وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 1179 - المقياس الإيماني - الاستقامة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

بطولة الإنسان أن يتقبل الحقيقة المُرّة لأنها أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح :

الحقيقة المرة أهون من الوهم المريح
أيها الأخوة الكرام، الإنسان أحياناً يتملق نفسه، فيتوهم أنه في أعلى درجات الإيمان، وهذا التوهم مريح، والإنسان يبحث عن راحته الحقيقية أو المتوهمة، ففي شأن الإيمان يظن كل مسلم من عامة المسلمين أنه مؤمن في أعلى درجات الإيمان، ولو بحث عن مقياس موضوعي للإيمان لوجد أنه بعيد بعد الأرض عن السماء عن الإيمان، لكن هذا الوهم المريح يكشف في نهاية الحياة، وعندئذ تكون الطامة الكبرى، لذلك البطولة بالإنسان أن يتقبل الحقيقة المُرّة لأنها أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، الإنسان يشكو قلة رزقه، الأمور المادية لا يرضى بها، لكن العجب العجاب أنه راض عن إيمانه، وعن عقله، فلا يحتاج إلى أن يزيد هذا الإيمان، ولا إلى أن يدعمه بحقائق جديدة، فتراه عازفاً عن طلب العلم، وفي أي حوار بينه وبين طلاب العلم يقول لك: أنا مؤمن أكبر من إيمانك، يرتاح، لكن هذا وهم مريح، و الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، مثلاً لو إنسان في جيبه شيك بمئة ألف دولار لكنه مزور، فإذا علم في وقت مبكر أنه مزور أفضل ألف مرة من أن يعيش في حلم واه، وفي آمال غير صحيحة، فإذا كشف الحقيقة ممكن أن يكسب كسباً حقيقياً، فأنا أتمنى أن يبتعد المؤمن عن تملق نفسه.

الانتماء الشكلي للدين لا يقدم ولا يؤخر :

في البيت أخطاء كبيرة، مخالفات شنيعة، لقاءات لا ترضي الله، حفلات فيها اختلاط مع أصحاب بعيدين عن منهج الله بعد الأرض عن السماء، كسب مال مشبوه، بضاعة محرمة، علاقات تجارية غير صحيحة، علاقات ربوية، ومع ذلك حينما يأتي إلى المسجد، ويؤدي الصلوات في المسجد، يتوهم أنه مؤمن كبير، دائماً الإنسان يتملق نفسه، لكن البطولة أن تواجه الحقيقة لا أن تقفز عليها، و الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، أنا أتصور أن العالم الإسلامي بأحدث إحصاء مليار وثمانمئة مليون، و المليار والثمانمئة مليون يتربعون على ثروات لا يعلم بها إلا الله، أي أكبر شعوب بالعالم تملك ثروات هم المسلمون وهم أفقر شعوب الأرض، وحياتهم لا ترضي، ينبغي أن نبحث عن السبب، أما حينما تقرأ حديثاً لرسول الله، أنت كمسلم أو كمؤمن يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه حق من الله عز وجل، من هذه الأحاديث:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

اثنا عشر ألف مؤمن في الأرض لن يغلبوا فكيف إذا بهم مليار وثمانمئة مليون؟ معنى ذلك أن هناك خطراً كبيراً، هؤلاء محسوبون على الإسلام وهم ليسوا كذلك، هؤلاء انتماؤهم للدين شكلي، والانتماء الشكلي لا يقدم ولا يؤخر، للتقريب:

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾

[ سورة الأنعام:82]

فإذا لابس الإيمان ظلماً وقد يكون ظلم الزوجة، ظلم الأولاد، قد يكون ظلم هذا الذي اشترى من عندك بضاعة، وأوهمته أنها مستوردة وهي ليست كذلك، هي صناعة داخلية، فأنت حينما ترى بعداً عن الله معنى هذا أن هناك مخالفات كبيرة جداً تلبس بها المسلمون، المسلم بالحد الأدنى ينبغي أن يكون بيته إسلامياً، علاقاته إسلامية، لقاءاته إسلامية، نشاطه إسلامي، حركاته إسلامية، خروج بناته إلى الطريق بزي إسلامي، زوجته كذلك، الصلوات في أعلى درجة، هذا المسلم، فنحن حينما نكتفي بحضور خطبة الجمعة، وقد يصلي معظمهم الصلوات الخمسة لكن الإسلام ما تغلغل إلى بيوتهم، إلى علاقاتهم، إلى كسب أموالهم، إلى إنفاق أموالهم، إلى هدف يحمله المؤمن، المؤمن يحمل رسالة، وغير المؤمن لا يحمل رسالة، همه أن يأكل، وأن يشرب، وأن يستمتع بالحياة، لا يوجد عنده رسالة، لذلك لأنه لا يحمل رسالة لا يفكر في أن يطلب العلم، يقول لك: نعيش، يأكل، ويشرب، ويتمتع، ويلهيهم الأمل، الآية:

﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الحجر : 3 ]

من لوازم المؤمن أن يعبد الله عز وجل :

أيها الأخوة الكرام، ما جاء الله بنا إلى الدنيا إلا لتحقيق رسالة:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

والعبادة طاعة، كيف تطيع الله ولا تعرف أمره ونهيه؟ من لوازم العبادة أن تعرف الأمر والنهي، لو قلنا: الصلاة فرض بالإجماع، لكن لماذا نقول الوضوء فرض؟ الوضوء ليس اتصالاً بالله، الوضوء غسل أعضاء، لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به، فكما أن الصلاة فرض، ومن لوازم الصلاة الوضوء، فالوضوء فرض أيضاً، الآن من لوازم المؤمن أن يعبد الله:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

فكيف تعبد الله إن لم تعرف أمره ونهيه؟

 

أعداء الدين نفذوا إلى الدين من الفتاوى ومن التأويل الخاطئ :

المشكلة هناك فتاوى لا تنتهي، تحرم الحلال وتحلل الحرام أحياناً، أعداء الدين نفذوا إلى الدين من الفتاوى، ونفذوا من التأويل الخاطئ، ونفذوا من الأحاديث الموضوعة، الدين بأعماق كل إنسان عنده شعور، يستحيل أن يلغى الدين في الأرض، لأن حاجة الإنسان للدين كحاجته إلى الهواء، فالدين لا يلغى لكن أعداء الدين احتالوا على إلغائه بالفتاوى الضالة، احتالوا على إلغائه بالتأويل غير الصحيح، احتالوا على إلغائه بالأحاديث الموضوعة، فالإنسان حينما يأتي إلى بيت من بيوت الله ليطلب العلم هو يقوم بعمل متصل بوجوده، مثلاً طالب الجامعة أين يقع حضور المحاضرات؟ في صلب عمله الدراسي، حضور المحاضرات الجامعية هو العمل الأول للطالب الجامعي، يحضر ليتعلم، فإذا اعتبرنا حضور المحاضرات شيئاً ثانوياً لا يقدم ولا يؤخر، انتهى التعليم الجامعي كله، فأنت حينما تطلب العلم تحقق سرّ وجودك وغاية وجودك.

البحث في القرآن الكريم عن الآيات التي تبدأ بـ "إنما المؤمنون" :

هذه مقدمة أيها الأخوة، أردت في هذه الخطبة أن أبحث في القرآن الكريم عن الآيات التي تبدأ بـ "إنما المؤمنون"، أولاً: إنما باللغة أداة قصر وحصر، أي إذا قلت: إنما شوقي شاعر، أي شوقي شاعر ليس غير، هوية هذا الإنسان أنه شاعر، إنما شوقي شاعر، الآن قياساً على هذا المثل إنما المؤمنون، ما سيأتي بعد إنما المؤمنون صفات المؤمن الحق، ومن لم تكن فيه هذه الصفات بكل صراحة فليس مؤمناً، إنما المؤمنون، وجدت في القرآن الكريم أربع آيات تبدأ بـ "إنما المؤمنون"، والحقيقة الآيات دقيقة وخطيرة، فالآية الأولى يقول الله عز وجل:

﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

[ سورة النور: 62]

آمنوا، يقول لك إنسان: أنا أحمل دكتوراه مثلاً ولم يدخل إلى مدرسة بحياته، ولا حضر درساً، ولا سمع محاضرة، شيء مضحك.

 

من هم المؤمنون ؟

متى آمنت؟ أي درس حضرت؟ هل قرأت القرآن الكريم؟ هل قرأت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل قرأت التفاسير؟ هل حضرت مجلس علم ؟ متى آمنت؟ يتوهم أنه نشأ من أبوين مسلمين، ويصلي الصلوات وانتهى الأمر، الأمر أعظم من ذلك بكثير:

﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة النور: 62]

من هم؟

﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

[ سورة النور: 62]

المؤمنون
آمن بالله خالقاً، وآمن بالله رباً، وآمن بالله إلهاً، وآمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، آمن أن الأمر كله إليه:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123]

آمن أنه ما من حركة ولا سكنة إلا بإذنه، آمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة، آمن بالله موجوداً، آمن به واحداً، آمن به كاملاً، آمن بأسمائه الحسنى، اسماً اسماً:

(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

أي عنده وقت لكل شيء، وقت لندواته، وقت للقاءاته، وقت للسهرات، وقت لدراسة شؤون الشركة، وقت للقاء مع الشركاء، وقت للسفر، عنده وقت لأي شيء، الوقت الذي خصصته كي تؤمن أين هو؟

 

انتماء المؤمن للمجموع :

انتماء المؤمن للمجموع
فلذلك:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾

[ سورة النور: 62]

أي أنت تنتمي إلى جماعة، لا يوجد مؤمن يعيش وحده:

﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾

[ سورة النور: 62]

أنت تنتمي إلى جماعة، لك مرجع، أنت واحد في مجموع، الكل لك وأنت للكل، هذا يعبر عنه الآن بمصطلح معاصر اسمه الانتماء للمجموع، أنا سافرت إلى معظم دول العالم، يوجد بشيكاغو أعلى بناء بالعالم، زرت هذا البناء قال لي من كان معي: هذا البناء أنشأه مهندس باكستاني مسلم، أكبر عالم فضاء فاروق الباز مسلم، العجيب أن هناك تفوقاً إسلامياً مذهلاً، لكنه تفوق فردي، لا يوجد تفوق مجموع، المجموع متخلفون، أما هناك حالات فردية نادرة.

 

ارتباط الإيمان بالله وبرسوله بالانتماء إلى المجموع :

بالمناسبة الله عز وجل يوزع الذكاء والغباء بالتساوي على كل الأمم والشعوب، مستوى العباقرة بآخر دولة متخلفة عدد العباقرة بالنسبة إلى مجموع السكان كعدد العباقرة بالنسبة إلى مجموع السكان بأرقى دولة في العالم، الذكاء والغباء موزع على مختلف الشعوب والأمم، لكن بالدول المتخلفة المتفوقين ليس لهم مكان في الحياة، المكان لغيرهم، وهذه مشكلة كبيرة جداً، فالذي أريد أن أقوله: هؤلاء المؤمنون:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

[ سورة النور: 62]

ارتبط الإيمان بالله وبرسوله بانتمائك إلى المجموع، هناك مشكلات عامة، هناك تحدٍّ حضاري، هناك مشكلات يعاني منها المسلمون في كل بلادهم، ما لم يتحركوا لحلها، الإنجاز فردي في بلاد المسلمين، التفوق فردي أما تفوق جماعي فلا يوجد، مثلاً: بلد صغير –ماليزيا- تعداده يقدر باثنين وعشرين مليوناً، زرته مرة مجموع صادراته إلى العالم يفوق صادرات العالم العربي بأكمله بما فيه النفط، عندهم مئة مليار دولار فائض مالي، لا يجدون له توظيفاً، ودولة قوية جداً، وغنية جداً، ومتطورة جداً، ومسلمة، فيها تخلف، فيها فقر، الثروات غير مستخرجة، أنا أتمنى أن يكون هذا واضحاً إليكم، هذا لا يكون إلا بالانتماء للمجموع، أنت حينما تكون في وظيفة، يجب أن تشعر أنك جندي، لك رسالة لهذه الأمة، وحينما تتقن عملك تحقق هذه الرسالة، حينما تتقن صناعتك تحقق هذه الرسالة، أنا أتمنى أن يلغى الانتماء الفردي، ينبغي أن تنتمي إلى المجموع.

 

من لم يهتم بقضايا أمته ليس مؤمناً :

لذلك:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة النور: 62]

حصراً الذين آمنوا بالله ورسوله:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾

[ سورة النور: 62]

أقدم لكم مثلاً بسيطاً جداً من حياتنا، أنا التقيت مع مسؤولين كثر في الكهرباء والماء، قالوا لي: يكفي المواطن أن يطفئ مصباح مئة شمعة فقط ليوفر آلة توليد كهرباء ثمنها خمسمئة مليون دولار، واستهلاكها السنوي من النفط خمسمئة مليون أيضاً، أي ألف مليون تلغى من مصاريفنا إذا أطفأ المواطن مئة شمعة فقط بإحصاء دقيق، طبعاً أعطوني الإحصاء كم بيت فيه ساعة كهرباء، فكل بيت فيه ساعة كهرباء لو أطفأ مصباحاً واحداً لوفرنا الكثير.
الماء؛ استهلاك دمشق سبعمئة ألف متر مكعب، الإنتاج أربعمئة، وبإمكانك أن توفر في استهلاك الماء إلى النصف، ولا تتأثر حياتك إطلاقاً، ملا يوجد انتماء للمجموع، إنسان يغسل مركبته بماء مستمر، يحتاج إلى كم كبير من الماء حتى يغسل مركبته، هذا ماء شرب، ماء فيجة، ماء نادر في العالم، لا يوجد انتماء للمجموع، أنت حينما تأخذ ورقة -وأنت موظف- بيضاء لها ترويسة مطبوعة، وتجفف بها يديك، أنت ماذا فعلت؟ استهلكت شيئاً مكلفاً من أجل ألا تقتني منديلاً خاصاً بجيبك، أنت لن تكون مؤمناً بحسب الآية إلا إذا انتميت للمجموع، تهتم بالتوفير وترشيد الاستهلاك، تهتم بقضايا الأمة العامة، أي إلقاء القمامة انتماء للمجموع، والله زرت بلاداً أوربية والله شيء لا يصدق، النظافة هناك تفوق حدّ الخيال، هناك تعاون بالقوانين والأنظمة.

 

من خدم أمته فقد خدم أبناءها أيضاً :

لذلك هذه الآية:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾

[ سورة النور: 62]

أمر يهم المجموع، أمر شمولي، كم أمر شمولي نحن نعانيه؟ عندنا أعداء يتربصون بنا، عندنا معركة صناعية إما أن تستورد وهذا مما يسعد أعداءنا وإما أن تستهلك بضاعتهم، لذلك هم يضعون العقبات أمام التصنيع، يريدونك مستهلكاً لبضاعتهم، أما إذا صنعت فتعلن عليك الحرب، والله حينما ألتقي بصناعي يقدم سلعة جيدة جداً بسعر معتدل، والله أشعر أنه إنسان عظيم، لأنه أولاً: هيأ فرص عمل لألف عامل، وقدم سلعة، أحياناً السلعة من إنتاج محلي قيمتها عشر القيمة المستوردة، فحينما تقدم شيئاً لهذه الأمة بعملك التجاري أو الزراعي أو الصناعي فأنت قدمت خدمة كبيرة جداً، إذاً :

﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾

[ سورة النور: 62]

أمر يهم المجموع:

﴿ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

[ سورة النور: 62]

الأشياء التي تنفع المجموع لا تعد و لا تحصى و تعرف بالفطرة :

معنى ذلك الآية الكريمة ربطت الإيمان بالانتماء للمجموع، ربطت الإيمان أن تفعل شيئاً ينفع المجموع، وهناك أشياء لا تعد ولا تحصى تنفع المجموع، وتعرفها بالفطرة، أقل شيء الصنبور مفتوح وأنت تتوضأ، أحياناً تضطر أن تتكلم مكالمة ويبقى الصنبور مفتوحاً، هناك أخطاء في بيوتنا، أخطاء في استهلاك المياه، في استهلاك الكهرباء، أخطاء في التعامل مع الأشياء العامة، كل شيء عام، غير جيد، إذا كان هناك حديقة، الكراسي معطلة، مكسورة لماذا؟ لماذا الأمور العامة نحتقرها؟ نتلذذ بكسرها أو بإيذائها، هذه مشكلة كبيرة، هذا شيء ورثناه من الاستعمار الفرنسي، كان الحاكم عدو الأمة، فكان المواطن يتفنن بإزعاجه، هذا موضوع بالأربعينات وانتهى، تخرب شيئاً يدفع من أموالك، تكسر عاموداً يدفع من أموالك.

المؤمن مواطن صالح :

أيها الأخوة، أنا أريد أن تكون مواطناً صالحاً، والمؤمن مواطن صالح، وهذه الآية تكفي:

﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾

[ سورة النور: 62]

طبعاً الآية لها معان كثيرة جداً، أنا أسقطها الآن على حياتنا اليومية، هناك معان محدودة جداً:

﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾

[ سورة النور: 62]

أمر يهم المجموع هذا المعنى:

 

﴿ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

[ سورة النور: 62]

المؤمن الصادق يخاف ألا يقبل عمله :

آية ثانية:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 2]

الوجل: الخوف، المؤمن الصادق يخاف ألا يقبل عمله، يخاف ألا يكون الله راض عنه، عنده قلق مقدس، أنا أسميه قلقاً مقدساً، هذا شأن المؤمن، لذلك لا تجد مؤمناً صادقاً إلا وهو يخاف ألا يكون الله راض عنه في الدنيا، لذلك من أمن عذاب الله في الدنيا أخافه الله يوم القيامة، ومن خاف عذاب الله في الدنيا أمنه الله يوم القيامة، يجب أن يكون هناك قلق، يا ترى أنا عملي مقبول؟ هل يرضي الله عز وجل؟ بيتي إسلامي، زواجي صحيح، تربية أولادي صحيحة؟ إن لم يكن هناك قلق أبداً الأمور تمشي بخلاف الشرع، الأولاد متفلتون، الزوجة غير ملتزمة، الدخل مشبوه، ويصلي! هذه الصلاة مع هذه المخالفات لن تستطيع أن تقطف ثمارها إلا بالاستقامة، لذلك الآية الكريمة:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 2]

ذكر الله عز وجل يعمل لك هزة، تخاف أو تقلق و هذه علامة الإيمان:

﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 2]

على كل إنسان أن يقيس إيمانه بمقياس إيماني :

المقياس الإيماني
أنا أتمنى عليكم حينما تقرؤون القرآن الكريم ويأتي وصف المؤمنين أن تكون جريئاً مع نفسك، اسأل نفسك هذا السؤال هل أنت كذلك؟ إن كنت كذلك فاشكر الله، وإن لم تكن كذلك فاسعَ لأن تكون كذلك:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 2-4]

أي أنت لا تقس إيمانك بمقياس أنت اخترعته، أنا أصلي، قس إيمانك بمقياس قرآني، لا تقس إيمانك بمقياس أنت اخترعته، قس إيمانك بمقياس إيماني.

 

 

أمراض الجسد تنتهي عند الموت أما أمراض النفس فتبدأ بعد الموت :

 

الآن أربع آيات هي مقياس إيماني، أول شيء: إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، هل بكيت مرة من تلاوة قرآن؟ هل دمعت عينك مرة بالصلاة؟ هل شعرت مرة بقرب من الله عز وجل؟ إذا صلى الإنسان و لم يشعر بشيء، وقرأ القرآن و لم يشعر بشيء، وذكر الله و لم يشعر بشيء، قال: فليعلم أن لا قلب له، مشكلته كبيرة، أحياناً هناك مرض مؤلم لكنه غير خطير، لو كان هناك كسر، والكسر يلتئم بعد فترة، آلام الكسر لا تحتمل، أما الورم الخبيث فليس له ألم إطلاقاً، يبقى شهر أو سنة أحياناً و لا يوجد شيء، لكن فجأة هذا الورم يسد مجرى، يسد طريقاً، الخطورة بالأمراض التي لا تشعر بها، أما المرض الذي تشعر به فهو مرض سهل جداً، كشفه سهل ومعالجته سهلة، أين الخطورة؟ في الأمراض التي لا تشعر بها، أقول لكم كلمة دقيقة: الأمراض النفسية لا تشعر بها، متى يبدأ فعلها الخطير؟ عند الموت، أما الأمراض الجسمية فلها آلام خطيرة تشعر بها في الحياة، تنتهي عند الموت، لو إنسان معه مرض وبيل، مرض عضال، بالموت ينتهي، أما أمراض النفس فتبدأ بعد الموت ويشقى بها الإنسان إلى أبد الآبدين، فهذا الموضوع خطير جداً:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 2-4]

علاقة أخوة الإيمان أرقى علاقة في الأرض :

المؤمنون إخوة
آية ثالثة:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

أقسم لكم بالله حينما أرى شقاق بين المؤمنين، وخصومات بين المؤمنين، وتنافس بين المؤمنين، وتراشق تهم بين المؤمنين، والله أتألم أشد الألم، بل أحكم عليهم جميعاً أنهم بعيدون عن الإيمان، الله عز وجل يصف المؤمنين بأنهم أخوة، وأرقى علاقة في الأرض علاقة أخوة الإيمان:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

وإذا نشب خلاف بين أخوين كريمين، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ*يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

العاقل من يدخل الله عز وجل في حساباته :

أيها الأخوة:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾

[ سورة الحجرات: 15]

زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قـلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسرٍ أو صحّ قولي فالخسار عليكما
* * *

هذا ليس إيماناً، الإيمان:

﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾

[ سورة الحجرات: 15 ]

مثلاً: طن من الإسمنت محمول بسلك فولاذي، حينما تقطع هذا السلك، عندك يقين بالمئة مليار أن هذا الطن سيقع، إذا كانت حقائق الإيمان عندك كهذه الحقيقة فأنت مؤمن، إنسان ماله حرام ليس عليه شيء؟ لا، هذا المال سيدمر، حينما تعلم علم اليقين القوانين الإلهية تبتعد عن مقدماتها، عندك يقين قطعي أن الله عز وجل لا بد من أن ينتقم، أنا قال لي أخ من أخواننا: لي عمة معها محاماة، اشترت بيتاً مع أخيها مناصفة، لكن البيت باسمها، فاستطاعت أن تطرده من البيت، وأن تؤجره بأجر فلكي كبير، أعطته واحد بالمئة من الأجر، والله أنا العبد الفقير قلت له: أعان الله عمتك أمامها يوم صعب، وعمته شابة، وقوية، ومحامية، أخوها ضعيف أمامها، فأخذت منه البيت، فالذي حصل بعد شهر قال لي: عمتي معها سرطان، أعرف شخصاً امتد به المرض سنتين، توقعت أن يمد بها العمر، بعد شهر آخر قال لي: ماتت عمتي وذهبت إلى البيت وعزيته بعمته.
العاقل من يدخل الله في حساباته
هناك إله عظيم، بطولتك وذكاؤك أن تدخل الله في حساباتك، كل إنسان ذكي أو عاقل أو مؤمن يدخل الله في حساباته، هناك شيء لا يصير، قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟ هذه ليس لها حل، فأنت عندما تقول: أين الله؟ فأنت مؤمن ورب الكعبة، إيمانك عندما يمنعك أن تأخذ ما ليس لك أنت مؤمن، أما الإيمان أن تصلي الصلوات وجزء من دخلك حرام، وجزء من دخلك لا يجوز، هذا الوضع بعيد عن أن يكون إيمانك صحيحاً.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

الاستقامة
أيها الأخوة، مرة سألت شخصاً تاجراً، قلت له: هل يمكن أن تضغط نشاطات التجارة كلها بكلمة واحدة؟ هناك ألف نشاط، طبعاً هو ارتبك، قلت له: الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً بأي تجارة، أنا قست على هذا ويمكن أن تضغط الدين كله بكلمة واحدة، الدين كله، عقائد، وعبادات، ومواريث، وفقه، وأصول فقه، وفقه مقارن، وتاريخ الفقه، أنا أسمي لك الآن مئة علم بالدين، ومليون مرجع، لكن هذا الدين كله يضغط بكلمة واحدة، إنها الاستقامة فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، إن لم تستقم الدين ثقافة، تراث، فلكلور، عادات، تقاليد، والدين محترم في كل الشعوب الإسلامية على أساس أنه تراث، عادات، وتاريخ، ولكن ترى مليار وثمانمئة مليون يملكون أكبر ثروات في الأرض، ليست كلمتهم هي العليا، خمس دول إسلامية محتلة، ثرواتهم بيد أعدائهم، مليار وثمانمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، عندنا خلل خطير، إن لم نبحث عن هذا الخلل، وإن لم نصحح هذا الخلل، فالطريق إلى عزتنا وكرامتنا مسدود.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور