وضع داكن
25-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 15 - بيروت بدار الفتوى - أهمية التربية الدينية عند الأطفال .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المذيع: يسرنا أن نرحب بضيف مميز، بداعية عامل على الساحة
الإسلامية بنشاط وهمة عالية، يسرنا أن نرحب بمرب يعمل بما يعمم ويقول هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أحد أبرز علماء دمشق ودعاتها، وبلمحة سريعة سنتحدث عن ضيفنا الذي ولد في دمشق عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين للميلاد، وتلقى فيها التعليم الابتدائي و الإعدادي والثانوي وحصل على إجازة في آداب اللغة العربية وعلومها، ودبلوم في التربية من جامعة دمشق، ثم حصل على ماجستير ثم دكتوراه من جامعات بريطانية في موضوعات تربية الأولاد في الإسلام، وتلقى العلم الديني على يد نخبة من علماء دمشق، وعمل في حقل التعليم الجامعي، وحقل الدعوة إلى سبيل الله قرابة ربع قرن، وإن شاء الله المسيرة مستمرة، وله كتب عدة منها: نظرات في الإسلام وتأملات في الإسلام - الهجرة - الله أكبر - الإسراء والمعراج - الشعراوي - وأسماء الله الحسنى هذه السلسة أيضاً هي قيد الإعداد وهي في الطباعة الآن، له دروس ومحاضرات بثتها وتبثها إذاعة القرآن الكريم في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله ندوات تبثها الفضائيات ومثّل سورية في عدة مؤتمرات إسلامية، وزار عدداً من البلاد الغربية والشرقية، وألقى فيها المحاضرات، وأشرف على مجلة نهج الإسلام التي تصدرها وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية.
أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي هنا في بيروت، وأيضاً في إذاعة القرآن الكريم عبر برامج عدة نجريها وإياكم، ولي الشرف أن أكون على نفس المنصة أقدمكم إلى جمهوركم المتشوق لسماع الموعظة الحسنى.
حقيقة عندما نتحدث عن أهمية التربية الدينية للأطفال لا نعني فحسب أن نلقن بعض أبنائنا المعارف الدينية ونعمل على تحفيظهم آيات وسوراً قصيرة من القرآن الكريم، عدا أهمية ذلك إنما التربية هي أداء وممارسة، فلا ننصح بشيء ونأتي بضده، وهنا نخدش مفهوم القدوة، علنا من خلال هذه المقدمة البسيطة والضـئيلة أن نسلط الضـوء علـى أهمية التربية الدينية عند الأطفال.
الأستاذ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أشكر أولاً القائمين على هذا المركز وعلى إذاعة دار الفتوى، وعلى رأسهم سماحة المفتي العام مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور قباني جزاه الله خيراً ومتع به المسلمين ونفعهم بعلمه وبعمله.
شيء آخر وهي حقيقة خطيرة هي أن أبنائنا الآن هم الورقة الوحيدة الرابحة في أيدينا، هم المستقبل إن أردنا لهذه الأمة مستقبلاً ينبغي أن نعتني بأولادنا، فالأطفال غراس الحياة، وقطوف الأمل، وقرة عين الإنسان، وزهور الأمة المتفتحة، والبراعم الإنسانية المتألقة، عليهم المعول في الحفاظ على مكاسب الأمة، واستعادة ماضيها المجيد وخوض معاركها الضارية والمصيرية ضد أعدائها.
أيها الأخوة الأحباب: للطفولة في الإسلام عالمها الخاص المفعم بالعناية والاهتمام، أحد أسباب رقي الأمم اعتنائها بأطفالها، القرآن الكريم يفيض بالحديث عن الطفولة، فالله جل جلاله في عليائه يقسم بالطفولة فيقول:

﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)﴾

(سورة البلد)

والأطفال في القرآن الكريم هم البشرى.

﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7)﴾

(سورة مريم)

والأطفال هم قرة العين.

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

(سورة الفرقان)

أيها الأخوة: لو بلغت أعلى منصب إداري في العالم، ولو جمعت أضخم ثروة في الأرض، ولو كنت في أقوى مركز لن تسعد إلا بسعادة أولادك، ومن لم يكن أولاده كما يتمنى فهو أشقى الناس، فالعناية بالأولاد ضرورة مصيرية، الإنسان يشقى بشقاء أولاده، من ملامح قوله تعالى:

﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ﴾

(سورة طه)

سياق اللغة يقتدي أن يقول الله عز وجل:

﴿فَتَشْقَى (117)﴾

فلا يخرجنكما من الجنة فتشقيا، الآية:

﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)﴾

استنبط العلماء أن شقاء الزوج شقاء حكمي بزوجته، وأن شقاء الابن شقاء حكمي لأبيه وأمه، فالإنسان حينما يغفل عن تربية أولاده ويغفل عن توجيههم الوجهة الصحيحة، ثم يكتشف فجأة أنهم على طريق وسلوك واتجاه آخر، يأتيه من الألم ومن الضيق ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، هم قرة العين.

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

والابن الصالح والفتاة الصالحة أكبر ثروة يملكها الإنسان، يكفي أن الابن الصالح وأن البنت الصالحة يلقيان في قلب والديهما السكينة وقرة العين وهو عطاء معجل في الدنيا، أنت حينما تعتني بتربية أولادك لك عطاء معجل في الدنيا قبل الآخرة هي قرة العين.
هم زينة الحياة الدنيا، حينما قال الله عز وجل:

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾

(سورة الكهف)

هم المودة والرحمة، ومن آياته خلق السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر دققوا: ومن آياته أيضاً:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

(سورة الروم)

من بعض تفسيرات القرآن الكريم الوجيهة أن المودة والرحمة في الآية تعني الأطفال ‍! الطفل هو الذي يخلق بين الأم والأب تلك المودة والرحمة، هذا في القرآن الكريم، فماذا في السنة المطهرة؟

((عَنْ خَالِدِ بْنِ غَلَّاقٍ الْعَيْشِيِّ قَالَ نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَمَاتَ ابْنٌ لِي فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ خَلِيلِكَ شَيْئًا نُطَيِّبُ بِـأَنْفُسِنَا عَـنْ مَوْتَانَا قَالَ نَـعَمْ سَمِعْتُهُ قَـالَ صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ ))

(مسند الإمام أحمد)

والدعاميص أي الفراشات، والأطفال أحباب الله، والطفل في البيت يملئه بهجة وسعادة وحركة وأملاً، فلذلك العناية بتربية الأولاد جزء أساسي ومصيري من الدين.
إن ابنك امتداد لك شئت أم أبيت، إنه قدرك، فحينما تعتني به وتنشئه التنشئة الراقية تسعد به في الدنيا والآخرة، بل إن كل عمل الأولاد في صحيفة الآباء والأمهات يوم القيامة، بل إن الآباء يرقون عند الله بأولادهم الذين ربوهم وأحسنوا إليهم.
شيء آخر:

((يقول عليه الصلاة والسلام: لولا شباب خشّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع وأطفال رضّع لصب عليكم العذاب صباً.))

(ورد في الأثر)

النبي عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا وهو المشرع، بل إن مهمة القدوة أكبر بكثير من مهمة التشريع، أي إنسان يتكلم أي إنسان يبلغ أي إنسان له منطق قوي وله حجة قوية يشرح للناس حقائق الدين، ولكن أن تكون في مستوى هذا الدين هذه معجزة الأنبياء، فهم قمم البشر ماذا فعلوا ؟ فعلوا ما قالوا، ليس في حياتهم أية مسافة بين أقوالهم وبين أفعالهم، لذلك الأنبياء على قلتهم تركوا آثاراً كبيرة وواضحة في الشعوب والأمم.
النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين قال:

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾

(سورة الحجر)

النبي عليه الصلاة والسلام في ربع قرن غير مجرى الحياة في العالم كله، فلذلك الأنبياء كلهم قمم البشر، وهم قدوتنا، والعلماء يقولون: أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام هي أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته، هو مشرع معصوم عن أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته.
ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟

(( قَـالَ صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ ))

وماذا فعل من سنته العملية ؟

(( سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا))

(سنن الترمذي)

أي خطيب في العالم الإسلامي يقطع خطبته وينزل من على المنبر ليحمل طفلاً صغيراً ويرفعه على صدره ويعود إلى المنبر؟ هذه إشارة بليغة جداً إلى قيمة الطفل في الإسلام، الأطفال هم المستقبل، الأطفال الآن هم الورقة الرابحة الوحيدة بين أيدينا، والعالم بأكمله يراهن على أبنائنا لا على كبارنا، يراهن على إفساد جيلنا يراهن على إفساد عقائدهم وأخلاقهم، ومالم يحتط المسلمون لهذا ويعتنوا بأولادهم عناية فائقة من خلال التعليم الشرعي ومن خلال المناشط الإسلامية فإن مستقبل هذه الأمة خطير جداً، لأنها من خلال أجيالها الصاعدة غير الملتزمة تفقد هويتها.
أيها الأخوة: أيعقل أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق كان يصلي الفجر ويطيل في الصلاة، كان في أعلى حالات سعادته مع ربه يسمع بكاء طفل صغير، فيعجل في صلاته لئلا يشق على أمه !

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ))

(سنن ابن ماجة)

فيه رحمة، قال تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

(سورة آل عمران)

بل إن النبي عليه الصلاة والسلام ينفي الإسلام أصلاً عمن يقسو على الطفل !

(( عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ))

(مسند الإمام أحمد)

أيها الأخوة: هل تصدقون أن أول حقوق الطفل على أبيه تترتب عليه والطفل فكرة، أراد الأب أن يتزوج، حينما يريد الأب أن يتزوج ينشأ لطفله المستقبلي طفله الذي هو فكرة حق عليه ! ما هو الحق ؟ قال: أن يحسن اختيار أمه، أول حقوق الابن على أبيه أن يحسن اختيار أمه، فلذلك أول حق من حقوق الابن على أبيه أن يحسن اختيار أمه فقد قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

(صحيح البخاري)

وفي بعض الأحاديث التي لا ترقى إلى مستوى هذا الحديث لكن يستفاد منها في أشياء كثيرة:

(( من تزوج المرأة لجمالها فقط أذله الله، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة، ومن تزوجها لمالها أفقره الله، فعليك بذات الدين تربت يداك.))

إنها أم أولادك، إنها التي ترعاهم، إنها التي تربيهم وتغرس فيهم القيم الأخلاقية، إن شهادات المرأة الكبرى أولادها.
أنا أرى أن شهادتها الكبرى تربية أولادها، لا تلك الورقة التي تعلق على الجدار، حينما تدفع المرأة بالمجتمع أطفالاً مثقفين متخلقين بقيم إنسانية رفيعة يخلصون في عملهم، يقدمون لأمتهم كل خير، هذه الأم هي البطلة، إنك إن علمت شخصاً علمت شخصاً، أما إن علمت إمرأة علمت أسرة !
الأم مدرسة إذا أعدتها أعدت شعباً طاهر الأعرق.
أيها الأخوة: كما أن الرجل مكلف أن يحسن اختيار زوجته تحقيقاً لواجبه تجاه أولاده، كذلك الفتاة حينما تخطب ينبغي أن تبحث عن إنسان كفء دين منضبط لها ضماناً لسلامة تربية الأولاد.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))

(سنن الترمذي)

سيدنا عمر عملاق الإسلام سأله أحدهم: ( ما حق الابن على أبيه؟ فقال رضي الله عنه: أن يحسن انتقاء أمه وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن.)
أيها الأخوة: أولاً الآباء والأمهات أول جهة يتلقى منهم الأولاد التربية، ذلك أن عين الابن معقودة بأبيه، لا سمح الله ولا قدر إذا كذب الأب أمام ابنه غرس في ابنه الكذب، إذا كذبت الأم أمام ابنها غرست في نفسه الكذب.
سمعت عن إمرأة تمشي مع ابنها أعطته قطعة سكر مغلفة بورق أكلها، بعد ثلاثمائة متر سألته أين الورقة ؟ قال: ألقيتها في الطريق رجعت ثلاثمائة متر وقالت له: خذها وضعها في سلة المهملات !
الأم التي تعلم ابنها الانضباط والنظافة والصدق والأمانة هي أم عظيمة جداً، هي أحد أركان المجتمع.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((أحبوا الصبيان وارحموهم فإذا وعدتموهم فوفوا لهم فإنهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم.))

(ورد في الأثر)

لذلك يقول عليه الصلاة والسلام وقد جاء هذا الحديث في الأدب المفرد للبخاري:

((أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا إمرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي إمرأة مات زوجها وترك لها أولاد فأبت الزواج من أجلهم.))

(الأدب المفرد للبخاري)

إنها تنازع رسول الله دخول الجنة، ماذا فعلت ؟ آثرت تربية أولادها الصغار على حظها من الرجال، مع أن من حقها أن تتزوج، ليس هذا حكماً شرعياً، هذا موقف شخصي، من حقها أن تتزوج إذا مات زوجها وهي شابة، ولكن هذه المرأة التي تنازع رسول الله دخول الجنة ماذا فعلت ؟ ربت أولادها وآثرت تربيتهم على حظها من الرجال.
أيها الأخوة الكرام: هناك من ينجب أولاداً ويدعهم في الطريق، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( الزموا أولادكم ))

حينما يكون ابنك معك، هو عبء عليك لا شك، لكن حينما يكون معك يستقي منك ومن علمك وأخلاقك وقيمك، هؤلاء الذين لا يحبون أن يكون أبنائهم معهم.
إننا في دمشق والحمد لله في جامعنا الطفل له مكانة كبيرة جداً، ما من طفل يأتي مع أبيه إلى صلاة الجمعة إلا وله هدية ! لماذا ؟ كي ينشأ عند الطفل شعور مريح أن المسجد فيه هدية طيبة، هناك مناشط إسلامية وأماكن جميلة لهؤلاء الصغار نأخذهم إليها نريد أن نخلق فيهم حب المسجد حب الدين عن طريق تحقيق رغباتهم الطفلية.
يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من كان له صبي فليتصاب له ))

(ورد في الأثر)

يجب أن تنزل لمستواه، وتحقق رغباته الخاصة.
طرفة: مرة ألقيت خطبة مؤثرة جداً: وبعض الأشخاص بكوا جاء أحد الأشخاص يسلم علي ومعه ابنه الصغير أنا في جيبي قطعة حلوى أعطيتها لهذا الطفل قلت لأبيه أرأيت إلى هذه الخطبة التي بكيت منها ليس لها طعم عند ابنك، الآن صار لها طعم بعد هذه القطعة من الحلوى ! الطفل الصغير يحب أن يأكل ويلعب ويسبح وأن تحقق رغباته الطفلية، فإذا استعنت بها وجعلت من هذه الرغبات مطية لتوجيهه وتعليمه، لقد لفته إلى الدين، وضممته إلى مجتمع المؤمنين.
والله أيها الأخوة: أعرف رجال ونساء حينما يتحدثون عن أبنائهم المنحرفين يكادون يموتون من الألم، طبيب عقب محاضرة ألقيتها اقترب مني وقال: ماذا أفعل؟ ونزلت دمعة على خده ! قلت له خير ما الأمر ؟ قال: ابنتي أحبت يهودياً وهربت معه ‍! في إحدى المؤتمرات في لوس أنجلوس أخت صدق لي استوقفتني عند المصعد قالت: ابنتي تحب الرقص والغناء وابني ملحد وبكت، أنا أرى بعيني مصير هؤلاء الآباء والأبناء حينما ينحرفون أولادهم والله يأتيهم من الألم مالا قدرة لهم بتحمله، لذلك الآباء الحكماء والأمهات الحكيمات الذين واللواتي اعتنوا بأولادهم واعتنين بأولادهن يملأ الله قلوبهم راحة وسعادة وسكينة.
أخطر شخصين في حياة الطفل أبوه ومعلمه، لذلك عتبة بن أبي سفيان يوصي مؤدب ولده يقول:
ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك
فإن عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما فعلت والقـبيح عـندهم مـا استـقبحت.
طفل صغير يرى أباه وأمه إذا رأى أباه يدخن معنى الدخان شيء جيد، إذا رأى أباه يكذب على أمه، إذا رأت البنت أمها تكذب على أبيها انتهت تربية الأولاد، أكبر شيء ممكن أن نقدمه للأولاد أب وأم يفعلان ما يقولان، أب وأم منضبطان بقيم أخلاقية الأب والأم حينما يكونا قدوة لأولادهم هذه أكبر خطوة نخطوها حول تربية الأولاد.
يروي ابن خلدون أن هارون الرشيد قال لمعلم ابنه الأمين نقل إليه عن طريق أحد وزرائه:
إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ولا تمرن بك ساعة وإلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالحكمة والملاينة.
هكذا كان السلف الصالح.
أيها الأخوة الأحباب: مر سيدنا عمر في أسواق المدينة رأى مجموعة من الغلمان كان ذا هيبة شديدة لما رأوه تفرقوا إلا واحد بقي في مكانه ثابتاً بأدب طبعاً قال له ( يا غلام لما لم تهرب مع من هرب ؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك ) هذا الطفل رسم منهج أم، ينبغي أن يطمئن المستقيم أن يخاف المذنب، أما إذا انعكس الأمر فنحن في مشكلة كبيرة جداً.
عمر بن عبد العزيز دخل عليه وفود المهنئين، دخل وفد الحجازيين يتقدمهم طفل صغير انزعج قال للطفل: اجلس أيها الغلام اجلس وليقم من يتكلم من هو أكبر منك سناً، معقول وفد يرأسهم طفل ؟ فقال هذا الطفل برباطة جأش: أصلح الله الأمير المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس!
دخل على عبد الملك بن مروان وفد المهنئين وتقدمهم أيضاً طفل فغضب من وزيره ومن حاجبه قال: ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان ؟ فقال هذا الغلام: أصلح الله الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ولكنه شرفني، أتت علينا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم وسنة دقت العظم وعندكم فضول أموال فإن كانت لله فنحن عباده تتصدقوا بها علينا، وإن كانت لنا فعلام تحبسوها عنا، وإن كانت لكم تصدقوا بها علينا، فقال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً.
نحن في تاريخنا عندنا مواقف للأطفال لا تصدق، من منا يصدق أن جيشاً ضخماً من جنود عمر وعثمان وعلي ويرأسه شاب هو أسامة بن زيد، كان قائد الجيش كان يركب الناقة والصديق الذي ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر كان يمشي في ركابه فاستحيا قال: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ؟ قال: لا والله لا ركبت ولا نزلت وما علي أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله.
لا يستطيع خليفة المسلمين الصديق رضي الله عنه أن يأخذ عمر إلى جانبه حتى يستأذن قائد الجيش قال: يا أسامة أتأذن لي بعمر هكذا الإسلام.
الإسلام فيه بطولات بدءاً من الصغار وانتهاء بالكبار، سيدنا أبو أيوب الأنصاري استشهد في أطراف استنبول وكان في الثمانين من عمره، وسيدنا أسامة بن زيد كان قائداً لجيش فيهم أبو بكر في عهد النبي وعمر وعثمان وعلي.
أيها الأخوة الكرام: كل مولود يولد على الفطرة لأن فطرة الله عز وجل تراها واضحة في الصغار طفل بريء، الطفل صافي ومحبب، هذه فطرة الله لكن المجتمع يفسد هذه الفطرة، لذلك البطولة أن تحافظ على فطرة ابنك، الابن لا يكذب إلا إذا تعلم الكذب، الابن لا يخدع إلا إذا تعلم أن يخدع، الابن لا ينحرف إلا إذا رأى طريق الانحراف سالكاً، لذلك الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله.
والله أيها الأخوة: لا أجد في حياتنا المعاصرة من عمل أعظم من أن تربي أولادك، لن الأب حينما يربي أولاده والأم حينما تعتني بأولادها يهبها الله من السعادة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الآن إلى أدلة القرآن الكريم حينما يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾

(سورة التحريم)

ونحن في علم الأصول كل أمر في القرآن الكريم يقتدي الوجوب ما لم تكن قرينة على خلاف ذلك، فإذا قال الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾

أي من واجبات الأب الأولى أن يقي ابنه النار لتربيته وتعليمه وتعريفه بالله ومنهج الله وحمله على طاعة الله، لكن هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير.
من السذاجة أن نظن أن تربية الأولاد تحتاج إلى جهد كبير، لكن الثمن باهظ والثمرة يانعة جداً.
أيها الأخوة: استمعوا إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ أَوْ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ ))

(مسند الإمام أحمد)

كل يوم صدقة أن تؤدب ابنك وتعلمه الأدب ومحبة الله ومحبة رسوله، لكن ماذا يعاني الناس اليوم ؟ هناك ثقافة غربية تغزونا أساسها الإلحاد والإباحية، فمن سلم ابنه للثقافة الغربية التي تأتي عبر الأقمار الصناعية هذه الأقمار من خلال الثقافة التي تبثها تبث الإلحاد في الطفل بشكل مبطن وروح الفساد.
كل إنسان عنده خطوط دفاع، أما الأعمال الفنية أحياناً تخترق هذه الخطوط تتسلل من خلالها، فممكن أن نهدم قيم الدين من خلال عمل فني، نحن قد لا ننتبه هناك أعمال تأتي من ديزني ورد، هناك أعمال تأتي من بوكيمون من اليابان هذه كلها لها أثر كبير على انحراف الأبناء في عقيدتهم وسلوكهم، لماذا نحن لا نغزي أبناءنا بأعمال إسلامية ؟ لماذا لا نعطيهم نماذج الصحابة الكرام ؟ لماذا لا نترجم لهم أحاديث النبي بأعمال فنية ؟ هذه أمانة في أعناقنا.
أيها الأخوة الكرام: والله لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفتنا:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

(سورة الطور)

إن ربيت ابناً تربية صالحة كل الخير الذي ينتج عنه وكل الخير الذي ينتج عن ذريته وذرية ذريته إلى يوم القيامة في صحيفتك.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾

ألحقنا بهم أعمال ذريتهم من بعدهم، فالأب حينما يدع ولداً صالحاً يدعو له هذا عمل عملاً بطولياً.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

(صحيح مسلم)

الولد الصالح صدقة جارية إلى يوم القيامة، وأنت في الدار الآخرة تأتيك الخيرات من أولادك، هذا بفضل تربيتك لأولادك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))

(سنن ابن ماجة)

هؤلاء الأطفال المتشردون في الطرقات يلفظون أبشع العبارات ويسلكون أحقر السلوكيات، هؤلاء لا تربية لهم لا أب يربيهم، لذلك ليس اليتيم من فقد أمه أو أباه أو فقدهما جميعاً، اليتيم من وجد أماً تخلت أو أباً مشغولاً.
في بعض الأقوال اللطيفة: لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً وراقبه سبعاً ثم اترك حبله على غالبه.
في مرحلة لا ينبغي أن تضربه طفل صغير لا يفقه شيئاً، لاعبه سبعاً، أخطر سن من الساسة وحتى الثامنة عشر وأدبه سبعاً، تعلمه الصدق والأمانة والاستقامة والعفة وضبط اللسان وضبط الأعمال، أما بعد المراهقة عنده حساسية بالغة فإن عاملته كصغير تحطمه، وإن عاملته ككبير يخيب ظنك، هذه سن المراهقة، في هذه السن راقبه لكن بعد الواحدة والعشرين ثم اترك حبله على غالبه صار صديقاً لك، لا تملك إلا أن تنصحه
من ومضات السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما حدث عبد الله بن عمر قال:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ عبد الله فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عبد الله فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ))

(صحيح البخاري)

هذا أسلوب النبي في الحوار.

(( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ عبد الله فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عبد الله فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ))

كم كان يهتم بابنه عبد الله ؟ لو أنك قلت هذا الجواب الصحيح لرسول الله أنا كأني ملكت الدنيا ! معنى الأب حينما يفرح بتفوق ابنه ونجاحه وتألقه هذا أب مثالي، أما حينما لا يهتم ولا يعرف بأي صف أولاده ! قد يأتي إلى البيت مساء يسأل أمهم هل أكلوا؟ هل شربوا ؟ فقط، أما هل صلوا العشاء ؟ هل أدوا ما عليهم من واجبات ؟
أيها الأخوة الكرام: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته بعضك.
لذلك الابن حينما تعلمه يكن شيئاً ثميناً جداً، فحق التعليم أبنائنا لهم حق علينا، هذا الأب الذي يرى أن ابنه ليس أهلاً للتعليم يدعه يعمل في أعمال في سن مبكرة هذا تفسد أخلاقه وتتحطم شخصيته ومعنوياته، لذلك علموا أولادكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.
أيها الأخوة: ولعل من قبيل الإعداد لأعدائنا قال تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

(سورة الأنفال)

لعل من أنواع الإعداد لأعدائنا أن نربي أولادنا ونعلمهم وأن يكونوا شخصيات فذة في المجتمع.
شيء آخر: كيف نفسر هذه الآية:

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

(سورة الرحمن)

أيعقل أن يعلم القرآن قبل أن يخلق ؟

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)﴾

قال علماء التفسير: هذا الترتيب في هذه الآية ترتيب رتبي لا ترتيب زمني، أي أن وجود الإنسان لا معنى له من دون وجود منهج يسير عليه، الإنسان المؤمن إنسان منضبط بمجموعة قيم، بل إن الناس رجلان رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد بالدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة.
أيها الأخوة:

(( النبي عليه الصلاة والسلام يقول: علموا أولادكم السباحة والرماية وأمروهم فليثبوا على الخيل وثباً ))

(ورد في الأثر)

طبعاً كل وقت له معطياته، حينما قال الله عز وجل:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

قد تكون قوة في ركوب الخيل، وقد تكون في عصر في قيادة المركبة، وقد تكون في استعمال المدرعة، وقد تكون في الكمبيوتر، وقد تكون في الأقمار الصناعية، فهذه مطلقة.
لذلك:

(( النبي عليه الصلاة والسلام يقول: علموا أولادكم السباحة والرماية وأمروهم فليثبوا على الخيل وثباً ))

والله حينما أرى أباً أو أماً يعتنيان بأولادهم عناية فائقة والله أكبرهم إكباراً شديداً أرى أن هؤلاء عقلاء يسعون إلى إسعاد المجتمع من خلال تربية أولادهم.
دققوا أيها الأخوة: سيد الخلق وحبيب الحق قمة المجتمع البشري من آدم إلى يوم القيامة كيف في بيته ؟

((كان صلى الله عليه وسلم يصلي ذات يوم فأقبل الحسن والحسين فركبا ظهره وهو ساجد فأطال السجود ثم أطال السجود ولم يرض أن يعجل بنزولهما حتى نزلا))

يستمتعان أن يركبا ظهر النبي فأطال السجود كي يستمتعا بركوب ظهره:

(( حين سلم سأله أصحابه لقد أطلت السجود يا رسول الله ؟ فقال: لقد ارتحلني ابناي فكرهت أن أعجلهما.))

(ورد في الأثر)

أحياناً الأب لا يقنع بألعاب الصغار، هل تصدقون أن النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة ذكرها قبل ألف وأربعمائة عام قال:

((من دخل إلى السوق واشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور.))

(ورد في الأثر)

من حمل لعبة إلى أولاده كانت كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور.
كان عليه الصلاة والسلام حينما تأتيه بنت يضمها ويشمها ويقول:

((ريحانة أشمها وعلى الله رزقها.))

(ورد في الأثر)

كان يقف لابنته فاطمة وهو سيد الخلق ! ما يفعله المسلمون في عصور التأخر مناقض للإسلام تماماً، المرأة في الإسلام لها مكانة عالية جداً، بل إن الإنسان يستحق دخول الجنة لعمل واحد فقط أن يموت دون أمه أو زوجته أو بنته أو أخته.
من مات دون عرضه فهو شهيد.
كم هي مكانة المرأة في الإسلام ؟

(( يقول عليه الصلاة والسلام: الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة.))

(ورد في الأثر)

فلذلك أيها الأخوة: شأن الأولاد في الإسلام له شأن كبير جداً، وتربية الأولاد في الإسلام تحتل المرتبة الأولى في حياة الأب والأم، ونحن نسعد بتربية أولادنا ونشقى بشقائهم، وما من عمل الآن بالذات...... كان العالم كل بلد يعيش وحده، الآن العالم كله قرية ثم صار بيت الآن العالم غرفة واحدة، وفي خلاط كبير قيمهم وانحلالهم وتفاهتهم وانحرافهم وشذوذهم في هذا الخلاط وقيمنا قي هذا الخلاط، والأمور داخلة في بعضها.
فلذلك أيها الأخوة: كنا قديماً كحديقة حيوان تقليدية الوحوش في أقفاصها والزوار طلقاء، الآن بالعكس نحن كحديقة حيوان أفريقيا الوحوش طلقاء والزوار إن لم يتحصنوا بسيارة مصفحة يموتون، فألف شيء يقتنص ابنك منك.
أحياناً شمة مخدرات واحدة تعلمه المخدرات، أو فيلم فيديو، قرأت في الإنترنت أب صالح في شمال سورية مدرس تربية إسلامية وله ابن طوحه الأول أن يكون طالب علم شرعي، وأدخله ثانوية شرعية صادق شاباً منحرفاً أراه فيلماً إباحياً سلك طريق الشذوذ، ثم تفاقم الأمر فانتقل إلى بلد في شرق آسيا، ثم تعامل كجاسوس في المخابرات الأمريكية في أفغانستان ثم أعدم !
سبحان الله أسرة صالحة من فيلم إلى مخدرات إلى تجسس إلى إعدام، الحياة معلقة جداً، إذا كانت التربية تحتاج إلى وحدات والناس قبل ألف سنة وقبل مائة عام وقبل خمسين عام يحتاجون إلى مائة وحدة لتربية أولادهم الآن هم بحاجة إلى مليون وحدة.
الحواجز التي تأخذ أولادك منك كثيرة جداً.
أيها الأخوة الكرام: أهم شيء في تربية الأولاد في الإسلام القدوة والرحمة والمساواة بين الأولاد والبنات.

((عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى أُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا ابْنَةَ رَوَاحَةَ طَلَبَتْ مِنِّي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ وَقَدْ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ ابْنٌ غَيْرُ هَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ مَا وَهَبْتَ لِهَذَا قَالَ لَا قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))

(سنن النسائي)

اعدلوا بين أولادكم ولو في القبل، هكذا علمنا النبي، فتوجيه الإسلام لنا أن نحب أولادنا وأن نلزمهم وأن نرحمهم ونعلمهم ونعدل بينهم، والحمد لله رب العالمين.

المذيع: جزاكم الله عنا كل خير فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي

الأستاذ: النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((أدبوا أولادكم على ثلاث: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن.))

(ورد في الأثر)

هذا منهج، قد يسأل سائل ما معنى حب آل بيته ؟ الطفل يحتاج إلى قدوة، ولا سيما الفتى يحتاج إلى قدوة، أنت لا تقول له: أحب آل البيت، هذا كلام لا معنى له، أما حينما تبين له فضائل الصحابة وبطولاتهم وإخلاصهم وعفتهم واستقامتهم وشجاعتهم وإقدامهم، أنت حينما تعطيه مثلاً أعلى من الصحابة الكرام هذا نوع من تعليم حب آل البيت بشكل عام، وحينما تبين له عظمة النبي عليه الصلاة والسلام وأخلاقه السمحة وشمائله الرضية، تبين لهم هذا النبي القدوة لكل مجتمعات البشرية عندئذ تكون قد غرست فيه أخلاقاً نظرية وعملية في وقت واحد، وتلاوة القرآن هو منهج البشرية، النبي رأى أن تعرف الأطفال بقيمة نبيهم وبقيمة أصحابه الكرام ثم بهذا المنهج الإلهي المحكم الذي ما إن تمسكنا به لا نضل بعده أبداً.
المذيع: فضيلة الشيخ ننتقل إلى أسئلة الحضور:
سؤال: يقول أحدهم في أيامنا الحالية ومع الضيقة الاقتصادية وصعوبة الحياة بماذا تنصحون المتزوجون الجدد ؟ هل الإقلال أو الإكثار في إنجاب الأولاد ؟
الجواب: والله أنا أقول في هذا الموضوع: افعل ما بدا لك والمقدر كائن، إنسان ضبط نفسه ثلاث سنوات ثم حملت زوجته فأنجبت ثلاث توائم ! افعل ما بدا لك والمقدر كائن، لكن من حق الإنسان أن ينظم نسله بحسب إمكانيته.
سؤال: في بعض الحالات يكون الأبوان قد ربيا أولادهما أفضل تربية ولكن عندما يكبرون ويتزوجون تتغير حالهم ومعاملتهم حتى لوالديهم، فما ذنب هذين الوالدين ؟
الجواب: الابن قدرك شئت أم أبيت، والزوجة والأب والأم قدرك.
مرة التقى عالم جليل في إنسان قيادي في بلد إسلامي قال: أنت قدرنا إما أن نصبر عليك وإما أن تصبر علينا، أعجبتني هذه العبارة، ابنك قدرك ينبغي أن تصبر عليه، أو أن يصبر عليك، إن لم تكن كما ينبغي ينبغي أن يصبر عليك لأنك قدره أيضاً، وإن لم يكن كما تتمنى ينبغي أن تصبر عليه، ولكن أبدي الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أنت حينما تقوم بواجبك في تربية أولادك وبعدئذ ينحرفون لست مسؤولاً تقول كما قال النبي:

((اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلومني فيما تملك ولا أملك ))

هذا من امتحان الله للإنسان، قد ينشأ الطفل في أطهر بيت وقد ينحرف، لذلك من كان له ابن صالح إياه أن يظن أن تربيته هي السبب قال تعالى:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾

(سورة الأنبياء)

الابن الصالح هبة من الله، فالإنسان الصالح إذا رأى ابناً صالحاً ينبغي أن يذوب شكراً لله عز وجل على أن الله سمح له أن يكون ابنه صالحاً، أنا آخذ بالأسباب ثم أتوكل على الله.
سؤال: العدل بين الأطفال، طفلان أحدهما في الثامنة من العمر والثاني في الرابعة من العمر إذا أدبنا الكبير شعر بالظلم لأننا لم نؤدب الصغير، وإذا لاعبنا الصغير أصابت الغيرة الكبير، فكيف لنا أن نوفق بين الأمرين ؟
الجواب: المشكلة أحياناً يكون ابن أذكى من ابن وأجمل، فألب غير المتعمق بالدين ينصرف إلى ابنه الذكي أو الجميل الصورة فيقبله ويحتضنه ويشمه ويضمه، يفعل في نفس الآخر فعلاً مخيفاً، ينشأ الحقد في نفس الآخر، فالأب المؤمن يعدل بين أولاده حتى في القبل وفي الابتسامة وفي النظر، إذا أردت أن تكون مؤمناً كاملاً عندك ولدان قد يتفاوتان في ذكائهما أو برهما لك، أنت مكلف من قبل النبي أن تسوي بين أولادك، مكلف تكليف رسمي، فلذلك الابتسامة بالتساوي، الاحتضان بالتساوي، التقبيل بالتساوي، العطاء بالتساوي، اعدلوا بين أولادك ولو في القبل، فحينما أعتني بواحد وأهمل الآخر أنا أحطمه وأسحقه.
والله كم من جريمة وقعت من طفل مهمل تجاه أخيه المعتنى به ! هناك حوادث قد يضربه ضرباً يشوهه، فالأب حينما يفرق بين أولاده يكون قد فعل فعلاً مخالفاً لمنهج الله عز وجل.
المذيع: ولكن هنا يقول إذا أدبنا الكبير شعر بالظلم لأننا لم نؤدب الصغير، ومن الطبيعي أن لا يؤدب الصغير بهذا العمر.
الأستاذ: أنا لي وجهة نظر الأب حينما يؤدب ابنه أمام إخوته يحطمه و، حينما يعنف ابنه أمام رفقائه يحطمه، حينما يعنفه أمام أخواته البنات يحطمه، ينبغي أن تؤدب ابنك بينك وبينه، هذه نقطة مهمة جداً، بينك وبينه يقبلها منك، أنت أبوه ولو ضربته، أما حينما تضربه أمام أخواته البنات يشمتون به ويعيرونه، يمكن الضرب أمام أصدقائه أو أخواته البنات يصبح كل ضربة بمليون، فأنا أتمنى أن لا تؤدب ابنك إلا منفرداً بينك وبينه بغرفة خاصة، خذه إلى غرفة خاصة وانصحه وأدبه، أما أمام إخوته الصغار يوجد مشكلة.
سؤال: ما هي المواصفات الدينية المطلوبة في دور الأيتام وفي المؤسسات الرعائية، هل مطلوب أشخاص لديهم من الأخلاق والصفات الإسلامية للقيام بهذه المهمات الصعبة ؟
الجواب: يا سيدي المستشفى بأطبائها، والجامع بدعاته، والجامعة بأساتذتها، فأي مؤسسة بناء فخم جداً أجهزة حالات، إن لم يكن قائمون على هذه المؤسسة مؤمنون برسالتها متمثلون لرسالة يحملونها....
الحقيقة العمل الدعوي والخيري يحتاج إلى إيمان بالرسالة، أما كعمل روتيني هذا العمل لا يؤدي ثماره، نحن في أي عمل دعوي أو أي عمل خيري نحتاج إلى أشخاص مؤمنين برسالة هذه الدار، فإذا قالت:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) ﴾

(سورة القصص)

معنى القوي كفء، الأمين له ولاء في هذا المبدأ، أنا حينما أؤسس دار أيتام أو دار رعاية أو مستشفى خيري أو معهد شرعي أو ميتم هذه أعمال دعوية خيرية، إن لم يكن القائمون عليها مؤمنين برسالة هذه الدار إيمان إلى درجة الانتماء، وإن لم يكونوا أكفاء في أداء عملهم البناء لا قيمة له، قد تجد دار متواضعة جداً فيها رجل كفء، وقد تجد بناء فخم لا يوجد أشخاص.
زارني أخ من أمريكا توفي رحمه الله قال: أسست معهد وجامع ومكتبة ومعهد تحفيظ قرآن ومعهد شرعي بولاية بأمريكا بستة ملايين دولار، ثم تنهد تنهيدة شعرت أن قلبه تقطع منها، قال: آه، لكن ما وجدت الدعاة الأكفاء لهذا العمل العظيم، جئت بدعاة نفروا الناس من الدين وصرفوهم عنه، فالبطولة في تكوين الرجال، نحن بحاجة لبناء فخم وأجهزة لكن نحن بحاجة ماسة إلى رجال أكفاء.
قال سيدنا عمر لواحد عينه بوظيفة: خذ عهدك وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك، إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك بضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك وأوجعنا ظهرك وأحسنا أدبك، وإن جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك، وأوطئنا لك عقبك، قالت:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) ﴾

فنحن حينما نؤسس معهد ميتم دار رعاية مستوصف نحتاج إلى أشخاص مؤمنين برسالة هذا المستوصف، يعملون ابتغاء مرضاة الله، والإنسان إذا ابتغى مرضاة الله يصبح معجزة، يعمل عمل مخيف لا يصدق.
لي صديق مهندس بخدمة إلزامية لكن إيمانه كبير، جاءه عرض لبناء ستين قرية، لكن المبلغ الضخم جداً سيأتي هبة لإرواء هذه القرى شرطه أن تؤدى الدراسة في أشهر معدودة، أقسم لي عمل عشرين ساعة باليوم لستة أشهر ابتغاء وجه الله، أرى ستين قرية، لأنه كان إذا قدم الدراسة بهذا الوقت يستحق المنحة، هو يعمل لله، معاشه خمسة آلاف ليرة بالشهر، لا تكفيه ثلاثة أيام مصروف، هذا معاشه معاش خدمة إلزامية، لكن لأنه ابتغى وجه الله وخدمة المسلمين عمل عشرين ساعة باليوم، الإنسان إذا آمن بالله وآمن بالآخرة يصبح شيء معجز، فأي مؤسسة خيرية تحتاج إلى عاملين مؤمنين برسالتها يبتغون وجه الله عز وجل.
سؤال: يقول البعض في المجتمع بأن الولد عليك أن تتركه يفعل ما شاء عند الكبر، فيصبح نابغة حتى إذا قيدته فإذا به ولد غبي، فما هو رأيك ؟
الجواب: أنا في هذا الموضوع وسطي أن أدع ابني يفعل ما يشاء لو فرضنا مثلاً: دعه يفعل ما يشاء رأى قنبلة هل يختبرها بنفسه، إن اختبرها وكانت قنبلة هل يبقى له في عمره لحظة ينتفع من هذه الخبرات ؟ لم تبقي هذه القنبلة في حياته دقيقة ينتفع من هذه الخبرة، لذلك في مثل هذه الأعمال الخطيرة ينبغي أن أحميه منها إذا تركته يذهب لأي مكان يشاء إلى أي نادي أو أي صديق ما كل معصية بعدها توبة، فبعض المعاصي مهلكة، أما إذا أراد أن يلعب أو يصمم على الكومبيوتر أشياء أنت لست قانعاً فيها دعه يجرب، مادام في حيز الأمان، أما في أماكن خطرة ممنوع إلا أن يكون توجيه من قبلك.
ورد في بعض الأحاديث:

((كثرة العرام في الصغر دليل حصافة العقل في الكبر))

إذا ابن صعب في صغره أرجو الله أن يكون ابن متفوق في كبره.
المذيع: في ختام هذه الأمسية لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أحد أبرز علماء دمشق ودعاتها، ونشكر الأخوة الحضور هنا في قاعة الدكتور محمود خالد في مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية التابعة لدار الفتوى لحضورهم ولمشاركتهم في هذه الأمسية، التي كانت حول أهمية التربية الدينية لدى الأطفال في الإسلام، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، ربنا زدنا علماً، شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور