وضع داكن
18-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 16 - مصاحبة الأخيار سبب في التنوبة النصوح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ زياد :
  الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 أيها الأخوة المستمعون ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم في مستهل حلقة جديدة من برنامج : "منهج التائبين" ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا ، أهلاً ومرحباً بكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ زياد :
 فضيلة الشيخ ، كما تحدثنا عن صلاح البيئة كعامل مساعد على التوبة ، وعلى الثبات عليها ، وأن تكون توبةً نصوحًا وصادقة ، ماذا عن مصاحبة الأخيار ؟

أحد أكبر أسباب التوبة أن تكون مع الصالحين :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 كمنطلق لهذا الموضوع ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ :

(( لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ‍! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً ، وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))

[ مسلم عن حنظلة الأسيدي]

 هذه حقيقة ، ذلك أن النفس تتأثر بما حولها ، عش مع التجار تتمنَّ أن تكون تاجراً ، عش مع مدرسي الجامعات تتمنَّ أن تكون مثلهم ، عش - لا سمح الله ولا قدر - مع فاسق ، إذا أدمنت العلاقة معه قد تشتهي أن تكون مثله ، هنا مشكلة الإنسان ، البيئة خطيرة جداً ، لذلك كأن الله يقول :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 ثم يبين طريقة التقوى :

﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 فما لم تُحِط نفسك بالمؤمنين الصادقين ، بالمستقيمين بالأتقياء فلن تستطيع أن تطيع الله عز وجل ، لذلك تعد صحبة الأخيار في حدّ ذاتها عملاً صالحاً ، وهذا يؤكده قول الله عز وجل بعيداً عن أسباب نزول هذه الآية لو أخذنا نصها :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 أنا لا أبالغ أن أحد أكبر أسباب التوبة أن تكون مع الصالحين ، تتمنى أن تكون مثلهم، تتمنى طهرهم ، تتمنى عفافهم ، تتمنى استقامتهم ، تتمنى أن تكون محباً لله مثلهم ، تتمنى أن تكون عارفاً لله مثلهم ، فلذلك صحبة الأخيار في حد ذاتها عمل صالح ، وإذا قرأت القرآن تجد شيئاً لا يكاد يصدق :

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[ سورة المائدة : 51]

﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾

[ سورة آل عمران : 28 ]

 كأنك تنسلخ من كل الإيمان لو أنك صحبت الأراذل ، واستمرأت العلاقة معهم ، وألفت مجالسهم ، فلذلك أنا لا أقبل من مؤمن أن تكون مجاملته للناس على حساب دينه ، أنا مؤمن بطريقة اسمها طريقة شد الحبل ، إذا كنت مع قوم ، وبإمكانك أن تشدهم إلى الحق وإليك فاجلس معهم ، أما إذا أمكنهم أن يشدوك إلى باطلهم فابتعد عنهم ، وهذا المثل هو ضابط دقيق في العلاقة بالناس .
 أحد الأئمة الكبار عقد باباً في أشهر كتبه ، وهو إحياء علوم الدين ، عقد باباً في الموازنة بين الاختلاط والعزلة ، فتبين أنه إذا كنت في قوم ، وبإمكانك أن تؤثر فيهم ، وأن تأخذهم إلى الحق فكن معهم ، أما إذا كان بإمكانهم أن يأخذوك إلى الباطل ففر بدينك ، هذا هو الضابط ، ولكن أن يكون على يقين من نفسه وثقة بأنه إذا كان معهم سيسوقهم إلى درب الخير والصلاح ، لو لم يكن على يقين ، وفي أول لقاء جروه إلى باطلهم يجب ألا يعود إليهم مرةً ثانية، إذا ما كان على يقين ، هناك مؤشرات ، أشياء تدل على أنه ضعيف فانساق إليهم ، لو شاركهم في لعب النرد فهو كما قال عليه الصلاة والسلام عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ))

[ أبو داود عن بريدة ]

 فلمجرد أن تلعب معهم النرد ، وأن تستمع إلى الغيبة والنميمة منهم ، وأن تشاهد ما لا يرضي الله عز وجل على الشاشة الصغيرة في حضرتهم فقد انسقت إليهم ، واقتنصوك ، وأخذوك إلى جادتهم .
 إذاً عليه أن يختار من الصحبة الأخيار ليساعد ذلك على ثبات توبته ، وعلى توبته من الأصل ، فإذا صاحب الأشرار ساقوه إلى درب الشر ، والعياذ بالله .

الولاء و البراء :

 هناك أحاديث واضحة وضوح الشمس في هذا الموضوع ، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ :

(( كَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ لَا صَلَاةٍ : وَلَا صِيَامٍ : إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، قَالَ أَنَسٌ : فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ مَا فَرِحُوا بِهِ ))

[ الترمذي عن أنس ]

 لمجرد أن تحب الله ورسوله ، وأن توالي المؤمنين ، وأن تعادي الكافرين ، لمجرد أن يكون ولاؤك للمؤمنين ، ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، وأن يكون تبرؤك من المنحرفين ، ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، هذا بحد ذاته عمل عظيم .
 لذلك في الإسلام شيء خطير جداً اسمه : الولاء والبراء ، كأن النبي عليه الصلاة والسلام يبين هذا في بعض الأحاديث الصحيحة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

[ الترمذي عن أنس ]

 فأنا حينما أوالي المؤمنين ، وأكون معهم ، وأحبهم ، وأدافع عنهم ، فأنا أعيش معهم ، الشيء الثابت أن البيئة تشد الإنسان إليها ، ولا أجد إنساناً مستقيماً محصناً من المعصية إلا بفضل بيئة تحيطه ، هذا مع اعتقادي أن عظماء الناس يؤثرون في البيئة ، وأوسطهم لا يتأثرون بها ، لكن عامة الناس يتأثرون بها ، أنت بين أن تتأثر بها ، وهذا شأن دهماء الناس وسوقتهم ، وألا تتأثر بها ، وهذا شأن من كان على شيء من الإيمان ، ولكن البطولة ما فعل الأنبياء والمرسلون ، تركوا بصمات واضحة في البيئة ، أنت بين أن تؤثر ، وبين ألا تتأثر ، وبين أن تنساق وراء البيئة ، فهذه الصرعات التي تأتينا من الغرب من يتأثر بها ؟ دهماء الناس وسوقتهم ، أما الذين لهم مبادئ كبيرة ، والذين لهم رؤى صحيحة فلا يتأثرون ، أما الدعاة الكبار فيؤثرون ، وقد تجد داعيةً ترك أثراً كبيراً في الحياة ، علاقة الإنسان مع البيئة علاقة دقيقة جداً .
الأستاذ زياد :
 هل تنصحون بأن يتخذ كل إنسان شيخاً له أو رفيقاً من الدعاة لكي يكون محصناً بالعلم والتقوى ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 والله أنا أنصح أن تصاحب الصالحين سواء أكانوا شيوخاً ، أو كانوا مؤمنين صادقين، العبرة أن يكون الذي تصاحبه أعلى منك علماً ، وخلقاً ، وصلةً بالله عز وجل ، قال بعض علماء القلوب : " لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ، و لا يدلك على الله مقاله " ، أي لا تصاحب إلا من تنتفع بصحبته ، الإنسان لا ينبغي أن يهدر مستواه إلى مستوى لا يليق به ، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، أنا أتمنى أن أصحاب الحرف أحياناً لهم أصدقاء من حرفتهم، ومن مهنهم يجلسون ، ويتكلمون في هموم الحرفة ، وكأن سمرهم امتداد لعملهم ، هؤلاء لا يرتقون، أنا أنصح أصحاب الحرف الأطباء مثلاً ، والمهندسين ، والمحامين ، والمدرسين ، والتجار أن يخالطوا المؤمنين ، أن يرتادوا المساجد ، يجب أن ينتقلوا من جوّهم من جو التجارة ، من جو الطب ، من جو المحاماة ، إلى أجواء دينية ، لاشك أن كل واحد من الأخوة المستمعين حينما يحضر درس علم في المسجد يشعر براحة كبيرة ، ما هي هذه الراحة ؟ هذه الراحة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حينما ذكر عن ربه عز وجل :

(( إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر))

[ ورد في الأثر]

 أنت حينما تصحب الصالحين ينعقد عندك عزم أكيد على أن تنهج نهجهم ، وأن تمشي في طريقتهم ، وأن تقلدهم ، إذاً هي خطوة نحو التوبة .
 ما الذي يغريك بالصالحين ؟ أن تصحبهم ، لو أن شاباً صحب الأراذل من الناس لا يخطر في باله ولا لدقيقة في السنة أن يتوب إلى الله أبداً ، كلما صحب الإنسان من مستوى دون مستواه لا يفكر أن يرتقي بمستواه ، أما حينما تخالط من هو أرقى منك علماً ، من هو أعلى منك قدراً عند الله ، من هو أقرب إلى الله منك ، تشتهي سمته الحسن ، تشتهي علمه ، تشتهي تواضعه ، تشتهي حكمته ، تشتهي ما ينطوي عليه من علم غزير ، أنت لا يمكن أن تندفع إلى شيء إلا إذا أغراك هذا الشيء ، من هنا تأتي صحبة الصالحين كباب من باب التوبة ، أنت إن لم تصاحب الصالحين فلا تفكر أن تتوب لرب العالمين .

صحبة الأخيار هي سبب منهج التوبة والاستقامة :

 إذاً صحبة الأخيار هي سبب هذا المنهج ، منهج التوبة والاستقامة ، العكس لو فترت هذه الصحبة ، وقلّت في تكرارها ، وفي المكوث مع الصالحين ، وارتياد المساجد ، وحضور مجالس العلم .
 لا أدري لمَ خطرت لي هذه الفكرة ؟ كنت أقولها قديماً ، إما أن تكون عبداً لله ، وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم ، لابد من العبودية ، فإن لم تكن لله فأنت عبد لعبيده اللؤماء ، الآن لابد من صحبة ، الإنسان في أصل تكوينه اجتماعي هو إنسان ، لأنه مفتقر إلى من يجلس معه ، لذلك لو أننا أفردنا إنساناً في مكان ، حجزناه عن الصوت ، وعن الضوء ، وعن الوقت ، وعن الأخبار عشرين يوماً يختل توازنه العقلي ، فالإنسان أصله اجتماعي شئت أم أبيت ، فقياساً عن المقولة الأولى : إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم ، وإن لم تكن تصحب الصالحين فأنت حتماً تصحب غير الصالحين ، لا يوجد حالة ثالثة ، إما أن تصحب الصالحين ، وإما أن تصحب غير الصالحين ، الفرق صارخ ، لا أقول الفرق واضح بل إنه صارخ ، أنت إن صحبت الصالحين أغروك بالطاعة ، أغروك بالقرب من الله ، أغروك بطلب العلم ، أغروك بطلب الآخرة، أما إن صحبت غير الصالحين تتمنى معاصيهم ، تستمرئها ، تراها هينةً ، هذا لاحظته واضحاً جداً حينما سافرت إلى أمريكا ، تجد هذا الذي أقام بينهم ردحاً من الزمن ألِف أخلاقهم ، وألِف تفلتهم ، وألِف استهانته بمعصية الله تعالى ، كلمة واضحة جداً ، الصاحب ساحب ، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، البديل خطير جداً ، أنا حينما لا أصحب الصالحين ، وأصحب المنحرفين ، مع مداومة صحبتي لهم أشتهي ما هم فيه ، أو في الحد الأدنى لا أكبر معاصيهم ، لا أستعظمها ، أراها هينة ، والإنسان حينما يألف قوماً يتخلق بأخلاقهم ، ويتعلق بمبادئهم ، إن صح التعبير ، هم ليس لهم مبادئ ، بتفكيرهم أو بفلسفتهم للحياة ، فلذلك أنا لا أظن أن شاباً يمكن أن يلتزم منهج الله عز وجل ، أو أن يكون قريباً من الله إلا بصحبة شباب مؤمن مثله ، أما إذا أراد أن تزل قدمه ، والشيء الذي أحب أن أؤكده أن طريق القمة وعر جداً ، وصعب جداً ، ولكن طريق الانزلاق منها سهل جداً ، ما يبنيه إنسان بصحبة الصالحين في شهر يهدمه صديق سوء في يوم، ما يبنيه إنسان من خلال صحبة الصالحين في شهر يهدمه من صحبة الطالحين في يوم ، فالعمل التخريبي سهل جداً .
 إذاً عليه المثابرة كي لا تفتر عزيمته ، ولا تفتر ثقته بنفسه ، وهذه العلاقة تبقى مع رب العالمين .
 بشكل واقعي ، هذا الهاتف الخلوي إن لم تشحنه لا ينطق ، وهذا المؤمن إن لم تشحنه بصحبة الصالحين ينتهي إيمانه .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ زياد :
 أشكركم جزيل الشكر فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، أشكر المستمعين على حسن إصغائهم ، وحسن متابعتهم لبرنامجنا هذا منهج التائبين ، غداً نتابع بإذن الله الحديث عن التوبة ومسبباتها وموجباتها ، أشكركم .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور