وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات مختلفة في العقيدة - الدرس : 24 - آداب التعامل مع المعاق .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أهمية الأدب في الإسلام :

 أيها الأخوة الكرام، كما تعلمون الإسلام في مجمله عقائد وعبادات ومعاملات وآداب، فالآداب ربع الدين، قضية تتعلق بالعقيدة، قضية الصلوات مع العبادات، قضية الدين والوكالة والحوالة والطلاق والخلع مع المعاملات، قضية احترام الآخرين التواضع لهم خدمتهم متعلقة بالآداب، بل إن الذي لفت نظر أصحاب رسول الله في رسول الله هذا الأدب الجم، هذا التواضع، حتى أنه سئل: ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.
 وإن لم يكن أدب المؤمن صارخاً يلفت النظر ففي إيمانه شك، لا يمكن لمؤمن أن يكون وقحاً، ولا أن يكون بذيئاً، ولا أن يكون فاحشاً، ولا أن يكون مستعلياً، ولا متكبراً، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
 كنت أضرب هذا المثل كثيراً؛ إنسان فقير جاءه ضيوف كثر، لا يوجد عنده إلا كيلو لبن، أضاف إلى هذا اللبن أربعة أحجام، فجعله عيراناً، وقدمه لضيوفه أربع أحجامه، وبقي اللبن لبناً وسائغاً للشاربين، وقدم ضيافةً، أما لو وضع في هذا اللبن قطرةً من النفط أفسده، ولا بد من أن يستغني عنه، كذلك الكبر يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
 في الدرس السابق تحدثت عن المعاقين بشكل أو بآخر، من كان حظه في الدنيا قليلاً، حظه من الصحة قليلاً، فقد بصره، أو فقد حركته، وبينت أن الحظوظ في الدنيا توزع توزيع ابتلاء، لأنها سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، فالعبرة لا للدنيا بل للآخرة، وبينت أيضاً أنه من سوء الفهم، ومن سوء التصور أن تعتقد أن الله إذا حرمك شيئاً فأنت عنده مهان، لا والله، وأنه إذا أعطاك شيئاً فأنت عنده مكرم، لا والله، ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، فالمؤمن بالحقيقة حينما ينطلق من تصور صحيح يتصرف تصرفاً صحيحاً، وأنا أؤكد لكم والله ما من سلوك منحرف إلا بسبب تصور منحرف، قد يبدو لكم هذا الموضوع ثانوياً، أو يعني فئة قليلة، لا والله، لو أن طفلاً صغيراً قصير القامة أو يوجد عنده عيب خلقي، والمعلم سخر من هذا العيب أمام زملائه، أقسم لكم بالله إن هذا المعلم في حق هذا الطالب مجرم، المعلم المؤمن يتجاهل هذا العيب تجاهلاً كاملاً، ويعامله كرفاقه تماماً، ويسأله، ويهتم له، ويثني على تفوقه، وكأن هذه العاهة ليست موجودة، هذا هو المؤمن، هذا هو الذي اصطبغ قلبه بكمال الله، لذلك كم من معلم أو معلمة، أو صاحب متجر، أو رئيس دائرة فرضاً غضب من أحد موظفيه، أو من أحد معه في العمل فوصمه أو عيره بعيب خلقي، وكأن قصةً ذكرتها قبل عدة أسابيع هي الآن مناسبة جداً.

إكرام كل من عرف الله وكل من استقام على أمره بغض النظر عن شكله واجب علينا:

 إنسان دميم جداً، وقد ذكرت لكم أن بعض التابعين كان قصير القامة، أسمر اللون، أحنف الرجل، ضيق المنكبين، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضِبَ غَضِبَ لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيم غضب؟ فإنسان جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول ماذا علي أن أعمل؟ ذكره بأركان الإسلام؛ تشهد أنه لا إله إلا الله، وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت إلى آخره، فقال: يا رسول الله لو أني فعلت هذا ما لي عند الله؟ قال له: أنت رفيقي في الجنة، انظر إلى هذا التواضع بالمقياس الجمالي صفر، وما لم نحكم قيم القرآن في حياتنا نسقط من عين الله جميعاً، فقال له: أنت معي في الجنة، فقال: يا رسول الله ما بال هؤلاء الذين حولك لا يزوجونني؟ عرضت هذه القصة على أخ كريم متبحر في السيرة قال لي: هذا الرجل أكتع اليد، أعور العين، هكذا قال لي، فقال النبي: اذهب إلى بيت فلان، وقل لهم: إن رسول الله زوجني ابنتكم، ما هذا المجتمع؟ طرق الباب فتح الأب لقيه على هذه الحالة، ما صدقه، طرده سمعت ابنته فقالت: يا أبت ألا تخشى أن يسبقك الوحي إلى رسول الله فينبئه بما صنعت، إن رفضت من أجلي فأنا راضية به، انتهى الأمر.
 والله التقيت بإنسان زارني من بيروت، جاء إلى المسجد حدثني قال لي: تزوجت امرأةً مؤمنةً كفيفة البصر، وهو شاب، والله كما يقولون كالوردة تماماً، هذا عمل عظيم أخلصت إليه إخلاصاً لا يصدق، المعاق يجب أن يعامل معاملة خاصة، سآتي على التفاصيل ينبغي أن تحترمه، هل تصدق إنك إن لم تسلم على كفيف البصر فقد خنته هو لا يراك، ورد في بعض الأحاديث أن ترك السلام على الضرير خيانة، قد تجد إنساناً له لون معين، له طول معين، فيه عيوب بخلقه كثيرة جداً، أنت كمؤمن لا يمكن أن تتعامل معه إلا وفق مقياس العلم والعمل فقط، وفق علمه بالله وعمله الصالح فقط، وما لم نكرم كل من عرف الله، وكل من استقام على أمره فلا يقيم الله لنا يوم القيامة وزناً، مقاييسنا أرضية.

قصة تبين روعة المجتمع الإسلامي في عهد النبي الكريم :

 عندما قالت له ابنته هذا الكلام خاف، وأسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلغه الأمر، النبي عاتبه قال له: والله يا رسول الله ظننته كاذباً، وأشهد أنني زوجته ابنتي، وأبلغ النبي ما قالت له ابنته: إن كنت رفضته من أجلي فأنا راضية به، أي أنا أحترم رغبة رسول الله، هذا مجتمع المؤمنين، فقال له النبي: قل لابنتك: بارك الله لها في عمرها وفي مالها، جيء بالشاب عمك وافق، ماذا عندك يا بني؟ قال: ما معي شيء، على باب الله، فأمر ثلاثة من أصحابه أن يحملوا عنه المهر، أحدهم سيدنا علي، وسيدنا سعد، وسيدنا عبد الرحمن، أعطاه كل واحد مئتي درهم ليشتري به حاجات العرس، العرس في نفس اليوم ليس عندنا سنتين تطلع روحه حتى يأتي العرس، في نفس اليوم، وإذا بمنادي الجهاد ينادي أن يا خيل الله اركبي، هذا الإنسان الذي ما كان يحلم بحياته أن يتزوج لولا تدخل النبي، ما كان يحلم بحياته أن يتزوج إلا بتدخل النبي، آثر الجهاد في سبيل الله فانضم إلى ركب المجاهدين، واستشهد، من شدة تأثر النبي كفنه بيده، ودفنه بيده، وصلى عليه، اسمه سعد، وقال: هو رفيقي في الجنة، وأرجو الله أن يعوضه خيراً من زوجته.
 هذه القصة انتهت، ما هذا المجتمع؟ فتاة تضع حظها من الشباب تحت قدمها أمام رغبة رسول الله، وشاب حلمه الأكبر أن يتزوج، أن يتزوج أية امرأة، وكانت امرأته جميلة جداً، هذه المفارقة فآثر الجهاد، وأب سارع إلى إرضاء النبي، لو كان شبابنا وشاباتنا وأولياء الأمور بهذا المستوى ينبغي أن نملي إرادتنا على طغاة الأرض، مرة وزيرة زارت بلدنا الطيب، واستقبلها الوزير المماثل لها، ومعه كبار موظفي الوزارة، ويوجد رجل من كبار الموظفين متفوق جداً في اختصاصه لكنه ملتزم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

((إني لا أصافح النساء))

[السيوطي عن أميمة بنت رقيقة ]

 ولم يصافحها، فغضبت غضباً لا حدود له، فالوزير انزعج منه قال له: كانت تأكلك لو صافحتها؟ هكذا أحرجتنا، فمنعه أن يأتي على طعام الغداء، كان ثمة حفل تكريم، هي سألت عنه: أين فلان؟ هناك موظف عندك لم يصافحني، أريد أن أراه، اطلبوه، فاضطر أن يدعى ثانيةً إلى الحفل، فسألته: لمَ لمْ تصافحني؟ فقال: أنا مسلم، وأنا ملتزم، ومن تعليمات ديننا العظيم أن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن يصافح النساء، أو لم يكن يصافح امرأة أجنبية، وأنت بالنسبة إلي امرأة أجنبية، فقالت للوزير: لو أن المسلمين أمثال هؤلاء لكنا تحت حكمكم، أنا قست على ذلك لو أن شبابنا وشاباتنا وأولياء أمورنا بهذا المستوى من الالتزام والحب لأملينا إرادتنا على أعدائنا.

 

أول موقف من مواقف المؤمن في التعامل مع المعاق أن يكون شاكراً لله :

 إذاً أرأيت إلى هذا الأدب الجم مع المعاق، هذا الدميم معاق، الكفيف معاق، الأعرج معاق، أنا فيما أتصور لا يمكن أن يحس المعاق في مجتمع المسلمين أنه معاق هكذا والله إيماني، لا يمكن أن يحس المعاق بين المؤمنين أنه معاق، لأنهم يعاملونه كإنسان، يعاملونه كإنسان ذي كرامة في أعلى مستوى، أنا أعطيكم مثلاً من واقع المسلمين، أيام يكون في طفل جميل الصورة حركاته لطيفة جداً، وكلامه عذب، وطفل سبحان الله ظله ثقيل، وحركاته غير مقبولة، الأب المؤمن يعامل الاثنين معاملةً متساوية تماماً من حيث الاهتمام، من حيث تقبيله من حيث أن يضعه في حضنه من حيث الإصغاء له أبداً.
 أذكر في السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يضع الحسن على ركبته، وكان جميل الصورة، وكان شبيه رسول الله، ويضع ابن سيدنا زيد؛ أسامة بن زيد حب رسول الله، وكان أسود اللون أفطس الأنف على ركبته اليسرى، وكان يضمهما، ويشمهما، وقد سمى الصحابة أسامة بن زيد حب رسول الله، ما نظر النبي لا إلى اللون، عيونه كبار، الحمار عيونه كبار أيضاً، ما نظر النبي لا إلى عينيه ولا إلى لونه، نظر إلى إنسانيته.
 أحد علماء الشام توفي رحمه الله جاءه تلميذ قال له: أريد أن أتزوج، قال له: يا بني اخطب، قال له: اخطب لي أنت، قال له: يا بني هذا ليس عملي، فقال له: اخطب لي، قال له: ماذا تريدها؟ قال له: أريدها بيضاء، وعيونها كبار، قال له: حسناً، أعطني كيلوين قضامة، وأدخله على زريبة فيها حمارة بيضاء.
 يجب أن يكون مقياسنا في التعامل مقياسا إسلامياً، طفل أجمل من طفل، الوظيفة، يوجد موظف معاق يجب أن تعامله كأنه تام.

مواقف للمؤمن في التعامل مع المعاق :

1 ـ أول موقف أن يكون المؤمن شاكراً لله فيما بينه وبين الله :

 فأول موقف من مواقف المؤمن في التعامل مع المعاق أن يكون شاكراً لله فيما بينه وبين الله، لأن سيدنا زكريا:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3 ]

 دون أن تتحرك شفتاك، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه، هناك أناس فقدوا أحد أطرافهم، يوجد أناس عندهم عاهات صعبة جداً، وتراه صابراً راضياً عن الله عز وجل، فإذا أنت ذكرته بعاهته، أو ابتعدت عنه لعاهته سقطت من عين الله، فالمعاق يجب أن يعامل أرقى معاملة المعاق، يجب أن ينسى في مجتمع المؤمنين أنه معاق.
 أبو سفيان يقف في باب عمر فلا يؤذن له، سيد قريش، وبلال وصهيب يدخلون بلا استئذان، فلما دخل عليه أبو سفيان عاتبه قال له: أبو سفيان يقف ببابك وبلال وصهيب يدخلان بلا استئذان، فقال له عمر: أنت مثلهما؟ حينما كان يعذبان في سبيل الله أين كنت أنت؟ كنت مع المعذِّبين.
 لذلك أخوانا الكرام، لا أتصور معلم مدرسة، والله الذي لا إله إلا هو قد يقول معلم لطالب: أنت غبي، فتنشأ عنده عقدة ترافقه حتى الموت:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 السيدة عائشة وصفت السيدة صفية رضوان الله عليهما بأنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))

[ رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]

 فأول أدب من آداب التعامل مع المعاق أن تشكر الله عز وجل دون أن تسمعه كلمة بينك وبين الله، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه.

 

2 ـ الشيء الثاني أن تهتم به الاهتمام المعتدل:

 الشيء الثاني أن تهتم به الاهتمام المعتدل، الاهتمام الطبيعي، هناك اهتمام يلفت النظر غير معقول، شدة الاهتمام تذكره بعاهته، وهناك إهمال يلفت النظر، ينبغي أن تهتم به كما كان صحيحاً، ينبغي أن تصغي إلى سؤاله أساساً، ما رأيت عالماً عند الله مقرباً إلا يهتم بأي سؤال، هناك جبابرة العلماء إذا السؤال غير جيد يسمع تهكم، يتهكم تهكم يحطم السائل، أنا أذكر هذا في التعليم، أحياناً طالب ضعيف في مادة، ضعيف جداً، يقول له: اجلس أنت لا تفهم، حطمته، هذا كيف علاجه؟ تعطيه سؤال سهل جداً فأجاب تقول له: بارك الله بك جيد هذا ستين، سبعين، أنت أنعشته لما جئت له بسؤال سهل فأجاب عليه وأثنيت عليه أعطيته مكانة، الإنسان يعيش بكرامته، هذا الذي يدير صف أو يدير مجموعة إذا عامل المتخلفين أو المعاقين معاملة خاصة فيها ازدراء أو فيها إهمال، أنا لا أبالغ، ولم أكن متجنياً عليهم حينما أقول: هذا العمل يشبه الجريمة، لأنه يحطم نفسية إنسان إلى أمد طويل، وأكثر عقد الطلاب أحياناً من مدرسيهم في التعليم الابتدائي والإعدادي، مدرس قاسي جاهل أي مرتزق، أنا لا أرى في التعليم إلا أن تكون صاحب رسالة، ما من حرفة أشرف في الأرض من التعليم لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( وإنما بعثت معلماً ))

[أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]

 تعريف جامع مانع: إنما بعثت معلماً إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وقال عليه الصلاة والسلام:

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ]

 فالمعلم ينبغي أن يتواضع لمن يعلم، ينبغي أن يصغي لسؤاله، مثلاً سيدنا حنظلة جالس في الطريق يبكي مر به سيدنا الصديق قال له: مالك يا حنظلة؟ قال له: نافق حنظلة. كم إنسان يشكو لك همه، يشكو لك ابنه، الحمد لله عندي ولد ملائكة. هذا سوء أدب، شكا لك زوجته، عندي زوجة صديقة، لا، يجب أن تخفف عليه مصابه، قال له سيدنا الصديق: أنا كذلك يا أخي أنا مثلك انطلق بنا إلى رسول الله. ما هذا الأدب؟ ما جعله يستوحش جعله يستأنس، أنا كذلك يا أخي، النبي الكريم قال: أما أنتم يا أخي فساعة وساعة أما نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم:

((والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة))

[مسلم عن حنظلة بن الربيع]

علينا أن نحترم المعاق كإنسان وكمؤمن :

 أول بند أن تحمد الله فيما بينك وبينه على أن عافاك مما ابتلى به كثيراً من خلقه، أنا أنصح أخواننا من حين إلى آخر أن يطَّلع على مستوى حياة مَن هو أقل منه بكثير، كنت مرةً في تركيا أخ كريم أحبه زرته فإذا أهل زوجته من كبار الأغنياء قلت له: أين عمك؟ قال: في منتجع على البحر الأسود، هو تزوج ابنته، وهذه البنت همها الأول أن يكون زوجها طالب علم شرعي، فقبلته على فقره، قلت: والله هذه بطلة، هذه امرأة كبيرة عند الله عز وجل، كبيرة جداً آثرت أن يكون زوجها طالب علم شرعي، مع أنه كان بإمكانها أن تقترن بأغنى شباب تركيا، لكن آثرت العلم الشرعي، ورضيت بحياة متقشفة خشنة، لأن زوجها مؤمن، فالمرأة تشبه الرجل تماماً، هناك امرأة تريد أن ترضي الله عز وجل، فتضع حظها من الشباب تحت قدمها في سبيل مرضاة الله عز وجل. الحمد لله على أن عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه دون أن تسمعه.
 العنصر الثاني أن تهتم به، عدم الاهتمام سلوك تعاتب عليه، أحياناً إنسان يجلس بجلسة عينه على واحد فقط يكون فتح ويهمل الباقين، من آداب المحدثين الإنسان ينقل بصره بين كل أخوانه بين كل مستمعيه هذا التنقل يشد اهتمام الناس إليه.
 أنا لي مقالة: كيف تؤثر بالآخرين؟ يوجد قواعد علمية إذا حدثت الناس كيف توزع نظرك على كل وجوههم، وكيف تهتم بهم، وكيف يكون الوقت معقولاً، قواعد علمية رائعة جداً في فن التأثير بالآخرين.
 شيء آخر هو أن تحترمه كإنسان وكمؤمن، والاحترام المتبادل علامة إيمانك، النبي عليه الصلاة والسلام سأله يمكن أحد أقل أصحابه شأناً اسمه ذو اليدين صلى النبي ركعتين صلاة الظهر قال له: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال له: كل هذا لم يكن باهتمام بالغ، قال له: بعضه قد كان.
 هؤلاء العظماء أيها الأخوة أحد جوانب عظمتهم أنك إن رأيتهم هبتهم وإن عاملتهم أحببتهم، إن رأيتهم من بعيد هبتهم، لهم هيبة كبيرة، إذا احتككت بهم، إذا عاملتهم أحببتهم، متواضعون.
 من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، ويجب أن يقلده كل إنسان أنه ما من إنسان التقى به إلا ظن أنه أقرب الناس إليه، ما من واحد من أصحابه التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام إلا ظن أنه أقرب الناس إليه، معنى ذلك كان يوزع اهتمامه على كل أصحابه، يوزع ابتسامته على كل أصحابه، يوزع بشر وجهه على كل أصحابه، يوزع عطفه على كل أصحابه، يوزع رعايته على كل أصحابه، فلذلك الدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة بالغة وكل واحد منكم داعية إلى الله.

الإنسان ممتحن فيما أوتي وممتحن فيما زوي عنه :

 الاحترام ينبغي أن يكون سلوكاً واضحاً في التعامل مع المعاقين، ولحكمة أرادها الله هذا الذي تراه معاقاً يعوض الله عليه في أشياء أخرى، فتجد ذاكرته قويةً جداً، والله عندي كان طالب كفيف البصر في الصف العاشر، التقيت به بعد سنوات عدة في الجامعة حينما تجولت في القاعة، سلم علي باسمي مباشرةً، عندي كان طالب كفيف بكلية التربية في امتحان عملي يلقي هذا الطالب درساً على طلابه كتدريب وامتحان، أنا حضرت درسه والله يتجول بين الطلاب إذا وصل إلى الحائط قبل خمسة سنتمترات يرجع، أنا اندهشت كأن معه رادار، الشيء الثاني فلان تكلم يشير إلى الطالب، وكأنه يراهم واحداً وَاحداً، فهذا الذي فقد بصره الله عز وجل كرماً منه ورحمة يعوضه بقدرات فائقة جداً في جهة أخرى، فكل إنسان الله سلب منه شيئاً عوضه أشياء كثيرة، والله التقيت بكفيف قبل أسابيع ورجل صالح يخطب في جامع بحمص، وصار هناك ود بيننا، وذكر لي قلت له: والله في هذه الأيام العصيبة في أيام الفتن والنساء الكاسيات والعاريات، والله لعل بعدك عن هذه المناظر من نعم الله الكبرى، العين الآن مشكلة كبيرة، منفذ للمعصية، الله عافاه من كل معاصي العين لكن اسألوا الله العافية، لا أحد يطلب من الله أن يفقد بصره حتى لا يرى النساء، لا، هذا خطأ، قال له صلى الله عليه وسلم بأدب لا يعلوه أدب: اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي.
 أنت حينما تؤمن أن الدنيا مؤقتة والآخرة أبدية، هذا حُرِم نعمة البصر في الدنيا فقط وقد تكون بصيرته في أعلى مستوى، ثمة خطباء بمصر تركوا أثراً في العالم كله في القارات كلها، وهو كفيف البصر، الله عز وجل إذا سلب شيء، أنا الذي أقوله دائماً إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
 إذا كان رجلان عاشا ستين عاماً بالتساوي واحد حاد البصر، والآخر كفيف البصر، الحاد البصر رسب في نعمة البصر فملأ عينيه من الحرام، وكفيف البصر نجح في هذا الامتحان فرضي عن الله وصبر، وماتا، واحد في الجنة إلى أبد الآبدين والآخر في النار إلى أبد الآبدين، فأيهما أنجح عند الله؟ من امتحن فصبر، أنت ممتحن فيما أعطاك الله ممتحن فيما زوى عنك، خذها قاعدة الذي آتاك الله إياه أنت ممتحن به، والذي حرمك منه أنت ممتحن به، ممتحن فيما أوتيت، وممتحن فيما زوي عنك.
 اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب.

من الأدب أن تحسن الظن بأخيك المعاق

 الشيء الثاني الأدب الأخير أن تحسن الظن بأخيك، يوجد أناس كلامهم غليظ كلامهم قاس، ويوجد أمثال الله وكيلكم ما أنزل الله بها من سلطان، أمثال شيطانية فيها تجبر، أنت ابتعد عن هذه الأمثال التي يتناقلها العوام، ولو عرفوا معناها لعوتبوا عتاباً شديداً، هناك إنسان فجّ أرعن يقول لك: إذا ما فعل شيء الله لا يبتليه، لعل هذا ترقية عند الله، صحابة كرام فقدوا أبصارهم يعني لحكمة أرادها الله ما من مشكلة خطيرة في مجتمعنا إلا وابتلى الله بها نبينا، سيدنا لوط زوجته كافرة فإذا رجل زوجته غير جيدة، سيدنا نوح ابنه كافر، سيدنا إبراهيم أبوه، سيدنا زكريا لا ينجب، السيدة عائشة اتهمت في عفتها، النبي الكريم مات ابنه إبراهيم قال:

((إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ))

[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 أي تقريباً الفقير، النبي ذاق الفقر، هل عندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، الغني، النبي ذاق الغنى، لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، النبي ذاق القهر في الطائف، ذاق النصر في فتح مكة، ذاق موت الولد، ذاق تطليق البنت، طلقت ابنته وهو سيد الخلق، ثم ذاق زوجات متعبات، كان من الممكن أن تكون زوجاته دمى كلهن، أي شكل رائع مستسلمات وإن تظاهرا عليه، أي يوجد مشاكل داخلية في البيت، يوجد مشكلات، لو لم يوجد عنده مشكلة أسرية النبي لم يكن قدوة لنا، عنده مشكلة في البيت، جاءها صحن من الطعام اللذيذ من السيدة صفية، السيدة عائشة أصابتها الغيرة فرمته أرضاً، وكسرته، فقال النبي: غضبت أمكم، غضبت أمكم، أي بالتعبير المعاصر احتواها، استوعبها، كان من الممكن أن يعمل شيئاً لم يفعله أحد، قال: غضبت أمكم، غضبت أمكم، فذاق النبي غيرة النساء، وذاق مشكلات أسرية، وذاق موت الولد، وذاق الهجرة، وذاق الفقر، وذاق القهر، وذاق النصر، وذاق الغنى، أي كل شيء ذاقه، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب: 21]

 أخ يسأل سؤالاً فقهياً: إذا كنت في مسجد، وأذن مؤذن هل لي أن أخرج إلى مسجد آخر؟
 الحقيقة الخروج من المسجد بعد الآذان فيه مخالفة شرعية، العلماء استثنوا إمام مسجد آخر، أذن هو يحضر درس علم فرضاً، ينتهي عند العشاء، وهو إمام بجامع آخر في العشاء هذا إنسان معذور ينبغي أن يذكر بأنه معذور، أما أن يخرج من دون سبب ليس مقبولاً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور