وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 14 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 39 - 44 أعجز الناس من عجز عن الدعاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة آل عمران ، و مع الآية التاسعة والثلاثين ، وهي قوله تعالى :

﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 39)

فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب

 هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى :

﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾

( سورة آل عمران )

1 ـ الدعاء بالخلَف لاستمرار الدعوة :

 قال بعض المفسرين : إنه سيدنا زكريا ، زوجته عاقر ، وهو بلغ من الكبر عتياً ، ليس معه ولا مع زوجته أسباب الإنجاب ، فلما رأى عند مريم شيئاً في غير أوانه ، ومن دون سبب أرضِيٍّ دعا زكريا ربه أن يرزقه الله غلاماً يتابع الدعوة من بعده ، قال تعالى :

﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي ﴾

( سورة مريم )

 أي يرث هذه الدعوة إليك ، وتحدثت وقتها أن أهم شيء في الدعوة أن تستمر ، الأشخاص يأتون ، ويذهبون ، ولكن ينبغي أن تبقى الدعوة مستمرة ، هذا العمل يكتب له النجاح حينما يرجو كل من أقامه الله في دعوة أن تستمر من بعده ، والذين دعوا إلى الله ، وكانوا صادقين مخلصين في دعوتهم ، هيأ الله لهم رجالاً علماء يتابعون دعوتهم إلى يوم القيامة ، من هنا تمنى سيدنا زكريا الولد ، لا ليعينه في كبره ، ولا ليكون حظًّا له في الدنيا ، تمنى الولد لتكون الدعوة من بعده مستمرة :

 

﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 38 )

 جاء الجواب ، أي أن الله عز وجل ينتظرنا ، وكما قلت في درس سابق : ينبغي في أية آية ، و في أية كلمة أن نلاحظ ما علاقتنا بها ؟ ماذا فعل سيدنا زكريا ؟ قال كلمات صادقات .

 

﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾

 هو نبي كريم ، دعاؤه مستجاب ، ولماذا يقول الله لعباده المؤمنين :

﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

( غافر : من الآية 60 )

2 ـ أعجز الناس من عجز عن دعاء الله :

 فما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا ، من هو أعجز الناس على الإطلاق ؟ هو إنسان عجز عن أن يدعو الله ، هل يكلفك الدعاء إلا أن تقول كلمات ، وقد تقولها في قلبك ؟

﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾

( سورة مريم : الآية 4 )

 وما من مؤمن دعا ربه إلا أكرمه بطريقة أو بأخرى ، فمن هو العاجز ؟ هو الذي يعجز عن أن يدعو الله عز وجل ، قم في جوف الليل قبيل صلاة الفجر وادع الله ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :

(( إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ )) .

[ البخاري ، ومسلم ، واللفظ له ، والترمذي ، أبو داود ، ابن ماجة ، أحمد ، مالك ، الدارمي ]

 أليست لك حاجة عند الله ؟ أليست هناك مشكلة ؟ لا يوجد أحد على الإطلاق إلا وله حاجة عند الله ، وما من أحد على الإطلاق إلا ويعاني من مشكلة ، هكذا طبيعة الحياة .

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( المؤمنون : الآية 30 )

3 ـ الابتلاء ملازم لكل إنسان :

 أحد خصائص الحياة الدنيا أن الابتلاء ملازم لكل إنسان :

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( المؤمنون : الآية 30 )

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

( سورة العنكبوت : الآية 2 )

 يا إمام أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تبتلى .
 المؤمن مبتلى ، أشد الناس ابتلاء الأنبياء ، وأنا أشدهم بلاء ، ثم الأمثل فالأمثل ، والبطولة ليس أن تنجو من الابتلاء ، لا ، البطولة أن تقف الموقف الكامل في الابتلاء .

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( المؤمنون : الآية 30 )

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

( سورة الملك : الآية 2 )

 أنت مبتلى بمالك ، مبتلى بصحتك ، مبتلى بزوجتك ، مبتلى بأولادك ، مبتلى بجيرانك ، مبتلى بقرنائك ، مبتلى بزملائك ، مبتلى بمن حولك ، مبتلى بمن فوقك ، مبتلى بمن تحتك ، مبتلى في الرخاء ، مبتلى في الشدة ، مبتلى في الصحة ، مبتلى في المرض ، مبتلى في الغنى ، مبتلى في الفقر ، أنت في امتحان فيه مادتان ؛ مادة إيجابية ، ومادة سلبية ، أنت مبتلى بالخير ، ومبتلى بالشر ، وبلوناهم بالشر والخير ، فالبلاء من صفات الحياة الدنيا ، قد تدخل البيت ، ولم يمض على دخولك وقت يسير ، فيطرقُ بابَك سائلٌ ، هل ترده أم تستمع إليه ؟ تكون في فقر مدقع ، ويأتيك مبلغ ضخم فيه شبهة ، هل تأخذه أم ترفضه ؟ فالإنسان يبتلى في اليوم عشرات المرات ، كل معالجة لموضوع ، وكل موقف تقفه ، وكل شيء مغر تتعرض له ، وكل ضغط تقع تحت وطأته إنما هو ابتلاء ، ماذا تفعل ؟ إن الله عز وجل ينظر ماذا نفعل ؟

 

4 ـ ما أمرنا الله أن ندعوه إلا ليستجيب لنا :

 إذاً :

﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾

( سورة آل عمران : الآية 39 )

 دعا بصدق ، وأنا أقول لكم أيها الإخوة : والله لو أن أحدكم يطمح إلى شيء بعيد المنال ، و كأنه الحلم ، وكان صادقاً في طلبه لحققه الله له ، لأن الله عز وجل ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا .
 سمعت قصة من عالم جليل من علماء دمشق ، أن فلاحاً فقيراً جاهلاً في صعيد مصر أرسل ابنه إلى الأزهر ، ودرس ابنه في الأزهر ، وعاد من أهل العلم ، الأب في الخامسة والخمسين ، اشتهى أن يكون مثل ابنه ، وهو جاهل جهلاً مطبقاً ، و القصة لغرابتها لا تصدق ، ركب دابته ، وتوجه نحو القاهرة ، فلما دخل أبواب القاهرة سأل أين الأزعر ؟ هكذا فهم الاسم بالخطأ ، فدلوه على الأزهر الشريف ، وبدأ يتعلم القراءة والكتابة في الخامسة والخمسين ، ثم تعلم القرآن ، ثم طلب العلم ، وما مات إلا وهو شيخ الأزهر ، والله أي واحد منا أيها الإخوة لو طلب طلباً بعيد المنال كأنه حلم ، كأنه في السحاب ، وكان صادقاً في هذا الطلب فلابد أن يصل إليه ، لأن الله ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا ، قل له في الليل : اللهم اهدني ، واهد بي ، واجعلني من الهداة المهديين .
 قل له في الليل : اللهم ارزقني طيباً ، واستعملني صالحاً .
 قل له في الليل : اللهم أجر الخير على يدي ، ارزقني عملاً صالحاً يرضيك ، وفقني لما تحب ، وترضى ، اطلب ، فهؤلاء طلبوا الدنيا جاءتهم ، فكيف إذا طلبت الآخرة ، هؤلاء الذين طلبوا الدنيا من وجهها الحلال جاءتهم بالدعاء الصادق ، ليس لك إلا الدعاء الصادق ، والأمر كله بيد الله ، أنت الضعيف ، والله القوي ، وأنت الفقير ، و الله الغني ، ليس بينك وبين أن تبلغ مرادك إلا أن تكون صادقاً في دعائك .

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

( سورة غافر : الآية 60 )

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ ﴾

( سورة البقرة : الآية 186)

 في القرآن أكثر من عشر آيات :

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾

( سورة البقرة : الآية 217)

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ﴾

( سورة البقرة : الآية 219 )

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾

( سورة البقرة : الآية 222)

 أكثر من عشر آيات ، إلا آية واحدة ليس فيها قل ، قال تعالى :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ ﴾

( سورة البقرة : الآية 186)

 أي ليس بينك و بين الله أحد ، لماذا تحسد الناس ؟

قل لمن بات لي حاســداً  أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعلـه  إذ لم ترض لي ما وهــب
***

ملك المـلوك إذا وهـب  قم لا تسألن عن السـبب

 أنا عدلته ، وقلت :

ملك المـلوك إذا وهـب  قــم فاسـألن عن السـبب
الله يعطي من يشـــاء  فقف علـى حـــد الأدب

 اسأل الله أن يغنيك ، أن يعطيك ، أن يرقى بك ، أن يؤدبك الأدب الحسن كلمة :

﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 38 )

 أيعجز أحدنا أن يسأل الله ذرية طيبة ، زوجة صالحة ، رزقاً حلالاً ، مأوى يؤويه ، زوجاً لابنته يكرمها ، عملاً لابنه يستره ، أنعجز أن نفعل هذا ؟ لماذا ذكر الله لنا هذه القصص ؟ لأخذ العلم ؟ لا والله ، للمتعة الفنية ؟ لا و الله ، للإخبار المجرد ؟ لا و الله ، لا لإخبار مجرد ، ولا لمتعة فنية، ولا لأخذ العلم ، إنما ذكر الله لنا هذه الآيات ليكون هذا النبي الكريم قدوة لنا :

 

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

( سورة غافر : الآية 60 )

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ ﴾

( سورة البقرة : الآية 186)

 يمكن أن تدعوه بقلبك دون أن يسمع أحد كلمة .
 والله حدثني أخ قال لي: أنا نَبَتُ من أسرة فقيرة جداً ، فلما أنهيت خدمتي العسكرية لم أكن أملك قرشاً واحداً ، أعطتني أختي قطعة ذهبية ، فبعتها ، وكان ثمن هذه القطعة ما يساوي ثمن بطاقة الطائرة إلى الخليج ، والأمر كان سابقاً ميسراً ، سافرت إلى الخليج ، أقسم لي بالله ، وهو في الطائرة في طريقه إلى الخليج ، قال في قلبه : إذا أكرمني الله في هذا السفر فلأبنينَّ لله مسجداً في بلدي ، قال لي : والله ما حركت شفتاي ، ولا نبست ببنت شفة ، إلا أنه خاطر داخلي خطر لي ، وذهب إلى الخليج ، وعاد بعد أعوام عدة ، وقد أكرمه الله ، وهو يسكن في بلدة على الساحل قبل بانياس ، فأنا كنت مرة في سفر إلى هناك ، فدخلت إلى هذا المسجد لأصلي ، أعجبني ، مسجد أنيق جداً ، وعلى البحر مباشرة ، في منطقة جميلة ، حولها مساحات خضراء كثيفة ، فبعد أن صليت خرج رجل من غرفة ، وقال : أتقبل أن نشرب شيئاً كضيافة ؟ قلت له : حباً وكرامة ، قال لي : أنا عمرت هذا المسجد ، وحدثني قصته ، ومكان عمارة المسجد مخالف لكل القوانين ، لأن المنطقة ليست منظمة بلدياً ، وهذا شيء طبيعي جداً ، المسجد يقام في المدن ، وفي أماكن التجمع السكني ، فمنع من إقامة المسجد بحسب القوانين النافذة ، قال لي : سافرت إلى مسؤول هناك في الساحل ، وذكرت له ما قلت ، وكيف حقق الله لي طلبي ، قال لي : رفع الهاتف ، وأعطى توجيهاً ؛ أن دعوه يبني هذا المسجد ، وبنى هذا المسجد .
 مسجد جميل جداً سببه خاطر داخلي ، وعلى هذا الموضوع آلاف القصص ، قال لي : والله ما حركت شفتاي ، ولا نطقت ببنت شفة ، إلا أنني قلت في نفسي : إن أكرمني الله فلأبنين لله مسجداً ، وبحسب قوانين البلديات في كل أنحاء العالم المسجد يقام في مدن ، في أماكن تجمع سكني ، ومع ذلك ما الذي ألقي في قلب هذا المحافظ فأعطى توجيهاً أن دعوه يبني هذا المسجد ؟ والآن يؤمه المسافرون ، و المتنزهون ، ويصلون فيه ، فهل من الصعب أن تسأل الله شيئاً من خير الدنيا والآخرة بإخلاص وصدق ؟ لا .
 رجل كبير في السن ، امرأته عاقر ، نادى ربه نداء خفياً ، فاستجاب الله له ، ولمَ لا يستجيب لك ؟ إله زكريا إلهنا ، ورب زكريا ربنا ، ونحن في أي مكان ، وفي أي زمان نعبد الله عز و جل ، فكل شخص له طلب عند الله ، ليسأل الله حاجته كلها ، ليسأله صادقاً ، ليسأله مخلصاً :

﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾

5 ـ بشارة الله لزكريا بيحيى :

 سيأتيك غلام ، هذا الغلام أول من يؤمن بعيسى عليه السلام ، مصدقاً بعيسى ، أي بكلمة من الله ، سيدنا عيسى كلمة ، السيدة مريم ليس لها زوج ، كن فيكون ، فقيل في تعريف هذا النبي الكريم : إنه كلمة الله ، ألقاها إلى مريم ، وروح منه .

﴿ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا ﴾

( سورة آل عمران : الآية 39 )

6 ـ معنى : سيدًا :

 من أجمل التفسيرات لـ ( سيداً ) ، أي متفوقاً في كل شيء ، بعيدًا عن النقص ، ذا مروءة ، ذا حصافة ، ذا فهم ، ذا غيرة ، تكلم عنه المفسرون كثيراً ، لكن مجمل أقوالهم : أنه متفوق في كل شيء ، سيد ، علم ، يشار له بالبنان ، كريم الأخلاق ، عفو ، شجاع ، سموح ، منصف ، ( سيداً ) .

7 ـ معنى : حصورًا :

 ولكن أيها الإخوة ، لابد أن نقف وقفة متأنية ( وَحَصُورًا ) ، حصور بمعنى محصور ، أي وضع نفسه في مكان محدود ، ما معنى هذه الكلمة ؟ أي المؤمن الصادق يمشي في هذا الطريق ، والأنبياء بلغوا قمة هذا الطريق ، كل رغباتهم محصورة فيما شرع الله ، ومن أجمل ما قاله المفسرون في القلب السليم :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

( سورة الشعراء : 88-89 )

 

المؤمن محصور بشرع الله :

 القلب السليم : هو القلب الذي لا يشتهي شيئاً حرمه الله ، كل رغباته ، وكل طموحاته ، وكل ميوله محصورة في منهج الله ، بقي له من النساء زوجته ، ومحارمه ، ولا يطمح أن يرى امرأة لا تحل له ، ولا أن يكلمها ، ولا أن يستمتع بجمالها ، بقي له من المال الكسب المشروع ، لا يتطلع أبداً لكسب غير مشروع ، ولو كان كثيراً ، ولو كان مغرياً ، ولو كان في أشد الحاجة إلى المال ، لا يشتهي معصية ، لا يشتهي مالاً حراماً ، ولا امرأة حراماً ، ولا شهوة لا ترضي الله عز وجل ، القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شيئاً حرمه الله ، والسيد الحصور هو الذي بقي في دائرة المسموحات ، في دائرة المباحات ، في الدائرة التي سمح لها للمؤمن أن يأخذ منها ما شاء .

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾

( سورة الأعراف : الآية 31 )

 العلاقة بالنساء : تزوجوا ولا تزنوا ، العلاقة بالمال : اكسبوا طيباً ، واعملوا صالحاً ، فالحصور حصر نفسه فيما سمح الله به ، ولا يفكر ، ولا يخطر في باله ، ولا يتخيل أن يعصي الله ، حتى إن بعض علماء الفقه في كتبهم قالوا : هذا الذي يتخيل نفسه مع من لا تحل له ، هذا التخيل مؤاخذ ، المؤمن الصادق لا يتخيل شيئاً حراماً ، ولا يطمح لشيء حرام ، ولا يريد شيئاً ما أراده الله عز وجل ، حصور ، وأنا أركز على صفات هذا النبي الكريم لماذا ؟ ليكون لنا قدوة .

﴿ أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

( سورة الفرقان : الآية 43)

 فإما أن تعبد الله ، وإما أن تعبد الهوى .

 

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ﴾

( سورة القصص : الآية 50)

 المعنى المعاكس : من يتبع هواه وفق هدى الله فلا شيء عليه ، اشتهى المرأة فتزوج ، واشتهى المال فكسبه من طريق مشروع ، واشتهى أن يكون سيداً فأطاع الله :

 

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

( سورة الأحزاب : الآية 71 )

 أي هناك حاجة أساسية للطعام والشراب لبقاء الفرد ، وهناك حاجة أساسية للطرف الآخر لبقاء النوع ، وهناك حاجة أساسية عند كل إنسان للتفوق ، يسمى هذا تأكيد الذات ، هناك من يؤكد ذاته بإنفاق المال الكثير ، فيقول : أنفقت مالاً لبداً ، يقول لك متباهياً : نهبت ، وأكلت ، وأنفقت مبلغاً فلكياً في هذه الرحلة ، هذا يتباهى بماله ليعلو ، هذا يتباهى بأهله ، هذا يتباهى بأولاده ، هذا يتباهى بتجارته ، هذا يتباهى بعشيرته ، ويبغي العلو في الأرض ، لكن المؤمن يطيع الله عز وجل فيرفع الله ذكره :

 

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

( سورة الشرح : الآية 4 )

 أي كل الحاجات الأساسية في الإنسان يمكن أن تبلى إلى أعلى درجة من خلال منهج الله ، فكما أن الله رفع ذكر النبي ، وقرنه مع اسمه الجليل ، كذلك كل مؤمن صادق منيب مخلص ورع تقي يرفع الله له ذكره ، ويعلي قدره ، ويلقي محبته في قلوب الخلق ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) .

[ متفق عليه ]

 إن أردت المال يأتك من طريق مشروع ، وإن أردت العفاف يأتك من طريق مشروع ، إن أردت العلو في الأرض يأتك من طريق مشروع :

 

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

( سورة الأحزاب : الآية 71 )

 إذاً :

 

﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ ﴾

(سورة آل عمران : الآية 39 )

 كن سيداً ، ولا تكن مسوداً ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ )) .

[ البخاري ، والترمذي ، وابن ماجة ]

 احتج إلى الرجل تكن أسيره ، أصبحت عبداً عنده ، إن احتجت إلى مخلوق كنت عبداً له ، احتج إلى الرجل تكن أسيره ، واستغن عنه تكن نظيره ، وأحسن إليه تكن أميره ، لا تكن عبداً ، كن سيداً ، لو كنت فقيراً فالفقر ليس وصمة عار ، الفقر قد يكون وسام شرف ، فقد تكون فقيرًا لأنك مستقيم ، ليس كل غني يرضى الله عنه ، لذلك كن حراً ، ولا تكن تابعاً لأحد ، لا تكن مجيراً لأحد ، لا تكن خطيئة أحد ، لا تكن محسوباً على أحد .
 سئل عالم جليل له مكانة كبرى في بعض البلاد العربية ، وقد توفاه الله عز وجل : ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ قال: لأنني محسوب على الله ، أنت كن محسوباً على الله فقط ، لا تكن محسوباً على عبد من عباد الله ، علا أو صغر ، فلا يليق بك أن تكون أنت لغير الله ، أنت لله وحده ، كن سيداً .

 

﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ ﴾

8 ـ يحيى : اسمٌ على مسمًّى :

 هذا سيدنا زكريا بشر بغلام اسمه يحيى ، ما علاقة اسمه به ؟ أي تحيا به القلوب ، هو كان حياً بمعرفة الله ، وأحيا قلوب الذين كانوا حوله ، أي كان هادياً مهدياً ، كان حياً ومحيياً ، المؤمن كلامه يحيي القلوب :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

( سورة المؤمنون : الآية 3 )

 يذكر الله دائماً ، فإذا تكلم أحيا القلوب ، كما عليه الصلاة و السلام :

(( أمرني ربي بتسع ، خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأعفو عمن ظلمني ، وأعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرة )) .

[ ورد في الأثر ]

 لكنه سأل الكيفية ، كيف ؟ أنا متقدم في السن ، وامرأتي عاقر ، كيف ؟

 

﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 40 )

قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ

 وأنا كبير في السن ، وامرأتي عاقر :

﴿ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 40 )

 هكذا :

﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ﴾

( سورة آل عمران : الآية 41 )

قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا

1 ـ علامة مجيء الولد لزكريا هي فقدُ النطق :

 أي علامة ، متى ؟

﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ﴾

( سورة آل عمران : الآية 41 )

 تفقد القوة في النطق ، حينما لا تستطيع أن تتكلم معنى ذلك أن امرأتك حملت ، تبدأ هذه المعجزة من فقد النطق ، إذا وجد في الأرض كلها شخص معفى من ذكر الله ، فهو سيدنا زكريا ، لأنه فقد النطق ، قال له :

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا ﴾

( سورة آل عمران : الآية 41 )

2 ـ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا

 هذا الذي فقد القدرة على النطق أمره الله أن يذكر الله كثيراً .

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 41 )

 مساء عند غروب الشمس ، وقبل طلوعها .

﴿ وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾

 

وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين

 قال الطبري في تفسيره : " ومعنى قوله : اصطفاك اختارك ، واجتباك لطاعته ، وما خصك به من كرامته ، وقوله : وطهرك يعني طهر دينك من الريب ، والأدناس التي في أديان نساء بني آدم ، واصطفاك على نساء العالمين ، يعني اختارك على نساء العالمين في زمانك بطاعتك إياه ففضلك عليهم" .

﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 43 )

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

أهمية صلاة الجماعة :

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً )) .

[ مسلم ، الترمذي ، النسائي أ ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]

 ونحن نواجه العدو بالسلاح الأبيض وجهاً لوجه يجب أن نصلي جماعة ، فكيف بنا في السلم ؟
 هناك آية واضحة جداً لصلاة الجماعة في أثناء القتال ، صلاة الخوف ، فإذا كنا مأمورين ، ونحن نواجه العدو وجهاً لوجه أن نصلي جماعة ، فكيف إذا كنا في السلم ؟

 

﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 43 )

 يا مريم اقنتي ، أي أديمي الوجهة إلى الله.

 

﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 44 )

ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ

1 ـ من الإعجاز الإخباري في القرآن الكريم :

 هذا اسمه إعجاز إخباري ، هناك إعجازات كثيرة في القرآن الكريم ، إعجاز في النظم ، إعجاز علمي ، إعجاز بلاغي .... أحد هذه الإعجازات الإعجاز الإخباري ، فالله يخبرنا عما وقع في أزمنة بعيدة جداً ، ويخبرنا عما سيقع ، والبعد في الإعجاز الإخباري الماضي ، والمستقبلي إعجاز زماني ، بينما الإعجاز الإخباري في الحاضر إعجاز مكاني ، ماذا يقع في مكان بعيد في الوقت نفسه ؟ الآن ماذا يجري فرضاً في مكة ؟ لا نعلم نحن ماذا يجري ، من صلى إمامًا ؟ لا نعلم نحن ، فإذا جاء الخبر ، والوسائل ممنوعة عنا فهذا إعجاز إخباري في الحاضر ، فالإعجاز الإخباري في المستقبل كقوله تعالى :

﴿ غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾

( سورة الروم )

 إعجاز إخبار بالماضي :

 

﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 44 )

2 ـ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون

 أي اختصم من حول هذه البنت مريم في كفالتها ، فسيدنا زكريا زوج خالتها قال : أنا أولى بها ، وقال من حوله : هي بنت سيدنا ، و نحن أولى بها ، فاختصموا فاقترعوا ، من هنا شرعت القرعة ، ألقوا أقلامهم في نهر جار ، فالقلم الذي لم يجر ، وبقي واقفاً ، فهو الذي ترسو عليه ولاية مريم ، فلم يجر قلم سيدنا زكريا فكفلها هو .

﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾

 كل هذا تأكيد لنبوة النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن هذا القرآن وحي الله إلى النبي ، وأن الوحي لا يملك له طلباً ، ولا نفعاً ، إنه شيء مستقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و في درس آخر نتابع الآيات .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور