وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 41 - طرابلس الشام - أصول الدعوة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع: أستاذنا فضيلة الشيخ الدكتور الداعية محمد راتب النابلسي قد تكبد السفر من بلده على هنا ليطلعنا على هذه الأصول في دعوتنا إلى الله،فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيه عنا خير جزاء، الدكتور محمد راتب النابلسي مواليد 1938 في دمشق تخرج من كلية الآداب بجامعة دمشق 1964 بعد أن تربى في منزل أبيه العالم بالله الشيخ عبد الله النابلسي الذي كان يدرس في مساجد دمشق حيث تلقى أستاذنا علوم التفسير والحديث والسيرة والفرائض إضافة إلى إجازة في رواية الحديث من أستاذنا كذلك الراحل الشيخ الدكتور صبحي الصالح رحمه الله، أنهى الدراسات العليا في كليات التربية بجامعة دمشق عام 1966 بدبلوم التأهيل التربوي بتفوق ثم الماجستير ثم الدكتوراه بموضوع تربية الأولاد في الإسلام، وكان ذلك عام 1999 محاضرنا خطيب ومدرس في مسجد جده العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي منذ عام 1974 وكذلك في مساجد أخرى في دمشق، وهو مدير معهد تحفيظ القرآن في معهد جامع النابلسي وعضو مشرف على مجلة نهج الإسلام التي تصدرها وزارة الأوقاف الإسلامي السورية، وعضو في لجان متعددة النشاطات مثّل سورية في العديد من المؤتمرات وشارك في العديد من المحاضرات والندوات وحاور في كثير من الإذاعات العربية وغيرها من دول العالم، إضافة إلى الندوات التلفزيونية على الفضائيات، له مؤلفات عديدة منها نظرات في الإسلام، تأملات في الإسلام، الإسراء والمعراج، الهجرة، كتاب الله أكبر و، والآن تحت الطبع الأسماء الحسنى والإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، الدكتور مفتي طرابلس والشمال شيخنا وأستاذنا الكتور طه الصابنجي وسماحة الشيخ رئيس المحاكم الشرعية في لبنان الشيخ ناصر الصالح، ونرحب كذلك بمبعوث الأزهر الشريف الشيخ محمد جمال الدين هاشم وأصحاب الفضيلة وأساتذتنا وحضورنا الكرام ونترككم الآن طبقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم مع محاضرنا وضيفنا الذي أمره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾

(سورة يوسف)

 أصول الدعوة إلى الله مع أستاذنا ومحاضرنا الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي فليتفضل مشكور.
 الأستاذ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد …
 أيها الأخوة الكرام: إنني بادئ ذي بدء أتوجه بالشكر لهذه الدعوة الكريمة الطيبة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على حسن ثقتكم فيّ أسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم، وأن تكون المحاضرة في المستوى التي تطمحون إليه، على كل: كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((المؤمنون نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ))

 وحينما يقول الله عز وجل:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

(سورة الحجرات)

 أي ما لم يكن انتماءك إلى مجموع المؤمنين وفلست مؤمناً بالمستوى الذي أراده الله لك..
 أيها الأخوة الكرام: من خلال الآيات التي قرأت قبل قليل ما من شيء أفضل عند الله عز وجل:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

(سورة فصلت)

 إذا قلنا هناك من يدعو إلى الله عز وجل أقول أيضاً هناك من ينفّر من الله عز وجل ! فلا بد من أن تكون أداة تقريب لا أداة تنفيع.
 أيها الأخوة الكرام: ما من شيء يتذبذب بين أن يكون أخطر عمل على الإطلاق قد يرتقي إلى مستوى صنعة الأنبياء وبين أن يكون أتفه عمل لا يستأهل ابتسامة ساخرة كالدعوة إلى الله، يمكن أن ترقى فيكون أخطر عمل يعمله الإنسان في حياته ويمكن أن تتخذ مطية للدنيا، فتغدو عملاً لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة ! لذلك يقول الإمام اشلافعي: لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين، فرق كبير بين أن تموت من أجل الدعوة وبين من أن ترتزق بها.
 قصة وقعت منذ زمن في بلد إسلامي بعيد اقتضت أن تنتهي حياة داعية فجاءوا له بشيخ ليلقنه الشهادة فقال له هذا الداعية الكبير أنا أموت من أجل لا إله إلا الله، لكنك ترتزق بها، فكم هو الفرق كبير بين من يموت من أجل مبدأه وبين من يرتزق بمبدئه !
 أيها الأخوة الكرام: يمكن أن تنتفع من عالم في الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الفلك دون أن تعنى بسلوكه إطلاقاً، لكنه لا يمكن أن تصغي إلى عالم الدين لحظة واحدة إن رأيت مسافة بين عمله وبين سلوكه، لأن الأنبياء وهم قلة غيروا ملامح الأرض، لن النبي الواحد استطاع أن يفعل شيئاً لا يصدق، لو رجعت إلى السبب هو أنه لا تجد عند النبي الواحد مسافة بين أقواله وبين أفعاله، أقواله مطابقة لأفعاله، بل إن مهمة النبي الكريم مهمتان الأولى كبيرة جداً هي أن يكون قدوة والثانية أقل منها هي أن يكون مبلغاً، فالتبليغ يحسنه أي إنسان أتقن اللغة وكان ذا معلومات دقيقة، بينما القدوة تحتاج إلى بطولة، وهذا ينقلنا إلى موضوع دقيق هو أن هناك علماً بالله وعلماً بخلقه وعلماً بأمره، فالعلم بخلق الله من اختصاص الجامعات في العالم، والعلم بأمره من اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي ن لكن العلم به شيء آخر، العلم بخلقه عليه صلاح الدنيا، و العلم بأمره أصل في العبادة، لكن العلم به أصل لهذا الدين لذلك العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة ومحاضر ومحاضرة وقاعات للتدريس وكتاب مقرر ومطالعة ومذاكرة ومراجعة وحفظ وأداء امتحانات، مجمل هذا النشاط يسمى المدارسة، فالعلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، والعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، جاهد تشاهد.
 أيها الأخوة ك هذا ينقلنا لحديث دقيق جداً:

 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))

 

(صحيح البخاري)

 هناك حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان، وشتان بين حقائقه وحلاوته، فحقائق الإيمان تشبه خارطة لقصر أو صورة لمركبة، قد تكون الخارطة مبنية على علم دقيق هنا الأبهاء وهنا الشرفات وهنا الغرف وهنا الحدائق وكل شيء رسم بدقة بالغة، هذه حقائق الإيمان، والذي يملك هذه الخارطة لقصر منيف لا يملك كوخ يسكنه ! أما حلاوة الإيمان فأن تسكن هذا القصر، الفرق كبير جداً بين أن تقتني صورة لمركبة فارهة، وبين أن تركب هذه المركبة وتتملكها.

 

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))

 و أرجو أن لا أبالغ بين حقيقة الإيمان وبين حلاوة الإيمان، كأن تنطق بكلمة مليار دولار وحلاوة الإيمان أن تمتلكها، الفرق بين النطق بها وامتلاكها كما هو الفرق بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان لذلك تجد الصحابة الكرام كانوا قلة قليلة بالنسبة لعدد المسلمين اليوم، ولكن الواحد منهم كان كألف، بينما تجد الألف في عصور الإسلام المتأخرة كأف، سيدنا خالد طلب من سيدنا الصديق نجدة وهو ينتظر منه أن يرسل له خمسين ألف مقاتل، فإذا به يرسل له إنسان واحد هو القعقاع بن عمر، فلما وصل إلى نهاوند قال: أين المدد ؟ قال: أنا المدد، قال: أنت !! قال: اقرأ هذا الكتاب، زوده بكتاب يقول فيه هذا الخليفة العظيم سيدنا الصديق يا خالد، والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم !!! الواحد كألف، بينما الألف من المسلمون المقصرون في آخر الزمان كأف، وترون أنتم أن هؤلاء المسلمين ليست كلمتهم هي العليا وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل.
 ألم يقل الله عز وجل:

 

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

 

(سورة النور)

 بربكم هل هناك استخلاف ؟ لا والله ! هل هناك تمكين ؟ لا والله !، هل هناك تطمين ؟ لا والله ! لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، وقد وعد الله المؤمنين فقال:

 

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾

 

(سورة الصافات)

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

(سورة آل عمران)

﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾

(سورة الحج)

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾

(سورة غافر)

 أيها الأخوة الكرام: آيات كثيرة تعد المؤمنون بالنصر، و زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، فما الجواب ؟ الجواب من القرآن:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

(سورة مريم)

 وقد لقينا ذلك الغي، في حوار أجريته مع القائد البطل صلاح الدين في خطبة ألقيتها في دمشق قلت له: عذراً لك يا صلاح الدين وألف عذر لقد أخرجت الفرنجة القدامى من العراق والشام وفتحت دمشق والقدس وقلت: لن يرجعوا إلينا ما دمنا رجالاً، وقد رجعوا في المرة الأولى عقب الحرب العالمية الأولى ودخل قائدهم إلى دمشق ودخل لمقامك وخاطبك قائلاً: ها قد عدنا يا صلاح الدين، وعادوا ثانية حينما غزو العراق ولسان حالهم يقول: ها قد عدنا يا صلاح الدين، فعذراً لك وألف عذر، لكنك من أجل أن لا تقلق علينا كثيراً هم قالوا حينما عادوا: عدنا من أجل أن تنعموا بحرية كحريتنا ورخاء كرخاء وسلام كسلامنا، وأتمنى عليك أن لا تسألني هل حققت هذه الأهداف ؟ أم كان القتل والتدمير والإفقار والإضلال والإفساد والإذلال هذا الذي كان !!! فعذراً لك يا صلاح الدين.
 من أجل أن تنسجم مع إيمانك الكبير بالله ينبغي أن أطمئنك إلى أنا بعدك هان علينا أمر الله فهنا على الله، ويا صلاح الدين حينما سمعت أميرهم أرطون وقد احتل قلعة الكرك وقطع الطريق على الحجاج المسلمين وقتل الرجال وسبى النساء وقال متحدياً للمسلمين نادوا من ينصركم، حينما سمعت هذه المقالة بكيت وقلت: أنا أنوب عن رسول الله في نصرة أمته ولم يهدأ لك بال ولن تقر لك عين حتى كانت موقعة حطين، وهزمت ملوك أوروبا وأمرائها ووقع الملك أرطون بالأسر بين يديك، وذكرته بمقولته، وذكرت له أنك تنوب عن رسول الله في نصرة أمته، وذكرت وقتها في الخطبة ولم تذكر الروايات أنك تأكدت من شخصيته بفحص حامضه النووي، فعذراً لك يا صلاح الدين لقد خوفت النساء أبنائهن بك، تقول المرأة في أوروبا: نم يا ولدي فإن لم تنم أتى صلاح الدين، شكلت عندهم عقدة نفسية اسمها صلاح الدين، ويا صلاح الدين من أجل أن تكون مطمئن البال، يقول الذي دافعت نيابة عنه:

 

(( عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ))

 

(صحيح البخاري)

 نسأل الله أن نكون منهم.
 أيها الأخوة الكرام: يجمع العلماء على أن قوله تعالى:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها وبل يعني تفريغها من مضمونها، فليس كل مصل يصلي:

 

((إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسى العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً والظلمة نوراً يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه ويقسم علي فأبره وأكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها.))

 فليس ترك الصلاة معناه أن لا تصلي، ليس إضاعة الصلاة معناه أن لا تصلي بل تفريغها من مضمونها لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾

 

(سورة العنكبوت)

 وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

 

(سنن ابن ماجة)

 أيها الأخوة الكرام: العبادات معللة بمصالح الخلق، فالصلاة كما قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾

 والصيام:

 

 

﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾

 

(سورة البقرة)

 والزكاة:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾

 

(سورة التوبة)

 أيها الأخوة: آية دقيقة في هذه المناسبة ذكرتها قبل قليل:

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 

(سورة النور)

 فأي دين وعد بتمكينه ؟ الدين الذي يرتضيه الله لنا، فإن لم نمكن في الأرض فيعني ذلك أن الدين الذي نحن عليه بفهم سقيم وتطبيق ضعيف لم يرتضيه الله لنا، لذلك لم يمكنا. أيها الأخوة ك لا بد من حقيقة دقيقة هي أنه إذا كان في ساحة القيم كتل من القيم والمبادئ في الخمسينات أو في السبعينات كانت هناك كتل ثلاثة كتلة المبادئ والقيم الشرقية، وكتلة القيم والمبادئ الغربية، وكتلة قيم الإسلام ومبادئه، فالمبادئ الشرقية تداعت من الداخل وانتهت، بقي في الساحة كتلتان من القيم قيم الغرب وقيم الإسلام.
 أيها الأخوة: الغرب قوي جداً وغني وذكي جداً وقد طرح على الساحة قيماً رائعة جداً قيمة الحرية والعدل والمساواة والديموقراطية وتكافؤ الفرص وقيمة حقوق الإنسان، فخطف بهذه القيم أصار أهل الأرض وجعل كل الناس في الأرض يطمحون بالذهاب إلى هذا البلد القوي، كان بلد حضارة وقيم وبلد ثراء وغنى، لكن إنجاز كبير جداً الذي تحقق للمسليمن أن هذه الكتلة من القيم والمبادئ بعد الحادي عشر من أيلول سقطت في الوعد، بقي الغرب قوة غاشمة ولم يبق حضارة وقيم ومبادئ، ماذا بقي في الساحة بربكم ؟ الآن مع أنه قد نقول إن هناك حرباً عالمية ثالثة معلنة على الإسلام في كل بقاع الأرض، مع كل ذلك لم يبق على ساحة القيم والمبادئ إلا مبادئ الإسلام وقيمه، الأمر الذي حذى أحد أكبر علماء أميركا وقد اعتنق الإسلام وزار الجالية الإسلامية في بريطانية حذى به إلى أن يقول لهؤلاء المسلمين أنا لا أصدق أنه في المدى المنظور نستطيع أن نلحق بالغرب كمسلمين، لاتساع الهوة بينهما ولكنني مؤمن أشد الإيمان وبكل قطرة في دمي وكل خلية في جسمي أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لأن في الإسلام خلاصاً له، لأن كل المبادئ الوضعية سقطت في الوحل وأن كل الدعاة إليها أصبحوا في مزبلة التاريخ، لم يبق إلا قيم الإسلام ومبادئه، لذلك أنا مؤمن أن العالم كله سوف يركع أمام أقدام المسلمين بشرط أن يحسنوا فهم دينهم، وأن يحسنوا تطبيقه وعرضه، نحن أمام فرصة ذهبية لا تقدر بثمن، أن ساحة المبادئ والقيم خالية إلا من مبادئ الإسلام وقيمه وهذا منهج الله سبحانه وتعالى:

 

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

 

(سورة طه)

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه.

 

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

 

(سورة البقرة)

 أيها الأخوة الكرام: أول حقيقة في الدعوة إلى الله أن الساحة فارغة من أي شيء ينافس الإسلام لأن المبادئ الوضعية أصبحت في الوحل وانتهت ولم يبق إلا دين الله ترنو إليه الأبصار.
 أيها الأخوة الكرام: إذا أردنا أن ندخل في تفاصيل هذه المحاضرة أنا لا أصدق أن تنجح الدعوة إلا بالقدوة لأن الناس لا ينتفعون بكلام يلقى ولا بكتب تقرأ ولا بأشرطة تسمع بقدر ما ينتفعون بمسلم متحرك يرون عفته وأمانته وصدقه، لذلك حينما سأل النجاشي سيدنا جعفر عن الإسلام قال: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونسيء الجوار حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه، إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، هذه أركان الأخلاق، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، بربكم هذا تعريف الإسلام من صحابي كبير كبير ما كان مضمون التعريف ؟ قيم أخلاقية، لذلك يؤكد هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

 

((عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))

 

(صحيح البخاري)

 فهل الإسلام هو الخمس أم هذا الذي بني على الخمس ؟ الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، والنبي عليه الصلاة والسلام كان سيد الخلق وحبيب الحق أوتي الفصاحة والبيان أوتي الوحي والقرآن أوتي المعجزات ومع ذلك حينما أثنى الله عليه قال:

 

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

 

(سورة القلم)

 لذلك قال الإمام القيم رحمه الله، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، وأنا أقول لكم أيها الأخوة: لا ينجذب الناس إلى الإسلام لأن مبادئه رائعة، فعلاً مبادئه رائعة ولكن ينجذبون إلى الإسلام بسبب أن المسلم أخلاقي، لذلك قالوا: الاستقامة دعوة صامتة، والأمانة دعوة صامتة، والعفاف دعوة صامتة، والرحمة دعوة صامتة، أذكر أن طالبين يدرسان في بريطانيا في إحدى جامعاتها ولهم صديق بريطاني، فكانا لا يتكلمان العربية إلا إذا كانا منفردين، فإذا أتى الصديق تكلما اللغة الإنكليزية، هذه الظاهرة لفتت نظر هذا الصديق سألهم بعد حين لما تفعلون هكذا ؟ فقالوا: لأن نبينا عليه الصلاة والسلام منعنا إذا كنا ثلاثة أن يتحدث اثنان دون الثالث أو يتكلما لغة لا يعرفها، فلهذا نتكلم الإنكليزية أمامك، فقال: نبيكم هذا حضاري جداً وعكف على كتب الإسلام وأسلم بعد ستة أشهر ! ما الذي يشد الناس إلى الدين ؟
 رجل من أكفر كفار الأرض اسمه جفري لانك ملحد كبير أستاذ مادة الرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو جاءته فتاة مسلمة محجبة حجاباً كاملاً في أشهر الصيف، والفتيات هناك يمشين في الطريق شبه عرايا، لفت نظره هذا الحجاب والوقار فقال: هبت أن أدقق في وجهها وشعرت برغبة جامحة أن أقدم لها أية خدمة وأكبرت فيها مبادئها، وعكف من توه على قراءة مبادئ الإسلام وٍأسلم والآن جفري لانك أكر داعية إسلامي في أميركا وقد درست كتابه في دمشق، ألف كتاب لماذا أسلمت وترجم للغة العربية.
 تلاحظون أن الفكر وحده لا يكفي، لأن الكون كما يقال قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
 بادئ ذي بدء نريد داعية يتمثل كل مبادئ الإسلام وقيمه، يمشي بين الناس، الذي يجذب الناس إليه أخلاقه عفته صدقه طاعته لله عز وجل ورعه... لذلك لا يمكن أن تنجح الدعوة إلا إذا كان الداعي قدوة.
 بقيت في مصر قبل وفاة الشيخ الشعراوي رحمه الله وأجريت معه لقاءين ثم انقلبا إلى كتاب ألفته، سألته في نهاية اللقاء: ما نصيحتك للدعاة ؟ توقعت أن يقول كلاماً يزيد عن نصف ساعة، تكلم جملة واحدة قال لي: ليحرص الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه ! لأن أكبر صفة تمثلت في النبي أن صحابته الكرام ما وجدوا مسافة بين أقواله وأفعاله
أيها لأخوة الكرام: شيء آخر – سيدنا عمر كان إذا جمع أهله وخاصته قال: إني قد أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لأوتين لواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه الديني صارت القرابة منهما مصيبة ‍!
 أيها الأخوة الكرام: رأى إبلاً سليمة فقال: لمن هذه الإبل ؟ قالوا: هي لابن عبد الله قال: ائتوني به وغضب، فلما جاء عبد الله رأى أباه غاضباً سأله لمن هذه الإبل ؟ قال: هي لي، اشتريتها من مالي وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا فعلت ؟ ماذا فعلت في شرع الله عز وجل ؟ قال: ويقول الناس اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمر المؤمنين، خذ الإبل ورأس مالك ورد الباقي لبيت رأس مال المسلمين.
 أيها الأخوة: لما بعث النبي عليه الصلاة والسلام بسيدنا عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر ليقيم تمرهم بحسب اتفاق سابق بينهم وبين النبي، أغروه بحلي نسائهم كي يخفف التقييم فقال: والله جئتكم من عند أحب الخلق إلي وأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالت اليهود وقتها: بهذا قامت السماوات والأرض وبهذا غلبتمونا.
 أيها الأخوة: أقسم لكم لو أن أصحاب النبي رضوان الله عليهم فهموا الإسلام كما نفهمه نحن الآن، والله الذي لا إله إلا هو ما خرج الإسلام من مكة إلى المدينة....
 أيها الأخوة: صحابي جليل هاجر من مكة للمدينة اعترضه من في الطريق وألقوا القبض عليه ليقتلوه، فقال لهم: عهداً بالله إن أطلقتموني لن أقاتلكم، فأطلقوه واتجه إلى النبي وأخبر النبي الكريم وفرح النبي بهذه الهجرة وطمأنه، بعد حين كانت غزوة فانخرط هذا الصحابي في عداد المقاتلين قال له النبي:

((ارجع ألم تعاهدهم ؟ ))

 ديننا دين أخلاق وقيم، سيدنا عمر جاءه ضيف كبير ملك الغساسنة اسمه زبدة فرح بمجيئه كما هي العادة لأن النبي أراد النخبة من قومه، قال: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين فرح سيدنا عمر بهذا المسلم الجليل ملك الغساسنة هذا الملك أعلن إسلامه ورحب به عمر وفي أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه فانخلع ردائه عن كتفه فما كان من هذا الملك إلا أن ضرب هذا البدوي ضربة هشمت أنفه، ليس أمامه إلا عمر شكى لعمر، فعمر استدع الملك يوجد شاعر معاصر صاغ الحوار شعراً قال له عمر:

 

صحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح  قـال لست ممـن ينـكروا شـيئاً
أنا أدبت الفتى وأدركت حـقي بيدي  قال له أرض الفتى لابد من إرضائه
مـا زال ظـفرك عالقـاً بـدمائـه  أو يـهـشـمـن الآن أنــفـك
***

 يخاطب ملك:

 

 

وتـنال مـا فـعلـته كفـــك  قــال كــيف ذاك يــا أمــير
هـو سوقة مـن عـامة الــناس  وأنـــا عـــرش وتــــاج
كيف ترض أن يـخر النجم أرضاً  قال له نزوات الجــاهلية وريـاح
العـنجهونية قـــال لـه دفناها  وأقــمنا لـها صـرحاً جــديـداً
وتســاوى الــنـاس أحـراراً  لـــدينــــا وعـــبيـــداً
فقال جـبلة كان وهـماً ما جرى  فــــي خــلدي أنني أقوى عنـدك
وأعــز أنا مـرتد إذا أكرمتني  قـــال عنق مرتد للسيف تحس عالـم
مبني كل صدع فيه بشر السيف  يداوى وأعز الناس بالعدل بالصعلوك تساوى
***

 انتصر للمبدأ ولم ينتصر لهذا الملك، لذلك قال بعض الدعاة المعاصرين: في المجتمعات إما أن تسود المبادئ أو الأشخاص أو المصالح.
 الآن لا تجد مجتمع إلا وتسوده المصالح لا المبادئ، المبادئ تحت أقدام الناس ويعبدون مصالحهم من دون الله.
 أيها الأخوة الكرام: الحقيقة الأولى أنه لا بد من أن تكون قدوة والله لا يمكن أن يصغي لكلامك طفل صغير إن رأى مسافة بين أقوالك وأفعالك، القدوة قبل الدعوة، هذه الحقيقة الأولى.
 الحقيقة الثانية: الإحسان قبل البيان، فسيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم معه الوحي والقرآن والمعجزات والفصاحة التي ما بعدها فصاحة ومعه الكمال البشري ومعه كل شيء، قال الله له: وأنت بالذات مع كل هذه الخصائص ومع كل هذه الميزات:

 

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 

(سورة آل عمران)

 إذا كان الواحد ليس معه كتاب ولا معجزة ولا قرآن ولا وحي ولا أوتي الفصاحة ولا البيان ولا معه شيء وهو مع ذلك فظ غليظ، لماذا الغلظة ؟
 شاب صلى إلى جانب شيخ يتضح على وجه الشاب علامات التدين شيء جميل، أعجب الشيخ صلاته وخشوعه فلما انتهت الصلاة مد الشيخ يده إليه داعياً له أن يرزقه الله صلاة في الحرم المكي إما في عمرة أو في حج فقال له حرماً، هذا الشاب اكتظب واحرم لونه وقال هذه الكلمة لم ترد في السنة فقال له الشيخ: وهل ورد في السنة قلة الذوق ؟

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 هذا الكلام موجه لسيد الخلق ومعه كل هذه الخصائص، فالبند الثاني في هذه المحاضرة الإحسان قبل البيان الذوق واللطف.

 

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، لذلك مرة كنت في أميركا وسألتني أخت كريمة تعمل طبيبة وسألتني عن حكم مصافحة الرجال وقالت: إنني في حرج شديد في المشفى فماذا أفعل ؟
 الحقيقة يمكن أن يكون هناك جواب شرعي سريع إنني لا أصافح النساء، قلت لها: الملكة إليزابيت لا يصافحها إلا سبعة رجال بحكم القانون البريطاني ! والمرأة المسلمة ملكة أيضاً ولا يصافحها أيضاً إلا سبعة رجال بحكم القانون القرآني هكذا !! فيمكن أن تنقل الفكرة والحكم الشرعي بشكل لطيف.
 بالمناسبة ما كل داعية ينبغي أن يكون عالماً لكن ما كل عالم هو داعية، الدعوة عمل إعلامي، كيف أن الإعلانات اليوم فيها أعلى درجات الفن والذكاء، والدعوة طابعها إعلاني يجب أن تقدم الإسلام بأبهى صورة وطريقة بأسلوب الحوار.
 هذا الذي يدعو لله ويقول: أنتم لا تفعلون شيئاً هذا أخفق داعية في الدعوة:

 

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

(سورة سبأ)

 يقول الله عز وجل لنبيه الكريم وهو سيد الخلق اجعل نفسك مع المحاور على قدم المساواة:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 الحق كرة عندنا أو عندكم، وليس نحن على حق وأنتم على باطل، الإمام الشافعي قال: أنا على حق والطرف الآخر على باطل وقد أكون مخطئاً، والطرف الآخر قد يكون على باطل وأنا على حق وقد يكون مصيباً، اجعل تواضعاً وحواراً وسؤلاً وجواباً بين الداعية وبين من يدعوه.
 أيها الأخوة الكرام: الإحسان قبل البيان ما لم تفتح قلوب المدعويين بإحسانك لا يمكن أن يصغوا إليك.
يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
 أيها الأخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

 

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾

 

(سورة إبراهيم)

 أي بالوسائل التي ألفها القوم، فالآن العصر عصر علم، لا يمكن أن تقبل خرافة ولا كرامة لم تثبت ولا حلم أو منام أو رؤية الآن هناك أدلة علمية، لذلك أتمنى على الدعاة أن يقللوا من الكرامات ويكثروا من الأدلة العقلية والعلمية.
 مثلاً: في القرآن الكريم ألف وثلاثمائة آية فيها إشارات إلى قضايا علمية، الحقيقة أن هذه الآيات كثيرة وكلكم يعلم أنك إذا قرأت آية فيها أمر ينبغي أن تأتمر وأنك إذا قرأت آية فيها نهي ينبغي أن تنتهي هذا مقتضى الآية، فإذا قرأت آية فيها إشارة علمية ينبغي أن تفعل ماذا ؟ أن تتفكر فيها لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

(سورة آل عمران)

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((الويل لمن لم يفكر في هذه الآية ))

 معرفة الله تتم إما بالتفكر في خلقه أو بتدبر كلامه أو بالنظر في أفعاله، وجدت في الإنترنت صورة عقب زلزال تركيا جامعاً في إزميت مركز الزلزال بمئذنة عملاقة وإلى جانب المسجد معهد شرعي وحولهما حطام لا يصدق كأن هذه الصورة رسالة من الله للبشر، هذا الذي أريده وقد نشرت وتركت في العالم ضجة كبيرة.
 النظر في أفعاله والتفكر في خلقه وتدبر قرآنه مثلاً: الله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً﴾

 

(سورة البقرة)

 هل يمكن أن تكون أحقر حشرة لا قيمة لها عند الإنسان في آية قرآنية ؟!!! تتلى إلى يوم القيامة هل يعقل ذلك ؟ طبعأً النبي أشار لحقارتها قال:

 

((عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍِ ))

 

(سنن الترمذي)

 فماذا تعني أن تكون البعوضة في القرآن الكريم الذي تعبدنا الله بتلاوته إلى يوم القيامة بعد أن اكتشفت المجاهر الإلكترونية التي تكبر الشيء أربعمائة مرة تبين أن في رأس البعوضة مائة عين وفي فمها ثمانية وأربعون سناً وفي صدرها ثلاثة قولب قلب مركزي وقلب لكل جناح وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، هل تصدقون أن البعوضة تملك أجهزة لا تملكها الطائرات ؟‍‍‍‍ !!!! تملك جهاز استقبال حراري أي أنها ترى الأشياء لا بألوانها ولا بأشكالها ولا بأحجامها بل بحرارتها، كأنها رادار إنها ترى بالأشعة تحت الحمراء،حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، لو ارتفعت الدرجة واحد على ألف من الدرجة لشعرت هذه البعوضة بذلك، هذه البعوضة تملك جهازاً آخر جهاز تحليل للدم لأنه ما كل دم يناسبها، فقد ينام أخوان على فراش واحد يستيقظ الأول وقد ملء بلسع البعوض والثاني لم يصب بشيء، معها جهاز تحليل دم فضلاً عن جهاز الرادار الذي معها جهاز الاستقبال الحراري معها جهاز تحليل دم وجهاز تخدير لئلا تقتل في أثناء امتصاص الدم، أما حينما يضرب أحدنا يده على أثر لسع البعوض تكون البعوضة في سماء الغرفة وقد انتهى مفعول التخدير فقط ! والبعوضة تملك جهاز تمييع للدم، فمن جهاز رادار إلى جهاز تمييع إلى جهاز تخدير إلى جهاز تحليل، بعوضة، أما خرطوم هذه البعوضة ففيه ست سكاكين أربع سكاكين لإحداث جرح على شكل مربع وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم !!!

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

 هذه الآيات الألف والثلاثمائة هي منهج المؤمن في معرفة الله عز وجل، هي منهج المؤمن بمعنى أنها رؤوس موضوعات للتفكر.

 

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 أيها الأخوة: نظرية أنشتاين نظيرة عملاقة ظهرت في القرن العشرين وقد غير مفاهيم الفيزياء والفلك في الأرض ذلك أن الجسم إذا سار مع الضوء سأصبح ضوءاً، أي أن كتلته صفر وحجمه لا نهائي، فإذا سبقنا الضوء تراجع الزمن، نظرياً لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لرأينا موقعة بدر وحطين، فإذا قصرنا عن الضوء تراخى الزمن، هذه النظرية العملاقة مبنية على اكتشاف سرعة الضوء، ثلاثمائة ألف كيلو متر تقريباً، من منا يصدق أن في القرآن الكريم آية تدل على هذه النظرية وقد عرضت في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عرض في موسكو ! وقدم لي هذا الذي قدم البحث أصل البحث وهي عندي في البيت.
 أيها الأخوة يقول الله عز وجل:

 

 

﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

 

(سورة السجدة)

 القرآن يخاطب أمة تعد السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، إذا أخذنا نقطة هي مركز الأرض ونقطة هي مركز القمر ووصلنا بين الخطين لكان هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، إذا ضربنا باثنين كان القطر ضربنا بالبـ،3،14 كان المحيط في هذه العمليات البسيطة نعرف كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض، كل شهر دورة بالسنة ضرب 12 بألف سنة ضرب ألف معنا رقم كبير هو عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض لمدة ألف عام.

 

﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾

 

(سورة الحج)

 اليوم كم سنة ؟ ستين ضرب ستين ضرب أربع وعشرين لو قسمنا هذا الرقم الكبير على ثواني اليوم هنا المفاجأة لكانت سرعة الضوء، الدقيقة مائتان وتسع وتسعين ألف وسبعمائة واثنان وخمسين، هذه النظرية التي بنيت على سرعة الضوء ملخصة في هذه الآية

 

﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾

 أيها الأخوة الكرام: موقع علمي كبير تابع لأكبر محطة فضائية في العالم موقع ناسا يعرض كل يوم صورة لمجرة من المجرات قبل سنتين عرض صورة لو تأملت فيها لا تشك لثانية واحدة أنها وردة جورية بأوراقها الحمراء الداكنة وبوريقاتها الخضراء الزاهية وبكأسها الأزرق في الوسط إنها وردة جورية لا شك، لكنها في الحقيقة انفجار لنجم اسمه عين القط يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، اقرءوا قوله تعالى:

 

 

﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) ﴾

 

(سورة الرحمن)

 أيها الأخوة: من يصدق منا أن عصب الشم ينتهي بعشرين مليون عصب فرعي وأن كل عصب ينتهي بخمسة أهداب، وأن كل هدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة تفاعلاً إيجابياً فينشأ شكل هندسي هو رمز الرائحة يشحن إلى الدماغ وفي الدماغ يعرض على الذاكرة الشمية المؤلفة من عشرة آلاف بند، فإذا توافق الشكلان عرفت أنها رائحة الياسمين.

 

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

 

(سورة التين)

 من منا يصدق إذا مشى في الطريق وسمع بوق سيارة عنده جهاز في الدماغ ينتقل الصوتين من الأذنين ويحسب التفاضل بينهما، والتفاضل الزمني بينهما واحد على ألف وستمائة وعشرين جزء من الثانية، يكتشف السامع جهة الصوت، المركبة نحو اليمين يتجه نحو اليسار، لولا هذا الجهاز لتحرك إلى مقتله أو إلى موته.
 أيها الأخوة: بيننا وبين الشمس مائة وست وخمسين مليون كيلو متر، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض وبينهما مائة وست وخمسين مليون كيلو متر، وفي برج العقرب نجم صغير أحمر اللون يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما !!!!

 

﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾

 

(سورة لقمان)

 إخوتنا الكرام: أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية ثلاثمائة ألف في الدقيقة ضرب ستين في الساعة ضرب ستين في الثانية ضرب ستين في اليوم ضرب أربع وعشرين في السنة ضرب ثلاثمائة وخمس وستين ضرب أربعة، لو أردنا أن نصل لهذا النجم بمركبة أرضية لاحتجنا لخمسين مليون عام.
 لذلك أيها الأخوة: ما القول في نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ؟ في مجرة المرأة المسلسلة مليوني سنة، أحدث مجرة اكتسفت حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة، الأربع سنوات نحتاج لخمسين مليون سنة سير فكيف بالعشرين مليار سنة ؟؟ قال تعالى:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾

 

(سورة الواقعة)

 لذلك قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

 

(سورة فاطر)

 لذلك قالوا: لا تنظر لصغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت أهذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا تلتقى حرماته ؟ ألا يسعى إليه ؟

فلو شاهدت عيناك من حسننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا

ولو ذقت من طعم المحبة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا

ولو نسمت من قربنا لك نسمة  لمت غريباً واشتياقاً لقربنا فما

حبـنا سهل وكل مـن ادعـى  سهولته قلـنا لـه قـد جهلتـنا

فأيسر ما في الحب بالصدر قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

***

 لذلك ملخص هذه المحاضرة إذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر، أما إذا عرفنا الأمر كما هو الحال الآن ولم نعرف الأمر تفننا في التفلت من الأمر قد تأتيك ورقة من دائرة البريد مكتوب فيها تال يوم الخميس تسلم رسالة مسجلة في الساعة العاشرة،أنت يوم بيوم الاثنين لا تتحرك في جسمك شعرة وقد تذهب وقد لا تذهب، قد تأتي ورقة بالحجم نفسه من جهة أخرى فلا تنام الليل ثلاثة أيام، ما الفرق بين الورقتين ؟ الآمر، إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر تفننا في التلفت من الأمر أما إذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر.
 أيها الأخوة الكرام: القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان والأصول قبل الفروع والتربية لا التعرية والمضامين لا العناوين والمبادئ لا الأشخاص، هذه بعض ملامح أصول الدعوة وأسأل الله لي ولكم التوفيق والنجاح وأشكر لكم حضوركم واهتمامكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 المذيع: جزاك الله خيراً فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي على ما ألقاه والسلام عليكم.

 

إخفاء الصور