وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 27 - 29 ، إخلاص العمل وأداء الأمانة من تقوى القلوب
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

مخاطبة عامة الناس بأصول الدين والمؤمنين بفروع الدين :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس العاشر من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية السابعة والعشرين وهي قوله تعالى : 

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

وقد بينت لكم مراراً أن الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الدين . 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾

[ سورة البقرة ]

ويخاطب المؤمنين الذين آمنوا به بفروع الدين ، فحينما يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ، يجب على كل مؤمن أن يشعر أنه معني بهذا الخطاب ، وأنه لا بدّ من أن يقف موقفاً من هذا الخطاب .

 

أنواع الشكر :


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ ﴾ بعد أن بيّن الله عز وجل نعمه على المؤمنين التي لا نهاية لها ، ذكّرهم بأن هذه النعم لا بدّ من أن تُشكر ، وأنه من لوازم شُكر النعمة الوقوف عند حدود الله ، وعدم تجاوزها .

الشكر أنواع ، أحد أنواع الشكر أداء الفرائض ، أحد أنواع الشكر أن يراك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، أحد أنواع الشكر أن تطيع الله في تفاصيل المنهج ، هذا شكر ، وفوق هذا الشكر هناك شكر آخر : 

﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾

[  سورة سبأ  ]

فالطاعة نوع من الشكر ، والعمل الصالح نوع أيضاً من الشكر ، فحينما ذكّر الله المؤمنين بالنعم الكثير التي أسبغها عليهم طالبهم أن يشكروه ، ومن شكر هذه النعم الوقوف عند الحلال والحرام ، التقيد بالأمر والنهي ، أن يراك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك.

ومن لوازم الشكر بشكل سلبي ألا تخون الله ، ما معنى خيانة الله عز وجل ؟ الخيانة هنا تعطيل أوامر الله ، ألا تعبأ بالأمر خيانة ، هناك أمر لم تعبأ به ، هناك نهي لم تعبأ به ، تركت الأمر واقترفت النهي فهذه خيانة لله عز وجل .

 

من لوازم شكر النعمة الطاعة والعمل الصالح :


طبعاً الآية تبدأ : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ ﴾ التقديم : هناك نعم كثيرة ينبغي أن تشكرها ، من لوازم شكرها الطاعة أولاً ، والعمل الصالح ثانياً ، وإياك أن تكفر هذه النعم ، فإذا كفرت هذه النعم ، وعطلت الأمر والنهي والقرآني والنبوي في حياتك فهذا نوع من الخيانة ، تعطيل الفرائض ، ومجاوزة الحدود .

وأما خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض سنته ، وإفشاء سره للمشركين .

إذاً كلمة خيانة كلمة كبيرة جداً ، جاء الله بك إلى الدنيا كي تطيعه ، وكي تدخل بطاعتك جنة الله عز وجل التي وعد الله بها المؤمنين ، فأنت حينما لا تطع أو حينما تقترف ما نهاك الله عنه أنت بهذا لمجرد هذا الفعل فقد خنت الله ورسوله ، عطلت الأوامر وتجاوزت الحدود ، ولم تعبأ بالسنة ، وأفشيت سرّ رسول الله ، هذا الذي تعنيه هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾ أي شيء ائتمنت عليه إن لم تقم بواجب أداء الأمانة فقد خنت الأمانة ، هذا معنى واسع جداً ، أي الزوجة أمانة عند زوجها ، فإن لم يُعرفها بالله ، وعاملها بقسوة وشدة ، وقصر في حقها فقد خان الله في زوجته .

والطبيب حينما يأتيه المريض إن لم يؤدِ له علماً جيداً ، ووصفة مدروسة ، وبحثاً مستقصى فقد خان الأمانة في هذا المريض .

والمحامي أيضاً حينما لا يعتني بالمرافعة ، ولا يدقق في نصوص القوانين ، ويقدم مرافعة هزيلة ضعيفة ، ويخسر موكله الدعوى فقد خان الله في هذا الموكل .

والزوجة إذا قصرت في حقّ زوجها ، والمعلم إذا قصر في حقّ طلابه ، والبائع إذا قصر في حقّ من اشترى منه ، ولم يبين له أن هذه السلعة ليست جيدة ، بالعكس أثنى عليها فغشه بها .

والله أيها الإخوة لو دخلنا في هذا الباب لا ننتهي في سنوات .

 

أي شيء ائتمنك الله عليه أمانة في عنقك :


أي شيء ائتمنك الله عليه أمانة في عنقك ، المريض أمانة ، الموكل أمانة ، الطالب أمانة ، المشتري أمانة ، حتى المزارع إذا قدمت له دواءً لا ينتفع به كثيراً ، وعلمت أنه لا يملك خبرة عالية ، بعته دواءً غالياً جداً ، وأثره الإيجابي ضعيف جداً خنت الله ، كأن الناس يفهمون الدين أن يأتوا إلى المساجد ، وأن يصلوا ، وأقسم لكم بالله أنت في المسجد من أجل تلقي التعليمات فقط ، ومن أجل أداء العبادات فقط لكن الدين الحقيقي في عملك ، في معملك ، في حقلك ، هل تقدم لهذه النباتات هرمونات ليزداد حجمها ويرتفع سعرها ؟ لكن هذه الهرمونات مسرطنة ، هل تفعل هذا ؟ هل تعرض البضاعة عرضاً مغرياً بطرائق مبتكرة من أجل أن تأخذ سعراً أعلى ومستواها أدنى ؟ هذه خيانة .

أقسم لكم بالله مرة ثانية لو أردت أن أعدد أنواع الخيانة التي يقترفها المسلمون في أعمالهم التجارية ، والصناعية ، والزراعية ، والخدمية ، والإدارية لأمضينا سنوات وسنوات ، لماذا تخلى الله عن المسلمين ؟ لأنهم خانوا الأمانة ، الزوج لا يعتني بزوجته ، والأب لا يربي أبناءه ، والمعلم لا يعتني بطلابه ، والطبيب لا يعتني بمريضه ، كأن الهدف هو المال .

كنت أقول لبعض الإخوة الأطباء - أما الطبيب المؤمن مستثنى من كل هذه الصفات - كنت أقول : ضع المال تحت قدمك تنله ، ضعه أمامك تخسره ، معنى تحت قدمك أي ليكن همك صحة المريض ، شفاء المريض ، إن كنت مخلصاً لهذه الدرجة تتألق في سماء الطب ، ويأتيك الناس أفواجاً ، وتربح المال عندئذٍ ، هذا في الطب ، والمحاماة ، والتدريس ، والهندسة ، والتجارة  ، والزراعة ، والصناعة ، بأي عمل خدمي ، أو عمل تجاري ، أنت حينما تخلص تتقن .

 

الإتقان جزء من خصائص المؤمن :


لماذا هناك شركات بضاعتها مباعة لعام قادم والثمن مدفوع سلفاً ؟ إتقان ، والإتقان جزء من دين المؤمن ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : 

(( عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه . ))

[ أخرجه أبو يعلى  ]

الإتقان جزء من خصائص المؤمن . 

الشيء الدقيق أيها الإخوة ، الدقيق جداً أن الغرب في هذا المجال سبقنا ، أذكر أنه حدثني أخ يعمل بالأقمشة ، قال لي : آلة للتطريز من أرقى مستوى في العالم ، عندنا منها في هذا البلد ، وعند الصناع في بلد المنشأ منها ، متر القماش الذي يصنّع في بلدنا فيه أخطاء كثيرة ، لا يوجد إتقان ، الآلة راقية جداً ، لكن يوجد أخطاء كثيرة ، يباع ببضع عشرات من الليرات ، بينما متر القماش المستورد من بلد صنّع هذه الآلة واستخدمها استخداماً فائقاً ببضع مئات بل تقترب المبالغ من الألوف ، والآلة واحدة ، لذلك الإتقان يأخذ الغرب ثمنه باهظاً ، وعدم الإتقان يدفع الناس إلى خسارة كبيرة جداً ، الإتقان جزء من الدين .

أنت حينما تقدم سلعة متقنة ماذا فعلت ؟ أرضيت الله عز وجل ، وخدمت المسلمين  ، وأقبل الناس عليك .

أحياناً في أيام يوجد رواج اقتصادي ، يباع كل شيء ، حتى البضاعة من الدرجة العاشرة تباع ، أما في أوقات الركود الاقتصادي لا تباع إلا البضاعة المتقنة ، في أيام الركود الاقتصادي أصحاب المصالح المتقنين لا يتوقفون عن العمل ، العمل مستمر ، أما الذين قصروا في إتقان أعمالهم فيقول لك : لا يوجد عمل ، لا يوجد بيع ، لا يوجد حركة ، فدائماً وأبداً المؤمن الذي يعمل في التجارة ، أو الصناعة ، أو الزراعة ، أو في الخدمات ، إذا أتقن عمله نال أربه ، والإتقان جزء من الدين .

ويحضرني هنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان واقفاً أمام قبر أحد أصحابه وقد دفن لتوه ، فالذي حفر القبر ترك فرجة ، قال له النبي الكريم : هذه لا تؤذي الميت ولكنها تؤذي الحي

(( عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه . ))

[ أخرجه أبو يعلى  ]

 

كل إنسان سيحاسب عن مئات الأمانات التي أوكلت إليه :


لذلك الآية الكريمة : 

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾ مصلحتك أمانة ، حرفتك أمانة ، مهنتك أمانة ، اختصاصك أمانة ، طبك أمانة ، المحاماة أمانة ، التدريس أمانة ، الهندسة أمانة ، أي هذا المهندس الذي لا يشرف على صبّ السطوح بنفسه قد يكون هناك أخطاء كبيرة ، قد توضع المواد أقل مما ينبغي ، فإذا انهار البناء وقتل المئات المهندس محاسب عند الله عز وجل ، حتى الذي يطبب الناس ولم يعهد منه طب فهو ضامن .

حينما تفهم الأمانة بالمعنى الواسع ، والله عز وجل جعلها جمعاً ، قال : 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) ﴾

[ سورة النساء  ]

أدوا الأمانات ، لا يوجد واحد منا إلا وسيحاسب عن مئات الأمانات التي أوكلت إليه ، ابنك الصغير أمانة ، الابن جاء متأخراً ، الساعة الثانية ليلاً ، سألته ؟ تحققت ؟ علمت مع من سهر ؟ من يصاحب ؟ من صديقه ؟ أمانة ، أنت غارق بعملك وتجارتك لم تهتم ، في الثامنة عشرة من عمره فجأة تطاول عليك ، فجأة بدأ يسهر كل يوم ، فجأة لم يعبأ لا برضاك ، ولا برضا أمه يقول لك : ماذا أفعل ؟ أنت قصرت معه سابقاً ، هو أمانة عندك .

 

الدين استقامة وخوف من الله عز وجل :


والله أيها الإخوة ، هذا الموضوع لا ينتهي ، حينما نفهم الأمانة كما ينبغي والله لا ننام الليل حتى نؤدي الأمانات إلى أهلها ، والتقصير كبير جداً ، وإن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة ، هناك ظلم شديد ، الإنسان يتزوج ، لا يؤدي واجبه تجاه زوجته ، ينجب أولاداً ، لا يؤدي واجبه تجاه أولاده ، يعمل في عمل معين ، لا يؤدي الأمانة تجاه من يتعامل معهم ، لا يصْدقهم ، الآن ألوان الغش ، والكذب ، والدخل ، والتزوير لا تعد ولا تحصى .

ممكن القماش مصنوع بأسوأ دولة تصنع القماش ، والآن يوجد حواش مذهبة مع المكواة يضعها على طرف الثوب وتكويها بالمكواة : (Made in England) أرقى بلد بالجوخ ، يجد شخصاً أنها مصنوعة ببريطانيا ، يدفع الثمن أربعة أضعاف ، هي مصنوعة بأسوأ بلد ، أنواع الغش لا تعد ولا تحصى .

قال لي إنسان مرة : أخذت كأس عصير ، برتقالة واحدة ملأت الكأس ، غير معقول ! محقونة مئة إبرة ماء ، الله كبير .

المصائب تأتي تباعاً ، المال يُدمر ، التجارة لا تربح ، من هذا العمل .

حدثني أخ آخر ، قال لي : والله يوجد مادة غذائية يضاف لها مادة مسرطنة ، تستعمل في الدهان ، لكنها تبيض هذه المادة باللون الفاتح يرتفع سعرها عشر ليرات ، يضحي بصحة المؤمنين وبسلامتهم من أجل ربح زيادة .

بحقول العنب يوجد مادة إذا رششت هذه الفاكهة بها أصبحت مسرطنة يسمونها : مادة جهازية ، لا تزول هذه المادة بغسل العنقود ، تدخل في تركيب العنب من الداخل ، تمتصها الجذور فتصبح هذه المادة داخلة في تركيب العنب ، هذه مادة مسرطنة ، أي الإنسان إذا أكل هذا العنب قبل مضي ستة أشهر على رشه بهذه المادة هناك احتمال كبير أن يصاب بالسرطان .

مرة مزرعة نصحت صاحبها بعدم استخدام هذا المبيد ، قال لي : والله ضمنتها بثلثي القيمة ، ذهب الثلث ، من الدبابير طبعاً ، هو منع الدبابير أن يأكلوا هذا العنب ، لكن ضحى بالمؤمنين الذي يأكلون هذا العنب .

إذاً هناك مواد مسرطنة ، مواد ممنوعة ، مواد ممنوع استيرادها ، وأي صيدلية زراعية إذا ضُبطت فيها هذه المادة تغلق فوراً ، يودع صاحبها في السجن ، ومع ذلك تأتي تهريباً ، وتباع للناس . 


على الإنسان أن يتقي الله فيما يقدمه للناس حتى يحبه الله :


الذي أتمنى أن أقوله لكم : دينك بعملك ، دينك بمكتبك ، بمحاماتك ، بطبك ، بهندستك ، بزراعتك ، هنا الدين ، الدين بالاستقامة ولو لم يكن مظهرك دينياً صارخاً ، لا تحتاج إلى مظهر صارخ .

(( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره ، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه   . ))

[  رواه مسلم  ]

أنت حينما تتقي الله فيما تقدمه للناس . والله أخ من أخواننا الكرام ، له مكانة عندي كبيرة جداً حدثني ، قال لي : أنا عندي معمل مواد غذائية للصغار ، ويمكن أن أشتري مواد غذائية انتهت صلاحيتها ، ولا سبيل إلى بيعها في المحلات ، تباع للمعامل بثلثي قيمتها ، الشوكولاته انتهت صلاحيتها ، الزبدة انتهت صلاحيتها ، كل البضائع التي انتهت صلاحيتها كيف تصرف ؟ للمعامل ، المعمل يأخذها بثلث قيمتها ، أي كلفته انخفضت أرباحه ارتفعت ،  أقسم لي بالله هذا الأخ ، قال لي : والله لأن هذه السلعة التي يشتريها الصغير بما أعطاه أبوه من مبلغ صباحاً ، أعطاه عشر ليرات ، معقول أنا أن أطعمه بضاعة فاسدة انتهى مفعول صلاحيتها ؟ كيف ألقى الله عز وجل ؟ قال لي : والله أفضل المواد على الإطلاق ، لأنه يشتري أفضل المواد رأسماله ارتفع ثلاثين بالمئة ، لم يعد يستطيع أن ينافس ، ومع ذلك قال لي : والله كيف أربح لا أعرف ! يوجد ربح ، مع أن رأسماله أعلى بثلاثين بالمئة ، لأن المواد التي يشتريها جيدة .

أنا هكذا أرى ، أريد مؤمناً صارخاً ، لا لأنه صلى هو مؤمن ، لا لأنه عمل عمرة هو مؤمن ، أريد مؤمناً بصناعته ، بزراعته ، بوظيفته ، جاءك مواطن في معاملة ما ، تقول له : تعال غداً ؟ هو من حلب يحتاج إلى ألف وخمسمئة ليرة للإقامة بالفندق ، وليأكل ، إذا أنجزت له إياها خلال دقائق يرجع إلى حلب ، وينام ببيته ، يدير حديثاً ممتعاً مع موظفة ، تعال غداً ، خنت الأمانة .

 

الظلم ظلمات يوم القيامة :


والله أيها الإخوة ، هذا البحث لا ينتهي ، أدوا الأمانات إلى أهلها ، إن كنت معلماً ، إن كنت صانعاً ، إن كنت تاجراً ، إن كنت مزارعاً ، إن كنت صناعياً كبيراً ، ماذا تفعل مع هؤلاء العمال ؟ يوجد بطالة عالية جداً يقبل معك بستة آلاف ، بسبعة آلاف ، هل يكفيه هذا المبلغ ؟ هل هذه الآلاف السبعة يفتحون بيته الآن ؟ معملك يحتاج إلى مواصلات تقدر بألف وخمسمئة ليرة ، اطرح من السبعة ألفاً وخمسمئة ، بقي له خمسة آلاف وخمسمئة ، هل هذا المبلغ يكفيه لفتح بيت ؟ هل يستطيع أن يدفع فاتورة الكهرباء ويشتري وقوداً سائلاً ويدفع الماء والهاتف ؟ وإذا أراد أن يعالج ابنه عند طبيب يحتاج إلى ألف ليرة وهذا أقل شيء ، كيف ترضى أن يأخذ هذا العامل هذا المبلغ وأنت تصرف باليوم مئة ألف ؟ خان الأمانة ، موضوع دقيق جداً .

لماذا تخلى الله عنا ؟ بسبب الظلم ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة ، إياك أن تظلم الناس :

(( عن جابر بن عبد الله  أن رسول الله صلى الله عليخ وسلم قال  : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فإنَّ الظُّلْمَ  ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ ، واتَّقُوا الشُّحَّ ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ . ))

[  صحيح مسلم ]

أحياناً الغني يكون قوياً ، يقول لك : هذا السعر إن لم يعجبك سأرى غيرك ، هو مقهور يقبل معك بسبعة آلاف ، لكن لا يكفونه ، أما عندما تعطيه حقه يرضى الله عنك ، بحث واسع جداً ، كلمة أمانات لا يستثنى منها موضوع ، تبدأ بعلاقتك بزوجتك ، مع أولادك ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، لا تخن الأمانة ، لا تشترِ معملاً لبلدك عمولته عالية ، لكنه منسق من العالم من عشرين سنة ويسبب تلوثاً عالياً جداً ، لا تشتره ، اشترِ أفضل معمل لبلدك ، بلا عمولة قدمت خدمة للأمة ، بحث طويل ، لا يوجد حقل من حقولنا ، ولا جهة من جهاتنا ، ولا مستوى من مستوياتنا ، إلا وهذا الموضوع متعلق بها ، هل اشتريت لهذه الأمة المعمل الجيد الحديث بلا تلوث ؟ لكن لم يعطوك شيئاً مقابله ، هناك معمل ثان مجدد غير جديد ، أعطوك فيه مبلغاً فلكياً ، وأدخلته ، أي الفساد حينما يزداد نسقط جميعاً من عين الله . 

 

على الإنسان ألا يخون الله بتعطيل فرائضه ويخون الرسول بعدم تنفيذ سنته :


لذلك الآية الكريمة : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ تخونوا الله بتعطيل فرائضه ، ومجاوزة حدوده ، وتخونوا الرسول بعدم تنفيذ سنته ، وإشاعة أسراره  ، وتخونوا أماناتكم ، كل واحد منا له عمل ، يمكن أن تضع قطعة مستعملة بمكان يصعب أن يصل صاحب المركبة إليه ، وتعطيه سعر قطعة جديدة .

يمكن أن تضع للمريض دساماً صينياً في قلبه بخمسة وثلاثين ألفاً ، وتكتب بالفاتورة أمريكي ، ثمنه اثنان وستون ألفاً ، بعدما انتهت العملية ، وانتهى التخدير ، وخُيط الجرح ، هل يستطيع المريض أن يكتشف نوع الدسام ؟ لا يوجد قوة تكشفه .

عندما يكون هناك خيانة للأمانة بكل الحقول لا أستثني حقلاً ، ابتداء من الطب ، وبعد الطب ، والهندسة ، والتدريس ، والتجارة ، والصناعة ، والزراعة ، كل شيء ، هذا الموضوع يشمل كل إنسان ، معلم ابتدائي رسم تفاحة ، وقال للطلاب : ارسموها ، ثم ذهب لينام وهو داخل الصف ، أذهبت ساعة لم تقدم شيئاً ، أوراق الطلاب لم يصلحهم ، وإنما وضعت علامات شكلية وارتحت .

والله هذه الآية تلاحق كل مؤمن بأي مكان بحياته ، من فراش الزوجية ، وانتهاء بالعلاقات الدولية .

 

من خان الأمانة ندم يوم لا ينفع الندم :


﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾   لكن المشكلة وأنتم تعلمون : 

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ﴾

[  سورة القيامة  ]

والله يعلم علم اليقين أنه خان الأمانة ، وقد نزلت هذه الآية في رجل اسمه " أبو لبابة " حين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة ، وأمرهم أن ينزلوا على حكم سعد ، فاستشارت بنو قريظة أبا لبابة في النزول على حكم سعد ، وكان أهل أبي لبابة وأمواله فيهم ، فأشار إلى حلقه ، إنه الذبح ، أي إن محمداً سيذبحكم ، بعد أن أشار هذه الإشارة علم أنه خان الأمانة ، أي أعطى معلومات للطرف الآخر ينبغي ألا يعطيها .

وابن بلتعة حينما أرسل كتاباً إلى قريش قال : " إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم " هذه خيانة الأمانة ، ومع ذلك وقف النبي منه موقفاً رائعاً .

على كل لا تعنينا الحادثة كما يعنينا شمول هذا الموضوع ، أي نقل معلومات للطرف الآخر لأعداء المسلمين هذه أكبر خيانة ، لو توسعنا أكثر ، إذا أقمت عندهم إقامة ثابتة ، وقدمت كل خبرتك لهم ، وكل معلوماتك وتفوقك لهم ، هم أعداء المسلمين ، أنت قويتهم .

ببعض الشركات المعلوماتية يوجد خمسة وثلاثون ألف مهندس ، من نخبة مهندسي العالم ، مأخوذين إلى البلاد الغنية ، أنا أقدم لكم رأي شخصي : أنت حينما تقيم ببلاد الغرب ، وتقدم كل خبرتك ، واختصاصك ، وكل تحصيلك العلمي لتخدم أبناء الغرب ، وهم يتفننون في معاداة المسلمين أنت قويتهم بهذا ، لِمَ لا يكن علمك لبلادك ؟ طبعاً يوجد عندنا متاعب كثيرة مثل أي بلد نامٍ الدخل سيكون أقل بكثير ، لكن يوجد آخرة ، يوجد إله سيحاسب.

أنا والله لا أتمنى على أخ أحبه أن يبقى مقيماً هناك دائماً إقامة دائمة ، يمكن أن تدرس وترجع ، تحصّل مالاً وترجع ، أما أن تقضي كل حياتك في خدمة هؤلاء ، وأن تسهم في قوتهم التي تصب أسلحة فتاكة ، وعدواناً ، واحتلالاً ، ونهباً للثروات ، هم أقوياء بما عندهم من عقول ، فالعقول التي نمت في بلاد المسلمين هل يعقل أن تخدم غير المسلمين ؟ هذا خيانة للأمانة .

 

من عَلِم أنه يخالف منهج الله تضاعف إثمه :


﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾   ، أنت حينما تعلم أنك تخالف منهج الله الإثم يتضاعف ، مثلاً هناك من يفتي بغير علم  يعاقب ويحاسب ، لكن الذي يفتي بخلاف ما يعلم يُعد مجرماً ، أنت لماذا فعلت هكذا ؟ لماذا يخون الإنسان الأمانة ؟ طمعاً بالمال ، لماذا يغش ؟ طمعاً بالمال ، لماذا يكذب ؟ طمعاً بالمال ، لماذا يحتال ؟ طمعاً بالمال ، لماذا يقدم بضاعة رخيصة جداً بمواصفات عالية جداً ؟ طمعاً بالمال ، أي كل أنواع الخيانة تصب في خانة واحدة ، حيازة مال وفير ، فجاءت الآية : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾   . . .

 

الأموال التي يحصّلها الإنسان من خيانة الأمانة تفتنه عن طاعة الله عز وجل :


بالمناسبة المال الوفير لماذا ؟ من أجل أن تمتع أولادك ، لكل ابن سيارة ، لكل ابن بيت خاص ، طبعاً عندما يغتني الإنسان يريد أن يبقي هذا الغنى لأولاده ، فجاءت الآية : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ ﴾ أنت غششت المسلمين ، وحصّلت أرباحاً طائلة من أجل أن ينعم أولادك بمستوى ليس في مقدور كل الناس ، هذه مشكلة .

إذاً أموالك التي حصلتها من خيانة الأمانة فتنتك عن طاعة الله ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ لو أديت الأمانة ، ولم تأتك هذه الأموال الطائلة ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾  .

يا أخوان لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة جعل الله كسب المال الحلال صعباً ، ومتعباً  ، وجعل كسب المال الحرام سهلاً .

أمثلة كثيرة ؛ إنسانة تعمل في البيوت ثماني ساعات بخمسمئة ليرة ، وهناك إنسانة تأخذها بالحرام بدقائق ، بربع ساعة تأخذها ، فالحرام سهل .

يمكن أن تغض بصرك عن مستودع تأخذ خمسة ملايين ، هذا المال كان مقرراً أن يكون للدولة ، والدولة ملزمة بالتعليم ، والصحة ، وأشياء كثيرة ، فذهب المال إلى جيوب قليلة ، هذه خيانة للأمانة ، الموضوع واسع جداً ، لكن أنت فعلت هذا من أجل دخل كبير ينعم به أولادك إذاً هذا المال وهؤلاء الأولاد فتنوك عن طاعة الله ، أنت من أجلهم عصيت الله ، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ .

 

المؤمن حينما يتقي الله يجعل له بصيرة تريه الحق حقاً والباطل باطلاً :


لو أنك أديت الأمانات ، وكان دخلك أقل بكثير ، هذا المال فيه بركة ، يفعل الله به كل خير لك :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)﴾

[ سورة الأنفال ]

هذه آية من أدق الآيات ، ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾ أي يقذف الله في قلوبكم نوراً ترون به الحق حقاً ، والباطل باطلاً .

يوجد آية ثانية تؤكد هذا المعنى : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) ﴾

[ سورة الحديد ]

يؤتكم رحمة في الدنيا تسعدون بها ، ورحمة في الآخرة ، ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾ .

 

بطولة الإنسان أن يملك نوراً يقذفه الله في قلبه يرى به الخير خيراً والشر شراً :


عندما دعت امرأة ذات منصب وجمال سيدنا يوسف ، ماذا قال ؟ 

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾

[ سورة يوسف  ]

معه رؤية ، الآن إنسان يتعفف عن المال الحرام ، إنسان يأكل المال الحرام ، لكن يوجد محاسبة ، الأول له سمعة متألقة ، والثاني أودع في السجن ، فالإنسان بطولته أن يملك نوراً يقذفه الله في قلبه ، يرى به الخير خيراً ، والشر شراً ، والحق حقاً ، والباطل باطلاً ، والحلال حلالاً ، والحرام حراماً ، من دون هذا النور هناك أناس كثيرون يرتكبون أخطاء فاحشة  ويجهلون نتائجها ، فإذا جاءت النتيجة دخلوا في الإحباط واليأس . 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أنت حينما تستقيم على أمر الله ﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾ أي نوراً يقذف في قلوبكم تفرقون به الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والحلال من الحرام .

﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ والحلال يلغي الماضي الذي فيه خطأ ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾

 

من لم يتقِ الله فهو إنسان أعمى :


لذلك أيها الإخوة ، ما دام الموضوع على التقوى ، أنت حينما تتقي الله ، أي حينما تقيم أمر الله ، حينما تلتزم بمنهج الله ، حينما تحل الحلال ، تحرم الحرام ، حينما تهتدي بهدي الله ، حينما تتحرك وفق منهج الله ، حينما تكون مطيعاً لله ، بكلام مختصر حينما تتقي الله ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾ صار بقلبك نور .

هناك إغراءات كثيرة في الحياة ، هذه الإغراءات تغري من طمست بصيرتهم ، لا يوجد بقلبه نور ، يجد مبلغاً كبيراً يفكر أن المبلغ سوف يسعده ، بعد أيام يقبض عليه ، ويودع في السجن ، وأحياناً يُقتل ، الذين يرتكبون الجرائم لماذا يرتكبونها ؟ 

أخواننا الكرام ؛ أتكلم كلاماً دقيقاً جداً ، الإنسان إذا لم يتقِ الله فهو أعمى ، يرتكب حماقات لا يرتكبها طفل ، ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ .

والله قصة رويتها كثيراً ، لكن لا أشبع من روايتها ، إنسان له عمل في المطار ، أحبّ أن يعبر عن مهارته في القيادة ، كلب صغير على طرف الطريق في طريق المطار ، استطاع أن يدهس قدميه فقط ، وهذه تحتاج إلى خبرة عالية جداً ، كلب صغير له يدان ، أن تستطيع أن تجعل العجلة فوق يديه فقط دون أن تصيبه ، دون أن تقتله ، هذه براعة ، فاستطاع أن يدهس قدمي هذا الحيوان الصغير ، ويضحك ضحكة هستيرية تعبيراً عن مهارته في قيادة المركبة ، يحدثني من كان معه في المركبة ، قال لي : والله بعد أسبوع بأكمله في المكان نفسه العجلة أصابها خلل ، فرفع المركبة بالرافعة ، وسحب العجلة من مكانها ، فإذا بالرافعة تقع ، وتقع المركبة على العجلة ، والعجلة على رسغيه هرستا ، يقسم بالله العظيم عندما ذهبوا به إلى المستشفى اسودت يداه فلابد من قطعهما ، قال : والله السبت قطع يدي جرو صغير ، والسبت القادم قطعت يداه ، هذا لو كان طالب علم ، أو حضر درس علم ، لن يفعل هذا ، إله كبير ، والله عندي من هذه القصص مئات .

جاء إنسان وقد اشترى مركبة حديثة جداً من الخليج ، فيها خطأ بسيط ، صاحب المركبة جاهل ، عندما ذهب إلى المصلح ، المصلح ذكي جداً ، عرف أن هذا جاهل ، قال له: تحتاج ثلاثة أيام ، تحتاج إلى تغيير كذا وكذا وكذا ، قال له : كما تريد ، قال له : المبلغ عشرة آلاف ، فجاره قريب لي ، أول يوم خبر أهله أخذهم بالسيارة إلى المطار ، وفي اليوم الثاني أخذهم لوادي بردى ، وفي اليوم الثالث إلى الزبداني ، خرج بها ثلاث نزهات ، وهو أصلحها بدقيقة ، وعندما جاء قال له : تمام ، اسمح لنا بعشرة آلاف ، قال له جاره : هذا العمل والله حرام ، قال له : أنت جاهل ، هكذا العمل ، ابنه يعمل في مخرطة ، دخلت نثرة فولاذ في عينه فدفع تقريباً ما يقدر بستة عشر ألف ليرة لبناني ، في ذلك الوقت كانت الليرة بمئة و ستين قرشاً ، أي ما يقدر بخمسة و عشرين ألفاً ، دفعهم بعد يومين أو ثلاثة .

 

الله عز وجل موجود وسيحاسب كل إنسان على عمله :


الله كبير ، الله كبير ، إياك أن تخطئ مع الناس ، إياك أن تبتز أموالهم ، إياك أن تكذب عليهم ، إياك أن تظلمهم ، إياك أن تعتدي عليهم ، فالمؤمن يعرف أن هناك إلهاً سيحاسب.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿  وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

والله عندي من هذه القصص مئات ، بهذه الفترة في الدعوة إلى الله قصص وصلت إليّ ، شيء مذهل ، ترى عدل الله عز وجل .

لذلك : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾   ترى بهذا الفرقان الحق من الباطل ، والخير من الشر ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور