وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 12 - طرابلس - العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة الكرام باسم منظمي هذا اللقاء المبارك جمعية الإصلاح الإسلامية وجمعية........... الإسلامية، أرحب بكم أجمل ترحيب واسمحوا لي باسمكم أن أرحب بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي لنعرفكم أيها الأخوة الكرام بعلمنا وأستاذنا في هذه الليلة، إنه فضليه الدكتور محمد راتب النابلسي من مواليد دمشق في عام 1938 نشأ أستاذنا الكريم في دمشق وترعرع في مدارسها الابتدائية والتجهيزية والثانوية انتسب إلى جامعة دمشق في فرعها آداب اللغة العربية وعلومها، ثم نال بتفوق الدبلوم والتأهيل التربوي، ثم نال الماجستير، ثم نال شهادة الدكتوراه من إنكلترا، وهو الآن أستاذ محاضر في كلية التربية في جامعة دمشق لما يقرب من 26 سنة وهو خطيب ومدرس ديني في مساجد دمشق له عدة مؤلفات منها نظرات الإسلام، تأملات في الإسلام، الله أكبر الهجرة، الإسراء والمعراج، أسماء الله الحسنة، وله دروس تبث في إذاعات إسلامية وفضائيات عربية، شارك محاضرنا الكريم في عدة مؤتمرات في أمريكة والشرق، فباسمكم جميعاَ نرحب في مدينتنا بمحاضرنا الكريم الذي تجشم عناء السفر و…. حتى وصل إلينا مع كلمته فليتفضل مشكورا.

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العلمين والصلاة على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
 فبادئة ذي بدء: أشكر لكم حضوركم الكريم، وأشكر واللجنة التنظيمية على دعوتها الكريمة، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم.
 أيها الأخوة الأحباب:
 الإنسان هو المخلوق الأول لقوله تعالى:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

( سورة الأحزاب: 72 )

 والإنسان هو المخلوق المكلف لقول الله تعالى:

 

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

 

( سورة الذاريات )

 والعبادات في أدق تعريفاتها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، ففي هذا التعريف جانب معرفي هو العلم، والعلم حاجة الإنسان العليا، ولا يؤكد الإنسان إنسانيته إلا إذا عرف الحقيقة، فالمؤمن ذو علم، المؤمن مرتبة علمية، وفي هذا التعريف جانب سلوكي هو الأصل.

 

((تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله حتى تعملوا بما تعلمون.))

 

[ أخرجه ابن عدي في الكامل والخطيب في التاريخ عن معاذ وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 والإسلام من دون تطبيق، من دون التزام، ومن دون وقوف عند الحلال والحرام، ومن دون تحكيم لشرع الله هو ظاهرة صوتية ليس غير لا تقدم ولا تأخر.
 وفي التعريف جانب جمالي ففي حياة المؤمن سعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.

 

فلو شاهدت عيناك من حســــننا  الذي رأوه لــما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت آذناك حســـن خطابنا  خلـعت عنك ثـياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحـــبة ذرة  عذرت الذي أضح قتيلاً بحـــبنا
ولو نسمت من قربنا لك نســـمة  لمت غريباً واشتياقاً لقربنــــا
***

 في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الله، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

 

 

﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

 

( سورة محمد الآية: 6 )

 في الدنيا، أي ذاقوا طعمها في الدنيا، إنها جنة القرب، والمؤمن أخرجه الله من الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، هذه مقدمة.
 الإنسان مكلف بعبادة الله، بل إن عبادة الله علة وجوده على سطح الأرض، علة وجوده، ولكن كيف توهم المسلمون أن العبادة لا تزيد على صلاة وصيام وحج وزكاة، هذا الوهم جعلهم ينحرفون انحرافاً خطيراً ذلك أن هذه العبادات يمكن أن تسمى بالعبادات الشعائرية، لكن هذه العبادات الشعائرية لن تستطيع قطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، ذلك أن سيدنا جعفر بن أبي طالب حينما قابل النجاشي قال حدثني عن الإسلام قال: أيها الملك كن قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسي الجوار، هذه هي الجاهلية الأولى، ومن كلمة الأولى يفهم أن هناك جاهلية ثانية لعلها أدها وأمر، حتى بعث الله فينا رجل نعرف أمانته وصدقه وعفافه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، أهم فكرة في هذا اللقاء ما لم تصح العبادات التعاملية لن نستطيع قطف ثمار العبادات الشعائرية، طالبوني بالدليل، لا يستطيع إنسان كائن من كان أن يقول في الدين برأيه، لنأخذ شهادة أن لا إله إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام:

 

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها، قال: أن تحجزه عن محارم الله. ))

 فإن لم تحجزك لا إله إلا الله عن محارم الله لا قيمة للنطق بها ولا جدوى من النطق بها، ولن تقطف ثمارها، أما عن الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

((يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا قيل يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.))

 إذاً: هؤلاء الذين لم يلتزموا، ولم يستقيموا، ما استطاعوا أن يقطفوا ثمار الصلاة، جعلها الله هباء منثورا، هي وأعمالهم، لو أخذنا الصيام:
 من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشراب.
 لنأخذ الحج:
 من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب وقال لبيك اللهم لبيك ناده منادي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك.
 نأتي إلى الإنفاق:

 

 

(( قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمً فَاسِقِينَ ))

 أيها الأخوة:
 هذه العبادة الخمس، هذه أركان الإسلام، إن لم ترافقها عبادات تعاملية صحيحة لن نستطيع قطف ثمارها، لن أستطيع أن أقول دعوا هذه العبادات، أقول ثابروا عليها ولكن أرفقوها بالالتزام والطاعة، هذه أدلة خاصة، فما الأدلة العامة ؟ سئل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه:

 

 

((من المفلس ؟ قالوا من لا درهم له ولا متاع، قال: لا المفلس من أتى بصلاة وصيام وصدقة وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته طرحوا عليهم سيئاتهم حتى يطرح في النار.))

 ورد في الصحيحين:

 

 

(( أن النبي سئل إن فلانة تذكر أنها تكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانه بلسانه قال: هي في النار.))

 

((دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.))

 ماذا تفعل هذه العبادات الشعائرية التي تؤدى أداء جوفياً إذا أهملت العبادات التعاملية.
 أخوتنا الكرام:
 العبادات التعاملية تشبه العام الدراسي، والعبادات الشعائرية تشبه ساعات الامتحان الثلاث، فماذا يفعل طالب لم يدرس، ولم يحضر، ولم يكتب، ولم يذاكر، في ساعات الامتحان الثلاث، هذه حالة معظم المسلمين، يؤدون العبادات وليسوا في مستوى المعاملات، بل إن من يقوم بالدعوة إلى الله بدل أن يرفع الناس إلى مستوى العبادات الصحيحة يهبط هو إلى مستواهم، فإذا الفتاوى لا تقبل ولا تعقل وكنت أقول خذوا دينكم عن الأرضيات ولا تأخذوه عن الفضائيات، وكأن لكل معصية فتوى والذي يعنينا أن نأخذ التقوى لا الفتوى لأنك لو انتزعت من فم النبي عليه الصلاة والسلام، لو أنك التقيت به فرضاً وانتزعت من فهمه فتوى لصالحك ولم تكن محقاً لا تنجوا من عذاب الله، لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر، فإذا قضيت له بشيء فإنما أقضي له بقطعة من النار.
 أيها الأخوة الكرام:
 هذه العبادات، عبادات تعاملية هي الأصل، وعبادات شعائرية هي الثمرة، فما لم تؤدى العبادات التعاملية، ما لم يكن المجتمع الإسلامي منضبطاً بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، ما لم يكن المسلم وقافاً عند كتاب الله، ما لم يحل المسلم الحلال ويحرم الحرام، عباداته الشعائرية مظهر فلكلوري وعادة من عوائدهم ومناسبات اجتماعية خلت من روحها التعبدية، طبعاً نحن في رمضان حينما يغدو هذا الشهر شهر اجتماعياً تقام فيه الحفلات والدعوات والولائم والسهرات ومتابعة المسلسلات، أين هذا السلوك من سلوك المؤمنين الصادقين.
 أيها الأخوة:
 هذا نوع من العبادات، العبادات التعاملية والعبادات الشعائرية كنوع آخر سماه العلماء عبادة الهوية، أنت من ؟ بماذا أقامك الله عز وجل ؟ أقامك غنياً عبادتك الأولى أنفاق المال، أقامك عالماً عبادتك الأولى تعليم العلم، أقامك قوياً عبادتك الأولى إنصاف الضعيف، وإحقاق الحق، أقامكِ امرأةً عبادتكِ الأولى كما قال عليه الصلاة والسلام:

((حسن رعاية زوجك وأولادك، اعلمِ أيتها المرأة وأعلم من دونك من النساء،أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 هذه عبادة الهوية فضلاً عن أن كل واحد من هؤلاء يؤدي العبادات الشعائرية ويقف عند الحلال والحرام ولكن عبادته الأولى إن كان غنياً إنفاق المال، إن كان عالماً تعليم العلم، إن كان قوياً إنصاف الضعيف والمظلوم، إن كان امرأة رعاية الزوج والأولاد، هذه عبادة الهوية.
 بقي عبادة الظرف، نحن في ظرف معين الأب مريض، العبادة الأولى العناية بالأب، عندك ضيف العبادة الأولى إكرام الضيف، عندك ابن على مشارف الامتحان العبادة الأولى رعاية هذا الابن، هناك عبادة الهوية وعبادة الظرف.
 على مستوى الأمة هناك عبادة الوقت، الطرف الآخر يريد إفقار المسلمين، فالعبادة الأولى كسب المال الحلال وحل مشكلات المسلمين فكاد الفقر أن يكون كفراً، حينما تهيئ فرص العمل، حينما توفر الحاجات حينما تمسح دموع البؤس، أنت في أول عبادة إذا كان الطرف الآخر يسعى لإفقار المسلمين، ونهب ثرواتهم، وأخذ خيراتهم، وإفقارهم، هذه عبادة، أما إذا أراد الطرف الآخر أن يضل المسلمين، أن ينشر البدع، أن ينشر الضلالات، أن يفجر الإسلام من داخله، وفي المناسبة نحن نخشى على هذا الدين لا من أعدائه، لأن أعدائه مكشوفون، نخشى على هذا الدين من أدعيائه وكأن الطرف الآخر لا يستطيع أن يواجه الدين، ولكن يستطيع أن يفجره من داخله، يستطيع أن يصنع فرقاً إسلامية ضالة تشوه معالم الدين، يستطيع أن يقدم نموذجات للعالم كله عن إسلام هو في أصله جريمة، عن إسلام هو في أصله تطرف، عن إسلام هو في أصله غلو فحينما يريد الطرف الآخر أن يشوه معالم الدين، وأن ينشر البدع والضلالات، أو أن يصطنع فرق إسلامية ضالة تأتمر بأمره، أول عبادة في مثل هذا الظرف أن نوضح معالم الدين، أن نرسخ مبادئ الدين، أن نعزز قيم الدين، أن ننشر الهدى.
 أيها الأخوة:
 كلمة صادقة هي عند الله أفضل صدقة، ما من صدقة أفضل عند الله من كلمة الحق، بل إن الأنبياء بماذا جاءوا، جاءوا بالكلمة الصادقة.

 

﴿مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾

 

( سورة إبراهيم الآية: 24 ـ 25 )

 أيها الأخوة:
 وإذا أراد الطرف الآخر إفساد أخلاق المسلمين، ما من سلاح حاربنا الغرب فيه كسلاح المرأة، يوم كانت بلادنا مستعمرة، كان كل واحد يناضل ويقاتل فصار مناضلاً، أما حينما كان غزوهم غزواً ثقافياً انحلت فيه القيم وتفلتت فيه الأسر وتفرقت، فالغزو الثقافي هو أخطر ألف مرة من الغزو العسكري، ذلك أن الغزو الثقافي أفرغ الدين من مضمونه وجعل الإنسان يلهث وراء شهوته، حينما يريد الطرف الآخر أن يفسد أخلاق أبناءنا ينبغي أن نبحث عن البديل، ينبغي أن نبحث عن مناشط صحيحة سليمة إسلامية، ينبغي أن نصون أخلاق أولادنا، هي عبادة أولى أن تقدم للجيل الجديد البديل الإسلامي هاهي عبادة، أما حينما يخطف الأبصار وميض حضارة مزيفة تأخذ أولادنا إلى مستنقع الرذيلة هذه مشكلة كبيرة.
 أيها الأخوة:
 فيما مضى كان الفساد محصوراً في أماكن محدودة، شأنه كشأن حديقة حيوان تقليدية، الوحوش في أقفاصها والزوار طلقاء، لكن الوضع اليوم يختلف عن سابقه الفساد اليوم يشبه حديقة حيوان أفريقية، الوحوش طليقة والزوار ما لم يلتحقوا بمركبة مصفحة تأكلهم الوحوش، الفساد في كل مكان لو فتحت الصحيفة اليومية ترى فيها صوراً لا ترضي الله، وإذا نظرت إلى الشاشة ترى فساد عريضاً، لو قرأت كتاباً، لو نظرت إلى إعلامٍ ما من شيء يحقر المرأة كأن تكون سلعة من هذه السلع، المرأة في الإسلام مقدسة، بل إن الذي يقاتل من أجل امرأة أمه أو أخته أو ابنته أو زوجته يعد شهيداً، ما من دين رفع قيمة المرأة هذا الرفع كالإسلام.
 اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
 أيها الأخوة الكرام:
 حينما قلدنا الغرب تقليد أعمى وتجاهلنا قيمنا ومبادئنا وقعنا في شر أعمالنا، فحينما يريد الطرف الآخر إفساد أخلاقنا لا بد من أن نصون أجيالنا بمناشط إسلامية، لا بد من أن نقدم لهم البديل، كي تحفظ أخلاقهم ومبادئهم، الطرف الآخر يعتمد الفكر الإلحادي والسلوك الإباحي، فمن أراد أن يسلم أبناءه للطرف الآخر يستقون الثقافة من برامجهم ومن ألعابهم ومن أفلامهم فكأنما سلمت أولادك لإباحي وملحد.
 أيها الأخوة الكرام:
 وحينما يريد الطرف الآخر إذلالنا يريد إفقارنا، فكسب المال الحلال وحلت مشكلات المسلمين يعد هذا عبادة أولى، وحينما يريد إضلالنا فترسيخ معالم الحق وتعزيز قيم الدين يعد العبادة الأولى، وحينما يريد الطرف الآخر إفسادنا تهيئة مناشط إسلامية لأجيالنا الصاعدة يعد العبادة الأولى، إن أولادنا الآن ـ دققوا فيما سأقول ـ هم الورقة الرابحة في أيدينا والإنسان مهما علا في سلم التفوق، التفوق العلمي، نال أعلى شهادة في العالم، أو جمع أكبر ثروة، أو وصل إلى أعلى منصب ما لم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس، فالإنسان يشقى بشقاء أولاده، وهذه النقطة قد يغفل عنها المسلمون، حينما يرى الأب المسلم ابنه شارداً بعيداً عن الدين لا يعبأ بقيم الدين، منغمس في شهوات محرمة، يعني يكاد قلبه يعتصر ألماً، لذلك قال تعالى:

 

﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا﴾

 اثنان.

 

 

﴿مِنَ الْجَنَّةِ ﴾

 ما قال فتشقيا، قال:

 

 

﴿فَتَشْقَى (117)﴾

 

( سورة طه الآية: 117 )

 ما الملمح الدقيق في هذه الآية ؟ أي أن شقاء الرجل شقاء حكمي للمرأة وأن شقاء المرأة شقاء حكمي للرجل، ويقاس عليه وأن شقاء الأولاد شقاء حكمي للأب والأم، فما لم ننتفض انتفاضة إسلامية كي نصون أولادنا من إباحية الغرب وانحلال الغرب وفسق الغرب وفجور الغرب وقف رئيس أمريكي قبل سنوات وقال: إن أربعة أشياء تهدد أمريكا، والله أنا حينما سمعت الخبر قفز ذهن إلى الصين، أو إلى التجمع الأوربي، أو إلى اليابان، ثم فوجئت أن هذه الأشياء الأربعة هي انتشار الجريمة وتفكك الأسرة، وشيوع المخدرات، وما إلى ذلك.
 أيها الأخوة الكرام:
 يعني في مجتمعاتنا والفضل لله عز وجل بقية حياء، بقية خجل بقية إنصاف، بقية عفة هذه ينبغي أن تنمو، وأن تترعرع حتى تكون حصناً حصيناً لنا.
 أيها الأخوة:
 هذه عبادة الوقت، وإذا أراد هذا العدو أن يذلنا أن نثأر لكرامتنا وأن نضع مصالحنا تحت أقدامنا حينما تهدد كرامتنا هذه أيضاً عبادة أولى.
 يروي التاريخ أن ملكاً من ملوك الغساسنة قدم إلى عمر رضي الله عنه اسمه جبلة بن الأيهم رحب به عمر أشد الترحيب في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدوي من فزارة طرف رادءه فنخلع من عن كتفه فالتفت هذا الملك إلى هذا البدوي وضرب على أنفه ضربة هشمت أنفه، ما كان من هذا البدوي من فزارة إلا أن اشتكى إلى عمر بن الخطاب فلما استدعى عمر هذا الملك جرى حوار بينهما نظموا بعض الشعراء المعاصرين شعراً:
 قال عمر: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
 قال جبلة: لست ممن ينكر شيئا، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
 قال عمر: أرضي الفتى لا بد من إرضاءه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك.
 قال جبلة: كيف ذاك يا أمير، هو سوقة ـ من عامة الناس، من دهمائهم، من سوقتهم ـ هو سوقة، وأنا عرش وتاج، كيف ترض أن يخر النجم أرضا.
 قال عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديدة، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا.
 فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني.
 قال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه بشذا السيف يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 علق بعضهم على هذه القصة أن عمر ضحى بملك ولم يضحِ بمبدأ بالمناسبة كلما عظم المبدأ صغر الشخص، وكلما كبر الشخص صغر المبدأ ففي مجتمعات الازدهار الإسلامي المبادئ مقدسة، وأشخاص ينالون قدسية إذا طبقوا المبادئ، يا رسول الله مثل بهم كما مثلوا بعمك الحمزة، فقال عليه الصلاة والسلام:

((لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً ))

 المبادئ فوق الأشخاص، كلما كبر المبدأ صغر الأشخاص، وكلما كبر الأشخاص صغر المبدأ.
 أيها الأخوة:
 لا زلنا في أنواع العبادة، هناك شيء دقيق لا بد من أن نقف عنده وهو أن الحياة المادية فيها موازين، فيها موازين للتفوق، لا شك أن المال أحد القيم التي يتفاضل الناس بها، لا شك أن القوة أحد القيم التي يتمايز الناس بها، لا شك أن الوسامة والذكاء وكثرت المال وكثرت الوجاهة من قيم الأرض، ولكن ما مقاييس الله في التفوق ؟ هنا مشكلة كبيرة، يقول الله عز وجل:

 

﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 185 )

 مقياس التفوق عند الله عز وجل أن يزحزح الإنسان عن النار وأن يدخل الجنة، وهذا هو الفوز الحقيقي، ما لم تأتِ مقاييس التفوق عند المؤمن مطابقة لمقاييس التفوق في القرآن فحاله صعبة جداً هذا هو التمزق هو يعتمد مقاييس دنيوية، عاهد نفسك ألا توازن بين رجلين، ولا بين عملين، ولا بين فئتين، ولا بين جماعتين، ولا بين أمتين، ولا بين دولتين، إلا إذا أضفت الآخرة إلى كل منهما، إذا أضفت الآخرة إلى كل منهما صح التوازن، يعني مثل واضح، مطعم لا يبيع الخمر متواضع دخله محدود، مطعم آخر يبيع الخمر فيه راقصات ومغنون دخله كبير إياك أن تقول هذا المطعم الذي يبيع الخمر ولا يعبأ بقيم الإسلام صاحبه ذكي، لا، صاحبه غبي لأنه ينتظر عقاب أليم، أنت حينما تضيف الآخرة إلى الدنيا مع كل موازنة يصح التوازن نحن عندنا مشكلات لا تنتهي ولكن حينما تصح عقيدتنا ويصح عملنا فقد وعدنا الله بجنة عرضها السماوات والأرض.
 دخل عمر على رسول الله وقد اضطجع على حصير أثر في خده الشريف فبكى عمر، قال يا عمر ما يبكيك، قال رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير، قال:

((يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً، أفي شك أنت يا عمر، أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ))

 يعني أتمنى أن أوضح هذه الفكرة، إيمان معظم المسلمين بالآخرة إيمان شكلي، تركيزهم كله على الدنيا، فرحهم بالدنيا، حزنهم على الدنيا، منافستهم على الدنيا، ما لم تجد في عمل المؤمن يقيناً بالآخرة وسعياً لها لن ننجح ولن نفلح ولن نتفوق، الحقيقة لن تجد في العالم الإسلامي من يكذب بالآخرة تكذيباً قولياً، ولكنك إذا نظرت إلى أحوال المسلمين الذي يأكل المال الحرام يرى أن هذا المال أكبر عنده من طاعة الله، ولو قال في صبيحة يوم العيد الله أكبر، لو قالها ألف مرة ما قالها في الحقيقة ولا مرة، لأنه رأى أن هذا المال الذي حصله من غش المسلمين أكبر عنده من طاعة الله وهذا الذي يرى أن لا تروج بضاعته إلا إذا جعل إعلاناً فاضحاً مع امرأة شبه عارية حتى يبيع، هذا لو قال صبيحة يوم العيد الله أكبر ما قالها ولا مرة ولو لفظها بلسانه ألف مرة، مشكلتنا أن مصطلحات الإسلام فرغت من مضمونها، صار الإسلام عبادات شعائرية ليس غير، وأما حياتنا في بيوتنا، في متاجرنا، في سفرنا، في حلنا، في ترحالنا، في مآسينا، في أفراحنا، نمط غربي، وهذه مشكلة المشاكل الآية الدقيقة:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 33 )

 النبي انتقل إلى رحمة الله ما معنى الآية بعد انتقاله ؟ قال علماء التفسير: ما دامت سنة النبي مطبقة في حياة المسلمين فهم في مأمن من عذاب الله، ما دام البيت إسلامياً، والمكتب إسلامي، والتجارة إسلامية والأفراح إسلامية، والأتراح إسلامية، ما دام الإسلام مطبقاً في حياة المسلمين هم في بحبوحة، هم في مأمناً من عذاب الله.

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ﴾

 أخوانا الكرام:
 ما لم تترسخ في أعماقنا مقاييس التفوق التي في القرآن:

 

 

﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

 كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله.

 

 

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) ﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 71 )

 أريد أن أوضح فكرة أعلق عليها أهمية كبرى، الآية هذه معناها واضح جداً، لا تحتاج معها لا إلى تفسير ولا إلى قرطبي ولا إلى الزمخشري ولا إلى البيضاوي ولا إلى الطبري واضحة كالشمس.

 

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) ﴾

 لمجرد أن تتمنى ما عند الطرف الآخر من مال عريض، الطرف الآخر يعصي الله كل يوم، منغمس في شهوات محرمة، متفلت من منهج الله، فإذا كان غنياً وعظمته أنت لم تعش هذه الآية إطلاقاً، لما خرج قارون على قومه قال الذين يريدون الحياة الدنيا:

 

 

﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

 

( سورة القصص الآية: 79 ـ 80 )

 يعني أنت حينما توقن بالآخرة وأنها هي دار الحيوان، دار الحياة الحقيقية، وأن هذه الدنيا مهما طالت، يعني أنا أضرب هذا المثل واحد في الأرض، وأصفار إلى الشمس كل ميليمتر صفر كم هذا الرقم، ثلاثة أصفار ألف، ثلاثة أخر مليون، ثلاثة أخر ألف مليون، كل ميليمتر صفر من الأرض إلى الشمس، أجعل هذا الرقم الذي لا يقبل عقل أجعله صورة وأجعل مخرجه ألا لا نهاية فقيمته صفر، لذلك لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. على ذكر البعوضة قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 26 )

 إلهٌ عظيم يضرب بعوضة مثلاً على قدرته، قال هذه البعوضة التي نحتقرها والتي نقتلها وكأننا لم نفعل شيئاً، هينة علينا إلى درجة غير معقولة، تضربها وأنت مرتاح، هذه البعوضة لها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، جناحا البعوضة ترف أربعة آلاف رفة في الثانية الواحدة، البعوضة عندها جهاز رادار فإذا كانت في الغرفة في الليل تتجه إلى جبين الصبي دون أن تتجه إلى شيء آخر، ولعل الأشعة الحمراء المنبعثة من جبين الصبي هي التي تتحكم بجهازها الرادار، البعوضة تملك جهاز تحليل، ما كل دم يناسبها، فقد ينام أخوان على فراش واحد تلدغ واحد دون الآخر، عندها جهاز تحليل، وحينما تقف على جبين الصغير تخدره لئلا يقتلها، متى يضرب مكانها بعد أن تطير، بعد أن زال التخدير عندها جهاز رادار، وجهاز تحليل، وجهاز تخدير، ولئن خرطومها دقيق جداً لا بد من جهاز تميع للدم حتى يسري من خرطومها، إن أرادت أن تقف على سطح ألمس كالبلور استخدمت المحاجم، وإن أرادت أن تقف على سطح خشن استخدمت المخالب، لها في أرجلها مخالب ومحاجم تشعر من رائحة عرق الإنسان من ستين كيلومتر.

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾

 الحقيقة أيها الأخوة: ما دمنا قد تحدثنا عن بعض الآيات معرفة الله عز وجل أصل الدين لعل مشكلة المسلمين الأولى أنهم عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر، فتفننوا في التفلت من الأمر، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر فتفننوا في التفلت من الأمر، لكن المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضوا حقبة طويلة في مكة يتعرفون إلى الله، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، وإذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، وهذه مشكلة واضحة لديكم، لكل معصية فتوى، الربا الصريح القرآني ربا القروض أحل في مصر من قبل أعل هيئة استشارية دينية، ما من معصية إلا ولها فتوى، هذه مصيبة المصائب، كان الإسلام مكعباً حديدياً ثم أصبح كرة حديدية زالت نتوءاته ثم أصبح كرة مطاطية ثم كرة لزجة ثم سائل الآن غاز، في فلكلور إسلامي، في تراث إسلامي، في أبنية إسلامية، في فن إسلامي، في رسم إسلامي، لكن ما في إسلام، بقلك خلفية إسلامية، نزعة إسلامية أرضية إسلامية، اتجاه إسلامي، اهتمامات إسلامية، عاطفة إسلامية لكن ما في إسلام، صار في شيء اسمه إسلام صالونات، لأن الدين أصبح الورقة الرابحة بأيدي الناس صار كل إنسان يدلوا بدلوه في الدين، وغير ملتزم إطلاقاً، لذلك حينما ترى التفلت في شتى بقاع الأرض لا تعتب على الله عز وجل إن لم يدعم هؤلاء المسلمين، ذكرت آية في البعوضة آية أذكرها بشكل عابر في جسم الإنسان.
 في الإنسان غدة اسمها الغدة النخامية، هذه ملكة الغدد، وزنها نصف غرام فقط، مرتبطة بالجسم تحت السرير البصري بمئة وخمسين ألف عصب، في الجسم نظام عصبي على رأسه الدماغ، فالدماغ ملك الجهاز العصبي، وفي الجسم نظام هرموني على الغدة النخامية وهي ملكة هذا الجهاز، هذه الغدة تفرز هرمون النمو، هذا من أخطر هرمونات الجسم، مؤلف من مئة وثمانية وثمانين حمض أميني، وذرة واحدة من الحمض الأميني لا يمكن أن تصنعها صدفة ذرات الكون بأكمله، هذا ما ورد في كتاب " الله يتجل في عصر العلم " ذرة واحدة من حمض أميني لشدة تعقيدها لا يمكن أن تصنعها ذرات الكون بأكمله، فهذا الهرمون مؤلف من 188 حمض أميني، نسبه في الدم عشرة ميكروغرام في كل لتر، إن زادت هذه النسبة تعملق الإنسان، وإن قلت تقزم الإنسان، من أخطر هرمونات هذه الغدة وزنها نصف غرام، هرمون آخر هرمون الكظر، الكظر غدتان فوق الكليتين، لو إن إنسان شاهد أفعى في بستان لا سمح الله ما الذي يحصل بالضبط آلية الحصول، صورة الأفعى تنطبع على شبكيته صورة، إحساساً، فإذا انتقلت إلى الدماغ أصبحت إدراكاً هناك مفهومات الأفعى درسها في المدرسة، رأى أفعى مرة، رآها في قطرميز مرة، سمع بعض القصص عنها، هذه القصص وهذه المشاهدات وتلك التجارب شكلت عنده في الدماغ مفهوم الأفعى، فحينما وقعت صورة الأفعى على شبكية العين أحس الإنسان بصورتها فإذا انتقلت إلى الدماغ حس بخطورتها، فالجهاز العصبي يأمر ملكة الجهاز الهرموني عن طريق الجسم تحت السرير البصري يأمرها أن تتصرف، هي ملكة عندها وزيرة داخلية " الكظر " الغدو النخامية تفرز هرمون إلى غدة الكظر تأمره أن يتصرف الكظر يرسل هرمون إلى القلب يرفع ضربات القلب إلى مئة وأربعين ضربة بالدقيقة، فالخائف لو قست نبضه وجدته فوق المئة والأربعين نبضة، ترسل هرمون آخر إلى الرئتين، كي يرتفع وجيبهما كي تتناسب، يتناسب الوجيب مع دقات القلب، فالخائف يلهث، ثم أن هذه الغدة الكظر بأمر من النخامية تفرز هرمون إلى أوعية الدم المحيطة، فكان الإنسان وردي اللون، جميل الصورة يصبح أصفر اللون، لماذا يصفر جلد الخائف لأن هرمون الكظر أمر الأوعية المحيطة بتضيق لمعتها فالخائف يصفر لونه، هرمون رابع يتجه إلى الكبد يأمر الكبد بطرح كمية سكر إضافية كي تكون وقوداً لعمل استثنائي، لو فحصت دم خائف لوجدته فيه نسب سكر عالية، ثم إن هذا الكظر يرسل هرمون خامس إلى الكبد لإفراز هرمون التجلط فاحتمال تجلط صفائح الدم في الأوعية أعلى بكثير في الخوف منه من دون خوف، والشيء المؤسف أن مادة النكوتين في الدماغ تفعل فعل هرمون الكظر تماماً، فالمدخن يتسرع قلبه، وترتفع وجيب رئتيه، ويصفر لونه، ويزداد نمو هرمون التجلط عنده، ويزداد السكر في دمه، وهذا بشكل مستمر، لذلك احتمال حدوث جلطة في المدخنين ثمانية أضعاف غير المدخنين، فإذا قال الله عز وجل:

 

 

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 157 )

 معنى ذلك أن هذا دليل التحريم العام للدخان.
 أيها الأخوة:
 قال تعالى:

 

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾

 

( سورة فصلت الآية: 53 )

 عثرت على موقع معلوماتي لوكالة فضائية هي أكبر وكالة في العالم، فإذا فيها صورة هي وردة جورية، وردة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، أوراق حمراء وداكنة حولها ورقات خضراء زاهية في وسطها كأس أرزق اللون، التعليق تحت، إنها صورة لانفجار كوكب اسمه عين الكبت يبعد ثلاثة آلاف سنة ضوئية عن الأرض، لو قرأت كل التفاسير لقوله تعالى:

 

﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)﴾

 

( سورة الرحمن الآية: 37 )

 لا يمكن أن ترتوي منها، بل ترتوي بهذه الصورة، إن هذه الصورة هي تفسير هذه الآية.
 أيها الأخوة الكرام:
 لا بد من أن نعرف الله حتى نعظم أمره، فقيمة الأمر بقيمة الآمر وقيمة الرسالة من قيمة المرسل، شيء أخير بقي، هي قوله تعالى:

 

﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾

 

( سورة القلم الآية: 48 )

 لو أن الأمر واضح لا يحتاج إلى صبر، لكن حينما لا تأتي الأخبار كما تتمنى، حينما تصاب بخيبة أمل، يجب أن تدرك أن لله حكمة ما بعدها حكمة، قد تكشفها وقد لا تكشفها، فكل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
 أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 شكراً لمحاضرنا الكريم ونسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
 أيها الأخوة نفتح الآن المجال للأسئلة.
 أخوانا الكرام:
 سؤال: يقول صاحب هذه الورقة شاب بفضل الله عرف الله بفضل منه ورحمة لكنه رجع عن طاعة الله، عما كان عليه سابقاً فلهذا يحس اليوم في ضيق في صدره وألم في قلبه هو بشوق للعودة إلى ربه فيتوب ثم ينحرف.
 الجواب: هذا الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً جاء لراهب قال له ألي توبة قال لا فأكمل عليه المئة لكن الآخر نصحه أن يخرج من أرض المعصية، فهذا الشاب لو أنه ترك البيئة الفاسدة التي حوله صحت توبته لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

 

( سورة التوبة الآية: 119 )

 ما دمت في بيئة منحلة، ما دمت في بيئة تعصي الله، لا تستطيع أن تتوب إطلاقا، لا بد من حمية اجتماعية.

 

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 51 )

 مرة واحد وقف أثناء إلقاء درس قال لي يا أستاذ نستمع إلى درسك نطير شوق وفرحاً إلى الله، فإذا ذهبنا إلى البيت عدنا إلى ما كنا عليه حل هذه المشكلة، قلت له غير الطقم، أنت محاط بمجموعة أصدقاء ما لم تبعدهم عنك لن تستطيع أن تتوب إلى الله ينبغي أن تتولى المؤمنين لا تتولى الفاسقين.
 سؤال: حبذا لو تعيدوا علينا تعريف العبادة.
 الجواب: هي طاعة طوعية، لو أنها قسرية لا تعد عبادة ممزوجة بمحبة قلبية، لو أطعت الله ولم تحبه ما عبدته، لو أحببته ولم تطعه ما عبدته.

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه  إن المحب لمن يحب يطيــع
***

 طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
 جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي.
 سؤال: ما حكم البنوك الإسلامية ؟
 الجواب: إذا كان مبادئ البنوك الإسلامية إسلامية حقيقة مباحة يعني بنك يجمع الأموال من الناس يوظفها في مشاريع إسلامية صحيحة زراعية صناعية تجارية يوزع الأرباح على نسب بقاء المبالغ في البنك توزيعاً حقيقياً بنك إسلامي صحيح ما في ولا مشكلة، لكن المشكلة أن هذه البنوك تعلن عن نفسها أنها إسلامية وهو في حقيقتها ليست إسلامية فحينما مثلاً يعلم الغرب أننا لا نأكل إلا ذبيحة ذبحت وقف الشريعة الإسلامية يأتوننا بسمك سردين ذبح وفق الطريقة الإسلامية، يضحكون علينا.
 سؤال: شاب متدين يدرس الناس ويخطب على المنابر، ذلك أن هناك مشكلة تعتريه وهي معصية كان يقوم بها قبل التزامه وعند التزامه وبعد التزامه ومازال يقوم بها ماذا يفعل ؟
 الجواب: لا بد من إرادة قوية، أما هذا الذي ينهار أمام شهوة هو أقل من أن يعظ الناس ابن آدم عظ نفسك، فإذا وعظتها فأعظ غيرها وإلا فاستحي مني، أقول لهذا الشاب لا بد من أن يبتعد عن أسباب المعصية الله عز وجل:

 

 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

 

( سورة الإسراء الآية: 32 )

 ما قال لا تزنوا، لأنه، لو فرضنا وزير كهرباء وضع خط توتر عالي وهذا خط التوتر العالي يجذب الإنسان من ثمانية أمتار ويجعله فحماً هذا الوزير ينبغي أن يكتب ممنوع الاقتراب أما ممنوع مس التيار، لو اقترب من التيار أقل من ثمانية أمتار صار فحمة، يجب أن يكتب ممنوع الاقتراب، ففي معاصي لها قوة جذب، منها الزنى، الله قال:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

 فكل إنسان يبتعد عن أسباب المعصية يحميه الله منها، أما إذا اقترب، إذا نظر، إذا فكر، إذا قرأ، إذا صاحب الأراذل، بالمناسبة عد العلماء ثلاثين حالة تجرح العدالة منها صحبة الأراذل، منها التنزه بالطرقات منها الحديث عن النساء، منها أن يقود جرذوناً، منها أن يطلق لفرسه العنان، منها أن يطفف بتمرة، منها أن يأكل لقمة من حرام فالحديث عن النساء وصحبة الأراذل يجرح العبادة ويقرب من هذه المعصية فلعل هذا هو الحق.
 سؤال: شخص شهد بالزور في أحد المحاكم.
 الجواب: يعني مرة سمعت من رجل نحن عندنا في الشام في نظام تموين صارم، فإذا في مخالفة تموينية يُدعى المخالف إلى حلف اليمين، وإلى شهود، واحد ارتكب مخالفة تموينية ذهب إلى شاهد، قال له أريد خمسة آلاف، شاهد زور طبعاً، فلما دخل إلى قاعة المحكمة، أمره القاضي أن يحلف يمين على المصحف قال له دعني دقيقة، خرج من صاحبه أريد عشرة ليش فيها حلف يمين هذه.
 تابع السؤال: فهذا الإنسان يشهد الزور في إحدى المحاكم وثم يعاود ويقرأ القرآن في المسجد فما حكم هذا الرجل ؟
 الجواب: هذا الذي قلته عنوان محاضرتي، عبادته التعاملية ما صحت، إذاً عبادته الشعائرية ومنها تلاوة القرآن لا تقبل، ولا يقطف ثمارها، يعني هذا الفصل مضحك بين الدنيا وبين الدين، الدين والدنيا واحد.
 سؤال:

 

﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً﴾

 

( سورة الأحقاف الآية: 15 )

 الله عز وجل أمرنا أننتم الرضاعة في سنتين، السنتين كم شهر ؟ 24 شهر، أقل حمل ستة أشهر، وامرأة ولدت في ستة أشهر فاتهمها زوجها بالزنى وكاد يقتلها جاء إلى أحد أصحاب رسول الله قال له لا صحيح.

 

﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً﴾

 فإذا كان الرضاع في سنتين حسب الآية الكريمة.

 

 

﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 233 )

 اطرح 24 من 30 صار الحمل ستة أشهر، هذا مقبول أحياناً لكن يقولوا: هي طرفة طبعاً، واحد فاتح كثير يعني نمطه غربي وزوجته كذلك أنجبا طفلاً أسود اللون شك بزوجته فتهجم بها أقنتعه أنها كانت في شرفة مر عبد أسود توحمت عليه فكان هذا المولود، فتلكم لأمه بهذه القصة، قال له والله يا ابني أنا كنت قاعد بالبردنة شفت حمار فتوحمت عليه فكنت أنت.
 سؤال: يقول حدثنا عن الاستسلام للقضاء والقدر.
 جواب: كل شيء بقضاء وقدر، والإيمان بالقدر نظام التوحيد والإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، ما في شر في العالم المادي، الشر في النفوس، لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بحكمة مطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق فأنت حينما تعلم أن الكافر لن يسبق الله ما معنى هذا ؟ أي لم يفعل شيئاً ما أراده الله، لا يعقل أن يقع شيء في كون الله من دون إرادة الله، لكن الحكم قد لا نعرفها نحن، نحن قد نتسرع، نحن قد نعلق آمالاً على جهة هي أقل من ذلك فإذا فشلت هذه الجهة أصبنا بخيبة أمل، البداية غير متوازنة، فالنهاية إحباط، أما إذا كانت البداية متوازنة النهاية ليست إحباطاً.
 سؤال: يقول أخ كريم أعطونا نبذة عن إنسان يعني منحرف في عقيدته، لا أذكر اسمه
 الجواب: أنا أعطيك قاعدة، دعك من الأسماء لأن أحد كبار العلماء قال نحن لا نكفر بالتعيين، لا يمكن أن أقول فلان كافر، أنا أقول من قال كذا فقد كفر، قاعدة، أية فرقة، دققوا، ألهت الأشخاص وخففت التكاليف واعتمدت نصوصاً موضوعة وكان ذات نزعة عدوانية فهي فرقة ضالة، من عهد رسول الله وإلى يوم القيامة تأليه الأشخاص تخفيف التكاليف اعتماد نصوص موضوعة نزعة عدوانية، فرقة ضالة.
 سؤال: ماذا تقول في أصحاب الاشتراكات الفضائية، التي تتضمن بعض المحطات الفاسدة غاية الفاسد، هل هم من المسلمين؟.
 الجواب: أم من العصاة ولا شك، هذه المعاصي طبعاً إبليس مسلم بالمعنى الذي نتوهمه، كيف ؟ قال له ربي " آمنا به رب، قال له فبعزتك آمنا به عزيزاً، قال له أنظرني إلى يوم يبعثون آمنا بالآخرة، قال له خلقتني، آمنا به خالقاً، ومع ذلك إبليس، فمثل هذا الإيمان إيمان إبليسي يلي غارق في بالانحرافات والشهوات إلى قمة رأسه بقلك أنا مسلم قل له هذا إسلام إبليس وإيمان إبليسي، نعم.
 سؤال: أنا فتاة محجبة.
 جواب: إذا كان غير محجبة معناها محجوبة عن الله ـ إما أن تكون الفتاة محجبة أو محجوبة، بالمناسبة يا أخوان هناك فتيات كريمات تقول الرجال فضلوا علينا حضور الجمعة والجماعات والجهاد في سبيل الله تذكر قائمة طويلة مما فضل الرجال عن النساء، أنا أقول هناك عبادة خاصة بالنساء، فضلن بها علينا، عبادة الحجاب، هذه العبادة سميها إذا شئت إعفاف الشباب، هذه المرأة التي جعلها الله محببة للرجال مفاتنها لزوجها وإلى محارمها مع الحشمة، لا لعامة الناس في الطريق، أنت افتح باب السيارة خاصة وأغلقه له رنينة، لأنه خاصة السيارة، أما العامة كأنها طنبر، للكل هي، فالمرأة المسلمة نمرة خاصة، وغيرها عامة لكل من في الطريق، فحينما تبرز مفاتنها لكل الناس هي استخفت بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليها، ولكل فتاة محجبة مستقبل مزهر متألق.
 سؤال: ما معنى كهعيص ؟
 الجواب: بعضهم قال من هذه الحروف نظم القرآن، هي بين أيديكم، اجعلوا من هذه الحروف آية تقلدون القرآن، هذا تحدي إلهي، أو أنها أوائل أسماء الله الحسنة، أو أنها أوائل أسماء رسول الله، أو أن الله أعلم بها، هي بعض اتجاهات المفسرين في تفسيريها.
 سؤال: ما حكم من سلم على فتاة هي رفيقته في المدرسة أو الجامعة وإن لم تفعل قالوا لك أنت معقد ؟
 الجواب: ليش الله عز وجل، يعني بصراحة لماذا أثبت الله في القرآن الكريم الذي يتلى إلى يوم القيامة ما قاله الكفار برسول الله، قال عنه مجنون، بلاها ما كان الله ثبتها بالقرآن الكريم، أقرها كل يوم:

 

﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾

 

( سورة القلم الآية: 2 )

 لماذا اثبت الله التهم التي اتهم به كفار قريش رسول الله لتكون بعض هذه التهم إذا وجهت إلى إنسان مؤمن ليجبر قلبه فله برسول الله أسوة حسنة، فإذا قالوا عنه إنه معقد، وهو عند الله مقرب إذا قال عنه إنه محدود وهو عند الله مكرم، أنعم وأكرم بما عند الله ولا تعبأ بما يقولون دققوا في هذه الآية:

 

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾

 

( سورة هود الآية:28 )

إخفاء الصور