفيائه المؤمنين.

 إذاً: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ شعور بالراحة، شعور بالسعادة، بالطمأنينة، بالرضا، شعور بالأمن، عدم الخوف من المستقبل، عندك بيت، وزوجة، بيتك إسلامي، زوجتك محجبة، البيت فيه صلاة.

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)﴾

[ سورة طه  ]

 لا يوجد كلام بذيء، لا يوجد نظرات لا ترضي الله -عز وجل-، لا يوجد مُلهيات في البيت تبعدك عن الله -عز وجل-، بيت إسلامي، ماذا تنتظر من الله أن يعاملك؟ ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ لك معاملة خاصة، في كل الأزمات العامة لك معاملة خاصة.

﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ بعضهم قال: على سيدنا الصديق، لأنه كان قلقاً ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾ اعتقدْ يقيناً أنه لا يمكن أن تكون كلمة الذين كفروا العليا، قد تعلو أحياناً لفترة محدودة وثم تسقط ، لذلك لا يوجد جهة ابتعدت عن الله وتألقت وقويت ثم انهارت إلا الإسلام، إذا كنت مع الله كان الله معك، أنت في قوة دائمة، وفي تألُّق دائم. 


كلمة الله هي العليا و الحق هو المنتصر :


﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾ لكن مرة أحد الإخوة الكرام توقع أن حركة الكلمة الثانية هي الفتحة: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ فهو توهم أن الواو عطف، فقال لي: لماذا لم تأتِ مفتوحة، فأجبته: لو كانت الواو حرف عطف لكان عندنا مشكلة كبيرة، أي جعل كلمة الذين كفروا سفلى بعد أن كانت عليا ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ دائماً، في أي زمان، في أي مكان، وكلمة الله استئناف، الواو استئنافية، ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ دائماً، دائماً كلمة الله هي العليا، الحق هو المنتصر، المصير للحق.

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾

[  سورة القصص ]

﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾ الآن أنت أيّ طرْحٍ لأي موضوع، طرح أرضي بعيد عن الدين سينهار، مثلاً كم فرقة ضالة جاءت للعالم الإسلامي؟ والله آلاف الفِرق، وقويت، وتلاشت، لم يبقَ إلا الإسلام، هذا دليل كبير جداً، أي فرقة ضالة غيرت وبدلت وانحرفت بعقيدتها وسلوكها تلاشت، ولم يبقَ على الساحة العامة إلا الإسلام كطَودٍ شامخٍ ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ دائماً، جعلها سفلى بينما كلمة الله هي العليا دائماً ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .

 إن شاء الله نتابع هذه الآيات في درس قادم.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور