وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0055 - شقاء الإنسان في حضارة اليوم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك ، إقراراً بربوبيته و إرغاماً لمن جحد به و كفر ، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و ذريته و من تبعه ذي إحسان إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

شقاء الإنسان في حضارة اليوم

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ تحدثت في الجمعة السابقة عن أن سرَّ السعادة والتوفيق في صلاة الصبح ، وأحكام الصلة فيها وفي قرآن الفجر وتدبره ، وأن الاستيقاظ باكراً لن يستطيعه الإنسان ما لم ينم باركاً ، وما لم ينم على طهارة نفسية وجسدية ، وقد جاء في الحديث الشريف أن آية :

((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونها ))

[أخرجه مالك]

 ولو علم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ، وأن القناعة وحدها لا تكفي لا بد من التطبيق حتى يذوق المرء حلاوة الإيمان ، وحتى يتمسك له على علم وهدى .
 ولكن الإنسان إذا أعرض عن ربه ، واتبع هواه فماذا يحصل له ؟
 الذي يحصل أن نفس الإنسان لا تبقى فارغة وهذه طبيعتها ، فإما أن تمتلئ كمالاً ورحمة وحلماً ولطفاً وأنساً ووداعة وعدلاً وورعاً وعقلاً ، وإما أن تمتلئ نقصاً وقسوة ورعونة وفظاظة ووحشية وظلماً واستهتاراً وجهلاً ، بإقبالها على ربها تصفو من كدراتها وتتحلى بكمالاتها ، وبإعراضها عن الله تمتلئ قسوة وظلماً وشقاءً .
 أخي ... إذا التقيت بأناس واحتككت بهم وآلمك لؤمهم وفظاظتهم وشحهم وقسوتهم فلا عجب منهم فهذه الأخلاق هي نتيجة طبيعية لإعراضهم عن الله ، وإذا شاركت إنساناً فغدر بك أخذ ما ليس له فلا تعجب من ذلك فهذه الأخلاق هي نتيجة طبيعية لإعراضه ، وإذا زوجت ابنتك إلى رجل وأساء معاملتها لا سمح الله فلا تعجب فهذه أخلاق المعرضين عن الله ، لذلك نصحك رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة قيمة : " فقال تارك الصلاة ملعون لا خير فيه".
ونهانا عن مشاركة وتزويجه وعن التعامل معه لأنه لا يصدر عنه إلا كل فعل ذميم وقبيح، فلإنسان إن اتصل بربه طفح كمالاً وإنسانية وخيراً ففاق الملائكة المقربين ، وإن ابتعد عن ربه امتلأ خبثاً وشراً قال الله تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾

[الآية:7 سورة البينة]

 ( أي خير ما برأ الله)

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾

[الآية:6 سورة البينة ]

بعض اللقطات من المجتمع الغربي

 والآن لنوسع هذا الموضوع ولنطبقه على الأخلاق السائدة في المجتمعات ، فهذه أوروبا أدارت ظهرها للقيم الروحية ، وللأديان السماوية ووقفت كل جهودها لرفاه الإنسان جسداً .
 والآن تنطبق هذه الحقائق على العالم الغربي الذي يعده بعضهم قبلة الأنظار ، و مهوى الأفئدة ، ومصدر الإشعاع ونبراس التقدم .
 إليكم بعض اللقطات من المجتمع الغربي أسوقها لكم لا من أجل طرافتها ، ولكن من أجل دلالتها ، وكلها تؤكد أن الإنسان إذا انقطع عن ربه صار أكثر وحشية من الحيوان ، استغفر الله فالحيوان لا يهبط إلى هذا الدرك الذي وصله الإنسان الغربي .
 قبل كل شيء ، قرأت قبل شهر ونيف في صحيفة يومية خبراً منقولاً عن مركز الإحصاء الفيدرالي الأمريكي أن نسبة الجرائم التي اقترفت في عام 1975 في الولايات المتحدة أنه كل ثلاثة ثواني ترتكب جريمة قتل أو سرقة أو اغتصاب ، هذه الجرائم تشمل الجرائم المبلغ عنها للشرطة بينما هناك عدد كبير لم يبلغ عنه ، وفي عام 1974بلغت مجموع جرائم السرقة في الولايات المتحدة نفسها ستة عشر مليون سرقة ، وضربت هذه المجتمعات رقماً قياسياً في الطلاق ، ففي كل 100 زواج ينتهي 60 منها إلى الطلاق ، وحينما سمح الفاتيكان بالطلاق تقدم مليون طلب للطلاق.
 لي قريب كان قبل أسبوع في مدين الغرب " الكلاب " صديق آخر حادثات ضرب الأولاد بشيكاغوا " تبادل الزوجات ، تفشي الإدمان على المخدرات الفتاة 18/16تطرد من المنزل حتى تبحث عن عمل تقتات به 12سنة حبوب منع الحمل ، صديق لي وصل لندن ورأى امرأة .. الشرطة تنصح بالاستسلام للسارق .
 70./. يعانون من القلق على أموالهم ، 060/0 يعانون من القلق على حياتهم ، وكل واحد ينتظره دوره في الجريمة أو السرقة .
 أيها الإخوة ؛ لو وازنتم بين هذه الأخلاق المنحطة وبين الأخلاق السائدة في بلاد الشرق العربي الذي لا تزال فيه بقية من دين ، وبقية من عادات وتقاليد إسلامية .
 أيها الإخوة ؛ عقد مؤتمر في لندن من أجل تطوير وسائل الطب النفسي ، وانتبه المؤتمر إلى ظاهرة انخفاض نسبة الأمراض النفسية في الشرق ، وكان تفسيرها الوحيد أن الإيمان بالله وبأن كل ما يسوقه للإنسان هو محض خير ورحمة هو عامل مهم في تخفيف الأمراض النفسية لدى الإنسان الشرقي ، ولا تزال نسب الجرائم عندنا لا تذكر أمام تلك النسب المرتفعة ولا نزال نعيش في أمن واستقرار ، ولا نزال نسير في الطرقات ونحن آمنون ، ولا تزال نساؤنا يتجولن في الشوارع وهن آمنات ، ولا يزال هناك تعاطف اجتماعي وتواصل أسري ، ولا يزال الأب يخاف على سمعة بناته وينفق عليهن حتى يزوجهن أو يموت عنهن ، ولا يزال الابن يعرف حق والديه .
 نسب الطلاق قليلة ، كل هذا بفضل بقية من عادات ورثناها عن أجدادنا المسلمين ومع ذلك فنحن بعيدون عن الإسلام ولا نطبق منه إلا القليل وهذا القليل يبدو أمام الذين افتقدوا القيم الدينية كثراً .

الصلاة فرضت لسعادتنا

 أيها الإخوة ؛ لا تظنوا أن الصلاة هي أمر تعبدي لا تقدم ولا تؤخر ، بل هي فرصة لسعادتنا ، وفرصة لسلامتنا ، وفرص لنجاتنا من عذاب الآخرة ، وهي فرصة لسمونا ،وطهارتنا ، وهي فرصة لتفتح قلوبنا ، قال عليه الصلاة والسلام : الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ، وبين المؤمن والكافر ترك الصلاة .
 وفي كل مرة أتحدث عن الصلاة لا أقصد تلك الصلاة الجوفاء التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر .
 يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ ما أصعب أن يكون الإنسان إنساناً وما أيسر أن يكون غير ذلك ، بل ما أروع أن يكون الإنسان إنساناً وما أسعد الإنسان حينما يكون إنساناً ، وما أعظم أن يكون الإنسان إنساناً وما أشقى الإنسان حينما تكون الدنيا أكبر همه ، ومبلغ علمه ، ومنتهى آماله ، ومحط رحاله ، ما أشقى الإنسان حينما يكون إلهه هواه ، والشهوة مبتغاه ، والمتعة ديدنه ، ما أشقى أن تنطبق الآية الكريمة :

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾

[سورة المدثر الآية:50]

 إنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً

﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾

[سورة الكهف الآية:105]

 لهم صغار عند الله وعذاب إليهم " .
 يا أخا الإيمان ؛ هل فكرت في أن تكون إنساناً تحقق المراد الإلهي من خلقك ، هل فكرت أن تكون إنساناً كالكوكب الدري تشع نوراً وهدىً ورحمة وخيراً وبشراً ورضىً ، هل فكرت أن تكون إنساناً تقتفي سنة سيد ولد آدم ، هل فكرت أن تترك ما تريد نفسك مؤاثرة لما يريد ربك ، هل فكرت أن تجعل من لقاء الله قمة سعادتك بدل أن يكون هذا اللقاء عند معظم الناس نهاية كل شيء ، وبداية كل عذاب وشقاء ، إذا كنت تريد أن تكون كذلك فماذا تنتظر .. أبعد أن تزداد مشاغلك، وتضعف صحتك ، ويقل بالك ويذهب شبابك ، ويأتي أجلك ، قال عليه الصلاة والسلام :
 أغتنم خمساً قبل خمس **
 يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحيكم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾

[الآية:9 سورة التحريم]

عُني الغربيون بالجسد وحاجاته وشهواته

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ لقد عُني الغربيون بالجسد وحاجاته وشهواته ، فلا تجد آلة أو جهازاً أو اختراعاً أو علماً أو إبداعاً إلا من أجل هذا الجسد ومن أجل راحته ومسرته ورفاهيته ، وهذه هي نقطة الضعف في الحضارة المادية لذلك إنها حضارة عرجاء تجد فيها تقدماً علمياً وانحلالاً أخلاقياً وتجد فيها رقياً عمرانياً وتفسخاً اجتماعياً ، لذلك شقي الإنسان هناك وهو غارق في المتعة واللذة .
 وأما الإسلام وهو دين الله في الأرض أعطى كل شيء حقه ، لقد حض على العناية بالجسد من دون أن يكون ذلك على حساب النفس وحض على تزكية النفس من دون أن يكون ذلك على حساب الجسد وسلامته وصحته .
" عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم يَقُولُ :

((جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي]

 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :
 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور