وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0070 - الشريعة والمنهاج - بعض من وصايا رسول الله لمعاذ.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً بمن جحدَ به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم سيد الخَلقِ والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذُريَّته ومن والاه ومن تبعَهُ إلى يوم الدين .
اللهمَّ ارحمنا فإنَّك بنا راحم ، ولا تُعذبنا فإنك علينا قادر ، وألطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيءٍ قدير .

الشريعة والمنهاج .

أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربنا سبحانه وتعالى يقول في بعض آيات كتابهِ الكريم :

﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾

[سورة المائدة الآية:48]

فالشَرع هو ذلك النظام الأمْثَل الذي وضعه الله لخلْقه كي يهتدوا به في حياتهم الدنيا .

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية:123]

إذا كان هذا هو الشرعُ فما المِنهاج ؟ الشرع هو هذا النظام ، هذه القواعد ؛ في العبادات ، في المُعاملات ، في العَلاقات ، في الحدود ، هذا هو الشرع ، فما المنهاج ؟
المنهاجُ يا إخوة الإيمان هو الطريق إلى بلوغِ الشرع . بشكلٍ أو بآخر قد يملك الإنسان الحقيقة ولا يملك إيصالها للناس ، ولا يملِكُ طريقة إيصالها للناس ، ما كلّ عالمٍ بمُعَلِّم ، فالمنهجُ هو الطريقة التي إذا اتبعتها وصلت إلى بلوغِ الشَرع ، أو بلغْتَ مستوى الشرع ، من هذه الطُرُق ، من آيات المِنهاج قوله تعالى :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

الآية التي قبلها :

﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:27]

أيْ كلماته ؛ تلك الحقائق التي جاء بها القرآن لا تتبدَّل ، ولا تُعَدَّل ، ولا تجرَّح ، ولا يُشِيُبها الخَطأ ، ولا تحتاج إلى إضافات ، ولا إلى حذف .

﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾

[سورة الكهف الآية:27]

إذا قال الله تعالى :

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

[سورة الأحزاب الآية:33]

فهذه هي الحقيقةُ التي إذا خرج الناس عنها فسدت الحياة الاجتماعية.
إذا قال الله تعالى :

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾

 

[سورة البقرة الآية:276]

قانون ، علاقةٌ ثابتة ..

﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:27]

الحقائق التي جاء بها القرآن الكريم ، سواءٌ أكانت حقائقَ في العقيدة ، أو حقائقَ في المعاملات ، أو نظاماً في التعامُل بين العبد وربه ، أو نظاماً في التعامل بين العبد والعبد ، هذه الحقائق كل من خرجَ عنها وقع في الضلال أولاً ، وفي الشقاءِ ثانياً ، لقوله تعالى :

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية:123]

﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:27]

القوة كلّها بيدِ الله ، لا إله إلا الله ، هذه كلمة التوحيد ، لا قويَّ إلا الله ، لا رافعَ إلا الله ، لا خافضَ إلا الله ، لا مُعطي إلا الله ، لا مانع إلا الله ، لا معِزَّ إلا الله ، لا مذل إلا الله .

﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:27]

أيْ ملجأ ، لن يحميك أحدٌ من الله ، والله يحميك من كل مخلوقاتهِ ، إذا كان الله عليك فمَن معك ؟ وإذا كان الله معك فمَن عليك ؟ إن الله يمنعك من كل الناس ، ولا يستطيع أقوى الناس أن يمنعك من الله عز وجل.

الشرع :

﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ 

[سورة الكهف الآية:27]

هذه الحقائقُ الخالدة ، كيف نصلُ إليها ؟ كيف نستوعِبُها ؟ كيف نتمثَّلها ؟ كيف تكون في قلوبنا لا في أدمغتنا ؟ كيف نهتدي بهديها ؟ كيف نسير على سَنَنِها ؟ كيف ؟ . 

المنهاج :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

هذه آيةٌ من آيات المِنهاج ، الآية الأولى شَرْع ، والثانية مِنهاج .

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

معاني الصبر :

أيها الإخوة المؤمنون ؛ إذا قال الله لك : اصبر ، فمعنى ذلك أن في الأمر شيئاً يحتاجُ إلى صبر ، هل تقول لمن تقدِّم له طعاماً لذيذاً : اصبر على هذا الطعام ؟ لا ، لكن إذا قلت له : اصبر على هذا الدواء . إذاً في الدواء شيءٌ يحتاج إلى الصبر .

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

قد تجلس مع الذين لا يدعون ربَّهم بل يدعون بعضهم بعضاً ، قد تجلسُ معهم فيملئوا أذنك بالثناء الفارغ ، قد تأخذك العِزَّة ، قد تلتهي بثنائهم ، قد تجلس على أريكةٍ مريحة ، قد يقدم لك الطعام والشراب ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

أيْ احضَرْ مجالس العلم ، اجلس على ركبتيك في المسجد واستمع إلى قوله تعالى ، واستمع إلى معاني كتاب الله ، اجلس معهم ، الزمهم ، صاحبهم ، لا تفترق عنهم ، لا تبتعد عنهم ، لا تستغنِ عنهم ، لا تؤثر عليهم أهل الدنيا ، لا تؤثر عليهم أهل الباطل ، لا تؤثر عليهم أهل الغرور، لا تؤثر عليهم من يُغْضِب الله ورسوله .

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

أمرٌ إلهي ، وإن كان في السياق موجهٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن إعجاز القرآن أن كل آياته إذا أَخَذْتها وحدها فهي حقائق وقواعد توجَّه إلى كل مخلوق .

لا يسأمون من دعائك ، لا يملَّون ..

﴿ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

صباحاً ومساءً ، ليلاً ونهاراً ، في جدِّهم ولهوهم ، في سرورهم وفي انقباضهم ، ذكراً كثيراً ..

 

كثرة الذكر :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً

[سورة الأحزاب الآية:41]

قال عليه الصلاة والسلام :

(( برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ))

لماذا ربنا سبحانه وتعالى يقول لنا :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لأنك إذا عرفت الحقيقة ولم يكن حولك من يؤمن بها ، ولا من يُقنعك بها ، ولا من يجسِّد لك بسلوكه تلك الحقيقة ، فإن هذه الحقيقة مع مُضي الزمن تضعف وتضعف حتى تقوى عليها الشهوات ، وتقوى عليها الرَغبات ، ويصبح الإنسان وكأنه لا يعي على شيء ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( من ترك الجمعة ثلاث مراتٍ من غير عذرٍ نكتت نكتةٌ سوداء في قلبه ))

لأن هذه الحقيقة غابت عنه ، وقوِيَت شهواته ، وقويت نوازعه ، وقويت ميوله ، حتى أن هذه الحقيقة كأنَّها لم تكن .

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

ابحث عن المخلصين ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذي استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ، عن طريق الحق .

﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

قد يريد الإنسان الدنيا من طريق الدين ، قد يريد الدنيا وهو يتوهَّم أنه يريد الآخرة ، ربُّنا سبحانه وتعالى أعطانا بعض المقاييس قال :

﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة يس الآية:20-21]

لا أجراً مادياً ، ولا معنوياً ، لا بطريق التصريح ، ولا بطريق التَلْميح ، ولا بطريقة الإشارة ، ولا بطريقة العِبارة ، قال :

﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة يس الآية:20-21]

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لا تتجاوزهم ، لا تستغنِ عنهم ، لا تؤثِر عليهم مجلساً فيه فسقٌ وفجور ، لا تؤثر على مجالسهم مجلساً فيه غيبة ونَميمة ، لا تؤثر على مجالسهم مجلساً فيه لهو الحَديث ، لا تؤثر على مجالسهم مجلساً يُعصى الله فيه ، لا تؤثر على مجالسهم مجلساً لا يرضي الله عز وجل .
عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً ))

[أخرجه أبو داود والترمذي]

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حِلَقُ الذِّكْرِ))

[أخرجه الترمذي]

الذكر أيْ ذكر الله ، تفسير كتاب الله ، بيان سنة رسول الله ، بيان الطريق إلى الله .

أسباب الغفلة عن الله ونتيجتها

﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لم يقل الله عز وجل : ولا تطع من غفل عن ذكرنا . بل قال الله عز وجل :

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لماذا يُغفل الله قلب الإنسان ؟ ما ذنب الإنسان إذاً ؟ ما ذنبه إذا أغفل الله قلبه ؟ السُنَّة المشرَّفة جاءت لتبيَّن كتاب الله ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( ما استرذل الله عبداً إلا حظر عليه العلم والأدب ))

[ من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة ]

لماذا أغفل الله قلبه عن ذكره ؟ لأنه استرذله ؛ رآه شهوانياً ، رآه سَخيفاً ، رأى ميوله دُنيا ، رأى اهتماماته ليست عُليا ، رآه مُحباً للمال ، محباً للشهوات ، غارقاً فيها ، نشيطاً في شهواته ، غافلاً في طاعاته .

(( ما استرذل الله عبداً إلا حظر عليه العلم والأدب ))

[ من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة ]

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

هذا الغافل عن ذكر الله لا يُسْتشار ، ولا يُسْتَأنس برأيه ، ولا يُسْتَفْتى ، لماذا ؟ لأنه من أهل الدنيا لا يعرف كتاب الله ، لا يعرف ما فيه.

﴿تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

كيف تسأله عن شيءٍ وهو لا يصلي ؟ أَنَىَّ له أن يعرف الحقيقة إذا كان لا يصلي ؟ أنى له أن يعرف الحقيقة إذا كان يعصي الله جهاراً ؟ لا تسأله ، ولا تستشره ، ولا تستأنس برأيه ، ولا تستمزج رأيه ، ولا تأخذ كلامه على أنه حقيقة ، ولا على أنه صَحيح ..

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لماذا ؟ لماذا أغفلنا قلبه عن ذكرنا ؟ .

﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

اتبع هواه فأغْفلنا قلبه عن ذكرنا ، استرذله الله فحظر عليه العلم والأدب ..

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

القرآن الكريم حينما يعطفُ شيئاً على شيء ففي العطف حكمةٌ بالغة ، قد يكون المعطوف عليه هو السبب ، أغفلنا قلبه لأنه اتبع هواه ، فماذا كانت النتيجة ؟ الغفلة ، لها سبب ولها نتيجة ، سببها اتّباع الهوى ، ونتيجتُها أنه أمرها كان فُرُطاً ، أيْ فوضى ، في بيته فوضى أخلاقية ، فوضى انضباطية ، فوضى في المُعاملات ، فوضى فيما يجوز أو لا يجوز، ليس في بيته انضباط ، ليس في علاقاته الخاصَّة انضباط ، لا يعرف الحلال من الحرام ، ولا الخَير من الشر ، ولا الحقَّ من الباطل ، ولا ما يجوز ، ولا ما لا يجوز ..

﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لا يستطيع السيطرة على زوجته ، ولا على بناته ..

﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لا يستطيع أن يختار لابنته الزوجَ المناسب ، يخضعُ في اختيار الزوج لرأي زوجته التي تؤْثر المال وتُعْرض عن الدين .

﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لا يستطيع أن يحرر دخله من الحرام .

﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

لا يستطيع أن يغلب نفسه ، نفسه تقوده ولا يقودها ، شهواته تسيِّره وليست تحت قدميه .
الغفلةُ لها سببٌ ولها نتيجة ، سببها اتباع الهوى ، ونتيجتُها الأمر الفُرُطْ الذي لا انضباط فيه ، أمثل هذا يُسأل ؟ أمثلُ هذا الذي لا يصلي يستفْتى ؟ أمثل هذا الذي لا يعرف الحق من الباطل يُستشار ؟ هل تستشيره في مصير أبنائك ؟ كيف تريدُ أن تسيَّرهم في حياتهم ؟ لا ..

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

بالمقابل ..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الممتحنة الآية:13]

آيةٌ أخرى :

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:51]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾

[سورة التوبة الآية:23]

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:257]

﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾

[سورة الأحزاب الآية:43]

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة الحج الآية:38] 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

 

[سورة مريم الآية:96]

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ﴾

[سورة البقرة الآية:165]

أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذه آيةٌ من آيات المنهج .
آيات الشريعة :

﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾

[سورة الكهف الآية:27]

هذه هي الشريعة :

﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:27]

الحق كلُّه في هذا الكتاب ، والقوة كلُّها بيد الله ، هذا مضمون الآية الأولى ، الحق كله في هذا الكتاب والقوة كلها بيد الله ، كيف الطريق إلى تمثُّل هذه الحقيقة والإيمان بها وتجسيدها في السلوك ؟

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

يكفي أن تصاحب إنساناً سيِّئاً حتى يسْحَبَكَ إلى جهته ، من أحب قوماً حُشر معهم ، من هوي الكفرة حُشر معهم ، ولا ينفعه عمله شيئاً .
يا إخوة الإيمان من طرائق المنهج الصحيح إلى الله رب العالمين أن تبتعد عن أهل المنكر ..

﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾

[سورة الكهف الآية: 16]

لا بد من أن تبتعد عن أهل الباطل .

﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾

[سورة الكهف الآية: 16]

أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
* * *

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، واشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُق العظيم . اللهم صلي وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وذريَّته الطيِّبين الطاهرين .

نصائح نبوية

يها الإخوة المؤمنون ؛ عن أبي كبشة الأَنماري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ))

[أخرجه الترمذي]

النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، كلامه حق ، حقٌ صرْف ومع ذلك :
عن أبي كبشة الأَنماري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ))

[أخرجه الترمذي]

بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي تقسم عليه ؟ قال :

(( مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ))

[أخرجه الترمذي]

أي من سابع المستحيلات إن صَحَّت ، زوال الدنيا أهون من نقض هذا الحديث .

(( مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ))

ومن ذاق عرف .

((وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا ))

[أخرجه الترمذي]

صبر عليه ، رآها معالجةً من عند الله ، تلا قوله تعالى :

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾

[سورة الأنفال الآية:18]

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية:10]

﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾

[سورة البروج الآية:20]

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾

[سورة هود الآية:56]

عن أبو كبشة الأنماري رضي الله عنه : أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
يقول :

(( وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ))

[أخرجه الترمذي]

لذلك من جلس إلى غنيٍ فتضعضع له ذهب ثلثا دينه .

(( وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ))

عن أبو كبشة الأنماري رضي الله عنه : أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
يقول :

(( ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ))

[أخرجه الترمذي]

لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير ))

لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :

(( لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ))

[أخرجه الترمذي]

لا ينبغي ، أنت تمثِّل دين الله لا ينبغي أن تذل نفسك ، لأنك تمرِّغ هذا الدين بالوحل .
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :

(( لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ))

[أخرجه الترمذي]

ويقول : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلِّم من يعمل بهن ؟ فقال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله . فأخذ بيدي فعد خمساً وقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ))

[أخرجه الترمذي]

أي قمة العبادة في ترك المحرمات .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

((والله لترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام ))

دانق . ترك المحرمات مقدمٌ على العبادات
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :

((وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ))

[أخرجه الترمذي]

من هو الغني الحقيقي ؟ الذي رضي بما قسمه الله له ، رضي بزوجته التي قسم الله له إيَّاها ، رضي بأولاده ذكوراً أو إناثاً ، أذكياء أو أقل من ذلك ، كُثُر أم قلة ، رضي بمسكنه ، رضي بالذي وضعه الله فيه بعد أن بذل كل جهده ـ انتبهوا ـ قبل أن تبذل كل جهدك لا يعد هذا رضى إنه كسل ، بعد أن تستنفذ كل جهدك هذا الذي وصلت إليه ارضَ به ، لأنه قسمه الله ..

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾

[سورة الشورى الآية:27]

تقتيرُ الله عز وجل تقتير علاجي ، تربوي ، لا تقتير عجز ، الإنسان قد يقتِّر تقتير عجز .
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :

((وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ))

[أخرجه الترمذي]

المؤمن الحق هو الذي يأمن جاره بوائقه .
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :

((وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ))

[أخرجه الترمذي]

خمس نصائح :
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :

(( اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ))

[أخرجه الترمذي]

و الحمد لله رب العالمين

الدعاء :

اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنا يا رب العالمين .
اللهمَّ أغننا بالعلم ، وزيِّنا بالحلم ، وأكرمنا بالتقوى ، وجمِّلنا بالعافية ، وطهِّر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وأعيننا من الخيانة ، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، واصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين .
اللهمَّ اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، واقبل توبتنا ، وفُكَّ أسرنا ، واحسن خلاصنا ، وبلِّغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا .
اللهمَّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رَخياً وسائر بلاد المسلمين .

تحميل النص

إخفاء الصور