وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة النبأ - تفسير الآيات 16-30، كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف

 محور هذه السورة أن كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف.
 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني من سورة النبأ، وفي الدرس الأول ذكرت أن هذه السور القصيرة هي سورٌ مكيَّة، محورها الواحد ترسيخ الإيمان في نفوس المؤمنين، لذلك حفلت هذه السور بآياتٍ كونيةٍ دالةٍ على عظمة الله عزَّ وجل، ولكن في سورة النبأ قضيةٌ دقيقة هي: الربط، الربط بين كمال الخلق وكمال التصرف، فكمال الخَلْق يدلّ على كمال التصرُّف:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) ﴾

[سورة النبأ]

 معادن، أشباه معادن، صحارى، جبال، سواحل، بحار، بحيرات، أنهار، أطيار، أسماك، الورود أنواعها لا تعد ولا تحصى، مليون نوع من السمك في البحر، بِضع مئات من أنواع الطيور، وكل خَلْقٍ:

﴿ ... مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ ... (3) ﴾

[سورة الملك]

 بحسب صنعة الله عزَّ وجل، فمحور هذه السورة أن كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف، كأن يسأل طالبٌ سؤالاً: أهناك امتحان؟ هذا سؤال ينبغي ألا يُسأل، جامعة، ممتدة إلى مسافات طويلة، أبنية كلَّفت مئات الملايين، مخابر، مدرَّجات، حدائق، بيوت للطلبة، أرقى المدرسين، أرقى الوسائل، والطلاَّب لا يمتحنون؟!! كلُّ هذه العناية والطالب السيِّئ كالطالب الجيِّد؟! والذي درس كمن لم يدرس؟! والذي التزم بنظام الجامعة كمن لم يلتزم؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 يستحيل أن يكون هذا الكون بهذه العظمة دون أن يُسأل الإنسان :
 هل عندهم شك فيه؟ هل هم في شكٍ منه؟ أيعقل أن يكون هذا الكون بهذه العظمة دون أن يُسأل الإنسان؟!

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾

[سورة القيامة]

  هكذا قويٌ وضعيف، غنيٌ وفقير، صحيحٌ ومعلول، مُتَألِّقٌ وخامل، وسيمٌ ودميم، ظالمٌ ومظلوم، مستغِل ومستغَل، طويل العمر وقصير العمر، امرأةٌ وسيمة وأخرى دميمة، هكذا؟ تنتهي الحياة هكذا بحظوظٍ متفاوتة؟ بعطاءاتٍ مُتباينة؟ بقدراتٍ متباعدة؟ أيعقل هذا؟ كمال الخلق يدل على كمال التصرف. أنت إذا دخلت إلى شركةٍ من أرقى الشركات؛ شركة أجهزة حاسوبية، أيعقل أن تكون هذه الشركة بلا نظام محاسبة؟ بلا نظام مكافآت وعقوبات؟ بلا نظام ترقية محترم؟ كمال الخَلق يدل على كمال التصرُّف.. ؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 مثل هذا الشيء ينبغي ألا يُسأل عنه، لأنه أمرٌ بديهي..

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾

[سورة القيامة]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾

[سورة المؤمنون]

السؤال عن يوم إحقاق الحق وإبطال الباطل ينبغي ألا يُسأل

 أمة تعيش على أنقاض الأمم، وتنتهي الحياة هكذا؟ أمةٌ تقتل مئات الألوف، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان يبني وجوده على أنقاض الآخرين، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان يجمع ثروته على إفقار الآخرين وبؤسهم، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان عاش الناس كلّهم له، وإنسانٌ آخر عاش للناس كلهم كالأنبياء، وتنتهي الحياة هكذا؟ مثل هذا السؤال ينبغي ألا يُسأل؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 عن هذا اليوم الذي ترتعد منه الفرائص، عن هذا اليوم الذي يصبح القوي ضعيفاً، والضعيف المظلوم قوياً، عن هذا اليوم الذي يكافأ فيه المُحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، عن هذا اليوم الذي يعود فيه هذا الإنسان الذي طغى، وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، يعود إلى حجمه الصغير..

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... (94) ﴾

[سورة الأنعام]

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) ﴾

 عن يوم الدين؟ عن يوم الجزاء؟ عن يوم الدينونة؟ عن يوم تسوية الحسابات؟ عن يوم رَدِّ المَظالم؟ عن يوم إحقاق الحق وإبطال الباطل؟ فكمال الخَلق يدل على كمال التصرف.
 للتقريب: لو أن إنساناً قال لشركة: أعندك القدرة على أن تنجزي هذا المشروع؟ يقول مندوب هذه الشركة: ألم تنظر إلى البناء الفلاني، والبناء الفلاني، والمشروع الفلاني، والمَعَمل الفلاني، والجسر الفلاني، أليست هذه كلُّها أدلةٌ على أن هذه الشركة بإمكانها أن تنجز هذا الموضوع؟

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) ﴾

[سورة النبأ]

الله وزَّع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء ويوم القيامة توزيع جزاء

 واللهِ … ما من إنسانٍ يشك في يوم الدين إلا يُشَكُّ في سلامة عقله، ألا ترون الناس متفاوتون في الحظوظ، إنسان يشتهي أن يأكل لقمةً، وإنسان يكاد يُتْخَم مِن كثرة الطعام، هذا التفاوت في الحظوظ لا بد من أن يُسوَّى يوم القيامة، بل إن الله جلَّ في علاه جعل الحظوظ في الدنيا موضع ابتلاء، وزَّع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، توزيع امتحان، وسوف توزَّع يوم القيامة توزيع جزاء.
 إنسان امتُحن بالفقر، فصبر وتعفَّف، ورضي عن الله عزَّ وجل بما قسمه له، فنجح في الامتحان، وإنسانٌ آخر امتُحِنَ بالغنى ـ مثلاً ـ فرسب في الامتحان، لأنه طغى وبغى، واستعلى وتكبَّر، وأنفق المال على ملذَّاته السخيفة، وحرم منه الفقراء، رسب، إنسان امتحن بالفقر فنجح، وإنسان امتُحن بالغنى فرسب، يوم القيامة توزَّع الحظوظ توزيعاً آخر؛ توزيع استحقاق، توزيع جزاء، توزيع عَدل، فالذي نجح في امتحان الفقر سيغدو غنياً إلى أبد الآبدين، والذي رسب في امتحان الغنى سيغدو فقيراً إلى أبد الآبدين، مِن هنا قال سيدنا علي: الغنى والفقر بعد العرض على الله، وتوزيع الحظوظ في الدنيا لا قيمة له من حيث إنها مُنْقَطِعَة، أيامٌ تمضي، ولكن الخطورة توزيعها في الآخرة..

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) ﴾

[سورة القمر]

 البطولة أن يكون لك مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، البطولة أن يرضى الله عنك، الأرض فيها الآن ستة آلاف مليون إنسان، واللهِ لو أن ستة آلاف مليون أثنوا عليك، ورفعوك، وعظَّموك، ولم تكن عند الله مقبولاً، فأنت أكبر خاسر، ولو أن ستة آلاف مليون ذَمُّوك وكنت عند الله مقبولاً، فأنت أكبر رابح، فابتغوا الرفعة عند الله.

من علامات المؤمن أنه عاش الآخرة قبل أن يصل إليها

 هذا اليوم يوم الدين، مثل ضربته اليوم في الخطبة: إنسان جاءته دعوة لزيارة بلد بعيد، لمجرَّد أنه قَبِلَ الدعوة؛ تصوراته، أفكاره، خواطره، كتاباته، هواجسه، أحلامه فكأنّه صار في هذا البلد، هو لا يزال في بلده ولكن قلبه، ونفسه، واهتماماته، وخواطره نُقِلَت إلى هذا البلد. فلو أنّ إنساناً أراد العمرة ـ مثلاً ـ حينما يأخذ الموافقة، ويشتري بطاقة الطائرة، فقد أصبح كل تفكيره، وكل هواجسه، وكل خططه، وكل تأمُّلاته، وكل محاكماته، وكل ذاكرته صارت هناك في البيت الحرام.
 فالمؤمن حينما آمن باليوم الآخر، وآمن بالآخرة، كل حركةٍ، وكل سكنةٍ، وكل كلامٍ يلفظه، وكل عطاءٍ، وكل منعٍ، وكل غضبٍ، وكل صلةٍ، يقيسها بنظام الآخرة؛ هل هذا العمل يرضي الله؟ هل سأحاسب عنه؟ هل سأُؤَاخذ عليه؟ هكذا، فمن علامات المؤمن أنه عاش الآخرة قبل أن يصل إليها، عاش في الآخرة.
 لو طُلِب إنسان للتحقيق، من ساعة أن يُطلب يقول لك: ما نمت الليل، ماذا سَأُسأل؟ ما الذي دعا إلى أن أُسأل؟ أربعة أيام، الوقت كلُّه يمضى في التفكير، ما الذنب الذي اقترفته حتى أسأل عنه؟ لعل هذا الذنب، لعل هذا الذنب، لعل هذا الذنب، هذا حالك مع إنسان، فكيف الحال مع الله العظيم؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 الذي لا شكَّ فيه واقعٌ لا محالة، خالق السماوات والأرض، أمم تعيش على أنقاض أمم، وينتهي الأمر؟ إنسان يترك خمسين مليونَ قتيلٍ في ألمانيا، في الحرب العالمية الثانية، وينتهي الأمر هكذا بلا سبب؟ مستحيل، إنسان يلقي قنبلة في اليابان يبيد بها ثلاثمئة ألف في ست ثوانٍ، أخذ قراراً، وألقى هذه القنبلة الذرية، وانتهى الأمر؟ ما من مشكلة؟ الكل يموتون دون تمييز؟ لا.. ؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 كمال الخَلْق يدلُّ على كمال التصرُّف..

﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾

[سورة النبأ]

آيات تؤكد أن الله عزَّ وجل مستحيلٌ أن يخلُق الناس عبثاً

 لمجرَّد أن تشكِّك في وقوع يوم الدين ينبغي أن تشكِّك في عقلك، لأن الله عزَّ وجل مستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن يخلُق الناس عبثاً..

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) ﴾

[سورة العنكبوت]

 لا يمتحنون؟

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ﴾

[سورة آل عمران]

﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ (179) ﴾

[سورة آل عمران]

 في الحياة امتحانات، وابتلاءات، ومِحَن صعبة، فلا بدَّ أن تُمتحَن، فقد تخدَع بعض الناس لكل الوقت، وقد تخدع كل الناس لبعض الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل، لذلك بدأت هذه السورة..

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

لا بد من وجود يوم تسوى فيه الحسابات

 هذا شيء بديهي، لو أنّ سائلاً سألك: ما قولك الكل أكبر من الجزء؟ هذا سؤال لا يسأل، أيْ هل غرفة في البيت يمكن أن تكون أكبر من البيت؟ مستحيل، قطعة في السيارة يمكن أن تكون أكبر من السيارة؟ أيعقل أن يكون الجُزء أكبر من الكُل؟ تقول له: ما هذا السؤال؟ هذا شيء بديهي، هذا شيء مُسَلَّم به، مقطوعٌ به..

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ﴾

[سورة النبأ]

 هكذا الشعوب؛ شعوب غارقة في الفجور، غارقة في الزنا، غارقة في الخمور، غارقة في العدوان، قلوبٌ قاسيةٌ كالصخر، يُقتل الإنسان بلا ذنب، لأنه مسلم فقط، بالمئات، بل بمئات الألوف، وهؤلاء الذين يفعلون كل هذا ‍‍‍‍يموتون وانتهى الأمر! وتنتهي الحياة هكذا؛ بظالمٍ ومظلوم، ومستغِلٍ ومستغَل، وقويٍ وضعيف، وغنيٍ وفقير، ولا يحاسب الإنسان عن ماله من أين جاء به، وفيمَ أنفقه؟!

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا ... ﴾

 أداة ردعٍ ونفيٍ..

﴿ ... سَيَعْلَمُونَ (4) ﴾

 تهديد

﴿ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) ﴾

[سورة النبأ]

الله عزَّ وجل لم يخلُق الكون عبثاً ولم يخلُق الإنسان سدىً

 سيعلم الإنسان عند الموت، وسيعلم يوم القيامة أن الله عزَّ وجل لم يخلُق الكون عبثاً، ولم يخلُق الإنسان سدىً..

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) ﴾

[سورة المؤمنون]

 وهذا هو الدليل:

﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 هذا اليوم الموعود، كلُّ متوقعٍ آت، وكل آتٍ قريب، لو أن الإنسان سأل نفسه سؤالاً مُحْرِجاً: هل بقي بقدر ما مضى؟ فهذه صفحات النعي أمامكم، الناس يموتون بين الستين والسبعين إذا سَلِموا من مرضٍ خطير، إذا سَلِم من الأمراض والأخطار فبين الستين والسبعين يموت، وكما ورد:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ ... )

(رواه الترمذي)

 وإن لم يَسْلَم فبحادث وهو بالأربعين، بالثلاثين، بالخامسة والعشرين.

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 في هذا اليوم تسوَّى الحسابات.
 الآية التالية لو لم يكن في القرآن غيرها لكفتنا جميعاً
 واللهِ، القرآن بين أيدينا؛ ستمئة صفحة، نسمعه ليلاً ونهاراً، وكل شيء مُيَسَّر في القرآن، وإنّ أعرابياً جاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

 

(يا رسول الله عظني ولا تطِل [لا تطِل عليّ]، فتلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ﴾[سورة الزلزلة]قال: كفيت يا رسول الله، اكتفى بآية واحدة، آية وليست سورة، قال: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فقُهَ الرجل)

 

(أخرجه الطبراني عن أبو هريرة رضى الله عنه)

 واللهِ الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفتنا جميعاً

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) ﴾

[سورة الزلزلة]

 قال: أيْ لو أن إنساناً ابتسم ابتسامة ساخرة، أو أعرض عن إنسان بلا سبب، أو تجاهله، أو داس نملةً..

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[سورة الزلزلة]

((دَخَلت امْرَأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ ربطتها، فلم تُطْعِمها، ولم تَدَعْها تأْكُل مِن خَشاشِ الأرض ))

(متفق عليه عن عبد الله بن عمر)

 فما قولكم فيما فوق الهرَّة؟ ألا تسمعون ما يجري في العالم مِن مذابح، من تقتيل جماعي، من تشريد، هؤلاء الذين اتخذوا هذه القرارات ألا يحاسبون؟!حقيقة الصور لا يعلمها أحد:
 قال تعالى:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 هذا ميقات دقيق لهؤلاء الذين نَسوا ما ذكِّروا به..

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) ﴾

[سورة النبأ]

 (الصُّورِ) البوق، أما حقيقته فلا يعلمها أحد، هذا من شأن الآخرة، وهذا من الإيمان التصديقي الإخباري، لا تخض فيما لا يجدي، هذا شيء نعرفه بعد الموت، أما الله عزَّ وجل قال:

﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ... (18) ﴾

 أيْ الصور أداة من أدوات دعوة الأموات إلى البعث والنشور..

﴿ ... فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾

 أفواج آكلي الربا، هؤلاء فوج، وأفواج الزناة، وأفواج الشاذِّين، وأفواج الطُغاة والظالمين، وأفواج المُقَصِّرين، وأفواج المؤمنين، وأفواج الصِدِّيقين، وأفواج المُسلمين، وأفواج السابقين.. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً

في اليوم الآخر كل شيءٍ في الكون يتغيَّر وهذا هو النبأ العظيم

 في هذا اليوم يغيَّر نظام الكون، كان في الكون شمس..

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) ﴾

[سورة التكوير]

 تكوير وكان في الكون نجوم في الدنيا.

﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) ﴾

[سورة التكوير]

 وكان في الكون جبال شاهقة..

﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) ﴾

[سورة التكوير]

 وكان للدنيا سماء..

﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) ﴾

[سورة النبأ]

 كل شيءٍ في الكون يتغيَّر، هذا هو النبأ العظيم..

﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) ﴾

[سورة النبأ]

صور عما ينتظر المقصرون من عذاب يوم القيامة

 جبل قاسيون رآه الرومان هكذا، ورآه الإغريقيون، ورآه الآراميون، ورآه الفُرس، والأتراك، والمسلمون، ونراه نحن، الجبل جبل لا يتغير، أما يوم القيامة..

﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) ﴾

[سورة النبأ]

 أي صورة باهتة..

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) ﴾

[سورة النبأ]

 فكِّرْ مليّاً، وانظر ونحن في الدنيا إلى عصابة سرقة؛ تأخذ الأموال، وتسهر في الملاهي، وتأكل ما لذَّ وطاب، وتقترِف الكبائر، والفواحش، أما حينما يلقى القبض عليها، وتودع في السجن، انظر إلى هذا المجرم فلا يستطيع أن يرفع بصره من قُبح فعلته، فكيف به يوم القيامة..

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) ﴾

[سورة النبأ]

 هذا الذي طغى وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، أيْ انحرف واعتدى وبنى وجوده على أنقاض الآخرين..

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) ﴾

[سورة النبأ]

 تنتظرهم..

﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ﴾

[سورة ق]

﴿ لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)﴾

[سورة النبأ]

حياتنا لا تستقيم إلا بمعرفة الله والخوف منه والإيمان باليوم الآخر

 قرأت خبراً مرَّةً: أن سفينة فرنسية راسية في ميناء بإفريقيا، وإذا بعشرة أشخاص أفارقة فقراء، يتسللون إلى السفينة ويختبئون في ثنيّات عنابرها، وبعد أن تُبْحِر إلى فرنسا، يكتشف رُبَّان السفينة أن في السفينة عشرة أشخاص قد تسللوا إليها، ببساطةٍ بالغة يأمر بقتلهم جميعاً، ونحن نتساءل: هل إذا تسلّل إنسان إلى سفينة يقتل؟! فأطلق عليهم النار واحداً واحداً، وأُلقُوا في البحر، وفي نيَّته أن هذا العمل لا يمكن أن يعلم به أحد، غير أنّ واحداً من العشرة أُطلِق النار عليه ولم يمت، فاختبأ في مكان سري، وانتظر حتى وصل إلى فرنسا، وخرج من السفينة، واتصل بأحد مخافر الشرطة وأبلغها الخبر، فتم الحكم على الربان بالإعدام، وعلى من أعانه على قتلهم بعشرين سنة مؤبَّداً، هكذا تقتل عشرة أشخاص، طبعاً ليس معهم هويات، وينتهي الأمر بهذه البساطة؟ لا، فهذا باطل وضلال وجور..
 أيها الأخوة، من هو العاقل ومن هو الذكي؟ هو الذي يُدخِل اليوم الآخر في حساباته اليومية، وإليكم هذه الواقعة المؤلمة المُرّة: لدى أصحاب المخابز مادة تعين على نُضْج الخُبز، المادة الصحية ثمن الكيلو خمسة آلاف ليرة - هكذا قرأت في الجريدة - وهناك مادة مسرطنة سامة ثمن الكيلو خمسين ليرة، فضبطوا فرَّاناً يستخدم هذه المادة السامة المُسرطنة، التي لها فعل المادة الأولى، ولكنها رخيصة جداً، يضع هذه المادة دون أن يعلم به أحد، ويأكل الناس هذا الخبز، ويأخذ ثمنه باهظاً، أفلا تحاسب؟ وكان العمل يتمّ سراً في الليل؟ أيمكن ذلك؟! ليروّج بضاعته ويحسنها يضع مادة مسرطنة في الخبز؟!!
هؤلاء الذين يغشون المسلمين في طعامهم وشرابهم. بائع فروج مثلاً، يضع فروجاً ميتاً مع الأحياء؟! فيُطعم الناسَ لحماً ميتاً، وينتهي الأمر هكذا؟ هذا مستحيل، وأنْ تُوضَع كذلك في بعض المواد الغذائية مواد مسرطنة لكي يرتفع سعرها، لتكون زاهية اللون، والمادة ممنوع استعمالها! فالحذرَ الحذرَ، فإنّ الحساب عسير.
 حياتنا لا تستقيم إلا بمعرفة الله والخوف منه والإيمان باليوم الآخر، والإنسان يصعب عليه أنْ يراقب إنساناً، يكاد يكون من المستحيل أن يراقب الإنسانُ الإنسانَ في كل أطواره، إنسان يعجن - الساعة الثالثة صباحاً - ووجد في العجين جرذاً، وقد فُرِم مع العجين، ماذا يفعل؟ يكمل العجين، لا يراه أحدٌ، ولن يحاسَب؟ فحياتنا لن تستقيم إلا بالخوف من الله عزَّ وجل..جوهر الدين أن تحاسب نفسك حساباً عسيراً ليكون حسابك يوم القيامة يسيراً:

( قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها. قال: ليست لي. قال: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب. قال له: والله ليست لي. ثم قال: والله إني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: إنّها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادقٌ أمين، ولكن أين الله؟!)

(رواه ابن الجوزي)

 فهذا الأعرابي، هذا البدوي وضع يده على جوهر الدين، هذا هو الدين أن تقول: أين الله؟ أن تحاسب نفسك حساباً عسيراً ليكون حسابك يوم القيامة يسيراً، فلا بدّ أن تسأل: هل لي الحق أن آخذ هذا المبلغ؟ هل لي الحق أن آخذ هذه العمولة؟ هل لي الحق أن أجلس مع هذه المرأة، وأن أمتِّع نظري بمحاسنها؟ هل لي الحق أن أفعل كذا، أن آخذ هذا المال، أن أقبل هذا المال؟ إن لم تحاسب نفسك حساباً عسيراً، فينتظر هذا الإنسان يومٌ عسير، حيث لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) ﴾

[سورة النبأ]

 تنتظرهم، وترصد حركاتهم وسكناتهم..

﴿ لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) ﴾

[سورة النبأ]

 مصيرهم إلى النار، المجرم أين مصيره؟ إلى قصر؟ لا بل إلى السجن، في النهاية فهو مجرم قتل، وسرق، ثم ألقي القبض عليه، أين مصيره؟ مؤبَّد بالسجن وانتهى، لكنّ إنساناً طغى، وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، ونسي الدار الآخرة، ونسي أنْ يتعرف إلى الله، وأن يطيعه، فأين مصيره؟

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) ﴾

[سورة النبأ]

دقيقة الألم ساعة وساعة اللَّذة دقيقة

 دقيقة الألم ساعة وساعة اللَّذة دقيقة، أحياناً بجلسة لطيفة مع أخوة تحبهم ويحبونك فتفاجأ بأن الساعة صارت الواحدة ليلاً، جلسوا الساعة السابعة، فإذا بها الساعة الواحدة، لأنهم في سرور، أما أنْ تجلس على كرسي تنتظر إنساناً فهذا صعب، ومِن أجل أنْ تعرف ذلك راقب في قاعة امتحان، تشعر أن الدقيقة ساعة، فكيف إذا كان في عذابٍ أليم؟ كيف؟

﴿ لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) ﴾

[سورة النبأ]

 يقول لك: سُجِنْت ثلاثة أيام حتى كدتُ أخرج من جلدي، فكيف حال الذي دخل السجن، وبقي فيه عشرين سنة، كان مجرماً، وكيف مضتْ هذه السنوات العشرون؟ أما في جهنم فإلى الأبد..

﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾

[سورة الزخرف]

 على طول..

﴿ لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) ﴾

[سورة النبأ]

 حِقباً وحقباً وَحقباً إلى ما شاء الله..

﴿ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) ﴾

[سورة النبأ]

 الغبي يتغنَّى بماضيه والأقل غباء يعيش حاضره لكن العاقل يعيش المستقبل : إذا ذهب الإنسان إلى الحج، أو إلى العمرة، أو ذهب إليهما في أشهر الصيف، حينها يعلم ما هو الحَرّ، والإنسان هناك لا يشتهي إلا الماء البارد، لا يشتهي إلا مكيِّفاً، لا يشتهي شيئاً آخر، فالحرُّ لا يحتمل، فكيف إذا كان هذا في النار؟

﴿ لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) ﴾

[سورة النبأ]

 ولكن هناك استثناء، فهم يذوقون شراباً، ولكنَّه ماءٌ يغلي يقطِّع أمعاءهم..

﴿ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26)﴾

[سورة النبأ]

﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) ﴾

[سورة الدخان]

 الغبي يتغنَّى بماضيه، والأقل غباء يعيش حاضره، لكن العاقل يعيش المستقبل، فما هو أخطر حدثٍ في مستقبلك؟ إنّه الموت.
 اليوم كنت في تشييع جنازة … قبر لا شيء فيه، تراب، وعميق، يوضع الإنسان في هذه الحُفرة، فإن كان كريماً، وكان عمله صالحاً أُكرِم في هذه الحفرة، فاتسعت مدَّ بصره، حتى أصبحت روضة من رياض الجنة، وإن كان لئيماً أسلمه عمله إلى هذه الحفرة، فكانت قطعةً من العذاب، اقرؤوا كل صفحات النعي في الأرض، فماذا كُتِبَ عليه؟ وسيشيَّع إلى مثواه الأخير، كل بيوتنا المريحة، المرتبة، المطلية، المكيَّفة، المدفَّأة، المفروشة بالأثاث، غرف الضيوف، غرف الطعام، غرف النوم، غرف الاستقبال، المطابخ، الحمَّامات، هذه كلها مؤقَّتة، أما المثوى الأخير فتحت الأرض:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا ﴾

[سورة النبأ]

 (مَآباً) أي مأوىً.

المؤمن واع أما الكافر فما أَدخَلَ يوماً الدين في حساباته إطلاقاً

 قال تعالى:

﴿ لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) ﴾

[سورة النبأ]

 جمع حِقَب، والحِقَب المدة الطويلة جداً..

﴿ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) ﴾

[سورة النبأ]

 ماءٌ يغلي..

﴿ ... وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا ... (27)﴾

[سورة النبأ]

 في الدنيا..

﴿ يَرْجُونَ حِسَابًا (27)﴾

[سورة النبأ]

 ماذا يقولون؟ العوام لهم كلمات مضحكة: ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس، أهذه آية أم حديث ؟؟ هذا كلام سخيف، كلام باطل، المؤمن واعٍ..

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) ﴾

[سورة النبأ]

 ما أَدخَلَ يومَ الدين في حساباته إطلاقاً، يغتصب بيتاً، يغتصب شركةً، يأكل مالاً حراماً، يعتدي على أعراض الناس..

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)﴾

[سورة النبأ]

المؤمن قبل أن يقوم بأي حركة يدخل اليوم الآخر في حساباته

 أيها الأخوة ، لازلنا في هذه السورة الكريمة:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)﴾

[سورة النبأ]

 أي اليوم الآخر نسيه وما أدخله في حساباته - دقق - إنسان ذهب إلى لبنان -مثلاً - وهو في طريق الذهاب وجد تفتيشاً دقيقاً جداً يجري مع العائدين، الآن وصل إلى بيروت فرضاً، وجد بضاعة جميلة، غرفة نوم جميلة جداً، كيف يفكِّر؟ ألا أستطيع أن أوصلها إلى دمشق؟ لا، هناك منع، وهناك تفتيش دقيق، فكل حاجة عرضت له يتذكر التفتيش الدقيق في الذهاب، معنى ذلك أنه كلَّما ألقى نظرة على بضاعة، أو على حاجة، أو على جهاز، يفكر: لا أستطيع أن أدخله إلى بلدي، معنى هذا أنه أدخَل التفتيشَ على الحدود في حساباته الدقيقة، فكلَّما ألقى نظرة على شيء يتذكر أن في الطريق تفتيشاً دقيقاً، وهذا الغرض لن يمر، عليه غرامة - مثلاً - وهذه حالة بسيطة، والمؤمن كلما همَّ أن يقول كلمة يجيب نفسَه قائلاً: هذه لا ترضي الله..

((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ))

(رواه الترمذي)

 همَّ أن ينظر نظرةً، هذه النظرة لا ترضي الله، همَّ أن يشتم إنساناً، همَّ أن يأكل مالاً حراماً، همّ أن يُذِل إنساناً، المؤمن الصادق قبل أن يتكلَّم، قبل أن يقف موقفاً، قبل أن يدلي برأي، قبل أن ينظر، قبل أن يسمع، قبل أن يمتِّع عينيه بمحاسن امرأةٍ، قبل أي شيء لا بدّ أنْ يفكر في يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الدينونة، يوم الحساب، يوم تسوية الحسابات، يوم الفَصْل، لذلك:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا ... (27)﴾

 لماذا دخلوا النار؟ وكانت النار مآبهم؟ ولبثوا فيها أحقاباً؟ و..

﴿ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) ﴾

[سورة النبأ]

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) ﴾

[سورة النبأ]

 مقطع من مقاطع هذه السورة الحديث عن أهل النار وسبب دخولهم النار: كلَّما عرضتَ عليهم أن يعرفوا الله قالوا: نحن مشغولون، يخوضون مع الخائضين، وهم مع الناس إمَّعة، والذي شاع في البيئة فهم مع البيئة، على أسطحة المنازل صحون وصحون، فمسلسلات ومسلسلات، فثياب فاضحة وثياب ضيقة، وأكل للربا..

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) ﴾

[سورة النبأ]

 تعطيه الدليل فلا يقبل، تعطيه الآية فلا يقبل، حديث فلا يقبل، توجيه النبي فلا يقبل، آية كونية تدله على عظمة الله، يأتيك بمخترع حديث ليصرفك عن العظة والعبرة..

﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) ﴾

[سورة النبأ]

 كأن الإنسان يوم القيامة يعرض عليه شريط لأعماله، الآن أحدث طريقة في التحقيق أن يصوَّر الإنسانُ، فمن أجل ألا يطول الحديث يُعرض عليه الفيلم..

﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) ﴾

[سورة الإسراء]

﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) ﴾

[سورة النبأ]

 هذا مقطع من مقاطع هذه السورة، الحديث عن أهل النار، وسبب دخولهم النار:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) ﴾

[سورة النبأ]

 لماذا لا يرجون حساباً؟
 قال تعالى في وصف حالهم:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)ِ ﴾

[سورة الملك]

 الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، والجهل يتبعه الانحراف، وتتبعه الغفلة عن يوم القيامة..

﴿ فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) ﴾

[سورة النبأ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور