وضع داكن
25-04-2024
Logo
الإيمان باليوم الآخر - الدرس : 6 - مرحلة ما بعد الموت - عذاب القبر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين , اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الموت وما بعده أمر غيبي سنده الخبر الصادق الوارد من الكتاب والسنة:

أيها الأخوة , كلكم يعلم أن الموت حق، وأنه مصير كل إنسان، ولكن ماذا بعد الموت ؟ لا أحد يعلم , إلا الذي أعلمنا به الله عزَّ وجل في كتابه الكريم، وأعلمنا به النبي عليه الصلاة والسلام في سنته المطهَّرة، والغيبيات لا تَقبل أن تحتكم بها إلى العقل ـ فهي نظامٌ آخر ـ الحكمُ في الغيبيَّات عن طريق الخبر الصادق فقط.أما المحسوسات فهي خاضعة للعقل، فالعقل يتلقَّف عن طريق الحواس معلوماتٍ، ثم يحللها ويستنتج منها حقائق، هذه مهمة العقل، أما عالم الغيب فلا يستطيع العقل أن يخوض فيه إطلاقاً، لأن عالم الغيب ليس محسوساً حتى نُحَكِّم فيه العقل، عالم الغيب اسمه (عالم الغيب) لأنّه مغيَّبٌ عنا، إذاً أداة معرفته الوحيدة الخبر الصادق، ولا يجوز النقاش في أمور الغيب إلا في حدود ما أعلمنا الله عزَّ وجل، وأعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام.

الحال الذي يعيشه الكافر عند ساعة الموت:

يروي الإمام مسلم، رحمه الله تعالى، في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ قَالَ وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا))

( أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة )

لذلك يقول الله عزَّ وجل حينما يموت الكافر:

﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾

( سورة الدخان الآية:29)

الحال الذي يعيشه المؤمن عند ساعة الموت:

(( ((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ قَالَ وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا))  ))

( أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة )

أيها الأخوة , في روايةٍ ثانية في مسند أحمد عن البراء: 

(( فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ))

( أخرجه أحمد في مسنده عن البراء )

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾

( سورة المطففين الآية: 19-21 )

هذه الحقائق بعيدةٌ عن الناس، يعيشون هموم الدنيا، لكن إذا مات الإنسان دخل في عالمٍ آخر، فندِم على كل ساعةٍ مرَّت لم يذكر الله فيها، وندم على كل فرصةٍ سنحت لم يعمل بها صالحاً.
من علامة شقاء الكافر بأن السماء والأرض لا تبكي عليه إذا غادر الدنيا وتغلق له أبوابها:

أما الكافر يلعنه كل ملكٍ بين السماء والأرض، وتغلق دونه أبواب السماء , هذا شأنُ الكافر:

((فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

( أخرجه أحمد في مسنده عن البراء )

﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾

( سورة الأعراف الأية: 40)

ويقول الله عزَّ وجل: اكتبوا كتابه في سجين.

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴾

( سورة المطففين الآية: 8-9)

من علامة سعادة المؤمن بأن السماء والأرض تبكي عليه أثناء مغادرته الدنيا وتفتح له أبوابها:

أيها الأخوة , هاتان حالتان لابدَّ أن يكون الإنسان في إحداهما، أي حالة أهل الإيمان، وحالة أهل الكفر والعدوان، فإن كنت مؤمناً رحَّب بك مَن في السماء والأرض، وقالوا: ريحٌ طيبةٌ من قِبَل الأرض صلى الله عليك وعلى جسدٍ كنتِ تعمرينه , فكل مَن في السماء يباركه، ويرحِّب به، إلى أن تفتح له أبواب السماء، ويسجل في عليين.
بينما أهل الكفر والعدوان ؛ ريحٌ خبيثةٌ نتنة، يلعنهم كل ملكٍ في السموات والأرض، ولا تفتح لهم أبواب السماء الدنيا بل إنهم

﴿عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾

( سورة المطففين الآية: 15)

﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾

(سورة الفجر الآية: 27- 30)

لكل درجات مما عملوا:

يروي الإمام البخاري في صحيحه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ يَقُولُ:

((فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى))

( أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها )

يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز: " تاقت نفسي إلى الإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة "، ومَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وهناك مكانٌ في السموات خاصٌ بالنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين .

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾

( سورة آل عمران الآية: 169)

مكانة الشهيد عند الله:

شيخٌ جليـل اسمه محمود الصوَّاف، دعي مع كبار العلماء في المدينة لإعادة دفن بعض الصحابة من قتلى وشهداء أحد، يبدو أنه جاء في أحد الأعوام سيلٌ شديد، فكشف السيلُ بعض القبور، فدعي كبار العلماء هناك ليعيدوا دفن كبار الصحابة، هذا الشيخ حضر بنفسه وقال: " دفنتُ حمزةَ رضي الله عنه، هو ضخم الجثة، مقطوع الأنف والأذنين، بطنه مشقوق، وقد وضع يده على بطنه، يقول: فلما حرَّكناه ورفعنا يده سال الدم ".

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾

( سورة آل عمران الآية:169)

سمعت أيضاً أنه في القطر الأردني، في موقع اليرموك، أنشؤوا جامعة هناك، فلما حفروا أساسها، وجدوا بعض الجثث كما هي، من عهد صحابة رسول الله في موقعة اليرموك.
في بعض المعارك في الدول التي تحارب أعداء الإسلام في شرق آسيا، امرأةٌ فاضلةٌ زوجة شهيد، تروي هذه المرأة أن زوجها كان يسأل الله الشهادة ؛ كلما جلس وقام، وكلما خرج ودخل، تقول امرأته: ما تمنيت في حياتي أن يقتل زوجي شهيداً، كما تمنيت في هذه الحِقْبَة، امرأةٌ تتمنى أن يموت زوجها ! لكن لشدة تعلقه بالشهادة وشدة رغبته أن يكون في عداد الشهداء والصالحين، كانت تقول: تمنَّيت أن يُكْتَب لزوجي حظ الشهادة في سبيل الله وهذا الذي وقع بعد حين.
يا أخواننا , كل بطولتنا أن نسعى لنصل إلى الموت ونحن أسعد الناس، فهذا الموت لابدَّ منه، بين أن يكون من أكبر المصائب، وبين أن يكون من أعظم المكاسب .

رأس الحكمة مخافة الله:

جاء إلى الحسن البصري رجل يسأله، ويقول له: إن قوماً يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تنخلع، فقال: مَن خوَّفك حتى تبلغ الأمن خيرٌ من الذي يؤمنك حتى تبلغ الخوف، أيهما أفضل ؟ وفي الأثر:

(( لا أجمع على عبدي أَمْنَين وخوفين، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمَّنته يوم القيامة))

لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: 

((" رأس الحكمة مخافة الله تعالى ))

( من الجامع الصغير عن ابن مسعود )

أرسل النبي خادماً في حاجة فغاب طويلاً، حتى أخذ النبي الكريم شيءٌ من الغضب الشديد، فلما رجع قال:

((لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك))

( من زيادة الجامع الصغير عن أم سلمة )

الإنسان بين الحياة ومفارقتها لحظة فاغتنمها بالفرار إلى الله:

الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يقول:

((لا يسلم من أهوال يوم القيامة إلا من طال فيها فكره في الدنيا))

الذي يفكر في الدنيا ملياً، الدنيا وشيكة الزوال، إنسان ملء السمع والبصر، بدقيقة يصبح خبراً على الجدران، له بيت، و مكانة ، وهَيْمَنَة فخلال ثوان يتوقف هذا القلب، وينهي كل شيء.

الدليل:

بعض أخواننا جرَّاح قلب، يخدر القلب، ويفتحه، يغير الدسَّام، أحياناً يطعِّم بشريان، بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاثٍ ينتهي العمل الجراحي، يسخن القلب عن طريق شيء حار، ثم يصعق كهربائياً، إما أن ينبض، وإما ألا ينبض، فإن نبض نجحت العملية، وإن لم ينبض، عظَّم الله أجركم، هذه هي كل القصة، فكل آمالنا منوطة بنبض قلبنا، كل آمالنا منوطةٌ بدفعِ الشريان التاجي، كل آمالنا منوطةٌ بسيولة دمنا، كل آمالنا منوطةٌ بنمو خلايانا.

المقصود أيها الأخوة من هذه الدروس، أن نفرَّ إلى الله، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾

( سورة الذاريات الآية: 50 )

كن في الدنيا كأنك غريب:

﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ *قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 112- 116)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي - وهذا يدلُّ على لطف النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))

( أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر )

فالمرْءُ وهو صحيح بإمكانه أنْ يصلي، و يقرأ قرآن، و يعمل عملاً صالحًا، أما حينما يأتي المرض يتوقَّف كل شيء، فما دمت في صحةٍ ، وشبابٍ ، وفراغٍ ، وقوةٍ ، وغنىً ، فخذ من غناك لفقرك، خذ من صحتك لمرضك، خذ من فراغك لشغلك، خذ من حياتك لموتك , يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))

(ابن أبي الدنيا فيه بإسناد حسن ورواه ابن المبارك في " الزهد " من رواية عمرو بن ميمون الأزدي مرسلا)

عذاب القبر يناله كل عبد مهما اختلفت الظروف في موته:

أيها الأخوة , تواترت الأقوال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه، فالناس رجلان ؛ رجل مات على الإيمان فقبره نعيم، ورجل مات على الكفر فقبره عذاب. فكل مَن مات وهو مستحقٌ العذاب نالَ نصيبه منه ، قُبِرَ أو لم يقبر، ولو مات في البحر، في الجو ، وكذلك في الغواصة، لقد سمعت أنهم يحتاجون إلى إمدادهم بالأكسجين عندما ضُرِبت غواصتهم، هذه النعمة العظيمة لا أحد ينتبه إليها، ماتوا من نقص الأكسجين، مئةٌ وثمانية عشر بعضهم ضباط كبار جداً، هذه غواصة نووية تتحرك بالذرة، وتستطيع إغراق حاملة طائرات، وهي من الداخل مدينة، سبحان الله ‍‍! ‍.

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾

( سورة الرعد الآية: 11)

فالأخبار تتواتر أنه قبل ثلاثة أيام كان هناك ضربات متواصلة على جدار هذه الغواصة، ومن شدة الفزع ، الأصوات سكنت، وأغلب الظن أن كل من فيها قد مات، نزل غواص إلى فتحة هذه الغواصة ـ فتحة النجاة ـ رأى في مدخلها إنسان ميت , من شدة الرغبة بالحياة سعى إلى بابها ومات .
أضخم طائرة في العالم (كونكورد) هذه سرعتها أعلى من الصوت، وهي تقطع المحيط الأطلسي في ثلاث ساعات , لكن طائرة مِن هذه الطائرات العملاقة تقطعه في ثلاث ساعات، وبعد إقلاعها من باريس احترقت، فوقعت فوق فندق , تنوعت تنوعت الأسباب، وتنوعت الأحوال، والموت واحد .
ولقد ذكرت لكم أن في مدينة يوجد بها خليج طويل جداً وعلى شاطئ البحر أبنية جميلة وأنيقة جداً، هذه الأبنية في أثناء الزلزال اختفت، بعد أشهر نزل الغواصون إلى أعماق البحر، فإذا بهذا الشارع الضخم بأبنيته كما هو في قاع البحر، حتى الذي شاهد الفيلم من خلال محطة بثَّته , قال لي: البيــت، والسيارة ، واسم صاحب البيـت على مدخل البناء في قاع البحر، فتصوَّر أيها الأخ الكريم شخصًا يسكن في بيت مطل على البحر، وفجأةً يرى نفسه في قاع البحر , فقضية الغواصة ذكَّرتني بسيدنا يونس عليه الصلاة والسلام ، وجد نفسه فجأةً في بطن الحوت.

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

سورة الأنبياء الآية: 87- 88 )

قال: 

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾

( سورة الرعد الآية: 11)

نسأل الله أنْ يتوفانا على الإيمان، وبأحسن أحوالنا مع الله عزَّ وجل .

الأدلة الواردة على عذاب القبر من الكتاب:

أيها الأخوة , لو أن الإنسان مات في الطائرة، أو في الباخرة ، أو حرقاً فمصيره إلى الله سبحانه، ولن ينج من عذاب القبر، في الهند يحرق الإنسان، لي صديق له عمل تجاري، فذهب إلى " هونج كونج "، فمدير الشركة قبل يوم من وصوله ماتت أمه، فهذا الصديق وقع في حرج شديد، كيف يتابع عمله التجاري مع هذا المدير، وقد ماتت أمه ؟ قال له: ليست مشكلة، نحن نحرقها، ونضعها في قارورة صغيرة ثم نضعها في معبد وكل عيد نأتي بها إلى البيت، فعذاب القبر حق، كيف ؟ لا نعلم، أمور الغيب لا تخضع للمنطق ولا للعقل، بل تخضع للخبر الصادق , بعض الآيات التي تثبت عذاب القبر:

﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 93)

وهذه آية ثانية:

﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾

( سورة التوبة الآية: 101 )

والآية الثالثة:

﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾

( سورة غافر الآية: 45- 46 )

بحساب بسيط آل فرعون دمروا قبل ستة آلاف عام، فستة آلاف عام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين يومًا، ضرب اثنين,

﴿غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾

( سورة غافر الآية: 46)

والخير بل الشرُّ للأمام ، ولا يزالون يعرضون على النار غدواً وعشياً إلى يوم القيامة ، وهذه الآية أصلٌ في عذاب القبر.

الأدلة الواردة على عذاب القبر من السنة:

في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ قَالَتْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا ـ ما طابت نفسي أن أصدقهما ـ فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ قَالَتْ فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا صَلَّى صَلَاةً بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا سَمِعْتُهُ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ))

( أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها )

خرج النبي عليه الصلاة والسلام بعدما غابت الشمس فسمع صوتاً , قالوا: ماذا سمعت يا رسول الله ؟ قال:

(( رجلٌ يعذَّب في قبره ))

ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ))

(متفق عليه , أخرجهما البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه)

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ))

( أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري وعن زيد بن ثابت )

من بعض أدعيته صلى الله عليه وسلم:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ))

(متفق عليه , أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة)

عَنْ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ))

( أخرجه الترمذي عن مولى عثمان )

أول منزلة من منازل الآخرة القبر، إن نجا منه ما بعده أهون منه، إن لم ينج منه ما بعده أعسر منه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ:

((قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ فَقَالَ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ))

(متفق عليه أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة )

عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:

((أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهاَ))

(متفق عليه , أخرجهما البخاري ومسلم عن البراء بن عازب )

عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ))

( أخرجه أحمد في المسند عن عائشة )

هذه كلها أيها الأخوة أحاديث صحيحة وردت في صحيح البخاري ومسلم، تبيِّن أن هناك عذاباً اسمه عذاب القبر، أو عذاب البرزخ، وأن المؤمن أول موته يصعد به إلى السماء، يرحب به كل ملكٍ في السماء، ثم يعود إلى القبر ليمضي هذه الفترة إلى يوم القيامة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور