- ٠4كتاب مقومات التكليف
- /
- ٠3المقوم الثاني - العقل
إنّ أعقدَ شيءٍ في الكونِ على الإطلاقِ دماغُ الإنسانِ، فهو عاجزٌ عن فهمِ نفسِه، وأكبرُ جهازِ حاسوبٍ في الأرضِ لا يرقى إلى واحدٍ بالمليارِ من طاقاتِ الدماغِ البشريّ، هذا الفكرُ الذي أودعه اللهُ فينا، وهذا الجهازُ الاستشاريُّ الذي وُضِعَ تحت تصرّفِنا لماذا خَلقَه اللهُ لنا ؟ خَلَقه اللهُ لنا كي نعرفَه به، فاستخدمناه لهدفٍ صغيرٍ، كأن تشتريَ حاسوباً خصيصَى لتحليلِ الدمِ، ثم تستخدُمه كطاولةٍ في البيت ؟ أيفعلها عاقلٌ ؟ حينما تستخدمُه كطاولةٍ فقد احتقرتَه، وعطّلتَ كلَّ ميزاته، أما إذا استخدمتَه في مخبرِ تحليلٍ تربحُ به أموالاً كثيرةً.
إنّ اللهَ سبحانه وتعالى أعطانا فكراً من أجلِ أنْ نعرفَه، فإنْ عرفناه أطعناه، فسلِمْنا، وسعِدنا في الدنيا والآخرة، والمشكلةُ أنّ الإنسانَ يستخدمُ ذكاءَه وفكْرَه من أجلِ كسبِ المالِ فقط، أو من أجل تثبيتِ مركزِه في مكانٍ أو آخرَ، أو من أجلِ أنْ يصلَ إلى أكبرِ جاهٍ من الدنيا بأقلِّ جهدِ، لكنّ الإنسانَ حينما يستخدمُ ذكاءَه وفكرَه لغيرِ ما خُلِق له يندمُ يومَ القيامةِ أشدَّ الندمِ، هل يُعقَل أنْ تكونَ معك ورقةٌ ماليةٌ قيمتُها ألف مليون ليرة، ثم تستخدمُها كأيّ ورقةٍ عاديةٍ في عمليةٍ حسابيةٍ، ثم تتلفُها، ثم تكتشفُ أنّ هذه الورقةَ كانت ستغنيك إلى نهايةِ العمرِ، وتغني كلَّ أفرادِ أُسرتك ؟ هذا الذي يحصل مع الإنسانِ حين يستخدمُ عقلَه لغيرِ ما خُلِق له.
العقلُ الفطريُّ:
هناك عقلٌ غريزيٌّ، وعقلٌ كسبيٌّ، فالأولُ هو العقلُ الطبيعيّ الفطريّ، والعقلُ الثاني شُحِنَ معلوماتٍ، والإنسانُ محاسبٌ على عقلِه، وعلى فطرتِه، هذا العقلُ كافٍ كي تعرفَ اللهَ، وهذه الفطرةُ كافيةٌ كي تعرفَ خطأَك، فكلُّ إنسانٍ لم تصلْه رسالةٌ يحاسَب على أصولِ الدِّينِ التي يمكنُ أنْ يعرفَها العقلُ، وعلى أصولِ فطرتِه التي يمكن أنْ تكشفَ خطأَه، أمّا تفاصيلُ الدِّين فلا يحاسَبُ عليها.
أمّا الشيءُ الدقيقُ فهو أنّ اللهَ سبحانه تولّى هدايةَ الخَلقِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
وقال:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
أيْ: وعلى اللهِ بيانُ سبيلِ القصدِ، وقال:
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
راللهُ عز وجل يتولّى الناسَ كلَّهم بالهدايةِ، والإنسانُ محاسَبٌ على ما أودعَ اللهُ فيه من عقلٍ يعرّفُه باللهِ، ومن فطرةٍ تعرّفه بخطئه،وقد فَسَّرَ بعضُ العلماءِ قولَ اللهِ تعالى:
﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾
أي: مَن كان عاقلاً.