وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 39 - طرابلس - الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 قبل أن نبدأ المحاضرة لابد من أن أعلق على تلك الملاحظة التي تفضل بها قبل قليل: حينما يتسرع داعية أو عالم في ربط مقولة علمية لم تثبت بعد بآية قرآنية هذا عمل خطير جداً، لأنه يعطي الطرف الآخر فرصة ذهبية كي ينقض القرآن من خلال نقض هذه المقولة التي لم تثبت بعد، فكيف أن الدعوة لله تتألق من خلال الإعجاز العلمي، الدعوة إلى الله قد تنهار من خلال موقف متسرع يربط مقولة في العلم بآية قرآنية، فالطرف الآخر يعطيه فرصة ذهبية لا تعوض، فيصل إلى نقض القرآن الكريم من خلال نقض هذه المقولة، لا يمكن أن تندرج قضية في الإعجاز إلا إذا كانت المقولة علمية مسلم بها، قطعية ثابتة لا تحتمل واحدًا بالمليار من الشك، نربطها بآية بمعناها اليقيني الظاهر من دون تكلف، ومن دون تمحل، ويكون التطابق عفوياً وتاماً، حقيقة علمية مقطوع بها، تتوافق وتتطابق مع آية قرآنية بالمعنى اللازم لها من دون تمحل، من دون تأويل، من دون تكلف، والتطابق عفوي وتام، هذه يمكن أن تندرج تحت مقولة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة.
 أيها الإخوة الكرام: أشكر لكم هذه الدعوة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني بأن تكون هذه المحاضرة في المستوى الذي تتمنوه.
 بادئ ذي بدء الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه أحسن تكريم، سخر له الكون تسخير تعريف وتكريم، ومنحه نعمة العقل ليكون العقل الصريح أداة معرفة الله عز وجل، ومنحه فطرة أساسها أنه يكشف بها خطأه بشكل ذاتي، ثم منحه شهوة تعد دافعاً له على الأعمال الطيبة، وهي حيادية، ويمكن أن تكون سلماً يرقى بها، ودركات يهوي بها، ثم منحه حرية الاختيار، ثم أنزل على أنبيائه الكتب التي تعين الإنسان على السير في طريق الحق.
 إذاً: الإنسان هو المخلوق المكلف بمعرفة الله وعبادته، والمخلوق المكرم والمخلوق الذي جعلت العبادة علة وجوده في الأرض هذه مقدمة.
 لكن ما الذي يحصل ؟ أن الإنسان في زحمة الحياة وهمومها تأخذه الدنيا، ويغفل عن الله عز وجل، ولأن الله رب العالمين، ولأنه رحمن رحيم لابد من أن يعالجه، لذلك أرسل إليه الأنبياء، وأنزل الكتب، ما الذي يحصل ؟ حينما أودع الله في الإنسان الشهوات يستطيع الإنسان أن يتحرك بها مئة وثمانين درجة، قال تعالى:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

(سورة آل عمران)

 هذه الشهوات ما أودعها الله في الإنسان في الأصل أو في أصل التصميم إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، يرقى بها مرتين، يرقى بها صابراً ويرقى بها شاكراً، فأية شهوة أودعت فيه بترك الجانب المحرم منها يرقى على الله صابراً، وبأخذ الجانب الحلال منها يرقى إلى الله شاكراً، إذاً هذه الشهوات في الأصل حيادية، لكن الإنسان مخير، بإمكانه أن يمارس الشهوة من دون قيد أو شرط، بإمكانه أن يكسب المال الحلال والحرام، وبإمكانه أن يتصل بامرأة لا تحل له، فحرية الحركة في الإنسان هي أحد أسباب تكليفه ورقيه في الآخرة هو حر، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة.
 إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
 الإنسان أمامه كون ينطق في كل شيء منه بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا أحد أكبر مقومات التكليف، منحه أداة لمعرفة الله مبادئ العقل الثلاثة تتطابق تطابقاً عفوياً وتاماً مع مبادئ الكون، منحه فطرة يكشف بها خطأه، أعطاه شهوة تعد دافعاً له إلى تحقيق أهدافه، ثم أعطاه حرية الاختيار ليثمّن عمله، ثم منحه منهجاً ليسير عليه.
 الآن: الشهوة مهمته أن يتحرك، يحب أن يأكل، ويشرب لذلك يعمل، يحب أن يتزوج لذلك يعمل، يحب أن يعلو في الأرض لذلك يتفوق، منحه الشهوات لتكون قوى دافعة له، منحه الاختيار ليثمن عمله، منحه منهج ليسير عليه، أعطاه ما يجسد أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، وهو الكون.
 ما الذي يحصل ؟ الإنسان وقد أودعت فيه الشهوات يتحرك بدافع منها بشكل عشوائي، دون قيد أو شرط، لذلك لابد من أن يعتدي على الآخرين، أما إذا مارس الشهوة بالقدر الذي سمح الله له به ليس هناك عدوان إطلاقاً، لأن هذا الشرع من عند الخبير العليم.
 لذلك الإنسان في بعض تعريفاته هو أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة.
 الآن: لو أن الإنسان غفل عن منهج الله، ولم يضبط شهوته بدافع شرعي، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

 

(سورة القصص)

 المعنى المخالف: لو أنه اتبع هواه وفق هدى الله فلا شيء عليه، أنا أتحدث عن حالة شائعة بين الناس، أن الله أودع في الناس الشهوات يتحركون بهذه الشهوات من دون ضابط من شرع، ومن دون وازع من خلق وهو مخير، فالله عز وجل كان من الممكن أن يرجئه إلى ساعة الوفاة فيستحق نار جهنم، لكن الله رب العالمين، لابد من أن ينبهه، لا بد من أن يرسل لهذا الإنسان الغافل رسلاً، الآن جار رسول ومعه منهج الله عز وجل.
 الآن ملخص هذا المنهج: افعل ولا تفعل، هذا الإنسان التائه الشارد الذي يتبع شهوته يفعل ما يريد فإذا بهذا المنهج يقيده، ما رد بالفعل الطبيعي لهذا الإنسان الشارد أن يقول لهذا النبي: لست مرسلاً !

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾

(سورة الرعد)

 كيف يشهد الله لهذا الإنسان الذي منحه منهجاً للإنسان يسير عليه، كيف يشهد الله له أمام خلقه أنه رسوله ؟ هنا المشكلة لابد من أن يجري على يد هذا الإنسان الذي يقول للناس: إنه رسول الله، خرقاً للقوانين والنواميس، وهذا الخرق لا يستطيعه إلا خالق الأرض والسماوات، هذا الخرق يعد شهادة من الله لهؤلاء الناس أن هذا الذي أرسله إليهم هو رسوله فعلاً، أو أن هذا الخلق يقدم لهذا الرسول دعماً أنه رسول الله.
 أيها الإخوة الكرام: الأنبياء السابقون كل نبي كان لقوم، ولكل نبي معجزة تؤكد أنه بني.
 أيها الإخوة: لكن شاءت حكمة الله أن تكون المعجزات للأنبياء السابقين معجزات حسية، فسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أحيا الميت، وأبرأ الأكمه والأبرص، وسيدنا موسى انقلبت العصا إلى ثعبان مخيف، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، سيدنا إبراهيم ألقي في النار فقال الله للنار:

 

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾

 

(سورة الأنبياء)

 الذي يتضح من تلك المعجزات الذي أيد الله بها رسله السابقين أنها معجزات حسية بمثابة تألق عود الثقاب، تألقت مرة واحدة، وانطفأت، فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام له خصائص متميزة فهو آخر الأنبياء، وبعثته آخر البعثات، وكتابه نهاية الدوران، وهو لكل البشر جميعاً، أبيضهم وأسودهم، وكل الأجناس، هو رحمة للعالمين، وكتابه كتاب منهج لكل الخلق، فلا بد والحالة هذه من أن تكون معجزة النبي مستمرة، معجزات الأنبياء السابقين حسية منقطعة، هي أخبار تصدق أو لا تصدق، إلا أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام هي معجزة عقلية علمية مستمرة، لذلك هذا القرآن الذي بين أيدينا فيه دلائل عن طريق إعجازه العلمي تؤكد أن الذي جاء بهذا الكتاب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، من هنا لأن بعثة النبي خاتمة البعثات، ولأن كتابه آخر الكتب، ولأنه مكلف أن يبلغ كل العالمين في كل القارات فلابد من أن تكون المعجزة التي جاء بها معجزة مستمرة إلى نهاية الدوران.
 لذلك في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات الكونية تقترب من سدس القرآن من ألف وثلاثمائة آية.
 ما معنى الإعجاز ؟
 أن في القرآن إشارات إلى قضايا علمية يستحيل على العقل أن يصدق أنه حين نزول هذا القرآن الكريم يمكن لجهة علمية في الأرض كلها أن تفهم معنى هذه الآيات، لكنها فهمت في العصور المتأخرة، فحقيقة الإعجاز أن إشارات إلى بعض العلوم تضمنها القرآن، ويستحيل على العقل تصديق أن في الأرض جهة تستطيع أن تفسر هذه الآيات وقت نزول القرآن، لكنه مع التقدم المذهل للعلوم كشفت هذه العلوم حقائق هذه المعجزات، فكانت المعجزات العلمية في القرآن الكريم دليلاً قطعياً على أن هذا القرآن كلام الله، وعلى أن الذي جاء به هو رسول الله، هذا أصل الإعجاز في القرآن الكريم.
 لكن الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام أحجم إما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، أو بتوجيه من ربه عن شرح هذه الآيات، والحكمة بالغة بالغةٌ، لأنه لو شرحها شرحاً يفهمه من حوله لأنكرنا عليه هذا الشرح، ولو شرحها شرحاً نفهمه نحن لأنكروا عليه، تركت هذه الآيات التي تعدل سدس القرآن من دون بيان من النبي عليه الصلاة والسلام إما باجتهاد منه، أو بتوجيه من الله عز وجل، ليكون العلم وحده كلما تقدم وكشف عن حقيقة آية قرآنية علمية في كتاب الله، أن يكون هذا الكشف دليلاً على أن هذا القرآن كلام الله.
 الآية الأصل في هذا الموضوع، هي قوله تعالى:

 

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾

 

(سورة فصلت)

 بعد حين، بعد ألف وأربعمائة عام يكشف العلم حقيقة هذه الآيات وتلك الأحاديث، الآن مع تقدم العلوم لا موضوع في الحقيقة يعلو على موضوع الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، لأنه أكبر دليل على صحة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
 لو أخذنا بعض الأمثلة البسيطة، وننتقل لأمثلة أعقد منها، أنت تركب طائرة (الكونكورد)، أو طائرة (جامبو 707 ) وتقرأ القرآن الكريم فتقرأ:

 

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾

 

(سورة النحل)

 فلو وازن قارئ القرآن بين الحمار والبغل، وبين الطائرة واليخت في البحر، والمركبة التي تتحرك بأمر منك شفوي مع هذه المخلوقات لأخذه العجب، لو أن القرآن كلام الني لانتهت الآية عند قوله تعالى:

 

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

 أما لأنه كلام الله:

 

 

﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

 تغطي كل وسائل الانتقال الحديثة لأنه كلام الله، ولأن الله علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 الأدلة كثيرة على ذلك، لو فرضنا أن نأتي ببعض الأمثلة: محطة فضاء من كبريات محطات الفضاء في العالم تعرض في موقعها المعلوماتي في الإنترنت صورة لوردة جورية إذا تأملتها، لا تشك بثانية واحدة أنها وردة جورية بأوراقها الحوراء الداكنة، ووريقاتها الخضراء الزاهية، وكأسها الأزرق في الوسط ! ثم تقرأ تعقيباً على هذه الصورة أنها انفجار لنجم اسمه عين القط، يبتعد عن الأرض ثلاثة آلاف سنة ضوئية، هذا التعليق العلمي من وكالة الأنباء (ناسا) الذي اسمه عين القط، والذي يبتعد عن الأرض ثلاثة آلاف سنة ضوئية، لكن القرآن يقول:

 

 

﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

 

(سورة الرحمن)

 والله لو قرأت كل التفاسير لا يروى غليلك إلا بهذه الصورة ! وهذا يؤكد أن سيدنا علياً رضي الله عنه حينما قال: ( في القرآن الكريم هناك آيات لما تفسر بعد).
 فوقت نزول القرآن ليس هناك جهة على وجه الأرض يمكن لها أن تفهم هذه الآية، لذلك تخبط المسلمون في تفسيرها، لكن حينما ظهرت هذه الصورة الانفجار في النجم يشبه وردة كالدهان.

 

﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

 في أثناء المركبات الفضائية، وقد صوروا البحار رأوا بين كل بحرين تمايز لونين، وعند التمايز الدقيق خط، هو خط وهمي في الحقيقة، لكن اللونين مختلفان، هذه الظاهرة درست، فإذا هي شيء عجيب، كل بحر له مكوناته، وله ملوحته، وكثافته وخصائصه، ولا يمكن لمياه بحر أن تختلط بالبحر الآخر، مع أن مياه البحرين متصلان في باب المندب وقناة السويس وخليج البوسفور ومضيق جبل طارق.
 عرضتُ في القناة الثانية في تلفزيون دمشق عشر حلقات في الإعجاز العلمي مع الصور، قدمت صوراً لهذا الحاجز الذي بين البحرين مأخوذة من فوق البحر ومتحته، حاجز واضح !
 حينما قال الله عز وجل:

 

 

﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾

 

(سورة الرحمن)

 أيضاً تخبط المفسرون في تفسير هذه الآية، فلما جاءت المركبات الفضائية، وصورت مكان اتصال البحرين وبدا الخط واضحاً، وبدا أن كل بحر له خصائصه ومكوناته، وأن مياه البحر لا يمكن أن تختلط بمياه البحر الآخر، بدا هذا البحث العلمي مؤكداً لهذه الآية، فهي من آيات الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة.
 أيها الإخوة الكرام:

 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾

 

(سورة الطلاق)

 هذه الآية دقيقة، فعلة خلق السماوات والأرض أن تعرف الله.

 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾

 وقد قفة بعض المفسرين وقفة متأنية عند هذين الاسمين القدير والعليم، والإنسان إذا أيقن أن الله موجود، ويعلم، وسيحاسب، وسيعاقب لا يمكن أن يعصي الله.
 الله موجود، ويعلم، وسيعاقب، وسيحاسب، اختار الله من أسمائه العليم والقدير، فأنت حينما توقن أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك فلن تعصيه، لذلك علة خلق السماوات والأرض أن نعلم.
 أيها الإخوة: من آيات الله الدالة على عظمته هذه الأرض التي تدور حول الشمس، كلكم يعلم أن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي أو بيضوي، والمسار البيضوي له قطران أكبر وأصغر، فالأرض في رحلتها حول الشمس إذا اقتربت من القطر الأصغر ما الذي يحدث لو لم يكن هناك خالق حكيم عليم يسيِّر هذا الكون ؟
 باعتبار أن المسافة صغرت الجاذبية تعلو، فلا بد من أن تنضم الأرض إلى الشمس، وعندها تتبخر في ثانية واحدة، ولا تكون هذه الندوة، لو أن الأرض اقتربت من الشمس، ودخلت فيها، وتبخرت في ثانية واحدة لانتهى كل شيء، ما الذي يحدث ؟ الأرض ترتفع سرعتها، لينشأ من ارتفاع السرعة قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة، فتبقى الأرض في مسارها.

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

 

(سورة فاطر)

 أي تنحرف عن مسارها، أية يد ترفع سرعة الأرض لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، وتبقى في مسارها، هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

 ولكن لو رفعت هذه السرعة فجأة لانهدم كل ما على الأرض ! لذلك ترتفع السرعة بتسارع بطيء، لأن اسم الله لطيف، فتبقى البنية في مكانها، الآن تابعت الأرض سيرها حول الشمس، وصلت على القطر الأبعد الكبير، لو بقيت بهذه السرعة لتفلتت من مسارها حول الشمس، ولدخلت في متاهات الفضاء الخارجي، ولأصبحت حرارتها مئتين وثلاثين تحت الصفر، ولما كانت هذه الندوة أيضاً، لا يوجد شيء، ما الذي يحصل ؟
 هنا تنخفض سرعة الأرض لينشأ من انخفاض السرعة ضعف في القوة النابذة كي تكافئ الضعف في القوة الجاذبة، فتبقى الأرض على مسارها، يد من تحرك هذا الكون ؟ والتباطؤ أيضاً بطيء، التسارع بطيء، والتباطؤ بطيء، لأن الله لطيف.
 أيها الإخوة الكرام: لو تصورنا أن هذه الأرض تفلتت من مسارها حول الشمس ما الذي يحصل ؟ قال: حتى نرجعها لمسارها حول الشمس نحتاج لمليون مليون كبل فولاذي ! وتعلمون أن الحبال الفولاذية أمتن عنصر في الأرض، التل فريك والمصاعد بالحبال الفولاذية، الحبل الفولاذي الذي قطره ميليمتر يحمل مئتي كيلو، قال: نحتاج لمليون مليون حبل فولاذي، قطره خمسة أمتار، ماذا يقاوم هذا الحبل من قوى الشد مليوني طن ؟ فقوة جذب الشمس للأرض تساوي مليونين ضرب مليون مليون، هذه القوة العملاقة الجاذبة للأرض للشمس من أجل أن تحرف الأرض ثلاثة ميليمترات كل ثانية فهذا يعطيها في مسار مغلق حول الشمس.
 هنا:

 

 

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

 

(سورة الرعد)

 لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس كي نعيدها لمسارها حول الشمس لفوجئنا أن بين كل حبلين مسافة حبل واحد، لا يوجد زراعة، ولا بناء، ولا صناعة، ولا إبحار، ولا شمس، نحن في غابة الحبال.
 دققوا في الآية الكريمة:

 

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

 أي بعمد لا ترونها، هكذا، لذلك قال تعالى:

 

 

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 

(سورة يونس)

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

(سورة عبس)

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾

(سورة الطارق)

 وكل أمر في القرآن الكريم يقتض الوجوب.
 أيها الإخوة: بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، أي إن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون ألف كيلومتر متر، وتعلمون في سورة البروج:

 

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

 

(سورة البروج)

 إن حول الشمس بروج عديدة، هي اثنا عشر برجاً، منها برج العقرب، هو نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما !

 

﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾

 

(سورة الزمر)

 هذا النجم الصغير والمتألق الأحمر اللون الذي اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما !
 أيها الإخوة الكرام: بين الأرض وأقرب نجم ملتهب إليها أربع سنوات ضوئية إليها، وبحساب بسيط يستطيعه طالب في الإعدادي: لو أردت أن تصل لهذا النجم بمركبة أرضية لاحتجت إلى مئة وخمسين مليون عام، الحساب بسيط: الضوء يقطعه في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر بالدقيقة ضرب ستين بالساعة، ضرب ستين باليوم، ضرب أربعة وعشرون بالسنة، ضرب ثلاثمائة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربعة، المركبة سرعتها مئة كيلومتر تقسيم مئة، كم ساعة ؟ تقسيم أربعة وعشرين كم يوم، تقسيم ثلاثمئة وخمسة وستين، كم سنة ؟ فيقدر طالب بالإعدادي لحساب بسيط بخمس دقائق أن يقول لك: لو أردنا أن نصل لهذا النجم الذي هو أقرب نجم للأرض بعده عن الأرض أربع سنوات ضوئية لاحتجنا إلى مئة وخمسين مليون عام، فمتى نصل لنجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ ومتى نصل للمرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، ومتى نصل إلى مجرة اكتشفت حديثاً بعدها عنا عشرين مليار سنة ضوئية.
 هذه المجرة كانت في هذا المكان، وأرسلت ضوءاً إلى الأرض، وبقي الضوء يمشي بالفضاء الخارجي بسرعة ثلاثمائة ألف كيلو متر بالثانية، وصل إلينا بعد عشرين مليار سنة، وهذا النجم أو تلك المجرة سرعتها مئتان وأربعون ألف كيلومتر بالثانية، أين هي الآن ؟
 لو قرأ هذه الآية عالم فلك لخرّ ساجداً أية آية ؟

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾

 

(سورة الواقعة)

 من كلمة مواقع، لو أن الآية افتراضاً مثلاً: فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ليس كلام الله، أما الموقع تعني أن صاحب الموقع ليس في الموقع، المجرة كانت هنا وتابعت سيرها المجرة هنا، أما هي ليست في هذا المكان، هي مضى على مغادرتها المكان عشرين مليار سنة ضوئية، وسرعتها مئتان وأربعون ألف كيلومتر بالثانية، أين هي الآن ؟ قال تعالى:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾

 أيها الإخوة الكرام: نظرية إنشتاين، هذه النظرية التي يتيه بها الغرب، وربما لا تصدقون أنها مندرجة في آية لا تزيد على سطر واحد هذا الموضوع.
 عرض في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عرض في موسكو، واطلعت على بحث علمي مصور باللغة العربية والإنجليزية حول هذا الموضوع، شيء لا يصدق، الآية:

 

 

﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

 

(سورة السجدة)

 عندنا ألف سنة، وعندنا ألف يوم، والعرب تعد السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض كل شهر، الآن لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر وصلنا بينهما بخط، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض أليس كذلك ؟ نصف القطر ضرب اثنين القطر، ضرب ثلاثة عشر، أيضاً طالب في الإعدادي بسرعة بالغة يحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في شهر، ضرب اثني عشر في سنة، ضرب ألف بألف سنة، عندنا رقم كبير جداً، عدد الكيلو مترات الذي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، هذا الرقم يقابل يوم، لو أخذنا ثواني اليوم، ستين ضرب ستين، ضرب أربع وعشرين، لو قسمنا هذه المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم لكانت الصاعقة، سرعة الضوء الدقيقة المودعة في أكاديمية العلوم في باريس مئتان وتسعة وتسعون ألف وتسعمئة واثنان وخمسون، لو قسمنا عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء، أي إن ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم وحد، هذه النظرية النسبية، أن الأجسام إذا سارت مع الضوء أصبحت كتلتها صفراً، وحجمها لا نهائي أي أصبحت ضوءاً، وإذا سار الإنسان مع الضوء توقف الزمن.
 هذه الجلسة المباركة يصدر منها موجات ضوئية إلى الفضاء الخارجي، لو تمكن أحد أن يسير مع هذه الموجات لتابع هذه الجلسة إلى يوم القيامة، وقد يكون جميع من حضر تحت أطباق الثرى، فإذا سار الإنسان مع الضوء توقف الزمن، فإذا سبق الضوء تراجع الزمن، نظرياً يمكن إذا سرنا أسرع من الضوء يمكن أن نرى معركة أحد، وأن نرى معركة اليرموك والقادسية، إذا سبقنا الضوء تراجع الزمن، وإذا سرنا معه توقف الزمن، وإذا قسرنا عن الضوء تراخى الزمن.

 

﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

 

(سورة السجدة)

 قد يقول قائل: يوجد آية خمسين ألف سنة ! تلك سرعة الملائكة.

 

﴿يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾

 

 ليس فيها: مما تعدون، الآية الأولى:

﴿مِمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

 متعلقة بسرعة الضوء في الأرض، في الكون، تلك سرعة الملائكة، نظرية إنشتاين العملاقة التي غيرت مجرى العلوم مدرجة في سطر ونصف في كتاب الله، وهذا الموضوع عندي أصله، وأصله كبير جداً، وهذا ملخصه، وقد عرض في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي كان في موسكو، أعتقد السادس في بيروت، وحضرته، والسابع في دبي، إن شاء الله سأحضره.
 هذه الآيات التي تدل على عظمة الله عز وجل، فما كان من الممكن في الأرض كلها أن تكشف هذه الحقائق إلا الآن، معنى ذلك هذه الإشارات في القرآن الكريم دليل قطعي على أنه كلام الله، وعلى أن الذي جاء به هو رسول الله، وما من مادة في العلوم الإسلامية يحتاجها العالم اليوم لكثرة ما فيه من الشبهات والضلالات والطعن في الدين، وتهميش الدين، والظن أن الدين منهج لا يصلح لهذا الزمان، ما من مادة نحن أحوج إليها من هذه المادة، وأنا أتمنى على كل كليات الشريعة في العالم الإسلامي أن تجعل مادة الإعجاز العلمي مادة أساسية، وشهد الله أنه ما من مادة ترسخ العقيدة في شؤون المؤمنين كهذه المادة، مادة الإعجاز العلمي، نحن نقول: الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، في السنة هناك توجيه من النبي عليه الصلاة والسلام أن نذبح الدابة من أوداجها دون أن نقطع رأسها، فلا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في أي مكان في العالم، ولا بعد مئة عام، أو مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وأربعمئة عام هناك في الأرض جهة علمية تستطيع أن تفسر هذا التوجيه، مع العلم أن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ليست من ثقافته، ولا من بيئته، ولا من اجتهاده، ولا ينطق عن الهوى، فرغ الله وعاءه من كل شيء، وما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، وعاء النبي ممتلئ بالوحي فقط، لو أنه كان ممتلئاً بعضه بثقافته، وخبرته، وتجاربه، ثم جاءه الوحي لاضطر الصحابة الكرام أن يسألوه مع كل أمر منه: هذا من عندك أم من عند الوحي ؟ لكن الله عز وجل جعله أمياً، والأمية في حقه وسام شرف، ونحن الأمية في حقنا وصمة عار، لأن الله تولى تعليمه، أما نحن فعلمنا بالتعلم، لابد من أن نعلم من خلال البشر أو من خلال المعلمين، لماذا أمر النبي أن تقطع أوداج الدابة دون أن يقطع رأسها ؟
 الآن: ثبت أن القلب الذي يضخ الدم إلى أرجاء الجسم لا يأتمر بأمر كهربائي مأخوذ من الشبكة العامة، لو أن هناك مشفى فيها عمليات قلب مفتوح لا يعقل أن يعتمد هذه المشفى على الشبكة العامة، فلو انقطعت الكهرباء لمات المريض لا بد من مولدات، فلو انقطعت الكهرباء لمات المريض، لابد من مولدات ذاتية، ولأن القلب عضو نبيل وخطير، فلا بد من مولد للكهرباء ذاتي مولد أول، وثان، وثالث، لو تعطل الأول عمل الثاني، لو تعطل الثاني عمل الثالث، هذا المولد يعطي القلب النبض النظامي، ثمانين نبضة في الدقيقة فقط، الإنسان أحياناً يصعد درجة، أو يهرب من عدو فلا بد من أن يرتفع جهد القلب، ويكون هذا في حالة أمر صادر من الغدة النخامية إلى الكظر إلى القلب.
 بالمناسبة لو أن إنسان رأى في بستان أفعى أو ثعبان كبير ما الذي يحصل ؟ شكل الثعبان ينطبع على شبكية العين إحساساً، ولأن في الدماغ مفهومات اكتسبها الإنسان من دراسته، وخبراته، وقصص سمعها من جدته حول الثعبان، يوجد في الدماغ قصص حول الثعبان، أن لدغته قاتلة، فلو وقعت عين إنسان على ثعبان في بستان ما الذي يحصل ؟ تنطبع صورة الثعبان في شبكية العين إحساساً، ثم تنتقل إلى الدماغ إدراكاً، الدماغ ملك الجهاز العصبي، يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني، ملك لملكة أن تتصرف وتواجه الخطر، هذه الملكة أدواتها هرمونية لا كهربائية، الدماغ يرأس النظام الكهربائي في الجسم، أما الغدة النخامية ترأس الغدد الصم والأوامر الهرمونية، ترسل أمر إلى وزير الداخلية الكظر تقول له: هناك خطر تصرف، الكظر يرسل خمس أوامر، الأمر الأول إلى القلب، يرتفع النبض مئة وثمانين درجة، الخائف لو فحصت نبض قلبه لارتفع للمئة وأربعين، مئة وستين، أو مئة وثمانين أحياناً، من أجل أن يسرع الدم في حركته لتلبية حاجة العضلات، ثمانون ضربة نسبة محددة، مئة وثمانون أسرع بكثير، الأمر الثاني إلى الرئتين يرتفع وجيبهما كي تتناسب حركة الرئة مع حركة القلب، فالخائف يلهث، نبضه مئة وثمانون، وهو يلهث، الأمر الثالث يتوجه إلى الأوعية المحيطة، فكان لونه زهر وجميل فحينما يرى هذا الثعبان ليس بحاجة على هذا اللون الجميل، بحاجة على أن يولي هارباً، لذلك يأتي أمر هرموني إلى الأوعية المحيطة فتضييف لمعته فيصفر لونه، فالخائف يرتفع نبضه، ويزداد وجيب رئتيه، ويصفر لونه.
 الآن: أمر رابع للكبد بإطلاق كمية سكر إضافية، لو فحصت دم خائف لرأيت السكر مرتفع، أمر خامس لطرح هرمون التجلط، لو أنه أصابه جرح لئلا يموت من نزيف الدم، الدم يصبح أكثر لزوجة وهو خائف، الآن هذه الدابة إذا ذبحت قطعت أوداجها، ولم يقطع رأسها، يعمل الأمر الاستثنائي، الغدة النخامية تأمر الكظر، والكظر يأمر القلب برفع النبض مئة وثمانين نبضة، لو أننا قطعنا رأس الدابة لبقي النبض النظامي، والنبض النظامي لا يخرج الدم من الدابة، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم كله، إذا بقي الرأس موصولاً يستخدم الأمر الاستثنائي.
 لذلك الدابة التي لا يقطع رأسها يكون لونها زهريًا، وطاهرة من كل الدم، أما إذا قطع رأسها فلا يخرج إلا ربع الدم فقط.
 الآن اكتشف ذلك أن هناك أمرًا نظاميًا صادرًا عن القلب، وأن هناك أمرًا استثنائيًّا صادرًا عن الغدة النخامية باتجاه القلب، هل علم النبي هذا ؟ هل درس في جامعة ؟ هل يحمل الدكتوراه، أو يحمل(بورد) حتى يقول هذا الكلام ؟ هذا من عند الوحي الإلهي.
 لذلك هناك في الحديث النبوي الشريف دلائل نبوة النبي، أنا أميل لأن أسمي دلائل الإعجاز العلمي في القرآن ودلال نبوة النبي في السنة.
 أيها الإخوة: كلكم يعلم أن المرأة حينما تولد ينزل مع الجنين قرص من اللحم يسميه العامة خلاصاً والأطباء مشيمة، هذه المشيمة تلتقي فيها دورتا دم الأم والجنين، ومن البديهي أننا إذا أعطينا إنسانَا دم من غير زمرته لانحل دمه فوراً ومات، والشيء الغريب أن دم الأم له زمرة، ودم الجنين له زمرة ! والدمّان لا يختلطان، بينهما غشاء، وهذا الغشاء يقوم بوظيفة لا يستطيعها الأطباء، ولو سلمت وظائف الغشاء لأعلى طبيب لمات الجنين في ساعة واحدة ! ماذا يفعل هذا الغشاء ؟ يأخذ المواد الغذائية البروتينات والشحوم والمواد الدسمة والسكريات والهرمونات والفيتامينات والمعادن من دم الأم، ويطرحها في دم الجنين، لكن هذه النسب تتبدل يومياً لا يستطيع فعلها أكبر طبيب نسائي، لو أوكلت مهمات الغشاء العاقل هكذا سماه الأطباء إلى أعلى طبيب لمات الجنين في ساعة واحدة، فهذا الغشاء يأخذ من دم الأم ما يحتاجه الجنين، وهذه النسب تتبدل يومياً بحسب نمو الجنين.
 هذا الغشاء هو جهاز هضم لهذا الجنين، ثم يأخذ هذا الغشاء الأوكسجين من دم الأم، ويطرحه في جسم الجنين ؟ إذاً هو جهاز تنفس، ثم يأخذ عوامل المناعة من الأم، ويطرحها في دم الجنين، فكل مناعة الأم ينتفع بها الجنين، إذاً هو جهاز مناعة مكتسب، ثم عن هذا الغشاء يأخذ من دم الجنين نتائج الاستقلاب، يأخذ ثاني أوكسيد الكربون وحمض البولة والمواد السامة، ويطرحها في دم الأم كي تطرحها عن طريق كليتيها ورئتيها، والغدد العرقية لها، فكأن هذا الغشاء جهاز طرح فضلات، وغاز ثاني أوكسيد الكربون عن كريق الرئتين، وهذا الغشاء يدعم الجنين بالمادة التي تحرق السكر في درجة اعتيادية، البنكرياس له دور، هذا الغشاء العاقل في هذا الخلاص الذي يدفن أو يلقى في المهملات يقوم بمهمات يعجز عنها كبار الأطباء.

﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

(سورة لقمان)

 أيها الإخوة: هذه الآيات الكونية في الآفاق وفي النفس لقوله تعالى:

 

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

 

(سورة فصلت)

 أكبر دليل على أحقية هذا الدين، وعلى أن هذا القرآن كلام الله، وعلى أن هذا الحديث الصحيح هو من عند رسول الله من عند من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، المهم أن مادة الإعجاز العلمي تؤكد لنا أن خالق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، هذا الزواج بين العلم والدين نحتاجه الآن عند العامة أن الدين شيء، والعلم شيء آخر.
 يقول لك من يحمل دكتوراه في علم آخر: أنا رجل علم، وكأنه فوق الدين، لكنك إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض تخضع لما في القرآن، وأنا أقول هذه الفكرة: الأصل في الإعجاز العلمي أن تعتمد القرآن فإذا جاء العلم موافقاً له فمرحى للعلم فقط، لا أن تثني على القرآن إذا وافق العلم، فهذا شي ء خطير جداً، لأن هذا يعني أن العلم هو الأصل، لا، الأصل هو الوحي، فإذا وافق العلم القرآن فمرحبا بالعلم، أسأل الله لي ولكم التوفيق، إن شاء الله تكون هذه المحاضرة دعماً لعقيدة المسلمين التي هم في حاجة إلى أن تكون سليمة، ليكون العمل سليماً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

إخفاء الصور