وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : سورة الشرح - تفسير الآيآت 1 - 8 حمل الدعوة وعبء الهدى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إذا تأمل الإنسان ما في الكون من آيات أورثه تأمله خشيةً في قلبه تدفعه إلى طاعة الله:

 أيها الأخوة الكرام، سورة اليوم هي سورة الشرح أو الانشراح، ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ*وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ*فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾

 قبل شرح هذه الآية الأولى لا بد من مقدمة، إذا الإنسان فكر في آيات الله الكونية ملياً، واستنبط منها أن لهذا الكون إلهاً عليماً، رحيماً، عادلاً، قوياً، غنياً، إذا فكر في آيات الله، واستنبط هذه الحقائق توَّلد في قلبه خشية تدفعه إلى طاعة الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[ سورة فاطر: 28 ]

 إذا تأملت ما في الكون من آيات أورثك تأملك خشيةً في قلبك تدفعك إلى طاعة الله عز وجل، فإذا أطعت الله عز وجل ماذا يحصل؟ يحصل في النفس ثقة بأن الله راض عنا، بهذه الثقة تقبل النفس على ربها، فإذا أقبلـت على ربها اشتقَّت من كماله، عندئذ تصطبغ النفس بالكمال الإلهي.

كلما ارتقى الإنسان في سلم الكمال اتسعت دائرة اهتمامه :

 كلما ارتقت النفس في سلَّم الكمال اتسع اهتمامها بالآخرين، فلو أن الإنسان صعد إلى قمة جبل قاسيون ماذا يرى؟ يرى مدينة دمشق منبسطة، يرى المزة والميدان، لأنه ارتفع، فإذا ركب طائرة قد يرى مسافة تزيد عن مئة كيلو متر، فإذا صار على ارتفاع أربعين ألف قدم رأى ما هو أوسع. ورواد الفضاء رأوا الأرض والقارات والبحار وبقية الكواكب، فكلما ارتقى الإنسان في سلم الكمال اتسعت دائرة اهتمامه.
 الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه اهتموا بالبشر، والمؤمنون قد يهتم بعضهم ببعض، فكلما ضعف إيمان المرء تقلصت دائرة اهتمامه، وغير المؤمن لا تعنيه إلا ذاته؟ فهذا سؤال دقيق، انظر إلى نفسك ما الذي يعنيك، إن كان لك أخ مؤمن لا يجد مأوى هل تهتم له؟ هل تتمنى أن تقدم له كل ما تملك من أجل أن تيسر له عمله؟
 النبي عليه الصلاة والسلام لشدة إقباله على الله اشتقَّ من الله كمالاً يعد قمة الكمال البشري، واللهُ سبحانه وتعالى ألقى في قلب الأمهات رحمة، والذي في قلب جميع الأمهات من الرحمة لا يعدل جزءاً يسيراً من رحمة الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾

[سورة آل عمران: 159]

 هذه الرحمة التي في قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام مشتقة من رحمة الله، قال تعالى:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

[سورة الكهف: 58]

أرحم الخلق بالخلق هو النبي عليه الصلاة والسلام فهو أرحم بنا من أنفسنا :

 أنت يا محمد فبما رحمة من الله لنت لهم، الشيء الثابت أن أرحم الخلق بالخلق هو النبي عليه الصلاة والسلام، هو أرحم بنا من أنفسنا قال تعالى:

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة التوبة: 128 ]

 قال له سيدنا أبو ذر الغفاري لسيدنا عمر رضي الله عنهم: إنّ الناس يشكون شدتك، فبكى، وقال: واللهِ يا أبا ذر لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن الأمر لا يناسبه إلا كما ترى، حينما فكر النبي عليه الصلاة والسلام وهو في غار حراء بربه من خلال آيات الكون، ومن خلال الشمس والقمر، والليل والنهار، والحيوان والنبات، وخلق الإنسان، حينما فكر بآيات ربه تولد في نفسه خشية عظيمة، هذه الخشية حملته على طاعة الله عز وجل. طاعة الله عز وجل ولّدت في نفسه ثقةً جعلته يقبل على الله عز وجل، وهذا الإقبال العالي اشتق الكمال المتناهي، لذلك أكمل البشر هو المصطفى عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

 لكماله العالي الذي اشتقه من كمال الله عز وجل تألم على الخلق، وقد رآهم في ضياع، وفي بعد عن الله، وفي جهالة عمياء، وفي ضلال مبين، رأى قويهم يأكل ضعيفهم، ورآهم يقترفون الأثام، ويأتون الفواحش، يقطعون الرحم، ويسيئون الجوار، ويخونون الأمانة، رآهم في هلاك وفي ضياع، إنّ هذه الرؤية وهذا الكمال الذي انطوى عليه قلبه الشريف بسبب إقباله على الله، وبسبب استقامته، بسبب خشيته، بسبب تفكره بآيات الله جعله يفعم قلبه بالهم والحزن.

هداية البشر وتعريفهم بربهم كان من خلال النبي محمد عليه الصلاة والسلام :

 النبي عليه الصلاة والسلام بدأ يقلق، كيف السبيل إلى هداية البشر؟ كيف السبيل إلى إنقاذهم مما هم فيه؟ كيف السبيل إلى تعريفهم بربهم وهم غافلون؟ كيف السبيل إلى إنقاذهم؟ ما الطريق إلى هدايتهم؟ ماذا أعمل؟ ماذا أقول؟ كيف أهديهم؟ إلى أن نزل عليه الوحي، حينها عرف أنه مكلف بهدايتهم، وأن الله سبحانه وتعالى ناصره، وأن الله سبحانه وتعالى قد جعله هادياً لهذه الأمة، وكما قلت لكم في درس سابق: امتلأ قلبه فرحاً حينما رأى أول الطريق، لم يحدث شيء حينما اقترب أجله، وتوعكت صحته، ونظر إلى أصحابه نظرة وهم في الصلاة، ابتسم حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: حكماء علماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، هذا نهاية الطريق.
 أما حينما جاءه الوحي كان هذا بداية الطريق، انشق الطريق، وأضاء بصيص الأمل، وعرف مهمته، وعرف الطريق إلى الله والطريق إلى هداية الخلق، فحينما انقطع الوحي، وظن أن ربه قد قلاه، وأنه قد ودّعه، وتركه، وشمت به الأعداء، نزل قوله تعالى:

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى*وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الْأُولَى*وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾

[سورة الضحى: 1ـ5]

 قال بعض المفسرين: هذه الآية:

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

[سورة الضحى: 5]

 أرجى آية في كتاب الله:

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى*وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الْأُولَى*وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾

[سورة الضحى: 1ـ5]

سبب ضيق النبي عليه الصلاة والسلام :

 الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 حصل انشراح الصدر، من له مصلحة أو صنعة أحياناً يصبح الطريق أمامه مسدوداً، وتضيق نفسه ويغتم، ويشعر بالضجر، فإذا انفتح له طريق الحل شعرَ بالراحة، هذا مثل بسيط، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرشده الله إلى أول الطريق شرح صدره، أما كلمة:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 شرح الصدر فيه معنىً عكسي، معنى ذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام متضايقاً، فما الذي كان يضايقه؟ الآن جاء دور الموازنة، قل لي: ما الذي يضايقك؟ أقل لك: من أنت؟ قد يأسف الإنسان على الدنيا فله صغار عند الله، قد يأسف الإنسان على مال فاته، أو على امرأة فاته الزواج منها، أو على بيت سُبِق إليه، أو على وظيفة لم تتح له، أو على شيء من حطام الدنيا، فإنْ كان الألم والحزن والأسف على الدنيا فهذا شأن معظم البشر، مع أن سيدنا الصديق رضي الله عنه مما أثر عنه أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط.
 ما دام النبي عليه الصلاة والسلام قد شرح الله صدره فما الذي كان يضايقه؟ وما الذي كان يؤلمه؟ وما الذي كان يحزنه؟ كان يحزنه ضلال البشر، وكان يحزنه ضياعهم وانحرافهم، كان يرى نهايتهم أنهم هالكون، كان يرى شقاءهم الذي ينتظرهم، فهذا الذي كان يحزنه، فأين أنت يا أخي من هذه المشاعر؟!!

النبي عليه الصلاة والسلام كانت نظرته إنسانية :

 نيرون قال: من بعدي الطوفان، وهناك أشخاص كثيرون إذا تحققت لأحدهم مصالحه يقول كما قال نيرون: مِن بعدي الطوفان.
 فما دام دخله وفيراً، وبيته متسعاً، وحاجاته متوافرة فالناس لا شأن لهم عنده، هذه صفات أهل الدنيا، وصفات المعرضين عن الله عز وجل، لكن المؤمن يعنيه أخاه المؤمن، فكلما ارتقى إيمانه اتسعت دائرة اهتمامه، إنّ عامة الناس يعنيهم أبناؤهم فحسب، فإن كانوا أكرم من ذلك فيعنيهم أخوتهم الذكور والإناث، وإن كانوا أكرم من ذلك فقد يعنيهم قرابة ثالثة، وإن كانوا أكرم من ذلك فيعنيهم أبناء حيهم، وقد تعنيهم أبناء مدينتهم، وقد يعنيهم وطنهم، وقد تعنيهم أمتهم. لكن قمة ذلك أن تعنيهم الإنسانية جمعاء، لذلك هناك دول متقدمة تحقق لشعبها مستوىً معاشياً جيداً، ولكن على حساب شعوب أخرى، وهذه نظرة ليست إنسانية لأنهم يسببون آلاماً لا نهاية لها لبعض الشعوب، ويحققون لأفرادهم مستوىً معاشياً رفيعاً، وهذه نظرة قاصرة، ونظرة لا تليق بالإنسان، والنبي عليه الصلاة والسلام كانت نظرته إنسانية، قال تعالى:

﴿ طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾

[ سورة طه: 1-2]

 كان النبي عليه الصلاة والسلام متواصل الأحزان، كان الحزن يغلب عليه، لماذا؟ كيف تريد من أمٍّ أن تضحك ولها ابن معذب، ولها ابن مسافر، ولها ابن ذو عاهة، كيف تريدها أن تكون مسرورة؟ معظم الأمهات إذا كان أبناؤها مقدمين على امتحانٍ قريب تراهنّ مهمومات أكثر منهم، وذلك لِما في قلب الأم من الرحمة والحنان والعطف؟ وفي قلب النبي عليه الصلاة والسلام من الرحمة ما لا يصفه الواصفون لذلك حينما شرح الله عز وجل صدره للإسلام، وبيَّن له طريق الهداية أصابه سرور بالغ، فقال له تعالى مسليّاً إياه وممتناً عليه:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 كنت في ضيق فمنّ الله عليك وشرح صدرك.

لا يعرف الإنسان انشراح الصدر إلا إذا كان مغتماً :

 الإنسان أحياناً يقول له الطبيب: الحمل عند الزوجة غير طبيعي، وقد تكون الولادة عسرة، وفي الصور المبدئية هناك تشوه في الجنين، منذ أن قال الطبيب هذه الكلمة الهم بدأ يأكل قلب هذا الزوج، كيف سيكون هذا المولود؟ أيكون مشوهاً؟ أيكون مشلولاً؟ يفقد بعض حواسه؟ فإذا وضعت الزوجة المولود سليماً يشعر أن كابوساً أزيح عن صدره، ويشعر أن جبلاً كان جاثماً على صدره وأزيح، هذه أمثلة مبسطة.
 النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى الناس في ضلال، وفي ضياع، وفي شقاء، وفي هلاك ضاق صدره واغتم، وضاقت عليه الأرض، فلما نزل قوله تعالى مسلياً إياه، وممتناً عليه، ومبيناً له طريق الهدى، قال ربنا عز وجل:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 هذه الهمزة للاستفهام الإنكاري، ولم حرف نفي، ونفي النفي إثبات، لذلك:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 معناها لقد شرحنا لك صدرك، ألست بربكم؟ قالوا: بلى، معناها أنت ربنا، نفي النفي إثبات:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 ما معنى الشرح؟ قال بعض المفسرين: الشرح هو التوسعة والانبساط، وضده الضيق والقبض، ولا يعرف الإنسان انشراح الصدر إلا إذا كان مغتماً، وقالوا: وبضدها تتميز الأشياء.

 

معان متعددة لكلمة (شرح الصدر) :

 

 ربنا سبحانه وتعالى لحكمة بالغة يقلب العبد بين الغم والفرح، وبين الهم والانشراح، ولا يعرف الانشراح إلا من أصيب بالهم، ولا يعرف الفرح إلا من أصيب بالحزن، والنبي عليه الصلاة والسلام أصابه الحزن، وأصابه هم وغم، وأصابه انقباض، ثم شرح الله صدره بالإسلام.

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 وبعضهم قال: شرح الصدر انشراحه وتوسعته بالعلم والمعرفة، وبعضهم قال: شرح الصدر اتساعه بمكارم الأخلاق، وبعضهم قال: شرح الصدر توسعته بأعباء النبوة، وتلقي المعارضين، وبعضهم قال: شرح الصدر لمهام الدعوة التي كلفه الله بها، لذلك بعض العلماء قال:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 هذا إكرام، أي شرحنا لك أنت صدرك إكراماً لك وتقديراً لهمومك الشديدة، عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول اللّه أينشرح الصدر؟ قال: نعم وينفسح، قالوا: يا رسول اللّه، وهل لذلك علامة؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت، لذلك قال بعضهم: زيارة القبور تشرح الصدور، لماذا؟ لأنها تذيب حب الدنيا من النفس، فإن كان للمرء عمل طيب واستقامة طيبة وزار القبور رأى مكانه في الآخرة، ورأى هذه الحياة الأبدية، ورأى خلاصه من هذه المتاعب الأرضية، لذلك:

(( عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ]

 مستريح من أعبائها، لأنك في دار تكليف، والآخرة دار تشريف، وأنت في دار عمل، والآخرة دار جزاء.

الحمل النفسي أشد ثقلاً من الحمل المادي :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 هذا الغم والهم والضيق والحزن، هذا الذي أتعبك يا محمد والذي أقلقك لقد زال عنك، لقد بان لك الطريق فقم واصدع بما تؤمر.

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾

 الوزر هو الحمل، فأيُّ حمل هذا؟ إنه الحمل المعنوي، أحياناً قد يمرض الابن مرضاً شديداً، وقد يسمع الأب كلمات يائسة للأم فتراها تشعر أن في قلبها حملاً لا تقوى على حمله، وأحياناً قد يجلس الإنسان ويقول: ليس لي أرجل أقف عليها، ماذا على كاهله؟ لا شيء.
 إنّ الحمل النفسي أشد ثقلاً من الحمل المادي، فقد يحمل الإنسان ثلاثمئة كيلوغرام ويرفعها على ظهره، ويسير بها، ولكن قد تسمع خبراً مؤلماً يجعل الإنسان يقعد ولا تقوى رجلاه على حمله، وقد يبرك:

﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾

 إنّ أحمال الدنيا ثقيلة، فكيف بهذه الأحمال المقدسة، ولو أن قائداً في معركة رأى العدو قد أحاط به من كل جانب، وأن الأمل في النجاة صار قليلاً، وأن المصير مؤلم، وأنه لا مفر من الاستسلام، فماذا يشعر؟ يكاد قلبه ينفطر، هذا هو حمل القلب، ولو أن طياراً عرف أن هناك خطراً كبيراً في الأجهزة، وأن هذا الخلل سوف يتفاقم، وأنه لن ينجو هو وركاب الطائرة، فبماذا يشعر ربان الطائرة؟ ولو أن ربان باخرة شعر أن العواصف تجتاح باخرته، وأنها صدَّعت شقها الأيمن وأن الماء يتسرب إليها بماذا يشعر؟ هذه أحمال النفس، وقد لا يقوى الإنسان على حملها، لذلك ربنا عز وجل جعل حمل الدعوة وزراً ثقيلاً، قد ينوء به المرء، ولكن الله سبحانه وتعالى أمد النبي عليه الصلاة والسلام بطاقة لتحمل هذا العبء.

إحاطة النبي بأصحاب مخلصين في مستوى دعوته و هذا من إكرام الله له :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾

 أزحناه عنك عندما ظهر لك الطريق، عندما رسمنا لك الهدف أعنَّاك على هداية القوم، فلانت قلوب بعض الناس إليك، وسارعوا إلى الإيمان بك، وصدقوك، حينما أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام، وعاد من الإسراء والمعراج، وبدأ يحدث بما رأى ارتد كثير من الناس على أثر هذه الأخبار، فلما جاء بعضهم إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وقالوا له: يزعم صاحبك أنه أسري به إلى القدس، وعرج به منه إلى السماء!! فقال: هو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: إن كان قال ذلك فقد صدق، لقد صدَّقناه على خبر السماء، أفلا نصدقه على خبر الأرض. ومن إكرام الله بالنبي عليه الصلاة والسلام أنه أحاطه بأصحاب مخلصين في مستوى دعوته، فعرفوا قدره، وعرفوا قيمته، وعرفوا سموه، وعرفوا هدفه النبيل، فآثروه على أنفسهم، وفدوه بأموالهم وأبنائهم، وقدموا له كل شيء، لقد قدّم له سيدنا الصديق ماله كله، فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لنفسك؟ قال: الله ورسوله، كان أحدهم يدافع عنه ويقول: صدري دون صدرك، ونحري دون نحرك، فما هذه التضحية والفداء؟ ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

 يا أخي الكريم اطمئن لكل آية في كتاب الله، وإن كان في ظاهرها توجيه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فإنّ لك منها نصيباً، ولا يمكن لمؤمن على وجه الأرض إلا أن يكون له من هذه الآية نصيب، وبقدر إيمانه على قدر مكانته، وعلى قدر كرامته، ومهما ضاقت بك الدنيا فلا بد أن يشرح الله لك صدرك، ومهما احلولكت دونك الخطوب فلا بد أن يشرح الله لك صدرك، ومهما ضاق بك الأمر فلا بد أن يشرح الله صدرك.

((قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرَ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا شَاءَ أَقَامَ وَمَا شَاءَ أَزَاغَ ))

[ أحمد عن شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ]

حمل الدعوة وعبء الهدى ونقل الرسالة خطير وثقيل :

 لا تعرف الانشراح إلا بعد الضيق، ولا تعرف الشبع إلا بعد الجوع، ولا تعرف الري إلا بعد العطش.

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾

 فإذا وضعت على الناقة حملاً ثقيلاً، ودعوتها للمسير سمعتَ صوت أضلاعها وكأنها تنوء بهذا الحمل، فحمل الدعوة وعبء الهدى ونقل الرسالة خطير وثقيل، إنسان وحيد جاءته الرسالة، ومضى على تبليغها للناس ربع قرن، فإذا بالهدى قد عم الأرض، ولما قبض النبي عليه الصلاة والسلام كان مبتسماً، رأى أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد.
 لذلك عندما يقف الإنسان أمام مقام النبي عليه الصلاة والسلام الشريف يجب أن يقول: السلام عليك يا سيدي يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدتِ في الله حق الجهاد.
 ألك من هذا نصيب؟ ألك رسالة أيها الأخ الكريم؟ أم الطعام والشراب وتأمين الحاجات، هذه كلها هموم الناس، ألك رسالة في الحياة؟ أتشعر أنك خلقت لهدف نبيل؟ أتشعر أن الله سبحانه وتعالى جاء بك إلى الدنيا لتتعرف إليه أولاً، وتُعرِّف به ثانياً، وتعمل الصالحات ثالثاً، أتشعر بهذه الرسالة؟ إن كنت كذلك فلا بد أن يشرح الله صدرك.
 إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ودنيها، وما استرذل اللهُ عبداً إلا حظر عليه العلم والأدب، ومعنى استرذله أي رآه سخيفاً، ورآه شهوانياً، ورآه متعلقاً بالدنيا، حيث جعلها أكبر همه ومبلغ علمه، ورآه أرضياً لا سماوياً، وإذا فاته من الدنيا شيء ندب حظه وأخذ في البكاء.
 قال بعض الفقهاء: من بكى في الصلاة على شيء فاته من الدنيا فإن صلاته فاسدة، فلا ينبغي أن تبكي على الدنيا إن أقبلت أو أدبرت.

 

النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذاته وفني في محبة ربه فرفع اللهُ تعالى ذكرَه :

 

 إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لن يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* ﴾

 قال بعض الشعراء:

بصرتَ بالراحة الكبرى فلم  تَرَهَا تُنال إلاّ على جسرٍ من التَّعب
* * *

 نظر إلى حياته الماضية، وكيف كانت مشحونة بالمتاعب والهموم، الهموم الشريفة المقدسة، وكيف كان قلقاً على نفسه، وكيف كان يخاف عدم الإخلاص، وكيف كان يخدم الناس، ويبلغ رسالة الله عز وجل، فهذه النظرة تسعده إلى أبد الآبدين.

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

(( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذاته، وفني في محبة ربه فما الذي حصل؟ لقد رفع اللهُ سبحانه وتعالى ذكرَه.

حيثما ذُكِر الله عز وجل ذُكر معه النبي صلى الله عليه وسلم :

 أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، في الشهادة، وفي الأذان، وفي الإقامة، وفي الصلاة، وفي القرآن:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنفال: 1]

 حيثما ذُكِر الله عز وجل ذُكر معه النبي صلى الله عليه وسلم، فهل من مقام أعلى من هذا المقام؟ ادْخُل الحجرة النبوية المطهرة فلن تشعر أن في الدنيا أحداً عظيماً إلا صاحب هذا المقام، فما هذا الشأن الرفيع؟ بعد ألف وخمسمئة عام من وفاته صلى الله عليه وسلم، إذا وصلت إلى قبره اقشعر جسمك، وتشعر أنك تريد البكاء، مع أنّكَ لم تلتقِ به، ولم تره بعينك، ولم تصاحبه، لكنك سمعت عن كماله، وعن تواضعه، وعن لطفه، وعن رأفته، حتى إنه كان يصغي الإناء للهرة، وفي الأثر: أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً.
 وروي أيضاً: أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فلم تتزوج من أجلهم.
 كان يعطف على الأرملة واليتيم، وكان يجلس جلسة العبد، وكانت المرأة الضعيفة تستوقفه في الطريق، فتكلمه فيقف معها طويلاً، ويستمع إليها، وقد رُوي أن امرأة جاءته فقالت: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا صغيرة ذات مال وأهل، فلما كبرت سني، ونثرتُ بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا، فجعل النبي يبكي.

معان متعددة للآية التالية :

 كان في قلبه رقة لذلك:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

1 ـالمعنى الأول أي قرنت اسمك مع اسمي يا محمد :

 فإنّ اسمك يا محمد اقترن مع اسمي، ومعنى رفعنا لك ذكرك أيضاً: الإنسان له ذكر، رافقْ إنساناً ساعات يحدثك في التجارة، فهذا ذكره، وإنسان يحدثك بالبيوت فهذا ذكره، والمنحط يتحدث لك عن النساء فهذا ذكره. فكلما التقيت بإنسان فله ذكر معين، في التجارة، في الصناعة، في الرحلات، في ألوان الطعام، في موضوعات كثيرة، أما النبي عليه الصلاة والسلام فترَّفع عن هذه الموضوعات، ورفع الله له ذكره، فجعل ذكره مقدساً.
 كان حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه، والذين هم عن اللغو معرضون، وكل ما سوى الله لغو.
 المعنى الأول (رفعنا لك ذكرك) أي قرنت اسمك مع اسمي يا محمد.

2 ـ المعنى الثاني جعلنا ذكرك عالياً وسامياً :

 المعنى الثاني جعلنا ذكرك عالياً، سامياً، اجلس مع الناس فبماذا يتحدثون؟

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 تلك موضوعات تبعث في النفس اليأس والحسد والغيرة والحقد والضغينة والبغضاء واليأس من رحمة الله، اجلس مع مؤمن فإنه يحدثك حديثاً آخر، فترتاح له، وتستبشر، وتطمئن، وتفرح، وقد تمضي ساعات طويلة ولا تشعر بالوقت.

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

 جعلنا ذكرك عالياً، وحديثَك مقدساً، وجعلناك تهتم بمعالي الأمور لا بسفاسفها، هذا هو المعنى الثاني.

 

3 ـ المعنى الثالث أنّ الله تولى البيانَ عنه :

 والمعنى الثالث أنّ الله تولى البيانَ عنه، قال تعالى:

﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 3-4]

 قالوا: يا رسول الله إنك تغضب فإذا كنت غاضباً أنأخذ عنك؟ فأمسك النبي عليه الصلاة والسلام بلسانه، وقال: والذي بعثني بالحق لا ينطق إلا بالحق. هذا اللسان لا ينطق إلا بالحق، في غضبه وفي سروره، وفي حزنه وفي فرحه، وفي السراء والضراء.

﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 3-4]

ما من مؤمن إلا وله من آيات الله نصيب :

 قال تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

 كما قلت لكم قبل قليل: ما من مؤمن إلا وله من آيات الله نصيب، مع أن هذه الآية في ظاهرها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنك يا أخي الكريم إذا نسيت ذاتك وأنكرتها فمن أنت؟ أنت عبد من عباد الله، تحدث عن ربك وعرِّف الناس به فلا بد أن يرفع الله ذكرك على قدر إيمانك، وعلى قدر كرامتك، وعلى قدر إخلاصك، ولك من هذه الآية نصيب. والذكر الحسن شيء نفيس في المجتمع، أن تقابل الناس وهم يثنون على أخلاقك فهذه ثروة طائلة هذه:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

 يا محمد، ويا أيها المؤمن إذا عرَّفت الناس بالله عز وجل، وكان همك تعريف الناس بي، وكان همك هدايتهم، وأنت ترضيني وأنا سوف أرضيك، رضي الله عنهم ورضوا عنه، جاء جبريل عليه السلام إلى سيدنا رسول الله قال: يا محمد أبلغ صاحبك أبا بكر أن الله راض عنه، فهل هو راض عن الله؟ فلم يحتمل الصديق هذا الكلام، وهل في الأرض شيء أثمن من أن تكون لك مع الله مودة، مع رب السماوات والأرض، وأن تكون بعينه، وبحفظه، ألا تكفيك هذه الآية:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور: 48]

منزلة النبي عليه الصلاة والسلام عند الله سبحانه :

 قال تعالى:

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾

[ سورة طه: 41]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[سورة الحج: 38]

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة: 54 ]

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

 أي الملوك تسمي أنفسها خادم الحرمين الشريفين، فهل هناك مقام كمقام الملك، تتشرف الملوك بخدمة عتبته، لا بخدمته هو صلى الله عليه وسلم، ذكره على الأفواه، ألف مليون مسلم يذكرونه ويتأثرون لذكره، لذلك:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ))

[مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]

(( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَة))

[ البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه]

 ومِن رفعِ ذكره صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى جعله باباً له فأنت باب الله يا محمد، فأيُّ إنسان أتى اللهَ مِن غيره لم يقبل، ولا يُدخل بابُ الله الوحيد إلا مِن جهته، والأنبياء جميعاً يدخلون على الله من باب المصطفى صلى الله عليه وسلم، رحلة الإسراء والمعراج صلى بهم جميعاً، وكان إمامهم ودليلهم، وكان بابهم إلى الله عز وجل.

الله سبحانه وتعالى غني عن تعذيبنا وإذا بعث لنا همّاً أو غمّاً فلمصلحتنا :

 قال تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ* فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 كان ممكناً أن يقول: فإن بعد العسر يسراً، لكنَّ ربنا سبحانه وتعالى قال:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 بحسب المنطق فإن بعد العسر يسراً، لذلك إن العسر فيه بذور اليسر، قد يكون المرء منحرفاً، ولا يعي على خير، فيأتيه مرض عضال، ويتكلم الأطباء بكلام بإلهام الله عز وجل، أنْ لا أمل، أو الأمل ضعيف جداً، فتضيق النفس، وتضجر، وتيأس، ثم تذكر أن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وأن الشفاء بيده، فتلتفت إلى الله عز وجل، فإذا التفت إليه أَذِن بالشفاء، فهذا المرض فيه بذور الشفاء، والمرض دواء النفس وشفاؤها، فالإنسان المؤمن العاقل لو أن الدنيا ضاقت به فليذكر هذه الآية:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 مع الضيق الفرج، ومع الفقر الغنى، ومع المرض الصحة، إن الله سبحانه وتعالى غني عن تعذيبنا، وإذا بعث لنا همّاً أو غمّاً فلمصلحتنا، ومن أجل أن نُقبِل عليه.

لا بد من يسر بعد العسر :

 قال تعالى:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 فكم من مرض أفضى بالإنسان إلى الهدى، وكم من مرض عضال انتهى بصاحبه إلى الصلح مع الله، والتوبة النصوح، دُعِيَ رجل منحرف إلى الصلاة فأبى، ودُعِي إلى الاستقامة فأبى، ودعاه جيرانه سنوات طويلة فلم يستجب، فأصابه مرض عضال، ثم أرشده الطبيب إلى الصلاة، فلما صلى أذن الله له بالشفاء، هذا المرض أفضى به إلى الصلاة، ويوم القيامة يرى أنه نعمة عظيمة.

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 هذه الآية عظيمة جداً، فأيُّ مصيبة على وجه الأرض نفسية أم جسمية، كمصيبة المال، أو مصيبة النفس، أو مصيبة الجسد، أو قلق، وهم، وحزن، وفقر، وخوف، وضياع فاذكر بها:

﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 العلماء قالوا: المعرفة الثانية غير الأولى، إن للصائم فرحةً، إن للصائم فرحةً، الصائم هو نفسه، لكن له فرحتان، فرحة حينما يفطر، وفرحة حينما يلقى الله عز وجل، فكلمة فرحة نكرة، له فرحتان، وهذا الصائم واحد.

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 العسر معرف بأل، وهذا تعريف الاستغراق، أي كل أنواع العسر، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ماديها ومعنويها، تشمل كل أنواع العسر، التعريف تعريف استغراق، تقول: الحديد في الأرض، وتعني كل أنواع الحديد، فإن مع العسر، قال: يسراً، بتنكير التعظيم، يسراً كبيراً، وصفه بأنه كبير، وبأنه سريع، وبأنه كريم:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

العسر الذي أصاب الإنسان في الدنيا له نتيجتان :

 قال عليه الصلاة والسلام:

((لن يغلب عسر يسرين))

[الطبراني عن جابر]

 فإما أن تكون الثانية تأكيد للأولى:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 وإما أن يكون اليسر الثاني غير الأول، لذلك بعض العلماء قال: إن مع العسر في الدنيا يسراً في الدنيا، وإن مع العسر في الدنيا يسراً في الآخرة، إن هذا العسر الذي أصاب الإنسان في الدنيا له نتيجتان، يسر في الدنيا، ويسر في الآخرة، وسعادة في الدنيا، وسعادة في الآخرة، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

ما من عبد مؤمن أصابه همّ وقرأ هذه الآية إلا شرح الله صدره:

 سيدنا عمر يقول: مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة إلا وجعل الله بعده فرجاً.

كن عن همومك معرضا  وكِل الأمور إلى القضـا
و ابشر بخير عاجــل  تنسى به ما قد مضـى
فلربَ أمر مسخـــط  لك في عواقبه رضـى
ولربما ضاق المضـيق ولربما اتسع الفضــا
الله يفعل ما يشـــاء  فلا تكوننَّ معترضــا
الله عودك الجميـــل  فقس على ما قد مضى
* * *
ولرب نازلة يضيق بها الفتى  ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
نزلت فلما استحكمت حلقاتها  فرجت وكنتُ أظنها لا تفـرجُ
* * *

 اشتدِّي أزمة تنفرجي، إن مع العسر يسراً، فما من عبد مؤمن أصابه هم أو ضيم أو حزن أو غم وقرأ هذه الآية إلا شرح الله صدره:

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

 كلمة (مع) أبلغ من كلمة (بعد)، أبلغ من إن (بعد) العسر يسراً، مع، أيْ هذا المرض معه الشفاء، وهذا الضيق معه الفرج، وهذه المصيبة معها الهدى، وهذا الخطر معه التعرف إلى الله عز وجل، لذلك يفرح الإنسان.

أوجه معاني تفسير الآية التالية أنك إذا فرغت من الدعوة إلى الله فانصب لذكر الله

 قال تعالى:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 لهذه الآية ثمانية معان، وأَوْجَه هذه المعاني: إذا فرغت من الدعوة إلى الله فانصب لذكر الله، لماذا؟ لأن هذا الذكر بمثابة الشحن لهذه البطارية، فبقدر صلتك بالله ينطلق اللسان، وبقدر ما لك عند الله من قُربي تؤثِر في الآخرين، أما الدعاة الذين ينصرفون إلى الناس وصلتهم بالله ضعيفة فلا يؤثرون فيهم، فإذا فرغت من الدعوة إليه فانصب إلى الصلاة، واتصل بي، واذكرني، وأقبِلْ عليَّ، من أجل أن تستمد الطاقة، ومن أجل أن تستمد النور، وتستمد قوة المعارضين، وتستمد الكمال الإنساني، حتى يفتن بك أصحابك:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 هذا المعنى للنبي صلى الله عليه وسلم، سيدنا سليمان أحب (حب الخير) عن ذكر ربه فعاتبه ربه، وسيدنا داود أحب ذكر الله أكثر من العمل الطيب، وجاءه ملَكان على شكل متخاصمين، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ*قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ ﴾

[سورة ص: 23ـ24]

 سيدنا داود له مع الله وجهة عالية، أراد أن يعود إليها سريعاً فأسرع في الحكم، قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، قال أنا لا أريد أن آخذها منه، بل أريد أن أرعاها له، وأريحه من رعايتها:

﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾

[سورة ص: 24]

إذا دعوت إلى الله فالتفتْ إلى الله بقلبك حتى تستمد منه القوة على توضيح المعاني :

 سيدنا داود غلب عليه أنه أميل إلى الصلة بالله أكثر من العمل الصالح، وسيدنا سليمان غلب عليه عمله الصالح على الصلة بالله، وكلاهما عوتب، أما النبي الكريم:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 فرسان في النهار، رهبان في الليل، فإذا دعوت إلى الله فالتفتْ إلى الله بقلبك حتى تستمد منه القوة على توضيح المعاني، وإذا دعوت الناس إلى الله وفرغت من هذا العمل فانصب واتصل بي حتى تستمد مني قوة الاحتمال فهناك معارضون وهناك ضغوط ومغريات.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 فإذا فرغت فانصب، وللمؤمن من هذه الآية نصيب، فإذا كان حديثك عن الله باستمرار وصلتك به ضعيفة، فهذا الكلام لا يؤثر في الناس، وبعد فترة يضعف سحر الكلام، ويضعف الأثر، ويصبح كلاماً معاداً مكرراً، ولكن إذا كانت لك صلة بالله عز وجل، وحدثت الناس فَعَلَ ذلك فِعْلَ السحر.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 هذا للنبي الكريم، ولكل مؤمن صادق، والمعنى الأقل من ذلك: إذا فرغت من الدنيا فانصب إلى ذكر الله.

 

كلما أتى شيء يهمك في الدنيا فأنجِزْه وانتهِ ثم انصب :

 الامتحان انتهى فتعال إلى المسجد، هذا المحل أسسته وانتهى هذا التأسيس فالتفت إلى الله عز وجل، الولادة انتهت، والولد سليم ومعافى قم فصلِّ، واقرأ القرآن.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾

 إنّ الحياة كلها مشاغل، والمعنى الثاني يتناسب مع عامة الناس، كلما أتى شيء يهمك في الدنيا فأنجِزْه وانتهِ ثم انصب، فإما أن تأخذه على المعنى الأول في الدعوة بين التعليم والصلة بالله عز وجل، وإما أن تأخذه على المعنى الثاني في عمل انتهى بعد ذلك اذهب إلى الله عز وجل، وانصب إليه:

﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا  فليس لي عنهم معدل و إن عدلوا
والله و إن فتتوا في حبهم كبدي  باقٍ على ودهم راضٍ بما فعلـوا
* * *
فما مقصودهم جنات عـــدن  ولا الحور الحسان و لا الخيام
سوى نظر الحبيب فذا منـاهم  و هذا مطلب القوم الكـــرام
* * *

﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

من طلب الآخرة أتته الدنيا وهي راغمة :

 أحد العارفين بالله اسمه أو لقبه المعرض عن المراد الدنيوي والأخروي:

﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

 بماذا ترغب يا أخي؟ لو شُقَّ عن صدور الناس فهذا في صدره أنْ يملك سيارة، وعندما يمتلكها يكون ملك الجنة، ولكن لم يمتلكها، وذاك في ذهنه أن يتزوج فحسب، وآخر يريد بيتاً له مواصفات محددة، وغيره يريد محلاً تجارياً في الشارع الفلاني، ويكون رائج البيع، فإذا بلغ هذا الشيء فقد انتهت كل مطالبه، قال لي شخص: فلان دخله في الشهر ثلاثون ألفاً، وقال: هذا قليل، قال له صاحبه: كيف قليل؟ فقال له: لأن في الآخرة ليس له شيء، هذا هو الشقاء حقّاً، لأن السنوات محدودة وينفد كل شيء:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

 ترغب بماذا؟ من كان راغباً في الدنيا تعِسَ وشقي، ملخص الملخص؛ مَن بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة، ولم يبلغ من الدنيا ما يريد، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة أدرك نصيبه من الدنيا، ونال من الآخرة ما يريد.
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، كلام بمنتهى الإيجاز، فاطلب الآخرة، واللهِ الذي لا إله إلا هو سوف تأتيك الدنيا وهي راغمة.
 إنّ المؤمن يسعد في الدنيا أضعاف ما يسعد الكافر، وتأتيه الدنيا وهي راغمة، اطلب الدنيا تضِعْ منك الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، والشقاء البعيد، لذلك:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

على الإنسان أن يرغب بالله عز وجل :

 ما معنى ارغب إلى الله أي أطِعْه، اقرأ القرآن وتفهَّمْه، واحضر مجلس علم، يجب أن يكون مجلس العلم أغلى عليك من أي اجتماع، ومن أي سهرة، ومن أيّة نزهة، ومن أي شيء مقدس، هذا وقت الله عز وجل.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

 هل النزهة أغلى عليك من مجلس العلم؟ فيجب على الإنسان أن يرغب بالله عز وجل، فإذا رغب بالله، قال له: اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كل شيء. إنّ الله أحب إليك من كل شيء، فلا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفِك النهار كله:

(( خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين ، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك وعِزَّتي وجلالي إن لم ترض بِما قسَمْتُهُ لك ، فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا تركضُ ركْض الوحش في البريّة ، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا أُبالي ، وكنتَ عندي مَذْموماً ))

[ورد في الأثر]

 تراه من الساعة السادسة مع الهواتف حتى الساعة الثانية عشرة ووصلت البضاعة، ورسائل، وبيع وشراء، وفجأة يأتي ملك الموت، قال تعالى:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ*

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور